نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


عاجل إلى صديقي أحمد داود أوغلو






صديقي العزيز الدكتور أحمد داود أوغلو!
مثلما لا وقت عندي كي أبدأ رسالتي المفتوحة هذه بمقدمة تليق بمقامك، أعرف أنك لست بحاجة إليها، ولا وقت عندك لقراءتها أصلا. ولهذا أدخل مباشرة فيما أود قوله لك جهراً وعلانية.


صديقي العزيز؛ تعرف، وأعرف، ويعرف العرب والعالم الآن أن قوات النظام السوري قتلت أكثر من 120 مواطناً سوريا في يوم واحد (الجمعة العظيمة 22 أبريل 2011)، هذا لو اكتفينا فقط بضحايا يوم واحد فقط. وتعرف، وأعرف ، ويعرف العرب والعالم أن قوات هذا النظام السوري لم تقتل جندياً إسرائيلياً واحداً من الذين يحتلون هضبة الجولان منذ 43 عاماً. وتعرف، وأعرف، ويعرف العرب والعالم أن حكومتكم لا زالت تقف "حائرة" بين ما تراه من دماء ذكية مسفوكة بيد أعوان النظام السوري، وبين مصالحها الاقتصادية وتعهداتها السياسية مع هذا النظام.

واسمح لي أن أقول لك بكل إخلاص وصراحة: إذا استمر موقف الحكومة التركية على ما هو عليه من ثورة الشعب في سوريا ضد الاستبداد والفساد وطلباً للحرية والإصلاح؛ فسوف يقضي هذا الموقف على ما تبقى من ملامح إيجابية لصورة تركيا في العالم العربي؛ ليس فقط وإنما سيهدم "النموذج" التركي في الإصلاح والتحول الديمقراطي في نفوس وعقليات كثير من القوى والجماعات والأحزاب السياسية العربية التي ظلت تتطلع إليه، وتسعى للاقتداء به طوال ثماني سنوات مضت. مرة أخرى أكرر القول: إن صورة تركيا تحترق هذه الأيام في حلقات النقاش السياسي العربي المحتدم من المحيط إلى الخليج بسبب موقف حكومتكم المتخاذل من ثورة الشعب السوري، والبعض يقول بسبب موقف حكومتكم المتواطئ مع نظام دكتاتوري فاسد.

أقول هذا، وقد قلتُ قبل ذلك في الفضائيات وكتبتُ في الصحف -ومنها السبيل الأردنية بتاريخ 10 أبريل الجاري- إن موقف تركيا الغامض والمرتبك من الثورة الليبية أدى إلى تمزيق صورتها في العالم العربي. وفسرت ذلك الارتباك والغموض بأنه "موقف استباقي" لموقف تركي سيكون أكثر إحباطاً لنا، وأشد غموضاً تجاه الحليف السوري إذا اتسع نطاق الاحتجاجات وتحولت إلى ثورة شعبية ضد نظام الأسد. وصدق ما ذهبتُ إليه، فها هو ذا موقف الحكومة التركية يتلطف في "نصائحه" للنظام السوري ويلين له القول، وكذلك تفعل أغلب وسائل الإعلام التركية، وخصوصاً تلك المقربة من حكومتكم، بما فيها قناة "تي. آر. تي" التركية الناطقة بالعربية؛ فهي لا تنقل للشعب التركي إلا ما تقوله وكالة الأنباء العربية السورية (سانا). و"سانا" كما يعرف الجميع هي وكالة تشبه وكالة تاس السوفييتية، عفا عليها الزمن من فرط نطقها فقط بلسان النظام التوتاليتاري.

صديقي العزيز: أعرف، وتعرف جيداً، أنكم في تركيا رسمياً وشعبياً فوجئتم بيقظة الشعوب العربية، وبتحركها الثوري المتنامي من المحيط إلى الخليج، وربما أدهشتكم مقدرة شعوبنا العربية على اقتلاع أنظمة الاستبداد والفساد والقمع الأمني. ونعرف أنكم حاولتم استيعاب صدمة هذه المفاجأة، فأعلنتم تأييدكم لثورة الشعب التونسي متأخرين كثيراً وبعد أن تأكد هروب بن علي وسقوط نظامه. ثم سعيتم بخطى أسرع قليلاً فأيدتم ثورة الشعب المصري وطالبتم علناً وبقوة برحيل الرئيس السابق مبارك، وتكلم رئيس وزرائكم رجب أردوغان بلغة بالغة التأثير عندما قال وهو يعظ مبارك ويناشده الرحيل: "نحن بشر، نحن فانون . لن نبقى على وجه الأرض للأبد".

ولكن بدلاً من أن يستمر موقف حكومتكم في الاتجاه الصحيح ويحافظ على المبادرة إلى مساندة مطالب الشعوب العربية في الحرية والإصلاح والقضاء على الأنظمة الفاسدة، إذا بكم تفاجئوننا بموقفكم "المرتبك" ثم "المريب" من ثورة الشعب الليبي لنيل حريته من نظام استبد أكثر من أربعة عقود. ثم تحبطوننا إحباطاً هائلاً بموقفكم المتراخي من ثورة الشعب السوري العظيم الذي لم يطالب إلا بالحد الأدنى من حقوقه في الحرية والكرامة الإنسانية. تخيل يا صديقي أن بلدك تركيا فيها اليوم "قانون" مثل القانون السوري رقم 45 لسنة 1966 الذي يحرم على المواطنين تربية الحمام الزاجل، ويعاقب من يضبط بتربيته بالسجن والغرامة، ولتكتمل الصورة البدائية للنظام الاستبدادي فإن ذلك القانون يقضي بأن يتم التمييز بين الحمام الزاجل وغير الزاجل بتعليمات تصدر عن وزارة الدفاع! طبعاً نحن نعرف أن ذلك القانون كان لأغراض تتعلق بحرمان المعارضين من تبادل المعلومات عن طريق الحمام الزاجل في الستينيات من القرن الماضي! ولكن ما معناه اليوم بالله عليك؟ وماذا كنت ستفعل، وماذا كان سيفعل الشعب التركي لو عندكم مثل هذا القانون حتى ولو لم يكن مفعلاً لفوات عصره وذهاب أوانه؛ ولم يبق إلا أنه يجلب سخرية العالم واستهزاءه؟. تخيل أن لديكم اليوم قانون يعفي منتسبي الأجهزة الأمنية من أية مساءلة أو ملاحقة قانونية عن أي أعمال يقومون بها أثناء تأدية واجباتهم الأمنية، والتي قد تشمل التعذيب حتى الموت!! ماذا كنت ستفعل أو يفعل شعبكم التركي العظيم؟. ماذا كنت ستفعل لو أن لديكم اليوم قانون مثل القانون رقم 49 لسنة 1980 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين!! بعد أن سحق النظام أكثر من ثلاثين ألفاً منهم في حماة سنة 1980م؟؟.

صديقي الوزير المحترم: أعرف أن حكومتكم صرحت ونصحت الرئيس بشار بأن يسرع في الإصلاحات، وأن يكون شجاعاً في تنفيذها بأقرب وقت ممكن. ولكن هل تعتقدون حقاً أن مثل هذا النظام ينفع معه النصح؟. وماذا أنتم فاعلون بعد أن خذلكم وأصم أذنيه عما تقولونه له، وبالغ في الولوغ في دماء أبناء سوريا الأطهار الأحرار؟. كل ما أتمناه يا صديقي هو أن لا تقع أسير الدعاية السورية وأبواق النظام البعثي.

وتعال نناقش الحجج التي يسوقونها لتبرئة ساحة النظام من دماء الثوار الأبرياء: يقولون إن ثمة عصابات مسلحة هي التي تقتل المتظاهرين والمحتجين. بينما يقول الثوار إن من يقتلهم هي قوات الأجهزة الأمنية.

لو كان الذين يطلقون النار من منتسبي الأجهزة الأمنية السورية -كما يقول الثوار- فمعنى هذا أنه نظام مجرم يجب إزالته بعد أن أزهق أرواح هذا العدد الهائل من مواطنيه. ولو كان الذين يقتلون الثوار هم عصابات مسلحة وشبيحة -كما يقول النظام وأعوانه- فمعنى هذا أنه نظام عاجز عن حفظ أمن المواطنين، ومن ثم يجب أن يرحل لفشله في أقدس مهمة لأي سلطة في الدنيا وهي حفظ الأمن. وفي الحالتين فهو نظام لا يستحق أن يحظى بتأييد حكومة محترمة مثل الحكومة التركية. وفي الحالتين فإن الشعب السوري هو الأبقى وهو الأولى بأن تمدوا له أيديكم بالمساعدة -قدر استطاعتكم- أو على الأقل تكفوا عن تأييد النظام الذي يقتل شعبه، أو بالأقل يعجز عن حماية أوراحهم من "الشبيحة".

صديقي الوزير المحترم: ماذا تنتظرون؟ ومم تتخوفون؟. أتنتظرون حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الثورة السورية؟ فإن انبلج فجر حرية الشعب وانتصرت الثورة قلتم نحن معكم، وإن كانت الأخرى قلتم نحن مع الاستقرار والنظام؟. وإذا كان هذا هو منطقكم الذي تفكرون به؛ فهل تراه قائماً على مبادئ أخلاقية ثابتة؟. أرجو أن لا تغضب لأنك تعلم أنني كنت أكثر الذين أشادوا بكم وبسياساتكم البارعة، وكانت حجتي الأساسية هي أن سياستكم تكاد تكون الوحيدة في عالمنا الراهن التي تستعيد الأخلاق إلى عالم السياسة، وترد الروح إلى جسدها الذي أنهكته الميكيافيلية العارية عن الأخلاق.

ومم تتخوفون بالله عليكم؟ أمن نظام آخر جديد سيخلف "نظام البعث" الذي انقرض ولم يعد له وجود إلا في هذا البلد العريق؟. وما السبب الذي يجعلكم تفترضون أن نظاماً آخر يحل محل نظام الأسد سيكون أقل نفعاً لكم، أو أكثر ضرراً بمصالحكم؟ ولماذا لا نقول إن العكس تماماً هو الأرجح، وإن ما ستحققه السياسة التركية على الأجلين القريب والبعيد بتأييد الثورة العربية -في سوريا وفي غير سوريا- سيكون أكبر وأنفع لجهة تمكين تركيا من أداء دور إقليمي فاعل حسب سياستكم البارعة التي وضعتم مبادئها ومضيتم في تنفيذها بنجاح تلو نجاح؟

صديقي الوزير المحترم: لن أنسى يوماً قلت لي فيه: إن من أسباب فشل السياسة التركية في العالم العربي منذ تأسيس الجمهورية إلى مطلع القرن الواحد والعشرين هو أن الساسة الأتراك "فقدوا الإحساس بنبض الشارع العربي"؛ واليوم أخشى ما أخشاه أنكم أيضاً في حكومة العدالة والتنمية بدأتم تفقدون الإحساس بنبض الشارع العربي. وظني أن الفرصة لا زالت سانحة أمامكم فلا تضيعوها. وهذا رأيي ومن جاء برأي آخر أنفع لشعبنا العربي وشعبكم التركي قبلناه.

د. إبراهيم البيومي غانم
السبت 7 ماي 2011