وتؤكّد مخرجات لقاء عمّان نصّاً على “اتخاذ خطوات عملية للتدرّج نحو حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254”. وتشكّلت لجنة اتصال وزارية من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام، للمتابعة وتقديم تقارير دورية لمجلس الجامعة؛ ما يعني أن المقاربة العربية تسير ضمن السياق الأممي للحلّ في سورية.
لا رؤية أميركية متكاملة للحلّ السوري، غير ما يُطرح أممياً؛ لكنّ العقوبات المتلاحقة على سورية، وفي مقدمها قانون قيصر، تمنع إعادة تدوير النظام، “إلا إذا غيّر سلوكه”. وهذا يعني أن المقاربة العربية للحل السوري لا تتعارض مع مصالح واشنطن، رغم التصريحات الأميركية الرافضة للتطبيع العربي. سرّع الكونغرس من عملية التصويت على مشروع مكافحة التطبيع مع نظام الأسد، قبل انعقاد قمّة جدّة بيوم، في رسالة واضحة إلى زعماء العرب، بعدم المغالاة في إعادة العلاقات مع النظام السوري. ويشدّد المشروع الذي سيرسل إلى مجلس الشيوخ للتصديق، ثم إلى مكتب الرئيس بايدن ليصبح نافذاً، على عدم اختراق الأطراف العربية المطبّعة مع نظام الأسد قانون قيصر الذي جرى تمديد العمل به حتى 2032، وعلى تجارة المخدّرات، عبر آلية مراقبة دورية حول التحرّكات الدبلوماسية لتلك الأطراف مع النظام، والانتهاكات الحقوقية والجرائم التي يرتكبها النظام وروسيا وإيران في سورية، ويشدّد الرقابة على عدم استغلال النظام المساعدات الإنسانية، وعلى عمل الأمم المتحدة في سورية، وتقرير حول منظمات “الأمانة السورية للتنمية” التي تشرف عليها أسماء الأسد والهلال الأحمر السوري إن كانت مستحقّة للعقوبات. هذا يعني أنّ مساعي الرياض لم تأتِ بالتنسيق مع واشنطن، لكنّها، في الوقت نفسه، لا تتعارض مع مصالحها، وبالمقابل يبدو أنّ الولايات المتحدة أعطت الرياض ضوءاً برتقالياً لتحريك المياه الراكدة في الملف السوري، لكنّها أرسلت رسائل قوية إليها وإلى بقية العواصم العربية لضبط سلوكها تجاه نظام الأسد، وألّا يتجاوز الأمر حدود العلاقات الدبلوماسية لإقناع الأسد بتقديم خطوة مقابلة، وهذه الخطوة، إن حصلت، سيجرى تقييمها وقبولها في واشنطن، وليس في العواصم العربية.
.
هل ستنجح المساعي العربية في إقناع النظام السوري لتقديم الخطوة التالية؟ يخلو خطاب الأسد في قمة جدّة من أية إشارات إيجابية بشأن ما طُلب منه في لقاء عمّان وفي الزيارات العربية لدمشق وبالعكس، بدءاً بإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في سورية، ومروراً بإعادة اللاجئين والكشف عن مصير المفقودين ومكافحة الاتجار السوري الإقليمي بالكبتاغون، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة السورية، ووصولاً إلى حكومة انتقالية ودستور جديد، وفق القرارات الأممية؛ بل ويتحدّى القادة المجتمعين بالإشارة إلى تمسّكه بالأحضان الإيرانية العابرة مقابل انتماء للعروبة.
لا تقبل بنية النظام السوري تقديم التنازلات، لأنها ستعني انهياره، وسيظل متمسّكاً بخطابه الخشبي حول الانتصار. يدرك القادة العرب هذه الحقيقة، وأنهم لا يملكون القدرة للضغط عليه وإجباره على الرضوخ، وأنّ أيّ حلول سورية يجب أن تمرّ عبر توافقات أميركية – روسية، وترضي تركيا وإيران، وهي غير متوافرة في ظل المناخ الدولي المتوتر، خصوصاً بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. الممكن عربياً هو دور الوساطة الذي تحاول الرياض القيام به، لكنّ النظام ليس الطرف المهم للبدء بمحاورته، إذ لم تعد المسألة محصورةً بين السوريين.
.
إذاً، تحاول السعودية قيادة دور عربي فاعل في الإقليم والعالم أيضاً، يخدم طموحات ولي العهد، محمد بن سلمان، في اتباع سياسات جديدة في المنطقة، تقوم على التهدئة؛ هو تقارَبَ مع إيران بدعم من الصين، وينسّق مع روسيا في ما يتعلق بتخفيض إنتاج النفط في “أوبك+”، وأعاد العلاقات مع دمشق وصافح الأسد. لكنّ المملكة ما زالت حليفة للولايات المتحدة. لذلك، دعا الرئيسَ الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى قمّة العرب، لموازنة موقف السعودية المحايد من الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، وتقديم نفسه وسيطاً بين كلّ الأطراف. المهم أنّ السعودية نجحت في قمّة جدّة، بدبلوماسية فائقة، بكسر الجليد وإقناع القادة العرب بقبول الأسد بينهم، رغم كره بعضهم ذلك؛ أما الإنجازات فمرهونة بمسار عمّان، وبألّا تقع اللجنة الوزارية المشَكَّلة عنه، برئاسة أحمد أبو الغيط، كما باقي المسارات الأممية، وأرجّح ذلك، في فخّ التفاصيل الذي سينصُبه لها النظام.
العربي الجديد