.

أولا من يدمر سوريا هو النظام الطائفي الذي يضعه هؤلاء في خانة “أم الصبي” وليس “آخرين”، وثانيا إن “الآخرين” وأنا أحددهم هنا حصرا بإسرائيل وإدارة أوباما الأمريكية والروس والإيرانيون، يريدون تدمير الثورة وإبقاء النظام الطائفي وليس تدمير سوريا،  لكن إذا اقتضى ثمن ذلك تدمير سوريا فلا مانع لديهم ليبقى النظام، وثالثا لولا الدعم التركي الخليجي للثورة ربما تغير مسار الثورة وضعفت أمام وحشية النظام ودعم حلفائه المفتوح، وذلك بغض النظر عن المقاربة السياسية الخاطئة التي تبنتها هذه الدول الداعمة للثورة عبر المعارضة الحالية، هذه المعارضة التي ساهمت بشكل كبير بهذا لمصالح شخصية وحزبية.

بالمناسبة النظام وسوريا كانا مدعومين سياسيا واقتصاديا من قبل تركيا ودول الخليج العربي قبل الثورة فلماذا يرغب هؤلاء بتدمير سوريا بعد اندلاعها؟ ثم لماذا ترغب إسرائيل بإضعاف النظام السوري وهو الذي لم يكن يوما إلا حارسا لاحتلالها للجولان وفلسطين وقاتلا للفلسطينيين وقضيتهم، ثم لو كانت إسرائيل راغبة بإضعافه لدفعت الأمريكيين لشن ضربات جوية كانت ستسقطه خلال أسبوع وتدمر كل بنية عسكرية واقتصادية في سوريا بهذه الحجة، وكان النظام سيسقط حتما في هذه الحالة، وهو ما ظهر في صفقة السلاح الكيماوي للنظام الأسدي مقابل تجنيبه الضربات العسكرية التي كان من الممكن أن يستغلها الثوار لإسقاطه، لكن ما حدث هو أن إسرائيل (ويستدل عليه بوضوح بتصريح لشيمعون بيريز أثناء زيارته لفرنسا ومؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ومعلومات موثوقة حصلت عليها في ذلك الحين)، أن إسرائيل هي من اقترح الصفقة، فاتصلت بالروس وأبلغتهم استعدادها لثني الأمريكيين عن شن الضربات الجوية مقابل تسليم السلاح الكيماوي، فأبلغ الروس العرض للنظام الأسدي الذي وافق فورا مما دفع إسرائيل لإقناع الأمريكيين بقبول الصفقة، ليتم الاتفاق على الصفقة بوقت قياسي وخلال أقل من  48 ساعة، وبذلك تخلصت إسرائيل من خطر سقوط الكيماوي بيد الثوار في حال سقوط النظام نتيجة الضربات الجوية، كما ضمنت عدم سقوط النظام أصلا وهو الحامي لحدود احتلالها، كما أن الصفقة أخرجت أوباما من تخوفه الشديد من سقوط النظام الهش نتيجة الضربات الجوية مع كل التطمينات التي أعطاها للنظام بمحدودية الضربات مكانا وزمانا وفعالية.

أحد شروط النصر العسكري أو التسوية السياسية الممكنة هو أن نصحح البوصلة ويتوقف البعض عن التشويش كل لأسبابه، فليس كل “الآخرين” في سلة واحدة، وليس كل أصدقاء سوريا أصدقاؤها، فالنظام الطائفي الأسدي وإيران وإدارة الروسي بوتين وإدارة الأمريكي أوباما وإسرائيل، هم عمليا حلفاء تلتقي مصالحهم في الملف السوري في كفة واحدة وإن اختلف توزيع الأدوار والمواقع، ويأتي في الكفة المقابلة الثورة السورية بقواها العسكرية والسياسية التي تتبنى أهدافها حقيقة، وليس مدعوها من أمثال المعارضة الحالية، وإلى جانب قوى الثورة السورية يقف في نفس الكفة كل من وتركيا وبعض دول الخليج العربي كحلفاء حقيقيين لها، أما ما تبقى من دول على الضفتين  فلاعبين ثانويين إلى جانب هذه القوى الرئيسية، بما فيهم العملاق الاقتصادي والقزم السياسي الأوروبي.

أيضا لتصحيح البوصلة وإزالة التشويش ولوقف تدمير سوريا ووقف القتل يجب تعريف الحل السياسي بشكل قابل للتطبيق، فالنظام الطائفي الأسدي من رأسه إلى كل مؤسساته الأمنية والعسكرية والحزبية والإعلامية عدو لسوريا وليس شريكا في مستقبلها، ولن يكون هناك من تسوية ببقاء هذه المؤسسات بل بحلها تماما وبناء أخرى بالشراكة بين الطرفين، أما وقف تدمير سوريا فيكون إما بسحق النظام الأسدي عسكريا (لا التفاوض معه)، أو بحل سياسي له مقاربات وتعريف لا يمتان بصلة لكل ما يطرح الآن من مبادرات مدمرة للثورة، سواء عبر جنيف أو مبادرة دي ميستورا أو تلك المبادرات الفردية أو تلك التي تطرحها ما يسمى بالمعارضة وأضرابها، أو ما يجري العمل عليه اليوم خلف الكواليس في الغرف المظلمة، بحسن نية مع ضياع بوصلة للبعض، وبسوء نية مبيتة للثورة للبعض الآخر، وإن التقى الجميع في نقطة النهاية.

الحل السياسي الذي يوقف قتل السوريين وتدمير سوريا، لا يقتل الثورة إرضاء للقاتل وخضوعا لشعاره “الأسد أو نحرق البلد، الجوع أو الركوع” كما يجري اليوم في كل ما يطرح من حلول سياسية (بغض النظر عن الأقنعة التي يرتديها الجميع دون استثناء)، الحل السياسي يبدأ (ولا ينتهي كما يروجون) بالتخلص من السفاح وجماعته “ماديا” وهائيا بأي طريقة، وإطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار الإنساني ووقف القصف والقتل والاعتقال، وهنا يكمن دور المجتمع الدولي إن كان يريد حلا قابلا للتطبيق، وبعدها فقط يجري التفاوض مع آخرين داخل النظام العلوي على تقاسم السلطة (بما يعطي لكل ذي حق حقه) وبناء أجهزة أمنية وعسكرية وإعلامية جديدة بعد حل واستئصال الأجهزة الطائفية الحالية وتحقيق العدالة بمفهومها الوطني الملائم للمرحلة.

في النهاية، بينما يتراكض كثيرون للتفاوض مع النظام؛ لابد من التذكير بما فعله النظام مؤخرا من نقل معتقلين من دمشق إلى محافظات يحلم بها لدولته الطائفية، من قَتْل في دوما وحلب، من تجويع حتى الموت في الوعر والغوطة والقابون وداريا والمعضمية وجنوب دمشق، من خطف للحرائر في حماه، من ازدياد وتيرة قتل المعتقلين تحت التعذيب، من اعتقال لما تبقى من شباب “سنة”، من نهب لكل ما يقع تحت أيدي عصابات النظام الطوائفية، فهل من عاقل بعدها لا يرى ما يبيت النظام له، ولا يدرك أن الطريقة الوحيدة ليعود المعتقلون ويتوقف القتل ونستطيع بناء سوريا بعد تحقيق أهداف الثورة، ويعود “علويي” النظام إلى عقولهم تكون فقط بالعمل الجاد لاستئصال النظام عسكريا أو إجباره على الحل السياسي وفق المفهوم والمراحل التي أسلفنا بعد القضاء على رأس النظام وعصابته قبل التفاوض، عدا ذلك فنحن نضيع الثورة ودماء السوريين وندمر مستقبل سوريا والسوريين بعكس ما يطرح أصحاب الحل “التفاوضي” الحالي.

----------------

كلنا شركاء

 

فواز تللو – سياسي سوري

برلين – ألمانيا  18/02/2015