تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

سورية: عام على الجمهورية الثالثة

09/12/2025 - عدنان عبد الرزاق

سبع عشرة حقيبة للمنفى

27/11/2025 - خولة برغوث

في أهمّية جيفري إبستين

26/11/2025 - مضر رياض الدبس

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح


سورية: عام على الجمهورية الثالثة






حتى تاريخه، وبعد مضي عام بالتمام والكمال على تحرير سورية، تبدو منطقة هروب بشار الأسد وانهيار نظامه بتلك الصورة المذلة والسريعة، أمراً يجوز فيه غير احتمال وتأويل وتفسير، فالذي جرى كان، وبأبسط الألفاظ، خروجاً عن كل التوقعات وأعظم من أقصى أحلام أكثر السوريين تفاؤلاً، لكنه ودونما دخول بسيناريوهات السقوط وأسبابه وفواعله، ها هو قد حصل ومرّ عليه عام، ليكون تتويجاً لتضحيات وعذابات السوريين ليبدؤوا مرحلة جديدة ببناء جمهوريتهم الثالثة، بعد أول جمهورية تلت الاحتلال الفرنسي والثانية بعد الانفصال عن مصر وما يقال عن ثورة حزب البعث.


 ويبدو أن الجمهورية الثالثة مختلفة عن سابقتيها، بل وربما عن الذهنية والتراكم السوريين، السياسي والاقتصادي وحتى العلاقات، أو هكذا يبدو خلال العام المنصرم على الأقل، إذ باتت سورية وبعد هروب "النظام الاشتراكي البعثي" لا شرقية ولا غربية، بل تحاول السلطة في دمشق، إعادة تعريف سورية، هوياتياً واقتصادياً وسياسياً، آخذة من شعارات كبيرة، كالاقتصاد الحر والانفتاح على الجميع والانخراط بالنظام العالمي، المالي والاقتصادي وحتى السياسي، أدوات لتسريع الاندماج وإلغاء العقوبات والبدء مع الجميع من مبدأ، تحرير سورية يجب ما قبله وعفا الله عمّا مضى.

باتت سورية بعد هروب "النظام الاشتراكي البعثي" لا شرقية ولا غربية، بل تحاول السلطة في دمشق، إعادة تعريف سورية، هوياتياً واقتصادياً وسياسياً

وبعيداً عمّا قد ينتج عن ذاك "الانفتاح على الجميع" من عقابيل أو اختلاط وتضارب، بيد أن النتائج حتى اليوم، تبدو جيدة إن لم نقل أكثر، فأن تعرف السلطة بدمشق طريقها لواشنطن ويزور رئيسها البيت الأبيض لتزال بعد ذاك العقوبات وتتحسن المعاملات المالية، فهذا إنجاز يحسب للدبلوماسية السورية، وأن تؤاخي بين الأضداد لتمد، بالوقت نفسه، الجسر من جديد مع روسيا ويزور الرئيس أحمد الشرع موسكو، فذاك يعظّم من الإنجاز. وهكذا على صعيد دول المنطقة وما يقال عن اختلاف بالسياسات بين تركيا والسعودية ومصر أو بين دول الجوار ذاتها، بما فيها دول الخليج العربي التي كانت وجهة سلطة دمشق الأولى وكان للرياض والدوحة، الأثر الأهم ربما، بتسريع الانفتاح والدعم الإسعافي بُعَيد التحرير، لتقف سورية على قدميها وتبتعد عن حافة الثأرية والحرب الداخلية أو الانهيار المجتمعي والاقتصادي 

قصارى القول: ثمة ملاحظات جلية وكبيرة يمكن تسجيلها على الاقتصاد السوري خلال عام، مع تبدلات يمكن وصفها بالمكملة لصيرورة الأحداث المتسارعة، رغم أنها تحمل من الغرائبية ما يحسب للحكم السوري الجديد.
أول تلك المشاهدات أن الاقتصاد السوري عاش عاماً كاملاً من دون موازنة عامة للدولة، بل لم يشفع، اقتصادياً وعلمياً، أن نكتفي بما أعلنته رئاسة الوزراء "أيام الحكومة الانتقالية الثانية" أنها ستعتمد على مبدأ الموازنة الاثني عشرية للسنة المالية 2025 بالاستناد إلى جزء من اثني عشر جزءاً من اعتمادات السنة المالية السابقة.

ببساطة لأن الموارد اختلفت وكذا الإنفاق، الجاري والاستثماري، وتبدلت معهما، بواقع النهج الجديد، طرق الدعم والأجور والتعاطي الخارجي، ما يحيل القياس أو العمل وفق جزء اثني عشري من موازنة سابقة، تبرير أو تسويق، ليس إلا، بأن الحكومة تعمل وفق رؤية وليس خبط عشواء.

والحال ذاته ينسحب على موازنة العام المقبل التي توقع وزير المالية، محمد يسر برنية خلال مقابلة تلفزيونية (20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) أنها ستشهد فائضاً قليلاً، من دون أن يحدد قيمة تلك الموازنة أو حتى تقر من البرلمان أو يصدر بها مرسوم على اعتبار عدم وجود برلمان بسورية وقتذاك.

وعدم وجود موازنة عامة يعني ارتجالاً، ويعني غياب رقابة، ويعني فيما يعني أيضاً، إشارات استفهام وتعجباً حول الموارد والنفقات، ومن ثم قانون قطع الحسابات الذي يقول لنا ماذا نُفّذ وأين تم الاتفاق وما هي نسبة العجز أو الفائض.

عدم وجود موازنة عامة يعني ارتجالاً، ويعني غياب رقابة، ويعني فيما يعني أيضاً، إشارات استفهام وتعجباً حول الموارد والنفقات

وربما ثاني المشاهدات خلال العام الأول من عمر سورية ما بعد الأسد، كان نسف هوية سورية الاقتصادية المختلطة بالسابق، بين التخطيط المركزي والاقتصاد الاجتماعي، ليتم ومنذ الأيام الأولى لوصول إدارة الحكم الجديد، إعلان اقتصاد السوق الحر.

وبعيداً عن مخاطر التحول بالصدمة وما قد ينتج عنه من آثار، شكلية وبنيوية، على اقتصاد مهدم جراء الانفتاح ومنافسة عرجاء، أو على شعب يعيش أكثر من 90% منه تحت خط الفقر، عرفت الجمهورية الثالثة إدارة الاقتصاد بعيداً عن الانهيار، بل وأحدثت تحولات تحسب لها، سواء على صعيد توفير السلع والمنتجات وحوامل الطاقة، أو على مستوى تحسين مستوى المعيشة وزيادة الأجور ، أو وهو الأهم، حماية المنشآت والمؤسسات من الانهيار وإعلان الإفلاس.

ورغم أن الوقت مبكر لإطلاق الحكم على نجاعة النهج الجديد، بيد أن ما بين أيدينا من دلائل، ربما يؤكد صوابية القرار السوري الاقتصادي الذي جازف بقرار الانفتاح بخطوة تشبه المجازفة بالحرب على نظام الأسد وتحرير سورية، من دون أن يمد يده للمؤسسات المانحة أو المقرضة ويضع سورية الجديدة تحت وطأة الإملاءات أو وصفات المؤسسات المالية الدولية.

وتأتي خطوة تثبيت سعر الصرف، بعد تحسنه المباشر إبان التحرير، من الملاحظات التي تحسب لدمشق، فأن تعرف إدارة الحكم أو السلطة النقدية طريقة لمنع انهيار العملة السورية التي تفقد، عملياً وواقعياً، جميع مبررات الصمود واستمرار التداول بواقع نفاد كامل الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي وتراجع الإنتاج والتصدير، لحدود صفرية ربما، فهذا إنجاز وإن اعتمد على حوامل سياسية أو دعم خارجي أو اتكأ على عامل الثقة وآمال السوريين على المستقبل وليرتهم.

ليأتي قرار تبديل العملة بعد حذف أصفار، والتي قد نرى تداولها اليوم، خلال الذكرى الأولى للتحرير، خطوة متممة لهوية الجمهورية الثالثة، وإن فيها وعليها بعض المخاوف، على اعتبار سعر صرف العملة ومكافحة التضخم لا يتعلقان بشكل ولون وأرقام وحدة العملة النقدية، بقدر ما يرتبطان مباشرة بثقة المتعاملين والمدخرين ووجود المصارف وسهولة التعامل والتحويل، وبما تستند عليه من أرقام احتياطي وصادرات وعائدات سياحة.
وآخر الملاحظات الجليّة وأهمها ربما، هو الاستثمار وما قيل عن جذب سورية لنحو 30 مليار دولار، أو بصيغة أدق، التعاقد لجذب هاتيك المليارات والتي لا شك، لأن رأس المال محق وليس جباناً، تنتظر البيئة والمناخ وعوامل الجذب والاستقرار.

سعر صرف العملة ومكافحة التضخم لا يتعلقان بشكل ولون وأرقام وحدة العملة النقدية، بقدر ما يرتبطان مباشرة بثقة المتعاملين والمدخرين ووجود المصارف وسهولة التعامل والتحويل

وقلنا أهم الملاحظات لأن سورية لن تبدأ بالعد التصاعدي وبدء دوران عجلة الإنتاج وحركة الاقتصاد والنمو، من دون ضخ الأموال بعروق اقتصادها المهدم والمنهك، لأن الاعتماد على الموارد المحلية أو حملات التبرع التي رأيناها، خلال الأشهر الأخيرة، هي إسعافية وتقي سورية من الانهيار وتساعد اللاجئين والنازحين بترميم منازلهم وتأهيل المؤسسات الضرورية، لكنها لا تبني اقتصاداً يوازي الانفتاح السياسي أو حجم الآمال التي تبثها السلطة للشعب الفرح اليوم.

كما من الملاحظات الثانوية أو المساندة التي جاءت كضرورة سيرورة وانفتاح، رأينا المعارض المستمرة، القطاعية والثنائية مع دول أخرى، وتابعنا زيارات واتفاقات ومؤتمرات إعمار، إلى جانب إعادة هيكلة لشكل وبنية سورية الجديدة. والتي مجتمعة، تساند وتسرّع إن جاءت تالية للملاحظات الرئيسية وبمقدمتها تحقيق الاستقرار والأمان وخلق بيئة سورية جاذبة، بالتوازي مع بناء الثقة ومكافحة الفساد والتفاعل مع الخارج.

نهاية القول: واقعياً ووفق ما جرى ومتوقع أن يجري بالاستناد على الواقع والوقائع، يمكن القول، ورغم التحديات الماثلة والمخاطر المتوقعة جراء توحيد سورية جغرافياً، إن الجمهورية الثالثة حققت انفتاحاً سياسياً ودبلوماسياً يؤهلها لشراكات استراتيجية ومستدامة، بل وعودة سورية لمركز استراتيجي بالمنطقة، يوازي تراكمها الحضاري وما تكتنزه من ثروات وخبرات ورأسمال بشري.

وسرعة التحول، إن سارت الأمور من دون انفجارات أو تدخل خارجي، ستتعدى التوقعات التي صدرت قبل عام، وقت دخل الثوار دمشق فاتحين، فوقتها أو بعد ذاك بقليل، قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن سورية بحاجة إلى أكثر من 50 عاماً على الأقل، لاستعادة المستويات الاقتصادية إلى مرحلة ما قبل الحرب، معتمداً على حجم الخسائر الهائلة خلال معارك الثورة والتحرير المقدرة بنحو 800 مليار دولار وعلى تراجع الناتج الإجمالي بنسبة 50% ونسبة الفقر من 33 إلى 90%، من دون أن يأخذ التقرير الأممي المهني بالاعتبار، أن نجاح سورية قرار دولي ومشيئة إقليمية وتصميم داخلي، والتي عندهم، تسقط التوقعات العلمية أو تخيب على أقل تقدير.
--------
العربي الجديد


عدنان عبد الرزاق
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025