نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


طاهية مغربية نشرت روح المطبخ المغربي في أشهر مطاعم العالم





مدريد - راكيل ميجل – اكتشفت الطاهية المغربية نجاة كناش الفانيليا في الأيس كريم، الذي كانت تهديه لها السنيورة باتشيتا بميدان بلدة أوريو في مدينة جيبوثكوا، بإقليم الباسك شمال إسبانيا، حيث نشأت وترعرت. علق هذا الطعم بذاكرة التذوق لدى ابنة المهاجرين المغاربة، ليصبح مصدرا لإثارة فضولها النهم والذي يدفعها الآن للبحث في جميع أنحاء العالم عن خبرات إنسانية تنكه بها ما تقدمه من فنون الطهي بروح مغربية.


 

بالرغم من أعوامها الأربعين، عملت نجاة في مطاعم عالمية حاصلة على العديد من نجمات ميشلين، أعلى تقدير دولي لفنون الطهي، ومن بينها مطعم الشيف الإسباني فيران أدريا "البولي" في جيرونا، الذي استقرت به حاليا، "نورما" في كوبنهاجن، "فرنش لاندري" في كاليفورنيا، الـ"بير سي" في نيويورك و"الينيا في شيكاغو. كما شملت رحلاتها الاستكشافية لمطابخ العالم، كلا من إيران، وأفغانستان، والبرازيل، وتشيلي، ونيكارجوا والمكسيك، ليطلق عليها عن جدارة "الشيف الرحالة"، بينما يؤكد فيران ادريا أنها "تمثل الروح المغربية".

بملامحها ولون بشرتها اللذان يعكسان حرارة شمس القارة السمراء، لكنتها مكسيكية، وأسلوبها باسكي، تعتبر نجاة تجسيدا لروح اللامحدودية والتنوع لامرأة عالمية، أثارت ضجة مؤخرا، حيث تجمع بين الطهي والتدريس وإلقاء المحاضرات في جامعتي هارفارد ونيويورك، كما تقدم برنامجا تليفزيونيا عن الطهي المغربي، وبعد أن افتتحت عددا من المطاعم في الولايات المتحدة والمكسيك، عادت إلى المغرب لتنشئ مشروعها للطهي في مدينة فاس.

تروج من خلال هذا المشروع لمبادرة "ست مكونات" أو " Six Ingredients"، وهي مبادرة تضامنية ولدت في المكسيك، وتربط حاليا بين عالمين، ترى نجاة أنه تجمعهما الكثير من الجوانب المشتركة، ويبرز من بينها الارتباط بالأرض، ثقافة تناول الطعام وكرم الضيافة. وقد أجرت وكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) مقابلة مع نجاة في مدريد بمناسبة إقامة ندوة لها بمقر مؤسسة البيت العربي بالعاصمة الإسبانية.


"العناصر الستة السحرية، هي الحواس الخمسة فضلا عن الضمير الحي، الذي يدفع على التدبر والتأمل، وحل المشاكل والتقدم"، توضح الطاهية المغربية العالمية، مؤكدة أنها "وصفة يمكن تطبيقها في أي مكان في العالم، وقد بدأت تجربتها في المكسيك".
بدافع الحماية والدفاع عن منشأ المنتجات من خلال الزراعة، أو التعليم، أو احترام البيئة، بدأت في حفر آبار في المكسيك، واستعمال الذرة بعد طحنها بالرحاية اليدوية في مدن مثل تشياباس وتباسكو. "في الريف المكسيكي، بعدما عملت مع ناس تتغذى بصفة أساسية على ثلاثة عناصر، تعلمت أشياء لا يمكن أن تتعلمها في أي مطبخ أو أكاديمية".

دفعها هذا الشغف باستعادة المنتج الجيد التقليدي الآن إلى القيام بمبادرة مماثلة في المغرب ولكن مع القمح، حيث افتتحت مطعما مقسما لأربعة أجنحة: "نور"، والمكسيكي "ناتشو ماما"، وقسم الشيكولاتة والأيس كريم "هارموني"، والإيطالي الذي تسعى من خلاله لتوفير فرص عمل لسيدات بلا دخل، لكي يحصلن على أجر ثابت، وضمان اجتماعي أو لكي تتمكن من إرسال أبنائهن إلى المدرسة.
 
يشمل نشاط مبادرة نجاة، بدءا من نثر البذور، حتى إعداد الخبز أو الكسكسي، وصولا إلى إعداد قوائم الطعام الراقي. توضح نجاة "أصبح الطهي بالنسبة لهن وسيلة للحرية والاستقلالية، وهي أمور يصعب تحقيقها هناك"، كما تضيف "أحب العمل مع السيدات، رؤية الابتسامة على وجوههن، عندما تعشن لكي تحول انكساراتها وآلامها إلى انتصارات".
 
أثناء وجودها في إسبانيا، شاركت نجاة في المنتدى الدولي "نساء غيرن العالم"، الذي عقد مؤخرا في مدينة سيجوبيا، والذي ركز على مناقشة أوضاع المرأة، حيث أكدت "سوف نحاول تنظيم منتدى مماثل في شمال أفريقيا، لأننا جميعا بوسعنا أن نكون أشخاصا فاعلين يغيرون العالم".
 

حملت نجاة مبادرتها للتغيير حتى المناطق الريفية، حيث تتذكر "في طفولتي كنا نجمع القمح وبمساعدة الخيل كنا نقوم بعملية فصل القشور "التذرية" يديويا، لنطحنة بالرحاية الحجرية، يدخل القمح بذورة من فتحة، ليخرج من بين شقيها دقيقا، يسيل لعابنا لتحويلها خبزا، وهي أمور لم يعد لها وجود هذه الأيام، حيث يلاحظ فقدان القمح الجيد في المغرب وبالمثل الذرة الجيدة في المكسيك".
 
ولهذا تحاول استنقاذ هذه التقاليد، بينما تواصل البحث عن بذور في أماكن أخرى يمكن جلبها إلى المغرب، وقد أنشأت بالفعل مزرعة "كينوا" في ضواحي الرباط، في محاولة منها لزراعة حبوب مختلفة تستخدم في عمل طبق الكسكسي المغربي الشهير، أخذا في الاعتبار أن النشويات التي تتحول إلى سكر في الدم، هي السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري في المغرب.
 

ومن ثم تطرح نجاة من خلال مدينة فاس ملامح مطبخها ليجمع بين التراث المغربي التقليدي، مضافا إليه تفاصيل استلهمتها من بلدان أخرى أثرت حسها وخبرتها، لأن مطبخ نجاة قائم على الروائح والألوان والذاكرة، من تلك الذكريات عن طفولتها عندما كانت تتناول أفضل أنواع سمك الشبوط في العالم وأيس كريم الفانيليا في إقليم الباسك، قبل أن تهبط إلى بلد آبائها لتغوص في فنون الطهي المغربية التقليدية بعالمه المميز بفضل طعومه وتوابله.
 

كما تتذكر عن طفولتها الرحلات الطويلة مع الوالد حينما كان يقود سيارته من أقصى شمال إسبانيا إلى الجنوب وعبور المضيق إلى المغرب، قاطعين كل شبة جزيرة أيبيريا، بينما لا يتناولون سوى شطائر التونة وتورتيلا البطاطس، لتنطلق بعد ذلك في رحلات أبعد حملتها عبر الأطلنطي إلى المكسيك والولايات المتحدة ومعظم دول أمريكا اللاتينية. "كنت طفلة تحلم بالفانيليا فعثرت على الكاكاو"، تلخص نجاة رحلة حياتها مع عالم الطهي بهذه العبارة البسيطة.
 

تستخدم نجاة الكاكاو لإضافة نكهة مختلفة على "دجاج الطاجن" المغربي الشهير، فيما يشبه نموذج تعاون "الجنوب الجنوب" من خلال الطهي، مع الحفاظ على احترام البيئة المحيطة "لو تناولت هذا النوع من الدجاج دون أن تدري سوف تعتقد أنه مغربي، وأنك في المغرب. إلا أن المذاق المغربي تتداخل فيه نكهات تضفي لمسة لاتينية"، توضح الطاهية المغربية، فيما تؤكد أن هذا كان بداية اكتشافها لأوجه الشبة المشتركة بين أمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا.
 
تقول نجاة "ستجد في أمريكا اللاتينية أيضا آثارا واضحة للقرون السبعة من الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا. أبسط مثال على ذلك أن أول مئة مهاجر إسباني إلى مدينة بويبلا المكسيكية كانوا يمثلون مزيجا مدهشا من الدم الإسباني والعربي: اللغة العربية حاضرة في أسماء مدن وأدوات مثل وادي الحجارة (جوادالاخارا) والطاجن، وكذلك في طرق تناول الطعام وإعداد اللحم الحلال وفي التمييز بين التوابل والصلصات خصوصا صلصة "المولي المكسيكية" التي تعد من الشيكولاتة والفلفل الحار".
 
تؤكد الطفلة الفقيرة التي صارت طاهية عالمية تناطح الآن كبار شيفات العالم أنه لا توجد وصفة محددة للنجاح، ومن ثم تؤكد أن "النجاح هو محصلة العديد من المحاولات الفاشلة"، إلا أن في صميم ذاتها تشع إصرارا ودأبا وحرصا على الابتكار ساعدها على دخول مطابخ أهم مطاعم في العالم من أوسع الأبواب "بقوة وشجاعة، وإصرار على عدم الاستسلام، سوف أظل أمارس الطهي حتى آخر يوم في عمري"، تصر نجاة.

راكيل ميجل
الاربعاء 11 أبريل 2018