نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


حكايات عابرة للتاريخ 'إبريق الزيت السوريّ'






يعدّ عبور الحكاية سمة رئيسة من سماتها، وتعود قدرة الحكاية على العبور إلى تكرار الحادثة التاريخيّة، وتشابه جوهر حياة البشر، واستمرار الأغراض الكبرى من حبّ، وكره، وخيانة، وإخلاص، وظلم، وعدل ...
تشكّل إمكانيّة عبور الحكاية شرطاً رئيساً لبلاغتها، أي شرطاً رئيساً لتحويلها أيقونة ثقافيّة، وبذلك تصير أقرب إلى أن تكون حقيقة. وتأخذ الحكاية شكل طبيعة لسانيّة للحادثة التاريخيّة، وهي تمتلك بحدّ ذاتها وظيفة نقديّة، وهذا شرط آخر لبلاغتها


يعتقد كلّ مستعمل للحكاية، أنّه يمتلك المعنى الشرعيّ لها، وهذا ما يعتقده أهل كلّ مرحلة تاريخيّة أيضاً، لكنّ الحكاية أكثر ديمقراطيّة من مستعمليها، إذ يتحوّل معناها المفرد إلى متعدّد منذ أن تكفّ عن أن تكون حدثاً تاريخيّاً ، وتصير حدثاً أنثروبولوجيّاً لا يستطيع التاريخ استهلاكه. وما قصر الحكاية على عصر أو على إديولوجيا دون أخرى سوى شكل من أشكال إرهاب الرقابات الثقافيّة أو الأدبيّة، أو إرهاب الانفلاتات الأدبيّة، وهذا الإرهاب ليس حكراً على الأنساق المسيطرة، بل تمارسه الأنساق المعارضة أيضاً، وبطريقة أكثر عنفاً.

تعرف العديد من البنى الاجتماعيّة الثقافيّة حكاية (إبريق الزيت)، والتي ذهبت مثلاً صار أكثر شهرة، أو أهميّة من الحكاية التي صدر عنها. وتنماز حكاية (إبريق الزيت) عن غيرها من الحكايات، في أنّها تخرج من حكاية الدرجة الأولى إلى حكاية الدرجة الثانية أو إلى الحكاية التجريبيّة، قياساً على ما يسمّيه (رولان بارت) الأسطورة من الدرجة الأولى/ والأسطورة من الدرجة الثانية، أو الأسطورة التجريبيّة، والتي يُعتمد عليها في صياغة معنى جديد في النصّ، إذ تتفرّع دلالة الحكاية الرئيسة لتصنع حكاية ثانية، تمنح دلالة ثانية قد تتفوّق في شيوعها على الأولى، وقد يعدّ ذلك مثلباً في بلاغة الحكاية أحياناً، لأنّ على الحكاية أن تكون سهماً بلاغيّاً يصيب كبد الحدث، ومع ذلك فإنّ خروجها إلى حكاية ثانية يمنحها أفقاً ديموقراطيّاً أوسع.
تختصر حكاية (إبريق الزيت) بنسختيها الأولى والثانية، وضعنا في سورية منذ عشرة أشهر إلى اليوم، إنّها حكايتنا الأبلغ، والأكثر ديموقراطيّة في آن معاً، لأنّها تصيبنا في نسختيها.
تقول الحكاية الأولى: كان لدى عائلة إبريق زيت لا عيب فيه سوى قدمه، فقرّرت العائلة التخلّص منه، واستبداله بآخر جديد، لأنّ الجيران فعلوا ذلك بإبريقهم، فما كان منهم إلاّ أن كسروه. وكانوا كلّما أتوا بإبريق جديد، وجدوا الزيت يرشح منه، وظلّوا على هذه الحال يأتون بأباريق بلا طائل، نادمين على إبريقهم القديم.
تشبه الحكاية الثانية أو التجريبيّة لـ (إبريق الزيت)، وهي الأكثر شيوعاً في البنى الثقافيّة، طرفة أو أحجيّة تقوم على مناكفة الأطفال الذين يستعصي عليهم النوم، لحملهم على الاستسلام له، والتي صارت المثل الذي يدلّ على التململ، واستهلاك الوقت، لتعجيز شخص ما، فنقول إذا ما استطال الحدث وصار مرهقاً ومزعجاً: 'صار قصّة إبريق الزيت'. لقد كانت الجدّات أو الأمّهات يحاولن إضجار الأطفال، واستنفاد طاقتهم، وقدرتهم على التحمّل حتّى يستسلموا فيناموا، فتقول راوية الحكاية للأطفال: هل أحكي لكم حكاية إبريق الزيت؟ فيقول الأولاد: نعم، فتقول: إذا قلتم: نعم،أو قلتم: لا، هل أحكي لكم حكاية إبريق الزيت؟ فيجيبون هذه المرّة:لا، فتقول إن قلتم لا أو قلتم نعم، هل أحكي لكم حكاية إبريق الزيت؟ فيقولون نريد أن ننام، فترد إن قلتم نريد أن ننام، أو لم تقولوا نريد أن ننام، هل أحكي لكم حكاية إبريق الزيت، وهكذا، تتكرّر العبارات حتّى يعلن الأطفال استسلامهم بالنوم!
لعلّ هذا ما فعله ويفعله الآخرون بنا، يريدون أن يحكوا لنا حكاية (إبريق الزيت) حتّى نستسلم: تبدأ الحكاية منذ وقت مبكّر، لكنّنا نحكيها منذ اقتراح المبادرة العربيّة: إن قلتم نعم أو قلتم لا سنقترح المبادرة، مرّت المبادرة بتعديلات، ثمّ جاء الوفد على هوى الجامعة العربيّة، فإن قلتم نعم أو قلتم لا سنشكّل وفداً ونختار أعضاءه، وحين لم ترض الجامعة عن أدائه لأنّه قال ما هو غير مرغوب بقوله، قالوا: إن قلتم نعم أو قلتم لا سيتمّ سحب المراقبين الخليجيين، وتعلّق أعمال الوفد، ثمّ إن قلتم نعم أو قلتم لا، سنحمل الملفّ إلى مجلس الأمن، ثمّ إن حصلتم على 2 فيتو أو لم تحصلوا على 2 فيتو، فسنلاحقكم خارج مجلس الأمن...
لكنّنا، كما يبدو، لسنا مثل أطفال الحكاية، ما زلنا مستمرّين في الاستيقاظ، لم نستسلم، بل يظهر أنّنا نحن الذين نحكي للآخرين حكاية (إبريق الزيت السوريّ) !
لاشكّ في أنّ الإشارات ليست قسريّة، ذلك أنّني ذكرت سابقاً أنّ الحكاية تمتلك أفقاً ديموقراطيّاً، لكنّني استفدت من ديموقراطيّة الحكاية فحسب، ويمكن لمتلقّ آخر أن يختار الفرع الدلاليّ الذي يريد، لكن لا بدّ من القول إنهم إن قالوا نعم أو قالوا لا، فسنحكي لهم حكاية إبريق الزيت السوريّ.

د. شَهلا العُجيلي
الخميس 16 فبراير 2012