نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


المجتمع الأميركي في حافّة الهاوية





ما يحدث في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة ليس أمراً عابراً، ولا مشهداً قد مرّ بنا من قبل (Déjà vu)، فلطالما كان الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتّحدة على الطريقة والشكل أكثر مما هو على المضمون. وكان أغلبية الحزبين يقفون في الوسط، فلو أننا قسمنا أميركا إلى دائرة، ورسمنا فيها خطاً يمرّ في المركز، لوجدنا أن أغلبية السياسيين يتمحورون، معهم الأميركيون، على جانبي الخط المتوسّط، وقلّة فقط هم من يتبعثرون في أطراف الدائرة.
تبيّن الصورة السياسية الراهنة أن السياسيين، ومعهم الأميركيون، يبتعدون عن خطّ الوسط إلى الأطراف، فتجد الديمقراطيين يتجهون أكثر نحو الأفكار التقدمية، بينما يتبنّى الجمهوريون أكثر السياسات انغلاقاً وتعصّباً وعنصرية، ويلهثون وراء جمهور دونالد ترامب الذي يتّسم بالمحافظة، والانغلاق الاجتماعي والديني، واعتناق نظريات المؤامرة.


بدأنا نلاحظ منذ نحو عشرين عاماً تغيّرات حقيقية في بنية المجتمع الأميركي. وبدأت الخطوط الأمامية للاشتباكات الثقافية الأميركية تتعقّد أكثر وتتشابك في السنوات الأخيرة. وأتت الموجة الأخيرة من النشاط التقدّمي لتسهم في دفع ثقافة البلاد إلى اليسار، ما أدّى إلى رد فعل محافظ ضد كل شيء يطرحه الليبراليون من حركة "حياة السود مهمة" إلى حركة "أنا أيضا" (Me too) النسائية إلى ضرورة وضع الكمّامة وأخذ لقاح كوفيد-19. وربما لم يكن هذا التحوّل وليد ساعته، فالحقّ أن التغيير بدأ منذ نصف قرن تقريباً، مع إعادة تنظيم السياسة الأميركية على أسس ثقافية وتعليمية، وبعيداً، ربما، عن مستوى الدخل والتقسيمات الطبقية التي كانت تحدّد الفرق بين الحزبين لجزء كبير من القرن العشرين. يتخيل بعض الجمهوريين أن نموّ الاستقطاب التعليمي قد يبدأ في التقليل من الميزة الديمقراطية بين الناخبين الملونين بدون شهادة جامعية وشهدنا في العقود الأخيرة ازدياداً مضطرداً في أعداد خرّيجي الجامعات، وبات جزءٌ كبير من الخرّيجين لا يكتفون فقط بالشهادة الجامعية، بل يحاولون متابعتها بدرجاتٍ عليا. هؤلاء، بطبيعة الحال، الأشخاص الأكثر ليبراليةً في المجتمع، وقد انضمّ معظمهم إلى الحزب الديمقراطي، وبدأوا يصبغون الحزب بطابعهم، الفتيّ والمتنوّع، ثم أخذوا يرسلون ممثليهم إلى الكونغرس (ألكسندرا أوكاسيو كورتيز، ورشيدة طليب وإلهان عمر وبراميلا جايابال) ليروّجوا معايير ثقافية ليبرالية بشكل متزايد، مع اكتساب القوة لدفع الحزب الديمقراطي إلى اليسار. على المدى الطويل، يتخيل بعض الجمهوريين أن نموّ الاستقطاب التعليمي قد يبدأ في التقليل من الميزة الديمقراطية بين الناخبين الملونين بدون شهادة جامعية، وهو ما يفسّر كيف كان أداء الرئيس السابق، ترامب، أفضل بين الناخبين الملونين مقارنة بالجمهوريين السابقين، وكان أداؤه أسوأ بين الناخبين البيض. في عام 2020، فاز الرئيس جو بايدن بحوالي 60% من أصوات الناخبين الحاصلين على تعليم جامعي، بما في ذلك الأغلبية الصريحة من خرّيجي الجامعات البيض، ما ساعده على رفع أسهمه بين سكّان الضواحي الغنية، المعروفة تاريخياً بقربها من الجمهوريين، ووضعه على القمة في الولايات الأساسية. وشكّل هؤلاء كتلة تصويتية مهمة. ووفقاً لتقديرات مراكز الإحصاء، كان 41% من الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من خرّيجي الجامعات، بينما لم تزد هذه النسبة في انتخابات 1952 عن 5% فقط، وفقاً لدراسة الانتخابات الوطنية الأميركية في ذلك العام. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الحزب الديمقراطي صار أكثر قوّة الآن، وأن لديه الآن تأييدا أكبر مما كان عليه قبل عشر سنوات أو خمسين سنة. ذلك أن انزياحاً حدث ويحدث بين الحزبين، فقد قوبلت القوة الديمقراطية المتزايدة بين خرّيجي الجامعات والناخبين الملونين برد فعل متساوٍ ومعاكس تقريباً بين الناخبين البيض والملوّنين، ممن لا يحملون شهادة. وانشقّت فئاتٌ واسعة من الطبقة العاملة التقليدية التي كانت تاريخياً تدعم الحزب الديمقراطي، وانضمّت إلى الجمهوريين. تحوّل الحزب الديمقراطي إلى نوع من حزبٍ نخبويٍّ للمثقفين والليبراليين واليساريين والجامعيين عندما فاز جون كينيدي، وهو خرّيج جامعة هارفرد الأكثر عراقة في البلاد، بالرئاسة، بفارق ضئيل في عام 1960، جاء دعمه الأساسي من الناخبين البيض الذين لا يحملون درجةً جامعية، بينما صوّت الجامعيون لصالح منافسه، ريتشارد نيكسون، بنسبة صوتين لنيكسون لكلّ صوت لكينيدي. انخفضت هذه النسبة قليلاً بعد ثلاثين سنة، حيث صوّت 60% تقريباً من الناخبين البيض الذين لا يحملون شهادة جامعية لصالح الرئيس بيل كلينتون، ولكنها انهارت في انتخابات 2020، حيث صوّتت غالبية الجامعيين لصالح الرئيس جو بايدن الذي خسر جزءاً كبيراً من الناخبين البيض الذين لا يحملون شهادة جامعية بالنسبة نفسها، ولم يصوّت له منهم سوى 27% تقريباً. وقد لا يكون ذلك غريباً، فقد تحوّل الحزب الديمقراطي إلى نوع من حزبٍ نخبويٍّ للمثقفين والليبراليين واليساريين والجامعيين. وترافق ذلك بالطبع مع تدهور القاعدة العمالية الصناعية القديمة للحزب، وكذلك النقابات وقادتها الذين كانوا يتمتعون، في السابق، بالقدرة على جعل سياسيي الحزب الديمقراطي يجعلون همومهم أولوية لهم. ولكن الحزب وجد نفسه يوسّع قاعدته أكثر، لتشمل الفئات المتعلّمة، وبدأ شيئاً فشيئاً يتبنّى آراء الناخبين الحاصلين على تعليم جامعي في كل قضية تقريباً، ما أخاف قاعدته العمالية القديمة وناخبي الطبقة العاملة الذين وجدوا أنفسهم أقرب إلى الحزب الجمهوري الذي كان تاريخياً الحزب النقيض لهمومهم. في المقابل، فتح الجمهوريون أبوابهم للناخبين الديمقراطيين التقليديين ذوي الميول المحافظة الذين شعروا بالضيق من الإجراءات والتجاوزات المتصوَّرة لليسار الجديد الأكثر تعليماً وليبرالية، وبالتالي، نخبوية. وجد كثيرون من قادة الحزب الجمهوري في نجاح ترامب طريقاً سهلاً لجذب الأصوات والتأييد، فبالغوا في "الترامبية" وجاءت نقطة التحوّل الحاسمة مع الرئيس السابق، ترامب، بخطابه الشعبوي ولغته البسيطة القريبة من لغة الشارع. لا يمكن وصف ترامب بالمثقّف، ومعروفٌ أنه لا يقرأ أي شيء أطول من صفحة واحدة. وفي كتاب لابنة أخيه، ماري ترامب، التي تعرفه أكثر من غيرها، أنه دفع نقوداً لزميل له لكي يأخذ امتحان "SAT" نيابة عنه، ولولا ذلك لاستحال عليه النجاح في الامتحان. وتقول دراسات أميركية جادّة إن مستوى مفردات الرجل وقواعد اللغة عنده لا تزيد عن التي يتمتّع بها تلميذ في المرحلة المتوسّطة. وبدلاً من أن تكون هذه نقائصَ تُعيب ترامب، تحوّلت إلى رصيد له، وجاءت النكات الفجّة والتشبيهات البذيئة الذي يلقيها يمنة ويسرة لتزيد من شعبيته عند الفئات الأقل ثقافة وتعليماً. وشمل ذلك الفئات الأقل تعليماً حتى بين الملوّنين، خاصّة الأميركيين من أميركا اللاتينية. وقد تكون انتخابات 2020 أوّل مسابقة رئاسية يحقّق فيها المرشّح الديمقراطي أداءً بين الناخبين الملونين من حملة الشهادة الجامعية أفضل من أدائه بين من لا يحملون الشهادة. في المقابل، حقّق ترامب مكاسب كبيرة بين الناخبين الملوّنين بدون شهادات، خصوصا من أصل أميركي لاتيني. ووجد كثيرون من قادة الحزب الجمهوري في نجاح ترامب طريقاً سهلاً لجذب الأصوات والتأييد، فبالغوا في "الترامبية" ووجدوا أن من الأسهل جذب الناخبين من الطبقة العاملة الملونين. حالة انقسامية غير مسبوقة، بلغت من الحدّة أن حجم الكراهية بين الفئات والأعراق والأيديولوجيات قد ارتفع إلى مستوى مخيف وجد هذا التحوّل الديمقراطي يسارا صدى كبيراً في انتخابات 2016 و2020، وفي الانتخابات النصفية في 2018. وبرز بشكل رئيسي السيناتور بيرني ساندرز الذي وصف نفسه علانيةً بأنه اشتراكي ديمقراطي في بلدٍ يكاد يجرّم الاشتراكية، وفاز بيرني بتأييد عشرات الملايين من الأميركيين الشباب والمتعلّمين. وعلى الرغم من أنه خسر الانتخابات التمهيدية في 2016 أمام هيلاري كلينتون، و2020 أمام جو بايدن، إلا أن خطّه السياسي التقدّمي صار رقماً يصعب تجاوزه. وفي انتخابات 2018، تعزّز هذا المنهج بوصول من يعرفن بـ "الفرقة الضارية"، وهن نائبات ديمقراطيات تقدّميات من أصول ملوّنة، انتشرت أسماؤهن عالياً بين الشباب والتقدّميين الأميركيين. وبدا تأثير هذا الاتجاه واضحاً في السياسة الداخلية (الضرائب والبنية التحتية والرعاية الاجتماعية) والخارجية (الاتجاه السلمي والموقف المعدّل من القضية الفلسطينية). على أن نجاح أولئك النساء دفع أيضاً بجيل مناقض لهن من الجمهوريين، الذين دفعوا في انتخابات 2020 بحفنةٍ من النوّاب الشباب الذين يتبنّون خطاب ترامب، ويؤمنون بنظرية "كيو- آنون" (QAnon) التآمرية، إن هناك خطّة سرية مزعومة لما تُسمّى "الدولة العميقة في الولايات المتحدة" ضدّ الرئيس دونالد ترامب وأنصاره، تقتل الأطفال وتشرب الدماء. أهم هؤلاء مارجوري تايلور - غرين المتعصبة دينياً وعرقياً والمعادية للمسلمين واليهود والملوّنين والنساء. يضع هذا الاستقطاب المجتمع الأميركي أمام حالة انقسامية غير مسبوقة، بلغت من الحدّة أن حجم الكراهية بين الفئات والأعراق والأيديولوجيات قد ارتفع إلى مستوى مخيف، أثّر على الصداقات والعائلات وأماكن العمل، وجعل الأميركيين يشكّك بعضهم ببعض، ويرفضون نتائج الانتخابات، ويسعون إلى تعديل القوانين لحرمان قطاعات واسعة من الأميركيين من التصويت. وسوف ينعكس ذلك سلباً على صورة أميركا في العالم وبين الأميركيين أنفسهم إلى حدّ بعيد. --------- العربي الجديد

وائل السواح
الاثنين 20 سبتمبر 2021