نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


عبودية القرن ... المغربلون أو "جامعوا الحصى" أحدث مهنة خلفها الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة




غزة - عماد الدريملي - يتدافع عشرات الشبان الفلسطينيين إلى الحفر في أراض صحراوية في قطاع غزة ليس للتنقيب على بترول أو ذهب بل لاستخراج الحصى وجمعها تمهيدا لإعادة استخدامها في أعمال البناء لأنه محظور دخولها إلى القطاع المحاصر ،وعلى ما يواجهونه من شقاء ومتاعب في أعمال الحفر التي تتم بوسائل بدائية يجد هؤلاء الشبان في هذه الأعمال مصدر دخلهم الوحيد حيث يستعيضون فيه لمواجهة الظروف الاقتصادية الخانقة لسكان القطاع المتهالك اقتصاديا


غزاويون ينقبون عن الحصى لإعادة استخدامها في أعمال البناء
غزاويون ينقبون عن الحصى لإعادة استخدامها في أعمال البناء
وتعتبر هذه المهنة أحدث أساليب سكان غزة للتغلب على الحصار الإسرائيلي المفروض منذ نحو ثلاثة أعوام خصوصاً مع تفاقم معدلات البطالة وارتفاع مستويات الفقر والحاجة الماسة لمواد البناء التي يمنع إدخالها عبر المعابر.

ويتحامل الشاب محمود أبو طه على نفسه وهو ينقب عن الحصى في أرض نائية شمال قطاع غزة محاولاً التغلب على ظروفه المعيشية على ما يمثله ذلك له من شقاء منذ ساعات الصباح الأولى حتى المساء.

يقول أبو طه وهو يحفر بين الكثبان الرملية إنه ما كان له أن يوافق على هذا العمل لولا البطالة والعوز الشديد منذ عامين.

ويؤمن هذا العمل مردودا ماديا جيدا حيث يتم بيع "التنكة" الواحدة منه بستة شواكل (دولار ونصف أمريكي)، علما بأن أصحاب شركات مواد البناء يبيعونها بعد طحنها بالكسارة باثني عشر شيكلا (الدولار = 3.86 شيكل)

ويتطلب من أبو طه وأقرانه العمل على استخراج الحصى ونقلها إلى سيارات خاصة مشيا على الأقدام وأحيانا عبر استخدام العربات التي تجرها حمير.

وتمر عملية جمع الحصى بمراحل متعددة تبدأ بالحفر في الأرض لعدة أمتار حتى الوصول إلى تربة "حصوية" من خلال الفأس ثم يتم فصل الحصى عن الرمل باستخدام "المنخل"، وبعد ذلك يتم فرز الحصى حسب أحجامها ووضعها في أكياس لإيصالها إلى تجار مواد البناء.

ويقول تاجر مواد بناء من مدينة خان يونس جنوب غزة عرف عن نفسه باسم أبو كامل إن مهنة استخراج الحصى من تحت الأرض باتت تجذب عائلات بأكملها للحصول على أي دخل مادي.

ويقارن أبو كامل بين مشهد هذه العائلات خلال العمل ومشاهد الصور السينمائية التي يقوم بها المحكومون بالأعمال الشاقة بتكسير الصخور كعقاب على جرم اقترفوه.

ويقول عامل أخر يدعى أحمد اللوح (30 عاماً) بوجهه المتصبب عرقاً إنه اضطر للعمل في التنقيب عن الحصى رغم مخاطرها وأنها لا توفر أي دخل مناسب لكنه يستطرد قائلاً "بالنسبة لنا ريحة البر ولا عدمه فنحن مضطرون ولسنا مترفين".

أما زميله سليم فيقول وهو يتكئ على معول ثقيل مخصص للحفر في التربة الصلبة إنه يحاول عبر هذا العمل توفير بعض مصروفاته الجامعية من خلال عمله في جمع الحصى، حتى لا ينقطع عن الدراسة الجامعية.

ويشير سليم إلى أن عدد العاملين في جمع الحصى يزداد يومًا بعد آخر، إذ يبدو أنها المهنة الوحيدة المتوفرة حاليًّا، لافتًا إلى أن الفقر والعوز يشكلان دافعًا أساسيا لممارسة هذا العمل الشاق.

والعائلات التي تعيش على هذا النوع من العمل تتنافس فيما بينها من أجل البحث عن المناطق التي يتوقع أن يوجد فيها الحصى

وتمضي بعض العائلات أوقاتا طويلة دون أن تعثر على هذا الحصى فقد كانت مظاهر الإحباط ظاهرة على محيا عيسى الجزري، بعدما حفر حفرة عميقة في باطن الأرض ليكتشف فيما بعد أنه لا يوجد حصى ليغادر المكان بحثا عن مكان آخر.

ويقول محمد أبو القاعود صاحب شركة لتجارة مواد البناء أنه يقوم بشراء كميات كبيرة من الحصى التي يتم استخراجها من باطن الأرض، ثم تتم عملية تنظيفها ووضعها في كسارة مخصصة لذلك من أجل إخراجها بأحجام ثلاثة وفقًا لاحتياجات المستهلك.

ويضيف أنه خلال الفترة الأخيرة زاد الطلب على شراء الحصى جراء انخفاض أسعار الإسمنت وإدخاله بكميات كبيرة عبر الأنفاق مما دفع العديد من الناس إلى البناء وساهم في دفع حركة الإعمار إلى الأمام أكثر من ذي قبل.

ليس المستفيد الوحيد في هذه المنطقة من يستخرج الحصى فحسب بل أصبحت محط أنظار أصحاب وسائل النقل البسيطة فأصحاب مصانع الباطون الذين وفدوا إلى السوق لشراء الحصى يلجئون إلى استئجار وسائل النقل التي انتشرت في السوق لنقل بضاعتهم.

ويقول السائق درويش حسنين "الكل يعتمد على الكل فالناس يريدون العيش كما غيرهم رغم إجراءات الحصار وإغلاق المعابر الذي يدفعهم لامتهان كل ما لا يخطر على بالهم"

لكن بالإضافة إلى الشقاء الذي يلقاه عمال التنقيب فإنهم يتعرضون لمخاطر استهداف الجيش الإسرائيلي لحاجتهم للعمل في مناطق صحراوية في ظل الحظر الإسرائيلي على الفلسطينيين الاقتراب من السياج الفاصل لنحو 700 متر .

ويثير ذلك انتقادات المؤسسات الأهلية والحقوقية.

ويؤكد خليل أبو شمالة مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان على مخاطر ظاهرة العمال الفقراء التي أطلق عليها اسم "المغربلون" كونهم يقومون بغربلة ركام البيوت المهدمة بطريقة يدوية للحصول على مادة الحصمة والبسكورس المستخدمة في عملية البناء.

ويرى أبو شمالة أن هذه الظاهرة مثالا للعمل الأسود والاستعباد للفئات الأكثر استضعافا في المجتمع الفلسطيني لما تحمله من آثار صحية خطيرة وخاصة لصغار السن.

من جانبه يؤكد إبراهيم رضوان وكيل وزارة الأشغال والإسكان في الحكومة الفلسطينية المقالة أن الحصى المستخرجة من باطن الأرض تتميز بمواصفات وجودة عالية وتساهم بشكل جزئي في عملية إعادة الإعمار وهي من محالات تحدي الحصار المفروض علي قطاع غزة.

واستبعد رضوان أن يكون لهذه الحصى أو للركام ومخلفات المباني التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي، التي تستخدم حاليا في عملية البناء أي أضرار بيئة أو صحية على حياة السكان.

وهو يشدد على أن الأوضاع في قطاع غزة لن تستقيم بدون فتح كامل للمعبر ورفع الحصار.

ويقول النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار إن إسرائيل لا تسمح بمرور سوى 15% من احتياجات قطاع غزة الأساسية عبر معبر واحد يفتحه بشكل جزئي في ظل إغلاق باقي المعابر التجارية.

ويوضح الخضري أن إسرائيل تسمح بدخول سبعين صنفاً من أصل أربعة آلاف وتمنع دخول أي من المواد الخام مما عطل مئات المصانع وآلاف العمال وتسبب بخسائر مالية فاقت مئات ملايين الدولارات للقطاع الصناعي والتجاري.

وينبه إلى أنه "لا معنى لمطالبات تخفيف حصار غزة دون ممارسة الضغط على الاحتلال لفتح كافة المعابر المغلقة والسماح بدخول كافة المستلزمات وخاصة المواد الخام والأعمار".

وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة الذي يقطنه ومليون ونصف شخص منذ حزيران/يونيو 2007 أثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع فيه وهي تتحكم بحركة الأفراد والبضائع

عماد الدريملي
الاثنين 12 أبريل 2010