ربما تكون هذه الطرفة الشعبية الحلبيّة ترجمةً عاميّةً لبيتٍ قَالَهُ شاعرُ حلب، المتنبّي:
وإذا أتتكَ مَذمَّتِي مِن ناقصٍ فهي الشهادةُ لي بأنّي الكامِلُ
وهو البيتُ الشهيرُ الذي جعل أبا العلاء المعرّي يعودُ لأجلِهِ من بغداد إلى معرّة النعمان، ليعتكِفَ رَهِينَ مِحبَسَيهِ، بعد أن كانَ في مجلِس الشريف الرَضِيّ نقيبِ الطالبيين في بغداد؛ فسَمِعَه يُقلّلُ من شأنِ المتنبّي شاعِرِه المُفضّل؛ فلم يَسطِع سوى أن يَرُدَّ عليه:
عندها، فهِم الرَضِيُّ بأنّ أبا العلاء لا يقصِدُ مَطلعَ القصيدة، بل.. ذاكَ البيت الشهير: إذا اتتكَ مَذمّتي؛ فأمرَ غاضبًا، فسُحِبَ المعريُّ من رجليه إلى خارج مجلسه.
وتُروَى -أيضًا- تتِمّةٌ للواقعة.. ربّما أضافها “الوَرَّاقُون” ناسخو الكُتُبِ بالريشة والقِرطاس؛ بأنّ الرضي قد قال لحُرَّاسه:
– أخرِجُوا هذا الكلبَ الأعمى من مَجلِسِي.
عندها رَدَّ المعريُّ والحُرَّاسُ يسحبونه من قدميه:
للّه دَرُّ المعريِّ.. حين لم يُدوّنها جميعها؛ وتبًا للرضيّ حين نَسِي أغلبها؛ فقد حَرَمَا الفيسبوكيّين والمُغَرِّدين العرب، على وسائل الاتصال من استخدامها فيما بينهم.. للسَبِّ والشتائم.
ولهذا، أذكرهم بقصيدة الإمام جلال الدين السيوطيّ التي حاول فيها جَمَع سبعينَ اسمًا للكلب.. فلم يبلغها؛ بعد أن أضناهُ البحثُ في المعاجم والقواميس؛ وبين ألسنةِ العرب البائدة والعاربة والمُستَعرِبَة. سأورِدُها هاهنا بعد قليلٍ.. تعميمًا للفائدة وتنويعًا؛ فقد مَلَلنَا من تكرار الاسم الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد، بينما يتشدَّقُ الشتَّامون بأنهم مع التعدُّدِ والتعدُدِيّة، ثمّ يُخوِّنون بعضهم بعضًا، ويُكفِّرونَ بعضَهُم بعضًا، ويتراشقون بأسماء الحيوانات فيما بينهم.. يظلمون الحمار الذي لا يقعُ في حُفرةٍ مرّتين؛ والكلبَ الحارسَ الوَفِيَّ الذي لا يخطِف كالقطط طعامًا؛ وينبحُ في وجهِ كُلِّ غريبٍ ولِصّ؛ ويبتسم لصاحبه إذا أقبلَ؛ ويستوحِشُ إذا فارقه. حتى إن بريجيت باردو ترتعد فرائِصُها -وكانت تخلِبُ الألبابَ- من تشاتُمِهِم بأسماء الحيوانات؛ منذ أن أسَّست عام 1986 جمعيةً للدفاع عنها، لكنها لم تقل لنا إذا ما كانت تشمل حيوانات شرقستان أيضًا؛ بمن فيها: آلَ الوحش في سورية، ومن بينهم حيوانُ ترامب المُفضَّل؛ وسائر الطغاة بيننا ومِن حولِنَا.
أمّا أحدثُ التشبيهات الكلبيَّة، فانبثقت من ثلوج موسكو وتطاولت حتى وصلت دمشق حيثُ يَقعِي مُختارُ حَيِّ المهاجرين: دَنَب الكَلَب.
وهي تسميةٌ لم تخطر ببال السيوطيِّ ذاتِه -رحمه الله، ونفعنا من عِلمِه ومعرفته- حين أزاح عنّ أعيُنِنَا غشاوةَ جَهلِنا بمرادفاتِ اسم الكلب؛ ونختار منها تعميمًا لفائدة الشتائم الإلكترونية:
الباقِعُ- الأبقَعُ- الخَيطَلُ- السَخّامُ- العُربُجُ- الدِرباسُ- العَمَلّسُ- القُطرُبُ- الفَلحَسُ- الهَبلَعُ– الهِجرَعُ- العَولَق…إلخ.
وأشار السيوطيّ أنّ ما ينتج من زواج الكلب من الذئبة أو الثعلبة يُسَمَّى: الدَيسمُ والخَيعَهَى. وأبحرَ في العِلمِ؛ فانداح إلى الفصائل الكلبيّة؛ ومنها.. الهراقِلُ والقنادُسُ: كلابُ الماء، أمّا كلبة الماء فهي: القضاعة.
ومن أبناء آوى: الدَألُ- الذُؤلُ- النَوفَلُ- اللَعوَضُ- السَرحوبُ- العلّوش- الوَأوَاءُ…إلخ.
ثمّ ختم السيوطيّ قصيدتَهُ الراجِزةَ:
“هذا الذي مِن كُتُبٍ جَمَعتُهُ وما بدا مِن بَعدِ ذا ألحَقـتًهُ
والـحمدُ للّهِ.. هــنا تـَمَامُ ثـمَّ.. عـلى نَـبيّـِهِ الـسلامُ”.
وهكذا -أيضًا- سأنام الليلةَ قريرَ العينِ؛ حتى إذا نشرت (جيرون) مقامتي الساخرة، أفقتُ في الفيسبوك العربيِّ على صوتِ عِوَاءٍ “بالمَدّ والقَسرِ على استواءٍ”، مُتصَبِّحًا بتغريدٍ تويتريٍّ أغلبُهُ: ثِغَامٌ مديدٌ من “مقام النكريز”؛ مُفتخِرًا بشعوبنا، كلّما قال أحدٌ لأحدٍ:
“فغُضَّ الطَرفَ إنكَ من خَيطَلٍ فلا جروًا بَلَغتَ ولا كِلابا”.
--------------
جيرون
وإذا أتتكَ مَذمَّتِي مِن ناقصٍ فهي الشهادةُ لي بأنّي الكامِلُ
وهو البيتُ الشهيرُ الذي جعل أبا العلاء المعرّي يعودُ لأجلِهِ من بغداد إلى معرّة النعمان، ليعتكِفَ رَهِينَ مِحبَسَيهِ، بعد أن كانَ في مجلِس الشريف الرَضِيّ نقيبِ الطالبيين في بغداد؛ فسَمِعَه يُقلّلُ من شأنِ المتنبّي شاعِرِه المُفضّل؛ فلم يَسطِع سوى أن يَرُدَّ عليه:
- والله لو لم يكن للمتنبيّ من الشعر إلّا قَولُهُ:
عندها، فهِم الرَضِيُّ بأنّ أبا العلاء لا يقصِدُ مَطلعَ القصيدة، بل.. ذاكَ البيت الشهير: إذا اتتكَ مَذمّتي؛ فأمرَ غاضبًا، فسُحِبَ المعريُّ من رجليه إلى خارج مجلسه.
وتُروَى -أيضًا- تتِمّةٌ للواقعة.. ربّما أضافها “الوَرَّاقُون” ناسخو الكُتُبِ بالريشة والقِرطاس؛ بأنّ الرضي قد قال لحُرَّاسه:
– أخرِجُوا هذا الكلبَ الأعمى من مَجلِسِي.
عندها رَدَّ المعريُّ والحُرَّاسُ يسحبونه من قدميه:
- الكَلبُ.. لِمَن لا يعرِفُ لاسمِ الكلبِ سبعينَ اسمًا.
- هل يَحمِلُ ريشةً وكاغِذًا للكتابة؟!.
للّه دَرُّ المعريِّ.. حين لم يُدوّنها جميعها؛ وتبًا للرضيّ حين نَسِي أغلبها؛ فقد حَرَمَا الفيسبوكيّين والمُغَرِّدين العرب، على وسائل الاتصال من استخدامها فيما بينهم.. للسَبِّ والشتائم.
ولهذا، أذكرهم بقصيدة الإمام جلال الدين السيوطيّ التي حاول فيها جَمَع سبعينَ اسمًا للكلب.. فلم يبلغها؛ بعد أن أضناهُ البحثُ في المعاجم والقواميس؛ وبين ألسنةِ العرب البائدة والعاربة والمُستَعرِبَة. سأورِدُها هاهنا بعد قليلٍ.. تعميمًا للفائدة وتنويعًا؛ فقد مَلَلنَا من تكرار الاسم الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد، بينما يتشدَّقُ الشتَّامون بأنهم مع التعدُّدِ والتعدُدِيّة، ثمّ يُخوِّنون بعضهم بعضًا، ويُكفِّرونَ بعضَهُم بعضًا، ويتراشقون بأسماء الحيوانات فيما بينهم.. يظلمون الحمار الذي لا يقعُ في حُفرةٍ مرّتين؛ والكلبَ الحارسَ الوَفِيَّ الذي لا يخطِف كالقطط طعامًا؛ وينبحُ في وجهِ كُلِّ غريبٍ ولِصّ؛ ويبتسم لصاحبه إذا أقبلَ؛ ويستوحِشُ إذا فارقه. حتى إن بريجيت باردو ترتعد فرائِصُها -وكانت تخلِبُ الألبابَ- من تشاتُمِهِم بأسماء الحيوانات؛ منذ أن أسَّست عام 1986 جمعيةً للدفاع عنها، لكنها لم تقل لنا إذا ما كانت تشمل حيوانات شرقستان أيضًا؛ بمن فيها: آلَ الوحش في سورية، ومن بينهم حيوانُ ترامب المُفضَّل؛ وسائر الطغاة بيننا ومِن حولِنَا.
أمّا أحدثُ التشبيهات الكلبيَّة، فانبثقت من ثلوج موسكو وتطاولت حتى وصلت دمشق حيثُ يَقعِي مُختارُ حَيِّ المهاجرين: دَنَب الكَلَب.
وهي تسميةٌ لم تخطر ببال السيوطيِّ ذاتِه -رحمه الله، ونفعنا من عِلمِه ومعرفته- حين أزاح عنّ أعيُنِنَا غشاوةَ جَهلِنا بمرادفاتِ اسم الكلب؛ ونختار منها تعميمًا لفائدة الشتائم الإلكترونية:
الباقِعُ- الأبقَعُ- الخَيطَلُ- السَخّامُ- العُربُجُ- الدِرباسُ- العَمَلّسُ- القُطرُبُ- الفَلحَسُ- الهَبلَعُ– الهِجرَعُ- العَولَق…إلخ.
وأشار السيوطيّ أنّ ما ينتج من زواج الكلب من الذئبة أو الثعلبة يُسَمَّى: الدَيسمُ والخَيعَهَى. وأبحرَ في العِلمِ؛ فانداح إلى الفصائل الكلبيّة؛ ومنها.. الهراقِلُ والقنادُسُ: كلابُ الماء، أمّا كلبة الماء فهي: القضاعة.
ومن أبناء آوى: الدَألُ- الذُؤلُ- النَوفَلُ- اللَعوَضُ- السَرحوبُ- العلّوش- الوَأوَاءُ…إلخ.
ثمّ ختم السيوطيّ قصيدتَهُ الراجِزةَ:
“هذا الذي مِن كُتُبٍ جَمَعتُهُ وما بدا مِن بَعدِ ذا ألحَقـتًهُ
والـحمدُ للّهِ.. هــنا تـَمَامُ ثـمَّ.. عـلى نَـبيّـِهِ الـسلامُ”.
وهكذا -أيضًا- سأنام الليلةَ قريرَ العينِ؛ حتى إذا نشرت (جيرون) مقامتي الساخرة، أفقتُ في الفيسبوك العربيِّ على صوتِ عِوَاءٍ “بالمَدّ والقَسرِ على استواءٍ”، مُتصَبِّحًا بتغريدٍ تويتريٍّ أغلبُهُ: ثِغَامٌ مديدٌ من “مقام النكريز”؛ مُفتخِرًا بشعوبنا، كلّما قال أحدٌ لأحدٍ:
- فَلحِس -إعوِ- كما تشاء.
“فغُضَّ الطَرفَ إنكَ من خَيطَلٍ فلا جروًا بَلَغتَ ولا كِلابا”.
--------------
جيرون