نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


حكاية صفية الربيعي ... أم يمنية تعتقد أنها ربت أولادها تربية صالحة فمارسوا القتل بأسم الأسلام




صنعاء - آن بياتريس كلاسمن - تذرف صفية الربيعي الدموع حين تفكر في أولادها المفقودين وتتسرب دموعها إلى قماش النقاب الأسود الذي يغطي وجهها. وتبدو عينا المرأة اليمنية دامعتين من خلال الشق الضيق الذي يسمح به النقاب إلا أنها رغم الألم تحاول أن تظهرتحملها للألم النفسي الذي يعتصر قلبها على أبنائها.


حكاية صفية الربيعي ... أم يمنية تعتقد أنها ربت أولادها تربية صالحة فمارسوا القتل بأسم الأسلام
وصفية الربيعي هي أم انضم ثلاثة من أبنائها الذكور إلى شبكة القاعدة الإرهابية لكي يمارسوا القتل باسم الإسلام وأثبتت التحقيقات تورطهم وثمة دلائل تشير إلى صحة الاتهامات بحقهم بالنسبة لاثنين منهم على الأقل. أما الابن الرابع لصفية فرغم أنه يعيش كرجل حر في صنعاء إلا أنه لا يريد أن تكون له صلة بوالديه.
أما والد الأبناء "يحيي" فهو لم يكن يوما أبا متسلطا وإنما رب أسرة حاول بقدر الامكان تربية أبنائه على الفضيلة والتسامح وتعرض في حياته لنكبات انتهت به الآن إلى إصابته بمرض عقلي والمعاناة من مرض السكري ، كما أنه مر بحادثة سير مروعة منذ وقت قريب أدت إلى بتر ساقه اليسرى فوق الركبة ... وها هو الآن طريح الفراش تصب له زوجته بعض الماء في فمه.
يجلس يحيى كالغائب عن الوعي فوق حشية رقيقة في منزله الصغير المتواضع الذي يسكنه هو وزوجته على أطراف صنعاء العاصمة. وتؤكد صفية الربيعي على مخارج كلماتها وهي تقول "لقد ربيت أبنائي تربية صالحة."
حين كانت الأسرة تعيش في المملكة العربية السعودية في ثمانينيات القرن الماضي - حيث حظي الأب بوظيفة هناك - لم يكن يتوفر مال كاف تنفقه الأسرة على رحلة لقضاء إجازة. لذلك كان الأبناء يمضون عطلة الصيف في المدارس الإسلامية بالسعودية.
تعلم فواز القرآن عن ظهر قلب كما تعلمت شقيقاته الأربعة شيئا من القرآن. وتقول الأم "إن بناتي جميعا حصلن على تعليم جامعي" وتلمع عينا الأم في سعادة وكأنها وجدت أخيرا في حياة فتياتها شيئا تفخر به.
في عام 1990 طردت الأسرة ضمن ما يقرب من نصف مليون يمني من المملكة العربية السعودية. كان هذا عقابا جماعيا لليمنيين على تأييد قيادتهم في صنعاء لصدام حسين إبان الغزو العراقي للكويت. وتتذكر الأم ذلك الحدث معلقة "كان أصغر أبنائنا سلمان في الحادية عشرة من العمر حين عدنا إلى اليمن."
سكنت الأسرة في البداية أحد الأحياء في وسط صنعاء ، وبدا الأمر في البداية كما لو أن الأسرة التي تنحدر أصلا من ميناء الحديدة على البحر الأحمر ستجد لها موطئ قدم في العاصمة اليمنية. بل إن الابن فواز حصل على وظيفة في مركز السلطة نهاية التسعينيات.
ولم يكن فواز يتقاضى راتبا كبيرا لقاء عمله في إدارة شئون العاملين بمكتب رئيس الدولة على عبد الله صالح الذي يتربع على سدة الحكم في البلاد منذ عام 1978. وتقول أمه اليوم "كنا نعيش كما يعيش عامة الناس تماما".
ترك فواز في النهاية العمل في قصر الرئاسة ورحل مع أخيه سلمان في أعقاب ذلك إلى أفغانستان حيث قيل إنه تعرف هناك على المصري محمد عطا منفذ هجمات أيلول/سبتمبر 2001. الأمر الأكيد أن الكثير من الحوار وتبادل الآراء ومناقشة الفتاوى قد أدى في النهاية إلى أن يسير فواز على طريق الحرب الذي رسمه المتطرفون الإسلاميون وهنا تحتفظ الأم بأسرار ما من سبيل إلى كشفها عن ابنها أو ربما لا تعلم الأم ذاتها عنه شيئا.
عاد فواز إلى اليمن عام 2001 مسلحا بالأيديولوجية والتدريب العسكري ليصير قائدا لخلية إرهابية. أما سلمان فقد ألقي القبض عليه في أفغانستان واعتبره الجيش الأمريكي "محاربا معاديا" وتم نقله إلى معتقل جوانتانامو في كوبا.
تقول الأم "لقد شاهدت في التلفاز كيف قاموا باعتقاله." وتتبلل عيناها من جديد بالدموع ولا يكاد صوتها المختنق يسمع من خلال النقاب الملتف حول وجهها. "لقد باعه الأفغان للأمريكان".
ومن المعتقد أن سلمان الربيعي تردد على معسكرين للتدريب من معسكرات أسامة بن لادن الجهادية. أما هو فينفي ذلك. إلا أن المحققين الأمريكيين على يقين من أنه "سيمثل خطرا على الولايات المتحدة" في حال أطلق سراحه. وقد اتصل هاتفيا بالأسرة في كانون أول/ديسمبر الماضي متمنيا لها عيد أضحى مبارك.
عاد فواز إلى اليمن وتقول عنه الأم اليوم "لقد كان مسيطرا" وهو الذي حرض سلمان على أن يصبح "مجاهدا في سبيل الله". وقررت خليته الإرهابية أن تقوم في تشرين ثان/نوفمبر 2002 - أي بعد تسعة أشهر من ظهور اسمه على قائمة المطلوبين أمريكيا- بإطلاق النار على مروحية تابعة لشركة "هانت أويل" الأمريكية في صنعاء ما أدى إلى جرح شخصين.
ثم وجهت دعوى قضائية لاحقا ضد فواز بتهمة الهجوم على شاحنة البترول الفرنسية "ليمبورج".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الهجمات على مرافق صناعة البترول التي يسيطر عليها "الحكام الكفرة" صارت في ذلك الوقت جزءا من استراتيجية بن لادن الذي هاجرت أسرته هو الآخر ذات يوم من اليمن إلى المملكة العربية السعودية.
وفي عام 2003 ألقي القبض على فواز في محافظة مأرب اليمنية، وتزوج فواز من ابنة أخت أحد رفقاء الدرب بينما كانت المحكمة لا تزال تنظر قضيته.
وصدر الحكم في عام 2005 على فواز الربيعي بالإعدام. تقول الأم "لم يتم الزواج أبدا" كما لم يستمر الزواج الذي أتمه فواز بين إحدى بناتها وواحد من أصدقائه.
ونجح فواز مع 22 من المساجين في الهروب من السجن في شباط/فبراير 2006 حيث زحفوا جميعا بما فيهم 12 ممن يشتبه في انتمائهم للقاعدة عبر نفق كان يوصل إلى أحد المساجد القريبة.
وبعد قليل ظهر فواز في إحدى مستشفيات صنعاء الخاصة. وجلس الرجل الذي اعتبر وقتها "واحدا من أخطر الإرهابيين في الدولة" أمام فراش والده المريض لبعض الوقت ثم اختفى بعد ذلك في دهاليز العالم الخفي للإرهاب.
في ساعة مبكرة من صباح الأول من تشرين أول /أكتوبر 2006 تطلق إحدى الوحدات الخاصة النار على فواز وصديقه محمد الديلمي في أحد الكهوف شمالي صنعاء فتقتلهما وزعمتالشرطة بعد ذلك أنها قتلت رجلي القاعدة أثناء معركة ضد الإرهاب. إلا أن اليمنيين الذين شاهدوا بأعينهم مخبأ الإرهابيين بعد قليل من إتمام العملية يعتقدون أن الإرهابيين قتلا أثناء نومهما.
حتى أبو بكر ثاني أكبر الأبناء الأربعة لا بد أنه جند من قبل شقيقه فواز لصالح "الجهاد المقدس" إلا أن الوالدين ينكران ذلك. وقد حكمت عليه محكمة يمنية بالسجن ثمانية أعوام لإدانته بالمشاركة في التخطيط لهجمات إرهابية على أهداف غربية داخل اليمن. وقبل المحاكمة قال أبو بكر إن اعترافاته انتزعت منه تحت التعذيب.
وتقول الأم "الآن لا يزال أمامه في السجن خمسة أعوام"، ولا تزال تأمل في الإفراج عنه قبل انتهاء مدة العقوبة. كما لا تزال الأسرة تمتلك قطعة أرض في الحديدة تعتزم أن تبيعها حين يخرج أبو بكر من السجن ويريد أن يتزوج مثلا.
أما حسن، أكبر الأولاد في أسرة الربيعي فهو متزوج وله ستة أطفال ويعمل سائقا لحافلة ركاب. وهو لا يحب أن تكون له أي علاقة بالأعمال التي يرتكبها إخوته. إلا أن الشرطة لا بد أنها استدعته بصفة القرابة مرة أو مرتين لممارسة ضغط على إخوانه الأصغر سنا.
لكن حسن ضاق ذرعا بالأمر كله في لحظة ما فقطع علاقته بالوالدين اللذين ينفيان أي مسئولية لهما عن الجرائم التي ارتكبها أبناؤهما المنتمين للقاعدة. إلا أن أمه لا تزال تسمى كما تقضي العادات العربية "أم حسن"، حيث تكنى الأم بأكبر أبنائها.
تقول صفية الربيعي عن ولدها حسن: "إنه لا يسكن بعيدا من هنا لكننا لا علاقة لنا به". ويبدو أن عدم زيارة الابن الأكبر لها وللأب المريض يسبب لها خجلا كبيرا. إلا أنها لا تبكي حين تتحدث عنه.
لكن عينيها تغرورقان بالدموع حين تتذكر أبناءها الثلاثة الآخرين، فعندئذ تعطيك الانطباع بأنك أمام أم تلمع عيناها بالنصر لقدرة أبنائها على التحدي وإظهار القوة تجاه أقرانهم وإن كانت تتمنى بطبيعة الحال مثل أي أم أن تأخذهم في أحضانها وتدفع عنهم الخطر.

آن بياتريس كلاسمن
الاثنين 15 يونيو 2009