هذا المقترح أشار إلى بيانات، من عشائر عربية وحقوقيين وسياسيين، طالبت بمجلس عسكري يرأسه الجنرال مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السوري السابق العماد أول مصطفى طلاس، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم العسكرية من موسكو عام 1994. ويمكن فهم هذا المقال على أنه استعداد روسي رسمي لمناقشة هذه الفكرة، خاصة مع ورود إشاعات عن احتجاج السفير السوري في موسكو، اللواء رياض حداد  على فكرة المجلس لدى المسؤولين الروس.

تبع ذلك، عدد كبير من المقالات والتقارير الصحفية التي بدت أنها تحاول تثبيت هذه المعلومات عبر إجرائها اتصالات عديدة مع مقربين من الجنرال طلاس، ورشح من تلك المعلومات حديث عن وجود نحو 1100 - ضابط منشق، بينهم مقيمون في تركيا ولهم روابط في شمال سوريا ومناطق أخرى، أعلنوا تأييدهم تشكيل هذا المجلس. 

وبرز من بين المؤيدين للفكرة "قوات سوريا الديمقراطية " التي تضم 100 ألف عنصر وتسيطر على أكثر من ربع مساحة سوريا ومعظم ثروات البلاد، إذ رحبت بفكرة المجلس ولم تجد ما يمنعها من المشاركة فيه، إلا الشرط الذي ذكره المتحدث باسمها غابرييل كينو، حيث يرى أن ما سيحول دون ذلك هو أن يشتمل المجلس على "كيان سياسي يمثل جميع القوى السياسية بمهام مكملة لبعضها".

مجلس عسكري يعبُر على واقع سياسي مُعطل

يعني استحضار خيار "المجلس العسكري" كخطوة أولى للحل السوري، أن الحراك السياسي القائم منذ سنوات لم يعد له أي دور، وبصورة أوضح فإن ظهوره للعلن سيكون إعلانا صارخا لإخراج السياسيين من المشهد، وتحويلهم للعب أدوار ثانوية، فالعسكر سيمسكون بزمام الأمور سواء على صعيد الخطاب السياسي والتفاوض أو في سياق إعادة ترتيب البيت الداخلي عبر ضبط الأمن وإعادة توحيد الفصائل والقوة المسلحة.

يكمن الانغلاق السياسي في القضية السورية مع وصول أعمال "اللجنة الدستورية" اليوم إلى طريق مسدود ، فالجولة الخامسة التي انتهت في 29 من يناير/كانون الثاني2021، خرج منها المجتمعون بخفي حنين، فالمتفاوضون لم يتوصلوا لصياغة المبادئ الأساسية للدستور وهو الهدف الذي أُنشئت من أجله اللجنة.
وفي الأساس تشتمل بنود القرار الأممي 2254 الذي يعد مرجعية الحل في سوريا على بند  تشكيل "هيئة حكم انتقالي" تشمل العسكر، بإشراف من الأمم المتحدة، ومن هنا يعتمد المؤيدون العسكريون لهذا المقترح أن تشكيل المجلس في الوقت الراهن سيمثل بداية لحل كامل للقضية السورية، معتبرين أن القوى العسكرية التي تتدخل في سوريا ستخرج منها ما إن يتم الإعلان عنه، وهذا سيمثل وفق رأيهم، حلاً لأكبر العُقد في الملف السوري، وهي نفوذ وسيطرة القوى الخارجية على أجزاء من سوريا.
ويعتقد هؤلاء أن "المجلس العسكري" سينهي حقبة عائلة الأسد، ويخلق متغيرات واضحة ضمن الواقع السوري السياسي القائم، يمكّن السوريين من البناء عليه للوصول إلى غدهم القادم بلا الأسد، وبلا الحرب، وبلا الاستبداد.

وكان المعارض السوري ومؤسس "الحركة المدنية السورية"، كمال اللبواني، تحدث عن إطلاقه عريضة لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وفرض سلطة انتقالية تقوم بالمهام التي حددها القرار. حيث يرى اللبواني أن المجلس العسكري هو جوهر القرار 2254، معتبرا أن توقيت طرح فكرة المجلس "مهم"، لقطع الطريق أمام بشار الأسد خلال الانتخابات المقبلة، والتأكيد على ضرورة تشكيل "مجلس حكم انتقالي".

موسكو تنفي وتَصُدر شخصية طلاس

على الرغم من تبني شخصيات بارزة في المعارضة السورية، كالممثل جمال سليمان، تقديم مقترح لموسكو حول تشكيل مجلس عسكري، إلا أن روسيا نفت وجود أي محادثات حول المجلس، مرسلة بذلك رسائل طمأنة لحليفها الأسد الذي يواصل وفده في اللجنة الدستورية وضع العراقيل أمام عملها، تمهيدا لإعادة الأسد ترشيح نفسه لولاية جديدة منتصف العام 2021. قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إن فكرة المجلس "تضليل متعمد بهدف نسف المحادثات والعملية السياسية"، في حين أصر جمال سليمان على أنه صاحب الفكرة. وأكد أنه حضر لقاء مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف وخلاله مرر فكرة المجلس.

وبالعودة إلى مناف طلاس، الذي ما إن طُرحت فكرة المجلس العسكري حتى تصَدرَ اسمه قائمة المرشحين لقيادة المجلس، فهو شخصية تكرر ذكرها خلال السنوات الماضية عند طرح حلول للملف السوري من البوابة العسكرية. طلاس لم يشغل أي منصب منذ انشقاقه عن النظام في 2012، وظهوره في وسائل الإعلام كان محدودا.
تبدو شخصية طلاس هي الأقرب لتولي منصب كهذا، فمجلس عسكري يولد بعد 10 سنوات من الحروب، قد يُشكّل مناصفة بين النظام وقوى المعارضة، يحتاج إلى شخص يستطيع لعب دور الوسيط بين الأطراف، وفي الحالة السورية، مثل هذه الشخصيات التي تقبلها الأطراف المتنازعة تكاد تكون معدومة، فلا المعارضة تستطيع تقديم شخصية لمليء هذا المنصب، ولا حتى النظام.

مقومات لنجاح المجلس العسكري

بعد عقد من الأزمة السورية التي زخرت بالمعارك وعمليات التهجير والتغيير الديمغرافي، وتغييب الآلاف في المعتقلات، وتردي الوضع المعيشي، إضافة إلى فقدان الجهات المعارضة البوصلة لمقارعة النظام السوري سياسيا وعسكريا، ترسخت عند المدنيين قناعة أن لا ثقة في الشخصيات الحالية التي تقول إنها تريد الوصول لحل في سوريا، وهذا الكلام ينطبق على ضفتي الأزمة. حتى ينجح مشروع المجلس العسكري وفق المنتظر من جهة السوريين، ينبغي أولا أن يبني جسورا من الثقة مع أولئك الذين ما عادوا يؤمنون بالحلول التي تأتي من العسكر، بعد أن ألفوا أصوات بنادقهم وتفجيرات قذائفهم وهدير طائراتهم خلال 10 سنوات خلت.

ينبغي أن يكون المجلس قويا يتمتع بسلطة مركزية تجمع شتات القوى المتنازعة، يضم مختلف الاختصاصات الأمنية والعسكرية، ويراعي التوازنات المختلفة، وأن يعمل ضمن مهام محددة بجدول زمني معلوم، إضافة إلى ضرورة إشراك شخصيات مدنية في إدارته، لإخراجه من القوالب المعتادة للمجالس العسكرية، وإبعاده عن النماذج التي علقت في أذهان السوريين وهم يشاهدون تجارب بلدان عربية أخرى.

لكن إن أبصر المجلس العسكري النور بالمعايير المطلوبة للسوريين، فإن هناك أصوات ذات وزن على الصعيدين المحلي والعربي أبدت رأيها المبدئي الرافض والمحذر من أن يكون الحل في سوريا من بوابة المجالس العسكرية، فالمعارض السوري البارز ميشيل كيلو ، تساءل "ماذا سيفعل المجلس العسكري، بعد أن أخذت جميع الدول المشاركة في الصراع حصتها من سوريا قبل الحل؟"، مؤكدا أن فكرة المجلس المطروحة حاليا "غير واقعية"، أما الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي ، فنصح السوريين بعدم الإصغاء إلى الحلول عبر العسكر، وقال إن مصيبة الشعوب العربية هي الحكم العسكري.

وأمام هذه المعادلة الصعبة يبقى أن ننتظر ولادة هذا المجلس الذي ما انفكت أخباره بالتواتر منذ أشهر، كي يكشف عن محددات عمله وطريقة تعاطيه مع الحل على الأرض السورية التي تجمع أربعة جيوش نظامية تتبع كل من تركيا، وأميركا، وروسيا، وإسرائيل، ومئات الميليشيات الأجنبية، وقوى محلية لكل منها أجندتها الخاصة التي تمليها عليها دول خارجية.
----------------
كارنيغي - صدى

تيم الحاج، صحفي ومعد تحقيقات وملفات في العمق في الشأن السوري. 
تويتر:  @TAIMALHAJJ ، فيسبوك: https://www.facebook.com/horea.™