نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ


المتغيرات السياسية والأجتماعية في دول الخليج ودورها في صقل الأجناس الأدبية الجديدة




الهدهد - الرياض - تعتقد الأديبة القطرية الدكتورة هدى النعيمي ان الغزو العراقي للكويت كان نقطة التحول الرئيسية في الذاكرة الخليجية وأن تأثيره في أدباء الخليج يوازي ان لم يزد على تأثير الطفرة النفطية بكل ما رافقها من تحولات فعند ذلك المفصل التاريخي تغيرت الامور وطرق التفكير وطرق الاستجابة كما قالت في ورقتها المقدمة لندوة أبهالأدباء وأديبات مجلس التعاون و الخاصة بالمتغيرات السياسية والأجتماعية ودورها في صقل لاجناس الأدبية الجديدة في المنطقة فبعد ذلك المفصل التاريخي أمتلك الاديب الخليجي والمبدعة الخليجية الجرأة لينظر بموضوعية وواقعية الى ما يجري حوله وكان قبلها يستقبل الموجات الفكرية والسياسية والادبية بسكون ودون تعمق لذا مرت الوجودية والرأسمالية والأشتراكية ولم تترك خلفها أثرا في منطقة داهمتها المتغيرات منذ منتصف القرن الماضي لكن أنسانها لم يتفاعل بايجابية وجرأة مع ما يجري حوله الا حين أحس بالخطر
وفي ما يلي النص الكامل لورقة الأديبة القطرية التي تعرضت فيها لعدة نماذج من السرد بينها قصص ونصوص للبحريني عبد القادر عقيل ومواطنه خالد الرويعي ومن الادب النسائي وقفت الورقة عند قصص للقطريتين حصة العوضي ونورة فرج


الأديبة القطرية الدكتورة هدى النعيمي تدلي بحديث صحفي أثناء أستراحة بين جلستين
الأديبة القطرية الدكتورة هدى النعيمي تدلي بحديث صحفي أثناء أستراحة بين جلستين
الأجناس الأدبية بنت شرعية لزمنها عدا عن أنها مغامرة في المجهول لمبدعيها فما يستقر ويزدهر ويلقى القبول يتحول من الهامش للمتن وما لا يقبل الحياة والاستمرار ينتهي بأنتهاء الظروف التي أوجدته لذا تصبح قراءة المتغيرات ضرورة لاغنى عنها لفهم مايطرأ على الاجناس الأدبية من اضافات وتعديلات بل وولادات لأشكال جديدة خارج النسق العاملما هو مستقر أدبيا ونقديا أو من رحمه وامتداداته .
ويلاحظ المتتبع للحركة الأدبية في الخليج أنه منذ العقود الأولى للقرن الماضي و منذ الرصد الأول لتاريخ السرد القصصي و الروائي في المنطقة أنه كانت هناك أشارات وتحليلاتعديدة لما واجهته منطقتنا من منعطفات و تيارات ذات أبعاد اقتصادية و سياسيه و اجتماعية لا تنفصل في سياقها التاريخي عن المتغيرات و الاحداث العالمية المتمثلةً في حربين عالميتن ، و ظهور نظريات و فلسفات غيرت من مجرى التاريخ كالوجودية و الشيوعية والرأسمالية ، و لم تكن المنطقة العربية – رغم تأثرها الطفيف بما حولها - بعيدة عن تلك المتغيرات وعواقبها التي أضيفت اليها حديثا الثورة في عالم التكنولوجيا و العلوم و الطب و الانفجار المعرفي الذي لم تعرف البشرية من قبل له مثيلا .

تلك المتغيرات المتسارعة تلقاها المجتمع الساكن على ضفاف خليجية و المسكون بهدوء الصحراء و رذاذ البحر ، تلقاها بحرص المتوجس من الجديد القادم وتعامل معها بمقاربة متوازنة ما بين الخوف من الوقوع في ضلالها وأباطيلها و الرغبة في حياة أكثر رخاءً و سخاء من تلك التي تفرضها قسوة البادية و لهيب شمسها و الذكريات الموروثة عن زمن فرض أساليب عيش فيها الكثير من الشظف تفرض مصارعة ظلمات الغوص وامواج البحر من أجل لؤلؤة تعلقها أميره على الضفاف الأخرى من البحرعلى صدرها .
و ما ان وهبت رمال الصحراء الخليجية ذهبها ذو الرائحة الوقودية المرغوبة عالميا ، حتى صارت الضفاف الأخرى بكل ألوانها و إعتباراتها قريبة المنال وحتى صارت ضفاف الخليج بالنسبة لمعظم أهله "آخر" يثير القلق وينغص صورة السكينة الأولى .
مع التحول الأكبر الأول في المنطقة - ظهور النفط – أسهبت الأقلام الراصدة للتحول في وصف الإنعكاسات الإجتماعية مع طفرة المال الفجائية ، مع كل ما تبعها من قضايا تنمية المجتمعات كانشاء المدن والبنى التحتية وشيوع مظاهر التمدن و التعليم و الشباب والرياضة وظهور المرأة في الساحةبسبب الفورة الاعلامية بطرق أكثر بروزا من الماضي الى آخر تلك القضايا التى فُرضت على المجتمع ليتعايش معها بشكل يومي وفي الوقت نفسه يحاول الحفاظ على القيم الدينية و الاجتماعية المقدسة التي توارثها .

ولنقل تلك الصورة الجديدة أعتمد المبدع الخليجي على أدواته من خلال سرد مباشر تقليدي يحاكي الواقع و لا يمثل المتخيل ويصارع مساحة رمادية يحاول ستر واقعيته من خلال ظلالها ، فالشخصيات الروائية التي تتراقص داخل نصه هي تلك التي تقابلها في طريقك كل يوم أو تلك التى تدري انها تسكن ذاك المنزل القريب من منزلك ، تلك الكتابات الأولى ذات الجرأة المعقولة منحت صوتاً لعدد من شرائح المجتمع اولها شريحة الشباب و هي التي خرجت للعالم و تشبعت بمعارفة الجديدة في حين لا يراها المجتمع الا امتدادا للشيخ الكبير - الأب او شيخ القبيلة – و لا بد لمعايير الشيوخ والآباء من الإستمرار و إن كره الكارهون ! و الشريحة الثانية التي انطقها السرد الخليجي الاول هي المرأه ، و التي ما تزال تحتاج الى من يحمل الأمانه فيصل بصوتها الى آفاق أبعد و أكثر رحابه .
اذن ، فظهور النفط والوفرة الاقتصادية التى صاحبتة و ما تبعها من صور كانتشار المدارس و التعليم و الاستقبال الاول للتكنولوجيا الحديثة ، تلك كانت المحك الأول للسرد في الخليج و الذي انطق الأقلام في مجال القص و المسرح و حتى الدراما الاذاعية و التلفزيونية الوليدة في حينها وذات القدرة على مخاطبة المتلقي البسيط الذي لم تتح له ظروف ما قبل الطفرة الحصول على قسط من التعليم .
اما المحطة الثانية التي غيرت من مسار الحياة في الخليج و بالتالي غيرت وجه السرد الروائي و القصصي ، فهى حرب الخليج الثانية – من وجه نظر خاصة – فهي امكان ما لا يمكن وما لم يكن في التصور المنطقي لسياق التطورات في المنطقة فتلك الحرب بمثابة حدوث ما لم يكن في الحسبان وهذا ما ساعد على الخروج الصارخ أثرها عن الفرضيات السائدة ، وقد كانت تلك الحرب ايضاً كسرا للمعايير ذات القدسية و هي رسالة الى الاوطان الصغيرة بأن دوام الحال من المحال و ان لحظة زمنية قد تلغي نُظم كامله لتُنشئ أخرى و ان التغير قد لا يحتاج الى جيل – كما مرحلة ظهور النفط - لكنة قد يُخلق في ليلة واحدة كليلة الثاني من اغسطس للعام 1991 التي يصعب على الذاكرة العربية ناهيك عن الخليجية نسيان وقوعها المدوي .

عندها تدافعت الأقلام الصحافية و المبدعة – ليس في الكويت وحدها - لتصوير حالة الرفض بصور شتي ، صريح و مباشر و حاد و ربما قاس على البعض ، اتجاه واحد للكتابة يكاد يكون شاملا لم ينج منه قلم ، عربي شرير و آخر ضحية معذبة و صراخ عبر السطور فقط للتعبير عن رفض الحالة التي صارت واقعاً ، واقعا ذا ايقاع سريع و متلاحق ، و لم تكد تمضي شهور حتى هدأت النفوس و عادت المسميات الي ما كانت علية و لكن ليس كل المسميات و ليس كل الأشياء و ليس كل السطور و ليس أنماط السرد وليس كل أجناس الكتابة .
لعدة سنوات احتفظت الاقلام بصورة العربي الشرير و الآخر الضحية لتسترسل في رواية الحكايات و الأقاصيص ، لكن ذاك المعيار لم يفُز بديمومة ، فما لبث الكاتب الخليجي حتى أبصر من جديد شيئا من نور مستجد ، متلقياً عبر ثورة الاتصالات التي راجت بذات التوقيت ، هجمات اخبارية تعلمه أن الأشرار كُثر لكن الأثواب الصديقة أكثر ، و بدأ يلمح بان الدار ما عادت هي الدار و ان الجار ما عاد هو الجار ، لكن الإرادة السياسية أكبرمن أن تقاوم أو ان تُحاكم بالقلم ، و ما تزال القيم الأجتماعية تأمره بالهدوء و الاستكانة ليبقي الحال على ما هو علية رغم وعيه و يقينه – الآن – بالأصوات التي صار من اللازم اطلاقها و بأن المنطوق و المكتوب حتى الآن لا يتجاوز نسبة ضئيله مما يجب النطق به أو كتابته .

هنا اجتمعت العوامل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في بوتقة واحد لتفرز سطور ما تعودت عين المتلقي الخليجي التقاطها و لكن اكاد اقول انها عبرت بشكل فني عن المجمل والعام دون التعرض المباشرللخاص و لما قد يقلق راحة الرقيب الصغيرالذي يستند على كرسي وراء مكتب فخيم ، او الرقيب الكبير الذي يسكن راس الحربة/القلم ليقاوم كلمه قد تحمل الأذى – أي أذي – لمن قد لا يعرف القراءة ، فالمعلوم انه و لعقود طويلة كانت مصطلحات النص الأدبي – في الخليج و المنطقة العربية كافة - مقيدةً بأشكال محددة وواضحة المعالم، بالغة الوضوح و الشرح، فما يخرج عن المقدمة والمتن والخاتمة كما حدده النقاد الاوائل ، ليس بالقص، وما لا تزٍنه البحور والعروض والقوافي، ليس بالشعر ...ألخ.
وفي تلك الظروف الغامضة أدبيا والملتبسة سياسيا ولد نص خليجي لا يلبس مسوح الاوائل ولا تنطبق عليه تعريفاتهم وليس من اللبس في شيء- مع الشعر والقص - الحديث عن الخطابة والمقالة أو المقام وحتى المسرح، و إنما هي فنون كتابية تتوالد من رحم بعضها البعض، منتجة ما يكتفي لتسميته نصا أدبيا غير منحاز الى الشعر أو النثر، غير عابئ بالحكاية إن صاغ حكاية، أو تحاور مع الآخر على خشبه ممسرحة، نصوص أدبية مُحَطمة للسائد – بفعل العوامل التي تحدثنا عنها سابقا – أجناس أدبية مستجدة مطالبة بالشرعية كغيرها من أجناس الكتابة الأدبية، وفي هذا شيء من الفوضى وأشياء من التحرر وإطلاق عنفوان القلم ليبحر ولا يبالي مقدما للمتذوق دروسا أدبية بنكهة زمنٍ جديد.

و هنا بعض النماذج التى اختارتها الدراسة وهي نماذج من تلك الكتابات التي اتخذت صورا سردية مغايرة ،و من هذه النماذج او الدروس "درس النور" وهو نص أدبى للكاتب والمخرج البحريني الشاب خالد الرويعي، والذي يتماهى في كتاباته هذه مع النصوص الصوفية، فيدور حول مفردات: النور، البصيص، النار، اللهب، الضوء، الشعلة، القنديل، دخان .. ثم يقرب إلى الرماد وفي هذه الصفحة من درس النور، يقول الكاتب: يسكن الليل هدأة الشارع غافياً على ما تبقى من هشيم المكان، لا صوت يقترح الفوضى، لا آدمي يعزف الشارع بنعله، يمرق ذلك المكان غير عابئ بما يلف المدينة من وجوم، كل شيء بدا في مكانه فيما السعف الواهن تمتشقه الريح في طريقها الصلد مُحدثة ذاك التفرد الذي تبتغيه مدينتي، نوافذ عارية تستسلم لمشيئة الريح باكتراث هو في اللحظة ذاتها موسيقى، ينبغى عليه التأقلم على تعاطيها بين فترة و أختها "وكما هي الصوفية، يتماهى النص الأدبي "درس النور" مع الروحانيات واصداء النصوص ذات القداسة في أروقته، فهو يسأل "كيف أصلي لوطن ليله هراوة و نهاره باب" ويسأل "هل النُبل أن تضع حد النص على رقبتك و تصدح يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"، ويقسم في أول الدروس بأروع ما عرف "والذي قلب حبيبي بأيديهم، ما من رهافة أروع من ذلكم الحب" هنا في هذا النص، فصول من حوارات ممسرحة تتداخل لينتج الكاتب نصاً ملتبساً ، نصاً أدبياً حداثياً متحدياً شكل الكتابة الأدبية التقليدية، قد يكون قادرا اَ على البقاء و قد لا يكون فذاك قرار بيد المتلقي والمشهد النقدي المستقبلي وليس بيد الكاتب
النموذج الثاني هو رواية "اثني عشر ذئبا على مائدتي" للكاتب البحريني ايضا عبدالقادر عقيل ، و العنوان في حد ذاتة مثير للتساؤل عن سر الاثني عشر و الذي هو رمز كوني ، فشهور العام اثنى عشر شهراً و الابراج في علم الفلك اثنى عشر برجاً و ساعات النهار اثنتا عشر ساعة نهاريه و مثلها ليليه ، الى آخر تلك الرموز و الدلات على الرقم الذي اختارة الكاتب ليصف مجموعة من طلاب مدرسة ينجون من كارثة جوية فتأخذهم أرجلهم الى كهف يحتمون به الى أمد ، محدود لكنهم ما ان يخرجون حتى تتعطل حافلة المدرسة مرة اخرى و ينكفئ الأستاذ عيسى على وجهه مرة أخرى ليلحق الطلاب الاثنى عشر بكهفهم مرة أخرى ثم أخرى ثم أخرى , و دلالات المحكي هنا لا تأخذ الى قصة أهل الكهف فقط بل ان الكاتب يختار لبعض الشخوص أسماء و يترك الباقى متعمدا ، فالاستاذ/المدرس "عيسى" و هو الذي يقود المجموعة و لكن ما ان تهب العاصفة حتى يقع عيسى و لا يقوم ، و معه الشطر الأكبر من المجموع تأخذهم العاصفة فلا تعود تراهم و لا تعلم ان كانوا من الأحياء ام من الأموات ، بل ان الضباب الذي يتركة الكاتب على سطوره ، يأخذ المتلقي الى انهم - ربما – يكونون أوفر حظا من أهل الكهف اللذين بدوا في بادئ الأمر مجموعة من الناجين وجدوا كهفاً بة مكونات الحياة يصلح للمعيشة دون الحاجة الى الخروج ، اما قائد المجموعة الاثنى عشرية فهو من الشخصيات التي تكرر ذكر اسمها في صفحات الرواية ، و لا عجب حيث اسم القائد الشاب القوى هذا "مصطفى" و من بين المجموعة التى عرفت طريقها الى الكهف "موسي" الشاب الذي قٌتل بحجر مصطفي ثم صارت المجموعة تتطهر بدمه "فالمغفرة لا تحصل دون سفك دماء" فموسى كان قربان الاثني عشر ذئباً الى السماء ، ذاك لأنه قال "ان التكاثر هو الحياة ، و ان حياة الكهف بلا نساء تعني الموت في صمت" فانشق الصمت عند تقديمه قرباناً من أجل المغفرة مع أصوات الطبول و النفخ في أبواق من قرون حيوانات ميتة كانت من موجودات الكهف القديم ، و الأسماء الثلاث الوحيدة التى يوردها الكاتب في روايتة هذة لا تحتمل الا ان تقابل الأديان الثلاثة ، و الكاتب يذهب أبعد من ذلك فيعثر بطريق الصدفة أحد الاثني عشر- ليس مصطفي - داخل الكهف الى ألواح من الزمرد الأخضر مخطوط عليها الأمر و النهى و التحريم و التحليل و السنن و الأحكام ، فيعود الى مجموعتة بألواح التعاليم تلك ، و ربما أراد الكاتب ان يقترب من خيال المتلقي فوقع في مباشرة الألواح و الاثنى عشر طالباً أو اماما يمثلون المذهب الاثتي عشري يتداولون الألواح داخل كهف مغلق يحمي من الطوفان لكنه يحتضن ذكرى معارك مع النسر و التنين ، و كلما قرر الاثني عشر الخروج يعود الاستاذ عيسى الى الوجود كما كان و الحافلة بكامل طلابها و تُمحى الذاكرة الأولى تماماً لتتكرر الحكاية من جديد ، و لا يُستفاد من دروس التاريخ ، يكرر التاريخ نفسة ، و يسقط عيسى و لا أحد يمد يده لإنقاذة – رغم إنه الاستاذ- و يلجأ الاثني عشر الى الكهف فيأمرهم مصطفي بخلع الملابس ثم يُقتل موسى و يُحتفل بقتله و بتقديم دمة قرباناً للمغفرة ، و يجرؤ أحدهم على رفض أمر المرأة الحسناء بقطع الشجرة المحرمة !! فتغضب منه و صحبة ، لكن الخروج من الكهف لا يعني سوى العودة إلية ،و لا شيئ آخر !! هذة رواية صدرت عام 2005 اي بعد ات شهد الكاتب ما بعد احداث 11 سبتمر فأدرك كهفاً لا يعني الخروج منه سوى العودة الية بلا ذاكرة لتستمر الحكاية ، و لا يُستفاد من دروس التاريخ.

في ذات الصيغ تأتي قصص الكاتبة القطرية نورة فرج "الطوطم" و من هنا تبدأ رمزية القصص حيث الطوطم هو اي كيان يمثل دور الرمز للقبيلة، وأحيانا يقدس باعتباره المؤسس أو الحامي ، فالكاتبة الشابة تواجه هذا الانشقاق بين ما خرجت به للتو من اروقة الجامعة و قيم اجتماعية و سياسية لها من القدسية ما ارادت ان تكتبة ، ففي قصة "اهل ذاك البيت ، بيت كبير ، ربما كان مجتمعا بحالة ، اناس غريبي الاطوار لا يشعرون ببعضهم بعض و يلقون بالا لكبيرهم الذي يجلس على الكرسي الضخم ، لكنهم ايضا لا ينافسونه على الكرسي ، و هو لا يشعر بالامان بين هؤلاء "الاوغاد" اللذين قد يسرقون الكرسي او السرير او الأكياس المكدسة تحت الكرسي ، رغم عدم علمهم بوجود "أكياس" .
الرجل الضخم يمنح الأمان للغريبة التى لا تعلم عن أهل ذاك البيت شيئا ، و في مقابل سرير مريح ، يسمح بتسلل الأكياس واحدا تلو الآخر ، في غفلة من هؤلاء "الأوغاد" اللذين يملؤن البيت و غرفة الملونة . اما الطوطم الآخر ، فهو في قصة تحمل عنوان المجموعة و هي تجعل التمثال الصغير يحمل دلالات جلالة و قداسة عن صاحبتة حتى تكتشف بعد سنوات انه نسخة مقلدة من تمثال لنحات شهير ، فتبدأ بتحطيمة و تخرج للحياة دون طوطم ، او دون الحامي ، دون "سيد للشمس" و هو عنوان قصة آخرى من نفس المجموعة ، ففي مدينة خلف الجبال ، يحكمها أحدهم كنصف اله ، و هو القائل " انظروا إلي ، حياتكم بين يدي أنا ، كل ما في دنياكم أفيض علية بيدي أنا ، حذار أن أغضب ، حذار أن أصب عليكم لعناتي ، انظروا هذه الشمس تأتمر بأمري ، لو أصدرت أمرا بالا تُشرق لما أشرقت " و لان العصيان طبع الراوي في مجموعة الطوطم ، يهاجر الراوى الى ما وراء الجبال ، حيث لا وجود للسيد و لا أثر ، وها هي الشمس تطًلع كل يوم في الصباح و تغرُب في نهاية كل نهار دون أن يأمرها أحد ، وهذه الرسالة التى يعود بها الراوي /الرسول الى مدينتة ، فلا يُصدق و لا يأخذ الناس بعلمه الجديد ، بل يُهان و يواجه غضب سيد الشمس و السادة أهل المدينة ، و الأدهى أنه –رسول المعرفة – يبدأ في التساؤل ، ربما الشمس هنا لا تطلع الا بأمر السيد ، سيد الشمس الأوحد .

أما قصة الكاتبة القطرية أيضا حصة العوضي "البدء من جديد" من المجموعة التي تتخذ العنوان ذاته ، فهي تجسيد لحال المرأه في مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة ، في المرحلة التي وصلت بها المنطقة الى ما تتباهى به الدول في المنابر الدولية ، و هي التي في ذات الوقت لا تملك حق الوصاية على نفسها في أبسط الامور ، من تكون تلك المرأة ؟ و هو السؤال الذي تبدأبه القصة ، امرأة لا تعرف عن نفسها شيئاً ، ضاع منها الأسم فتبدأ رحلة للبحث عنه ، تذهب الى الشرطة لإستخراج بدل فاقد لإسمها ، فتفاجئ بإن مع الإسم زوج و عائلة و منزل لا تعرفه ! فتبتعد عن ذلك بقرار الاستمرار في البحث "لم أشعر غلا و ساقاي تأخذاني بعيداً ، لأبدأ البحث من جديد ، عن اسمي الضائع ، عن هويتي ، تاركةَ خلفي ضابطاً حائر ، و حارسة مشدوهه ، و غريب يبحث عن زوجته "سلوى" ، و حقيبة جلدية قد بُعثرت كل محتوياتها على أرض الغرفة" أما الحقيبة ، فلم نعرف مما تحمله سوى كتاب في الفلسفة ، ربما أرادت الكاتبة و أن تقول ان الفلسفة قد ايقظتها لتصير غريبة ، أو ان الفلسفة قد أفقدتها الانتماء ، فلم تعد تعرف من تكون ، ذاك الكتاب الفلسفي هو صلة الكاتبة بالعالم الخارجي ، فالصلة بالخارج هي الإغتراب عن الذات و الاغتراب عن دائرة المحسوسات بما فيها الأسم و الهوية .
وجنس أدبي آخر بدأ يدب في الساحة الخليجية ، القصة القصيرة جداً ، جمل مقتضبة ، حيث ما قل و دل هو القانون ، إختصار للكلمات و تكثيف للمعنى في عدة سطور ، ربما جملة واحدة تكفي لتكون قصة قصيرة جداً ، و يقول الناقد شوقي بدر يوسف عن هذا الفن الجديد " تطمح الجهود المبذولة حول حالة القصة القصيرة جدا التى ظهرت فجأة فى الساحة الأدبية لإثراء الحالة القصصية المستمدة والنابعة من الفن الأم، فن القصة القصيرة، ولا شك أن هذه الجهود قد خرجت من إبداع وتجريب بعض الكتاّب الذين حاولوا تأصيل هذا النوع من الكتابة من خلال مغامرة فى هذه الظاهرة الجديدة، وتجريب فى الشكل الفنى أوصلها إلى هذه الظاهرة التى بدأت تتغلغل داخل الساحة الأدبية بإلحاح شديد"
و من نماذج هذا النوع الأدبي الذي اغرى عدد من كتاب القصة القصيرة و حتى الأوئل ، نتصفح مجموعة الكاتبة الكويتية ليلى العثمان ، الصادرة عام 2007 و تحت عنوان قصص قصيرة جداً ، و التي لكل منها عنوان أيضا ، ففي قصة بناء تقول " إمتلكت مئات الدنانير لكنها ما استطاعت ان تبني لنفسها بيتاً ، صارت شاعرة ، فشيدت ملايين البيوت و أهدتها للناس " و في قصة حماية تقول " في الليل تسعى ذئاب الحي كلها لتعوي عند بابها ، فلا تنام ، قررت أخيراً أن تؤوى في فراشها كلباً لا تُحبة لتشم الذئاب رائحته فلا تقف عند بابها " و في القصتين توليفة مكثفة عن معاناة إمراة القرن الحادى و العشرين و التى لا تختلف عن معاناه إمراة عاشت قبل عشرة قرون ، ففي قصة ظلمة تحكي ليلى " أغمضت قلبها عن كل الرجال ، اختارته وحدة ، ذهبت الى بيته تائقة و حالمة بالنور ، حين دخلت .. داهمتها ظلمه جديدة " أما قصة بحث فتقول أيضا على لسان امرأة "دخلت محل العطارة ، وجدت أعشابا للصبر و للقلق والأرق و للحسد و للظلم و للكذب و للنفاق ، سألت عن أعشاب للسعادة ، سخر منها العطار و قال : لا نبيع شيئا غير موجود "

القصص القصيرة جداً عند ليلى تحمل التكثيف الصريح و لا تحتمل الإيماء أو الايحاء أو التستر بالدلالات و الاسقاطات ، و هي تفضل هنا التسليط على صور بعينها محفورة في مخيلة المتلقي ، كصور معاناه المرأة العربية من التهميش الاجتماعي الذي تمارسه المجتمعات الذكورية بشكل عام ، تلك الصور ثابتة عند المتلقى و لا يلزم للتذكير سوى التعليق من خلال قصة قصيرة جدا تعلق على المشهد الثابت كلوحة تحذيرية "احذر .. منطقة معاناة أمرأة " ففي قصة عطر مفارقة مُعلنة بين الزوجة و الحبية "عبرت أمامه ، استنشق عطرها و خبأه في صدره ، حين استقر في الفراش و اندست زوجته بجانبه برائحة يومها ، اطلق العطر المخبوء في صدره و استطاع ان ينام " باختصار أكثر .. الهروب من الزوجة الى خيال الحبيبه ، بهذا الصنف الادبي المستجد تستطع الكاتبة ملامسة مئات الجروح الاجتماعية المفتوحة في كتاب واحد ضخم ومتعدد الابواب والفصول .
وقد يجد النقاد ذات يوم صلة بين انتشار المقالة الصحفية القصيرة وبين هذا النوع من النصوص المكثفة فالصحافة التي صارت جزءا من المشهد الأدبي في منطقة تشهد انفجارا أعلاميا أثرت في الاجناس الأدبية وتأثرت بها وكذلك عشرات الجامعات التي ولدت كالفطر لكنها ما تزال تتجاهل الأجناس الأدبية الجديدة مع أن معظمها يخرج من معاطف شباب يتخرجون منها وسوف يمضي وقت طويل قبل أن يتمكن النقد الثقافي في الخليج من تقدير الأثر الذي أضافته المرأة الخليجية والجيل الجديد من الشباب المبدع للأجناس الأدبية في منطقة أشتهرت بتقليديتها الى أن جاءها الطوفان فما وجدت عن التجديد بديلا وقارب نجاة يبحر بها بعيدا عن صيغ ومصطلحات وأجناس ماتت منذ زمن بعيد ولم تجد من يدفنها



د هدى النعمي
الجمعة 28 غشت 2009