نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


على ماذا تراهن إسرائيل؟





"اعرف عدوك " كان شعارا من أهم دروس هزيمة يونيو/ حزيران 1967 التي تعرّضت لها الأمة العربية، بشقيها، المادي، المتمثل فى احتلال العدو الإسرائيلي أراضي مصرية وسورية ولبنانية وأردنية، ومزيدا من الأراضى الفلسطينية، والمعنوي، المتمثل في الصدمة التي أصابت الأمة العربية التي استيقظت على كابوس حقيقة ما تعانيه شعوبها من ضعف، وتفكك، وفقدان للإرادة.


 
وكان لاستيعاب درس "اعرف عدوك" أثره البالغ فى تجاوز صدمة الهزيمة المروّعة. وكان لمعرفة العدو، وإمكاناته المادية الملموسة، وغير الملموسة، والتخطيط والإعداد الجيد للتعامل مع تلك الإمكانات، الفضل في وصول الأمة إلى أكتوبر 1973، بشقيه، المادي المتمثل في المعركة العسكرية، وما تحقق فيها من إنجاز عسكري حقيقي على ساحات القتال، والمعنوي المتمثل في الشعور العام باستعادة الكرامة العربية الذي ساد الأمة، عندما أدركت أنها قادرة على تحقيق النصر، إذا ما عرفت عدوها جيداً، وعرفت كيف توظف قدراتها، وإرادتها لمواجهة ذلك العدو.
المثير فيما حدث بعد ذلك أن العرب، وأعني هنا قياداتهم ونظمهم الحاكمة، لم يعرفوا كيف يمسكون بلحظة الانتصار، في أكتوبر 1973، ويتحدون حولها، ويبنون عليها، ويستمرون فى دراسة العدو ومعرفته، هو وأهدافه، وماذا يريد. والأهم على ماذا يراهن. كما أمسكوا بلحظة 
الهزيمة، في يونيو 1967، واتحدوا حولها، فأوصلتهم إلى لحظة انتصار، في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، فسرعان ما استعادت الحركة الصهيونية العالمية توازنها، مدعومةً بالولايات المتحدة الأميركية، وبدأت تحرّكها السريع، ليس لإنقاذ إسرائيل كما كانت تروج في ذلك الوقت، ولكن لإعادة العرب إلى حالتهم الأولى قبل يونيو/ حزيران 1967 من التمزّق، والفرقة، وضياع الهدف، وكان الاختراق الأول للحالة العربية هو ما أعلنته أميركا، على لسان وزير خارجيتها، ومستشار الأمن القومي، في ذلك الوقت، هنري كيسنجر، من إطلاق ما سمتها "عملية السلام"، وترويج فكرة أن حرب أكتوبر هي "آخر الحروب".
هذا ما يدعو إلى طرح السؤال المهم بشأن الرهانات التي كانت الحركة الصهيونية العالمية تتبناها، منذ إطلاق مشروعها لإقامة وطن قومى لليهود، والرهانات التي تبنتها دولة الكيان إسرائيل منذ قيامها، وذلك على امتداد الصراع الذى انطلقت شرارته الأولى مع أول موجة هجرة يهودية إلى أرض فلسطين في عام 1882. وللمفارقة كان هو عام الاحتلال البريطاني لمصر.
والسؤال الأهم: على ماذا تراهن إسرائيل في هذه المرحلة التي تبدو حاسمة في الصراع العربي - الإسرائيلي الوجودي؟ وهل اختلفت الرهانات منذ عقد المؤتمر الصهيونًى الأول يوم 29 أغسطس/ آب عام 1897، حيث التأم فى مدينة بازل السويسرية ، شمل 205 شخصيات يهود، يمثلون يهود أكثر من عشرين دولة، بدعوة من تيودور هيرتزل، في شكل أول مؤتمر صهيوني عالمي للبحث في مستقبل "المسألة اليهودية"، أو ما كان يُعرف باضطهاد اليهود ومعاداة السامية فى أوروبا. وبعد ثلاثة أيام من المناقشات، خلص المؤتمر إلى أن هدف الصهيونية هو إقامة "وطن قومي" للشعب اليهودي في فلسطين. وانطلاقاً من ذلك الهدف، انتهى المؤتمر إلى خمسة قرارات، شكلت الوسائل الرئيسية للحركة الصهيونية العالمية، لتحقيق ذلك الهدف الرئيسي، وهي: تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية، واختيار هيرتزل أول رئيس لها، وتنظيم اليهود في العالم لربطهم بالحركة الصهيونية، وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واتخاذ كل السبل والتدابير للحصول على تأييد العالم للهدف الصهيوني، وهو "إقامة الوطن القومي"، لإعطائه الشرعية الدولية، وتشكيل الجهاز التنفيذي لتنفيذ قرارات المؤتمر، وهو "الوكالة اليهودية" للعمل على حشد التأييد العالمي، وإنشاء صندوق قومي لجمع الأموال بهدف شراء الأراضي، وتمويل جلب وإرسال المهاجرين لإقامة المستوطنات والمستعمرات الصهيونية فى فلسطين.
وكانت الرهانات الرئيسية للحركة الصهيونية العالمية ترتكز على محورين، كسب التأييد العالمي وضعف (وتمزق) الأمة العربية، فى إطار دولة الخلافة العثمانية المتهالكة، والتي كانت تعاني 
من عوامل الانهيار. وقد كسبت هذه الحركة أولى رهاناتها بكسب التأييد العالمي، بصدور وعد بلفور الذي أعطى اليهود حق إقامة وطن قومي في فلسطين. ثم في العام نفسه (1917)، احتلت بريطانيا فلسطين، وأعلنت وضعها تحت الانتداب، ثم أقرّت عصبة الأمم ذلك الانتداب، وهو ما أتاح للوكالة اليهودية كسب رهانها الثاني على الضعف العربي، بتنظيم موجات هجرة واسعة، وإنشاء مجتمع يهودي متكامل على الأراضي الفلسطينية (تحت الانتداب)، وتوالي كسب الرهانات على المستويين، الدولي والعربي، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وإنشاء هيئة الأمم المتحدة التى أصدرت قرارها رقم 181، في 29 نوڤمبر/ تشرين الثاني 1947، بتقسيم فلسطين، ومنح اليهود حق إقامة وطنهم القومى علي مساحةٍ تتجاوز نصف أرض فلسطين التاريخية. وأعقب ذلك إنهاء الانتداب البريطاني في 14 مايو/ أيار 1948، وإعلان مسؤول الوكالة اليهودية في الداخل الفلسطيني، بن غوريون، قيام دولة إسرائيل فى اليوم التالي مباشرة، والاعتراف الدولى السريع بها. والمثير أن إعلان الدولة لم يذكر أي حدود لها، الأمر الذي ما زال قائما.
وتأكد الرهان الصهيوني بتوالي الهزائم العربية، والفشل في كسب أي تأييد عالمي حقيقي، وتطورت أهداف المشروع الصهيوني مع كل إنجاز يتحقق، وبقيت الرهانات الصهيونية قائمةً على التأييد العالمي من ناحية، وعلى الضعف والتمزق العربي من ناحية أخرى، حتى وصلنا 
إلى ما تعرف بصفقة القرن الأميركية، والتي ترتكز على تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يجرى حاليا على قدم وساق، وسط صمت عربي مخزٍ، عبر خطوات غاية فى الخطورة، ومحسوبة بدقة، بدأت بالاعتراف الأميركي بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. وأعقب ذلك إلغاء تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة، ودعم خطط الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، وتهويد القدس الشرقية، وأخيرا الاعتراف الأميركي الفج، في مرسوم رئاسي، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة.
هل سيقف الأمر عند ذلك الحد، أم أن حدود "الوطن القومي" لليهود ستبقى مفتوحة، ولن تقتصر على الحدود الجغرافية لفلسطين التاريخية، وتخومها شمالاً وجنوباً، بل ستمتد بنفوذها لتشمل مقدّرات كل الوطن العربي؟ ويبقى السؤال: على ماذا تراهن إسرائيل لتحقيق ذلك كله؟ هل سيبقى رهانها كما هو، على التأييد العالمي، أو القوة العالمية الأكبر، من ناحية، وعلى الضعف والتمزق، والهوان العربي، من الناحية الأخرى، أم ستحدث المعجزة، وتصحوالشعوب العربية من غفوتها التي طالت، وتسترد إرادتها، وتُعيد تعريف عدوها بدقة، وحينها فقط ستسقط كل الرهانات؟
-------------
العربي الجديد

عادل سليمان
الخميس 28 مارس 2019