نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


دراما جزائرية ..... من نشوة التأهل إلى المونديال الى فاجعة الموت بفيروس أنفلونزا الخنازير




الجزائر - يوسف تازير - نجح وباء أنفلونزا الخنازير المعروف بفيروس "اتش 1 ان 1" في تغيير عادات الجزائريين 180 درجة وهو الذي كان خارج دائرة اهتماماتهم إلى غاية أول أيام عيد الأضحى المبارك تاريخ الإعلان عن سقوط أول الضحايا.


ذعر  أنفلونزا الخنازير يحرم الجزائريون من نشوة التأهل إلى المونديال
ذعر أنفلونزا الخنازير يحرم الجزائريون من نشوة التأهل إلى المونديال
ويبدو أن المدة التي فصلت بين ظهور أول حالة مشتبه به في حزيران/يونيو وتسجيل أول حالة وفاة فى 27 تشرين ثان/نوفمبر هي التي جعلت الجزائريين لا يكترثون للأمر كثيرا خاصة وأنهم كانوا "منشغلين" بمشوار منتخب كرة القدم في التصفيات المؤهلة لنهائيات كاس العالم بجنوب إفريقيا 2010 وربما كانوا لا يريدون أن يعيشوا أحداثا تفسد عليهم أعراسهم وأفراحهم التي استمرت لأسابيع بل لشهور.

العشرات يصطفون منذ الساعات الأولى من كل يوم على باب مصلحة الفحص الوبائي بمستشفى "القطار" بأعالي العاصمة الجزائر وهي أول مؤسسة صحية مرجعية في الجزائر شرعت في استقبال الحالات المشتبه بها بأنفلونزا الخنازير .. هم شباب ونساء حوامل وشيوخ وحتى أطفال في عيونهم تقرأ الخوف والذعر من مواجهة الموت، ينتظرون موعد الفحص لدى طبيب الأمل في الحياة، وقد يأت الدور بعد ساعات من القلق وتوتر الأعصاب.

جاءوا من كل أنحاء العاصمة البعض منهم محمل بأمل الرجوع إلى عائلاتهم بخبر عدم الإصابة بأنفلونزا الخنازير وآخرين فضلوا الاستسلام والقبول بقضاء الله وقدره.
تقول السيدة "م.هـ" وهي في العقد الثالث من العمر و حامل في شهرها السادس أنها مستعدة لتقبل أي نتيجة تسفر عنها عملية الفحص، وحتى إن كانت مصابة فهي سترضى بما كتبه الله لها.

أما "م.ز" وهو أب لطفلين التقينا به في إحدى صيدليات حي "سكالا" الشعبي، فاقسم أنه لن يلجأ إلى اقتناء أي من مستلزمات الوقاية من هذا الوباء لا لنفسه ولا لعائلته، كون الموت حق ولا مفر منه. ويوافق "سليمان.ب" ما ذهب إليه "م.ز" وقال إنه يفضل الموت في بيته دون الذهاب إلى إحدى المستشفيات للعلاج، مؤكدا انه لا يعقل أن يبقى مريضا بمشاعر الإحباط وتصور الموت القادم في أية لحظة مصطفا في طوابير بانتظار الفحص الذي قد يستغرق ساعات طويلة. كما اتهم وزارة التربية بالتقصير في حماية التلاميذ من خلال فشلها في توفير بعض المستلزمات الوقائية في المؤسسات التربوية.تجارة من نوع أخر ومحلات التجميل هي المنقذ

الذعر والخوف من حمل الفيروس القاتل جعل المواطنين يعيشون على أعصابهم بعدما تأكدوا أن العدوى انتشرت في المدارس و حتى المستشفيات التي كان يفترض أنها المكان الآمن لهؤلاء. وكان طبيعيا أن تشهد الصيدليات إقبالا غير مسبوق من اجل اقتناء ما يمكن أن يكون عازلا أو واقيا من الوباء ... فرصة استغلها من تعود على الكسب السريع حتى لو كان ذلك على حساب صحة الأبرياء، حيث وصلت كلفة التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية إلى 50 يورو مقابل 5ر2 يورو لعلبة من الحجم الصغير لمطهر مضاد للبكتيريا كان سعرها لا يتعدى في الحالات العادية 5ر0 يورو في حين تراوح سعر الكمامات ما بين 3 و 5 يورو. ورغم هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار إلا أن هذه المواد الوقائية نفدت بسرعة البرق من رفوف الصيدليات.

وتعترف السيدة "زهية.م"، صيدلية ببلدية الجزائر الوسطى، بأن بورصة المضاربة بوسائل الوقاية في ظل غياب مصالح المراقبة، بلغت درجة طلب الحيازة على تأشيرة الوساطة "المعرفة" بالتعبير الجزائري للحصول على علبة المطهر وحتى الغسول السائل، وأن المال في هذه الحالة أمام الإقبال "الرهيب" عليها لا ينفع . وكشفت أنها باعت أزيد من 300 قارورة مطهر من الحجم الصغير في أقل من 48 ساعة بأسعار وصلت إلى 6يورو بعدما كانت لا تتعدى السنة الماضية 5 يورو.

نفاد أو "اختفاء" المواد الوقائية جعلت الكثير من سيئي الحظ يقصدون محلات التجميل التي تمكنت من رفع رقم أعمالها في وقت وجيز جدا بفضل زبائن من نوع خاص.
وحذر آخرون من أن تتمكن "عصابات" التهريب و التجارة غير الشرعية من تسويق مواد غير مطابقة صحيا وعرضها للبيع بالشوارع و أزقة الأحياء الفقيرة البعيدة عن أعين الرقابة.

وأمام هذا الوضع، شكك الكثير من الناس فيما تقوله وزارة الصحة حول توفر الوسائل الوقائية بما فيها اللقاح. ويقول "محمد.ب" " في وقت سابق ذكرت وزارة الصحة بأن الدفعة الأولى من اللقاح ستكون جاهزة في الأسبوع الأول من شهر تشرين ثان/نوفمبر. واليوم وبعد مرور شهر لا يوجد أي اثر لهذا اللقاح، ولهذا فلن تصل الدفعة الأولى حتى أواخر الشهر الجاري". رغم أن الوزارة أكدت على أنها ستشرع في تلقيح الفئات الأولى منتصف كانون الأول/ديسمبر الجاري بعدما تسلمت 450 ألف جرعة من مخبر "جي اس كا" الكندي.

و أضاف محمد بلغة تحمل نبرة متشائمة جدا "لا يجب انتظار هذه الجرعات التي سيتم توجيهها للأطباء ومستخدمي الصحة في المستشفيات والعيادات وكذا عناصر الجيش و مختلف عناصر الأجهزة الأمنية وأفراد جهاز الحماية المدنية" دون أن يستبعد حدوث احتجاجات من المواطنين بسبب تدافعهم للحصول على اللقاح و ما ينجر عنه من فوضى.

وانتقد محمد تعاطي الجهات الصحية المختصة مع الوباء وقال "المرضى الذين يتوافدون على عياداتنا يظنون بأنه الطاعون الذي يأتي من وراء البحر، خصوصا وأن البيانات التي تعدها وزارة الصحة لا تخص المواطن بقدر ما تخص الصحافة، ولهذا يجب طمأنة المواطنين أولا حتى يأخذون الحيطة والحذر لتكون الوقاية هي الأنجع".

وعبر مختصون في المجال الصحي عن مخاوفهم من تدخل الوساطة و النفوذ للاستفادة من اللقاح الجديد محذرين من مغبة تجاهل السلك الطبي في العملية بالنظر إلى ضآلة الكمية المستوردة كدفعة أولى التي لن تكفي لتغطية "حاجات" الفئات المحددة من قبل الوزارة الوصية ضمن القائمة الأولى للمستفيدين من الجرعات الأولى و التي تضم إلى جانب منتسبي الأجهزة الأمنية، النساء الحوامل و المصابين بالأمراض المزمنة و الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات.

تبرز التناقضات الحاصلة في أرقام وبيانات وزارة الصحة بشأن عدد الوفيات بسبب وباء أنفلونزا الخنازير وعدد المصابين ، حالة من الفوضى التي تسود السلطات الصحية والجهات المسئولة عن تسيير ملف مكافحة الوباء في الجزائر.

و قال سعيد بركات وزير الصحة مؤخرا ، إن عدد حالات الوفاة بلغ 12 حالة من أصل 370 حالة، لكن بيان وزارة الصحة، الصادر بعد يومين من تصريح الوزير بركات، أكد أن "عدد حالات الوفاء لم يتجاوز 10 حالات".و بحسب آخر أرقام مصالح وزارة الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات التي رصدت 445 حالة إصابة بالفيروس و 19 حالة وفاة حتى الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر، فان الوباء يقتل جزائريا على الأقل في اليوم منذ إعلان عن الحالة الأولى عشية عيد الأضحى، الأمر الذي يجعل النموذج الجزائري فريدا من نوعه في العالم في حصيلة القتلى قياسا بالأرقام التي تعلنها البلدان الأخرى و المجاورة. فالجزائر سجلت 19 حالة وفاة في أقل من شهر في حين لم يتجاوز عدد الضحايا بالمغرب 14 حالة على الرغم من أن هذا البلد الذي يتقارب مع الجزائر من حيث الكثافة السكانية ،سجل أول حالة وفاة شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي.

و يعترف سليم بلقسام المتحدث باسم وزارة الصحة بأن عدد المصابين الحقيقي بالوباء يفوق بكثير ما تم الإعلان عنه لاعتقاده أن الكثير من السكان أصيبوا بالفيروس وشفوا منه دون اللجوء إلى المصالح المرجعية التي خصصتها وزارة الصحة مفضلين التداوي بالطرق التقليدية.

و في ظل هذا الزخم حاول وزير الصحة عبثا تهدئة مواطنيه والتأكيد أن الموضوع لا يستحق كل هذا التهويل و أنالحكومة) سألح سيشرع فيها في المواعيد التي تم تحديدها سابقا أي بعد الانتهاء من إجراء التحاليل المخبرية عن اللقاح الذي تم اقتناء 20 مليون جرعة منه على مراحل من كندا و التأكد من انه لا يترك أعراض جانبية على المريض و أن وسائل الوقاية متوفرة بالكمية المطلوبة منها 200 مليون قناع أو كمام ستوزع على الجميع دون أي مشكل. كما أكد على توفير كل الإمكانيات المادية و البشرية لحصر الوباء منها تخصيص أكثر من 150 مصلحة مرجعية على مستوى المستشفيات و المؤسسات الصحية بالبلاد داعيا إلى إتباع الإجراءات الوقائية كأفضل علاج.

غير أن هذه التصريحات البعيدة عن الحقيقة في الواقع لم تقنع أحدا في الجزائر بدليل أن الوزير الأول(رئيس الحكومة) سأل وزيره عن الموضوع و عن الأخبار التي تتحدث عنها الصحافة يوميا بخصوص تقصير وزارة الصحة في مواجهة الوباء.

وتسربت معلومات بشان تدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طالبا استفسارات حول قدرة الحكومة على التحكم في الوضع وهو الذي لم يروقه استقبال وزيري الصحة والشؤون الدينية للحجاج العائدين من البقاع المقدسة وهما يحملان القناع. "الأزمة تلد الهمة"

دفع انتشار وباء أنفلونزا الخنازير عدد كبير من الجزائريين إلى التخلي عن الكثير من الطباع و السلوكيات التي عرفوا بها كمصافحة وتقبيل أفراد العائلة و الأصدقاء حتى لو كانوا حجاجا عائدين من بيت الله الحرام وقصد الأماكن العمومية و إعطاء أهمية كبيرة للنظافة وذلك طبقا لتوصيات المختصين و البيانات التي تنشرها و تذيعها وسائل الإعلام المختصة. وأصبح ينظر للشخص الذي يصيبه سعال أو يتعرض لضيق في التنفس بعين من الريبة يجب عزله أو الابتعاد عنه. كما لم يعد ارتداء القناع يمثل عقدة لصاحبه في حالة وجوده طبعا خاصة بعدما قررت وزارتي التربية و الصحة إجبار التلاميذ على حمله.

أما وزير الشؤون الدينية والأوقاف أبو عبد الله غلام الله فدعا صراحة المصلين إلى الوضوء في منازلهم بدلا من قاعات الوضوء بالمساجد إلى جانب إصداره تعليمة تنص على وجوب توفير سائل الصابون بكل قاعات الوضوء بمساجد البلاد على اعتبارها أكثر الأماكن حساسية التي يجب إحاطتها بكل الإجراءات الوقائية.

و كما يقول المثل "الأزمة تلد الهمة" ساهم فيروس "اتش 1 ان 1" بالرغم مما خلفه و لا زال من ضحايا في تنبيه الجزائريين إلى خطر إهمال الجانب الصحي في حياتهم اليومية ومدى أهمية الوقاية والنظافة في الحفاظ على جسم سليم بإمكانهم اتقاء شر الكثير من الأمراض المعدية والخطيرة بإتباع طرق سهلة وبسيطة...حسب المختصين.

يوسف تازير
السبت 26 ديسمبر 2009