1. علاقته بالفلاسفة الوجوديين الأوروبيين
عبد الرحمن بدوي يُعدّ أول فيلسوف وجودي مصري، وقد تأثر بشكل كبير بالفلسفة الوجودية الأوروبية، خاصة أعمال مارتن هايدجر، سورين كيركيجارد، وجان بول سارتر، وكارل ياسبرس. تأثره بهؤلاء الفلاسفة لم يكن مجرد تلقٍّ، بل كان تفاعلاً نقديًا وإبداعيًا، حيث حاول توطين الوجودية في السياق العربي الإسلامي.
مارتن هايدجر: يُعتبر هايدجر (1889-1976) المؤثر الأكبر على بدوي، حيث تأثر بمفاهيمه حول الوجود، العدم، والقلق. في رسالة الدكتوراه التي ناقشها بدوي عام 1944 بعنوان "الزمن الوجودي"، تناول مشكلة الموت والزمان في الفلسفة الوجودية، مستلهمًا أفكار هايدجر، خاصة من كتابه "الكينونة والزمان" (Sein und Zeit). بدوي رأى في مفهوم القلق عند هايدجر أداة لإيقاظ الإنسان من "السبات الوجودي"، حيث يقول: "ليس القلق هو الذي يوجد العدم، بل هو فقط الذي ينبه الإنسان إلى وجوده". كما أن إقامة بدوي في ألمانيا خلال دراسته (1934-1937) سمحت له بتفاعل مباشر مع الأجواء الفكرية التي شكلت فلسفة هايدجر.
سورين كيركيجارد: بدوي رأى في كيركيجارد (1813-1855) أبا الفلسفة الوجودية، وقد أشار إلى أربعة فلاسفة (هايدجر، ياسبرس، سارتر، ومارسيل) كتلامذة فكريين لكيركيجارد، رغم أنهم لم يكونوا معاصرين له مباشرة. بدوي أعجب بتركيز كيركيجارد على الفردية والقلق الوجودي، وهو ما انعكس في كتاباته عن الوجود والحرية.
جان بول سارتر: على الرغم من تأثره بسارتر (1905-1980)، إلا أن بدوي كان نقديًا تجاهه. في سيرته الذاتية، وصف سارتر بأنه "ميع الوجودية"، معتبرًا إياه كاتبًا مسرحيًا أكثر منه فيلسوفًا. كما اتهمه بالتعاطف الضمني مع الصهيونية، مما يعكس موقف بدوي السياسي والفكري المناهض للاستعمار والصهيونية. هذا النقد يبرز نزعة بدوي العربية الإسلامية التي تجلت في مرحلة لاحقة من حياته.
كارل ياسبرس: بدوي تناول ياسبرس (1883-1969) في سياق بحثه عن الفلسفة الحقيقية، مشيرًا إلى تحول ياسبرس نحو الفلسفة بعد إدراكه أن الجامعات تفتقر إلى "فلسفة حقيقية". في كتاباته، أشار بدوي إلى أن ياسبرس جعل الفلسفة واجبًا وغاية، رافضًا النظر إليها كمجرد نظرية معرفة أو تجميع للمذاهب.
2. علاقته بالفلاسفة والمفكرين العرب
بدوي كان شخصية مثيرة للجدل في الأوساط الفكرية العربية بسبب نقده الحاد لبعض رموز الفكر العربي. في مذكراته التي نُشرت عام 2000، هاجم عددًا من المفكرين العرب البارزين، مما أثار ضجة كبيرة.
طه حسين: على الرغم من إشادة طه حسين ببدوي أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه عام 1944، حيث قال: "أشاهد فيلسوفًا مصريًا للمرة الأولى"، إلا أن بدوي هاجمه لاحقًا في مذكراته، متهمًا إياه بالعمالة للأجهزة الأمنية. هذا النقد يعكس نزعة بدوي المناهضة لما اعتبره تساهلاً مع السلطة.
عباس محمود العقاد، أحمد أمين، زكي نجيب محمود، وتوفيق الحكيم: بدوي وجه انتقادات لاذعة لهؤلاء في مذكراته، معتبرًا أن إسهاماتهم الفكرية لا ترقى إلى مستوى الأصالة الفلسفية. هذه الانتقادات أثارت استياء المثقفين العرب، الذين اعتبروا هؤلاء رموزًا للفكر العربي الحديث.
محمد عبده: بدوي هاجم الشيخ محمد عبده، معتبرًا أن إصلاحاته الفكرية لم تكن كافية لمواجهة تحديات العصر. هذا النقد يعكس رؤية بدوي التي تسعى إلى تجديد الفكر العربي بما يتجاوز الإصلاحات التقليدية.
3. علاقته بمفكرين آخرين وموقفه من التيارات الفكرية
بدوي لم يقتصر على التفاعل مع الوجوديين أو المفكرين العرب، بل كان له موقف نقدي من تيارات فكرية وأدبية عالمية. على سبيل المثال:
نقده للحركات الأدبية الحديثة: هاجم بدوي تيارات مثل الدادية، السريالية، والعبثية، معتبرًا إياها "غامضة وغير مفهومة". هذا النقد يعكس تمسكه بمفهوم الفلسفة كبحث عن الحقيقة الواقعية والوجودية.
موقفه من المستشرقين: في كتابه "موسوعة المستشرقين"، انتقد بدوي عددًا من المستشرقين مثل مرجليوث، معتبرًا ادعاءاتهم حول الإسلام والقرآن "صبيانية وسخيفة". دافع عن النبي محمد والقرآن في كتابين لاحقين هما "دفاع عن محمد ضد منتقديه" و"دفاع عن القرآن ضد الطاعنين"، مما يعكس تحولًا في فكره نحو الدفاع عن الإسلام.
إعجابه بالفكر الألماني: بدوي أبدى إعجابًا كبيرًا بالفلسفة الألمانية، خاصة أعمال هيجل، نيتشه، وهايدجر، وقد ألّف كتبًا رصينة عنهم. كما تأثر بالمثالية الألمانية، وهو ما انعكس في إتقانه للغة الألمانية وترجماته منها.
4. تحول فكره وعلاقته بالإسلام
في مرحلة لاحقة من حياته، تحول بدوي من التركيز على الوجودية إلى الدفاع عن الإسلام، وهو ما أثار نقاشًا حول ما إذا كان هناك تناقض بين وجوديته وإسلامه. بدوي نفسه نفى هذا التناقض، مؤكدًا أنه كان يعمل على جبهتين: الفلسفة العامة (بما فيها الوجودية) والفكر الإسلامي. كتب عن "روح الحضارة العربية" و"تاريخ الإلحاد في الإسلام"، مما يظهر اهتمامه بتوطين الفلسفة في السياق الإسلامي.
5. خلاصة العلاقات الفكرية
علاقات عبد الرحمن بدوي مع فلاسفة عصره تميزت بالتفاعل العميق مع الوجودية الأوروبية، خاصة هايدجر وكيركيجارد، مع نقد حاد لبعض الوجوديين مثل سارتر. في السياق العربي، كان نقده اللاذع لرموز الفكر العربي مثل طه حسين والعقاد يعكس رغبته في تجديد الفكر العربي. موقفه من المستشرقين والتيارات الأدبية الحديثة يبرز نزعته العربية الإسلامية، التي تجلت بشكل أوضح في أواخر حياته. هذا التفاعل المتنوع جعل بدوي شخصية فريدة، تجمع بين الوجودية والإسلام، وبين النقد والإبداع.
المراجع
-: عبد الرحمن بدوي (Author of من تاريخ الإلحاد في الإسلام) - www.goodreads.com[](https://www.goodreads.com/author/show/2706100._) (http://www.goodreads.com[](https://www.goodreads.com/author/show/2706100._))
-: download books abd alrahman badawi pdf - Noor Library - www.noor-book.com[](https://www.noor-book.com/en/ebooks-Abdul-rahman-Badawi-pdf) (http://www.noor-book.com[](https://www.noor-book.com/en/ebooks-Abdul-rahman-Badawi-pdf))
-: عبقرية الدكتور عبد الرحمن بدوي | الجزيرة نت - www.aljazeera.net[](https://www.aljazeera.net/.../%25D8%25B9%25D8%25A8%25D9...) (http://www.aljazeera.net[](https://www.aljazeera.net/.../%25D8%25B9%25D8%25A8%25D9...))
-: فلسفة عبد الرحمن بدوي والعودة إلى الإسلام - إسلام أون لاين - islamonline.net
-: عبد الرحمن بدوي Quotes (Author of من تاريخ الإلحاد في الإسلام) - www.goodreads.com[](https://www.goodreads.com/author/quotes/2706100._) (http://www.goodreads.com[](https://www.goodreads.com/author/quotes/2706100._))
-: عبد الرحمن بدوي - ويكيبيديا - ar.m.wikipedia.org
-: عبد الرحمن بدوي في سيرته: سيرة ذاتية أم ملحمة؟ - www.noonpost.com[](https://www.noonpost.com/content/41694/) (http://www.noonpost.com[](https://www.noonpost.com/content/41694/))
-: عبد الرحمن بدوي .. رحلة فيلسوف من الوجودية إلى الإسلام - mawhopon.net
Abdul Rahman Badawi (1917-2002), one of the most prominent Arab philosophers of the twentieth century, is considered the pioneer of existential philosophy in the Arab w...