توفي صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام الأسبق في مصر، ليل الأربعاء 13 يناير/كانون الثاني، بعد سنوات من الصراع مع مرض سرطان الدم.
انتشرت شائعة في البداية أن وفاته جراء إصابته بفيروس كورونا، إلا أن عائلته نفت ذلك، وقبل إعلان سبب الوفاة الحقيقي علقت جانجاه عبد المنعم شقيقة سندريلا الشاشة العربية الفنانة الراحلة سعاد حسني بقولها: "ربنا موّته بأقل مخلوقاته، كل هذا الجبروت مات بأقل مخلوقات المولى عز وجل، سبحانك يا رب، أنت سبحانك المنتقم الجبار"، بحسب وسائل إعلام محلية.
ارتبط اسم صفوت الشريف في ذاكرة المصريين بواحد من أقبح عصور الاستبداد العسكري في مصر، في فترة طالت فيها المظالم جميع طبقات الشعب على اختلافها في ستينيات القرن الماضي.
فقد التحق الشريف بجهاز المخابرات العامة المصرية عام 1957، وعمل به نحو 10 سنوات تحت قيادة صلاح نصر في عهد جمال عبد الناصر، قبل أن يُطرد صفوت من منصبه بفضيحة مدويّة أثارت صدمة واستياء المصريين ولاحقته حتى يوم وفاته وبعد مرور ما يزيد على 50 عاماً على تلك الفترة.
في الفوضى التي اجتاحت مصر عقب نكسة عام 1967، حوكم صفوت الشريف في القضية التي عرفت إعلامياً بـ"انحراف المخابرات"، وتم فصله من العمل هو وعدد من قيادات المخابرات المصرية في تلك الفترة، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي العارم عقب النكسة، وقرر الشريف الاختفاء عن الأنظار لفترة من الزمن.
لاحقاً تكشفت تدريجياً طبيعة التهم التي وجهت إليه ودوره في المخابرات، وعلى فترات زمنية متباعدة لكونه اشتُهر بجبروته وسيطرته على العديد من الشخصيات السياسية الهامة، ما أجبر الكثيرين على التزام الصمت لسنوات طويلة.
"الضابط موافي"
بعد سنوات من قضية "انحراف المخابرات" اعترف صلاح نصر في كتابه "صلاح نصر يتذكر.. الثورة، المخابرات، النكسة"، بأن المخابرات المصرية استخدمت طريقة تجنيد النساء، من بينهن بعض الفنانات، بهدف الحصول على معلومات سرية من شخصيات سياسية هامة.
وحول استخدام وسائل ابتزاز بهدف إخضاعهن، أوضح نصر في كتابه أن تصويرهن كان جانباً روتينيّاً لأغراض أمنية "التصوير كان يتم نعم، لأن هناك في مهنة المخابرات ما يسمى بأعمال السيطرة، أي السيطرة على العميل أو العميلة"، وأضاف "السيطرة عن طريق التصوير نوع من هذه الأعمال، فالعلاقة بين رجل المخابرات والعميل معه هي علاقة سيد ومسود، الأول يدفع ويأمر والثاني يأخذ ويطيع".
"لم تكن العمليات تتم بطريقة عشوائية أو ارتجالية، كل عميلة قبل تجنيدها لها سجل به تاريخ حياتها ومعارفها ونشاطها وعلاقاتها كأي موظف، وكل عملية تقوم بها مسجلة التفاصيل" على حد وصف صلاح نصر في كتابه.
المسؤول عن هذه العمليات المشبوهة كان "الضابط موافي"، وهو الاسم الحركي لصفوت الشريف في أثناء عمله بالمخابرات في تلك الفترة، وواحدة من بين هؤلاء الفنانات كانت الراحلة سعاد حسني، التي سعت المخابرات لتجنيدها قبل أن يتسرب الأمر بطريقة غامضة لتتراجع المخابرات عن هدفها خوفاً من "تهديد أمن العمليات السرية".
مقتل أم انتحار سعاد حسني؟
بعد اختفاء صفوت الشريف عن الأنظار عقب هذه القضية، عاد للظهور متقلداً عدداً من المناصب الرسمية الهامة في الدولة في عهدي السادات ومبارك.
فقد ترأس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية عام 1979، وتدرّج سريعاً في المناصب ليصبح رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون عام 1980، ثم منصب وزير الإعلام عام 1982 وظلّ يشغله أكثر من 22 عاماً، كان خلالها قد شارك في تأسيس الحزب الوطني الحاكم وتولّى فيه مناصب هامة.
بعد إطاحة ثورة يناير عام 2011 نظام مبارك ورموزه البارزة، وجهت مجموعة من التهم لصفوت الشريف منها الكسب غير المشروع باستغلال نفوذه، والتورّط في قتل المتظاهرين، كما انكشفت حقائق الماضي بعد تسريب ملفات المخابرات السرية عقب اقتحام مبنى أمن الدولة في أثناء الثورة.
عام 2011 نشرت بعض الصحف المصرية نص التحقيقات مع "الضابط موافي" في قضية "انحراف المخابرات"، اعترف فيها صفوت الشريف بأنه "شارك بنفسه في تصوير عدد من الفنانات بينهن سعاد حسني بغرض ابتزازهم وإرغامهن على العمل لصالح المخابرات المصرية".
أكدت هذه الوثائق شكوك شقيقة سعاد حسني، التي تقدمت عقب الثورة ببلاغ إلى النائب العام اتهمت فيه صفوت الشريف رسمياً بقتل الفنانة الراحلة وإظهار الحادثة وكأنها انتحار.
ثم نشرت شقيقة سعاد كتاباً عام 2016، جمعت فيه كل الوثائق الخاصة والعامة التي حصلت عليها، وبينّت دور صفوت الشريف في قتل سعاد حسني، بعد أن كانت تخطط لنشر مذكراتها صوتاً وصورة، واعتزمت فضح ما كانت تقوم به المخابرات المصرية في الستينيات.
إلا أنها لم تتمكن من تنفيذ الأمر، فقد وُجدت جثة سعاد حسني ملقاة أمام برج ستيوارت تاور بلندن في يونيو/حزيران عام 2001، وظلّت التفسيرات تتراوح بين "انتحار بسبب الاكتئاب" و"جريمة قتل" حتى اليوم.