نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


حتى لا تأكل الثورات العربية أبناءها وإخوانها






تسير الاصطدامات التي تجري في مصر اليوم بسرعة متزايدة الى محطة اللارجوع. عنوان هذه المحطة ليس الانتقال إلى الديموقراطية، ولكن الانتقال من الديموقراطية. الانتقال إلى أين؟ إلى أوضاع بديلة محفوفة بالعنف والأخطار. الأوضاع الراهنة لم تصل، كما يقول كثيرون، إلى هذا المستوى من التدهور. تقول أكثر التحليلات إن القيادات المصرية قادرة، إذا قررت وحسمت أمرها وإذا وجدت صيغة راسخة للتفاهم وللمقاربة الجماعية للأوضاع العامة، أن تحد من تفاقم الصراع ومن انتقاله من ميدان التحرير إلى ميدان الاقتتال. ولكن الذين يغلب التشاؤم على توقعاتهم يقولون إن «إذا» الشرطية كبيرة وإن الوصول إلى مقاربة جماعية تضم الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بات أمراً صعب المنال، وإن صعوبته تزداد يوماً بعد يوم. أصحاب هذه التوقعات يرجحون أن يكون الانتقال من الديموقراطية مقدمة لولوج مرحلة ما يدعى عادة بحرب «الجميع ضد الجميع» حيث تأكل الثورة أبناءها وإخوانها وأقرباءها ومناصريها وصولاً إلى أن تأكل نفسها.


هذا المشهد القاتم المرشح للتكرار في أكثر من بلد عربي، والذي نتابع بعضاً من فصوله المرعبة في سورية، يمهد السبيل لتخييرنا بين الظلم والفتنة. وهذه الصرخة تهيئ الأجواء بدورها لظهور حكام أقوياء بطاشين يقضون على الفتن ويفتكون بأهلها، ولكنهم في نفس الوقت يحولون الديموقراطية إلى سراب. قد يجد البعض في هذا السيناريو شيئاً من المغالاة والتشاؤم، ولكننا نخشى أن نكون واقفين اليوم على أبواب مفاجآت دموية، تماماً مثلما كنا واقفين على أبواب مفاجآت مشرقة في كانون الثاني (يناير) 2011. كي نسد الباب أمام الاحتمالات البائسة ونبقي الطريق إلى الحرية والعدالة مفتوحاً فان من المهم أن نقف على العوامل التي تهدد بحرفنا عن هذا الطريق. يعيد محللون ومراقبون سياسيون هذه الصراعات الدموية في بلادنا إلى ظروف متنوعة ومعقدة تاريخية وسياسية واقتصادية-اجتماعية وثقافية-فكرية. ومع تفاقم الصراع، تبرز أهمية إدراك الفوارق بين المتصارعين تجاه الديموقراطية كإطار فكري وسياسي لتنظيم المنازعات والمنافسات السياسية بصورة سلمية. وتتباين الاجتهادات والتقييمات بصدد تحديد هوية الجهات المسؤولة عن إحباط وعرقلة الخيارات الديموقراطية والسلمية بحيث ينقسم المعنيون بهذا الأمر إلى فريقين:
فريق يضع المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق التيارات والأحزاب الدينية. ينطلق هذا التقييم لدور هذه التيارات والأحزاب من التأكيد على أهمية النفوذ السياسي الواسع الذي تملكه من حيث تأثيرها على الأحداث والتطورات. يتجلى نفوذ التيارات والأحزاب الدينية على الصعيد الأهلي حيث تشكل في العديد من المجتمعات العربية أكبر الكتل الشعبية وأقوى منظمات المجتمع المدني. أنها ركن المعارضة الأول في أكثر الدول العربية، والجهة التي تملك القوة الأفعل في شتى منظمات المجتمع المدني العربي بما في ذلك مؤتمر الأحزاب العربية الذي تضطلع فيه الجماعات الإسلامية بالموقع القيادي. أما على الصعيد الرسمي فقد برز هذا النفوذ بعد أن أمسكت هذه التيارات بمقاليد السلطة في غالبية الدول العربية التي تشكل قوى إقليمية، وفي وجودها الفاعل في العديد من الحكومات والإدارات العربية الأخرى. بحكم هذا النفوذ والتأثير، فان التيارات والأحزاب الدينية تتحمل، في نظر هذا الفريق، المسؤولية الكبرى عن اختيار الأسلوب الأصلح لحل الصراعات والتناقضات التي تعم المنطقة.
فريق آخر يوزع هذه المسؤولية، وإن يكن بنسب متفاوتة، على التيارات والأحزاب الدينية وغير الدينية في المنطقة. تنطلق هذه الملاحظة من الاقتناع بأنه بمعيار الالتزام بالديموقراطية فكراً وممارسة لا يوجد فرق نوعي بين الأحزاب العربية، دينية كانت أو غير دينية. صحيح، يقول هذا الفريق، إن التيارات والأحزاب غير الدينية قد تتبنى بعض الشعارات والمواقف الديموقراطية الطابع التي تميزها عن التيارات والأحزاب الدينية مثل الموقف من المساواة بين المرأة والرجل. وصحيح أن المواقف العلنية التي تتخذها بعض الأحزاب والحركات الإسلامية تجاه الديموقراطية هي الأكثر استرعاء للانتباه على الأصعدة السياسية والإعلامية من تلك التي تتخذها حركات وأحزاب غير دينية. ولكن هذه الفوارق لا تؤثر كثيراً، في رأي هذا الفريق، على ما هو مشترك من المواقف بين الكثرة من الحركات الدينية وغير الدينية تجاه التحول الديموقراطي في المنطقة.
حتى أحداث الربيع العربي وانتقال تيارات وأحزاب إسلامية من المعارضة إلى الحكم، كانت وجهة نظر الفريق الثاني هي الأكثر انتشاراً بين المعنيين بالتطور السياسي في المنطقة. في هذا السياق، بدت بعض مواقف الأحزاب الإسلامية تجاه المسألة الديموقراطية وكأنها لا تعبر عن رأيهم هم فحسب، وإنما تعبر أيضاً عن آراء ومواقف أحزاب غير دينية أيضاً. هذا ما نلمسه، على سبيل المثال، في تقييم للديموقراطية وفي الموقف منها نشرته «ويكيبيديا الإخوان المسلمون»، وهي «الموسوعة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين». تجد الموسوعة في الديموقراطية ما يستوجب الحذر والتأني بحيث «انه لا بأس من طرحها» ولكن بعد الأخذ في الاعتبار التحفظات التالية:
إنها «لفظ أجنبي وبمضمون غربي»، وهي مجرد «شعار سياسي» و «خيار لا يخلو من السلبيات». وهي واحدة من الخيارات في «مجتمع له أكثر من خيار لمحاولة التعامل مع مشكلاته المزمنة». والديموقراطية «تطرح اليوم»، أما غداً فما من ضمانة تقدم حول استمرارها. غني عن البيان أن هذا الطرح يتناقض مع النهج الديموقراطي الذي يسعى إلى ترسيخ الديموقراطية واستقرارها حيث تتحول إلى «اللعبة الوحيدة في البلد»، أي بديلاً عن الصراعات المسلحة والانقلابات العسكرية والقمع المنظم لحريات الأفراد والجماعات. كيف يمكن إذن التوفيق بين هذه التحفظات، من جهة، والقبول بالديموقراطية من جهة أخرى؟ تقدم الموسوعة السببين الرئيسيين التاليين لإعطاء الديموقراطية إذن مرور إلى الساحة السياسية العربية.
الأول، هو أنه يوجد العديد من القواسم المشتركة بين الديموقراطية ونظام الشورى، بل إن «الديموقراطية هي إحدى تطبيقات الشورى التي هي الأوسع أفقاً والأعمق تناولاً». وما يقرب المنظورين إلى بعضهما البعض هو أن المقصود هنا بالشورى هو الملزم منها وليس المعلم إذ يتوجب على الجهة التنفيذية تطبيق قرارات السلطة التشريعية. ولكن كيف تتكون السلطة التشريعية و «الجهة» وما هي حدود التشريع وآفاقه وأين هو المشترك بين الديموقراطية والشورى؟ إن التقييم لا يتطرق إلى هذه الأسئلة.
الثاني، أنه إذا كان الخيار محصوراً بين الديموقراطية والديكتاتورية، فان الوثيقة ترى أنه من الأفضل طرح الديموقراطية لأن «العبرة في المقاصد والأهداف» التي هي إقامة النظام الذي يرتضيه أصحاب الخيارات البديلة، وليس في «الأشكال والألفاظ» مثل الديموقراطية! ولكن ماذا إذا كان الخيار بين الديموقراطية التي تفتح الباب أمام التنافس بين الأحزاب وتترك للشعب أن يختار ممثليه في السلطة، وبين نظام يسيطر عليه الحزب أو الجماعة التي تملك خياراً بديلاً عن النظام الديموقراطي؟ هل تبقى الديموقراطية هي الخيار الأفضل أم تتحول إلى مجرد خيار آن ترحيله؟
تبدو هذه التحفظات والتقييمات وكأنها تؤكد وجهة نظر الفريق الذي لا يرى فوارق نوعية بين مواقف التيارات الدينية والتيارات غير الدينية تجاه الديموقراطية. فهناك جماعات معارضة للتيارات الدينية، ولكنها تنظر هي الأخرى بحذر إلى الديموقراطية لأنها غربية المنشأ، ولأنها ملأى بالسلبيات والثقوب مما يسقط عنها صفة أفضل بديل عن الديكتاتورية. وهذه الجماعات لا تعمل بالضرورة لاستبدال نظام ديكتاتوري معاد لأفكارها وتطلعاتها وبرامجها بنظام ديموقراطي يفسح لها ولغيرها المجال للتعبير عن أفكارها ومشاريعها، وإنما تفعل ذلك لاستبداله بنظام ديكتاتوري جديد يؤيدها.
تدلنا التجارب التاريخية أن المحصلة العامة لمواقف هذه الجماعات ولمواقف الأجنحة الصقورية في الأنظمة الحاكمة هي نقل الصراع من حيزه السياسي والسلمي إلى حيزه العسكري والمسلح. ويتضافر الطرفان، في شراكة جهنمية، وغير مرتبة وربما غير واعية في إغلاق سائر الطرق والمسالك أمام الحلول والمشاريع التي تستهدف إعادة الصراع من مستوياته المتفجرة إلى طاولات المفاوضات الجدية. الامتحان الأكبر للديموقراطيين في الدول العربية المعنية يكمن في التصدي لامتحان مزدوج: الحيلولة دون الحرب الأهلية، واستبدال الخيارات الاستبدادية بالخيار الديموقراطي.

رغيد الصلح
الاربعاء 30 يناير 2013