نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


مع انعدام الأفق والمستقبل تعاطي قياسي للمهدئات من قبل الشباب في قطاع غزة




غزة - عماد الدريملي - يتلقي أيمن في بداية العشرينات من عمره علاجا عضويا ونفسيا منذ شهرين متواصلين لدى جمعية محلية في غزة سعيا للخلاص من إدمانه على عقار "الترامادول" المخدر وما سببه له من مضاعفات صحية.


مع انعدام الأفق والمستقبل تعاطي قياسي للمهدئات من قبل الشباب في قطاع غزة
ويغلب الندم الشديد على عبارات أيمن وهو يجلس في فناء "الجمعية الفلسطينية لعلاج ضحايا الإدمان" في غزة، ساردا تعاطيه لأول مرة عقار "الترامادول" من أحد أصدقائه ليتحول لاحقا إلى مدمن منبوذ من عائلته وجامعته التي قررت فصله.
 
وقال أيمن الذي طلب الاحتفاظ باسمه كاملا، إنه وجد بداية في العقار المخدر علاجا مما يعانيه من مصاعب في حياته يساعده على النشوة والتركيز، غير أنه وجد نفسه يغرق بالتدريج في مستنقع أزمات لا ينتهي.
 
ودفعت الأزمات المتلاحقة بأيمن إلى "تسليم" نفسه للجمعية بغرض العلاج من إدمانه.
وهذا الشاب هو واحد من أكثر من 30 شخصا على الأقل يتلقون علاجا مماثلا لدى الجمعية التي أسست حديثا في غزة لمواجهة انتشار تعاطي عقار "الترامادول" خلال السنوات الأخيرة في القطاع الذي يعاني أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة.
 
وتحول هذا العقار الطبي خلال فترة قصيرة إلى أكثر حبوب الإدمان انتشارا في قطاع غزة.
 
ويقول هاني عابد المسئول في الجمعية، إنها تستقبل عشرات الشبان شهريا من مدمني الترامادول بعضهم يتناول منه أكثر من عشرة أقراص يوميا دون أي وصفة أو حاجة طبية.
 
ويضيف عابد أنهم يقدمون علاجا متكاملا للمدمنين على الترامادول تبدأ بالإقامة الجبرية في مقر الجمعية وتوفير علاج خاص بالدواء وأخر بالجوانب النفسية والمتابعة حتى يتخلص هؤلاء من آثار العقارات في أجسادهم ويتوقفون عن تناولها مجددا.
 
ويعكس تأسيس عدة جمعيات لعلاج ضحايا الإدمان في قطاع غزة خلال العامين الأخيرين في غزة حجم الانتشار المقلق للعقارات المخدرة.
 
وصدم سكان قطاع غزة أخيرا، بشيوع تفاصيل قضية تقدم سيدة لمحكمة محلية بطلب طلاق من زوجها بسبب إدمانه الشديد على تعاطي عقار الترامادول.
 
وما زاد من شيوع القضية وإثارتها اجتماعيا تعدى مجرد إدمان الزوج على تعاطي الترامادول إلى كونه يبيع حصة تموينية تتلقاها أسرته من إحدى المؤسسات الدولية العاملة في القطاع بنصف ثمنها من أجل شراء العقار المخدر.
 
وتركت القضية تضامنا لافتا مع السيدة المدعية وعائلتها المكونة من 11 فرداً، خصوصا أنها تستعين بتوفير حاجياتها من خلال الجيران والمحسنين إما بالاقتراض أو كصدقة عوضا عن المساعدات التي يبيعها الزوج المدمن.
 
ويرصد مختصون فلسطينيون، تعاطي قياسي للمهدئات من قبل الشباب في قطاع غزة منذ تشديد إسرائيل حصارها على القطاع بعد  سيطرة حماس على الأوضاع فيه منتصف عام 2007 بعد جولات من القتال الداخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية، وانعدام المستقبل المهني والسياسي لهم.
 
ويؤكد رئيس اللجنة الطبية في المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة خميس النجار، اكتشاف مواد كالهيروين والكوكايين في حبوب عقار الترامادول ما دفع المجلس إلى محاولة إدراج العقار المخدر ضمن مشروع قانون يخص المخدرات بما في ذلك اعتبار الاتجار به جناية.
 
ويشير النجار، إلى أن فحوصات علمية أجريت على كميات من الترامادول المهرب إلى غزة أثبتت أنه يتضمن أنواعا من المخدرات عالية التأثير على الجسم وتحمل مخاطر شديدة تتعلق بانهيار القدرات العصبية والجسدية.
 
ويؤكد مختصون أن تعاطي الترامادول بات ظاهرة مرضية ومقلقة بشدة في غزة رغم عدم وجود إحصائيات رسمية تفيد بأعداد متعاطيه والمتاجرين فيه.
 
إلا أن إحصائيات غير رسمية تتحدث عن ألاف القضايا التي تصل المحاكم في غزة سنويا بفعل تعاطي والاتجار بالترامادول.
 
وتشير هذه الإحصائيات إلى أن عشرات المتاجرين والموزعين لعقار الترامادول يدخلون السجون شهريا لينتظرهم حكما بالسجن يتراوح بين 6 شهور إلى سنة واحدة.
ويقر رئيس النيابة العامة في غزة نهاد الرملاوي، بأنه يتم يوميا ضبط العشرات من فئة الشباب خصوصا بقضايا تعاطي والاتجار بالترامادول، واصفا أرقام هذه القضايا بأنها نسب عالية جدا ومقلقة.
 
في الوقت ذاته يعبر الرملاوي عن خيبة أمل تجاه عدم وجود أحكام رادعة للمدانين بتعاطي والاتجار بالعقارات المخدرة التي عبر عن شكوك عميقة بأنها ليست مجرد عقارات طبية وتتعدى إلى خليط من المواد المخدرة المصنعة خصيصا للإدمان عليها.
 
وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة حماس في أيار/ مايو الماضي ، عن حملة وطنية لمكافحة انتشار الترامادول والعقارات المخدرة بغرض التوعية العامة من مخاطره على الصحة والحد من نسب تعاطيه.
وقال المتحدث باسم الداخلية المقالة إسلام شهوان، إن حملة (الأترامال.. عار ودمار) "توعوية تثقيفية وقائية بالدرجة الأولى للتحذير من آفة وخطر العقار المدمر على عقول الشباب الفلسطيني ونسيج المجتمع".
 
ويعكس إطلاق الحملة الرسمية القلق من حجم انتشار العقارات المخدرة في غزة خصوصا في ظل تزايد سهولة تهريبه وترويجه بين فئات مختلفة من المجتمع وصلت حد نشره بين تلاميذ المدارس والجامعات بما فيهم الإناث.
 
ويعزو مختصون نفسيون انتشار تعاطي العقارات المخدرة في غزة إلى تراكم الضغوط النفسية والعصيبة على سكان القطاع المنهكين بفعل الاقتتال الداخلي وما أفرزه من انقسام داخلي مع الضفة الغربية وتوالي موجات العنف والحصار مع إسرائيل.
 
ووفق هؤلاء فإن فئة الشباب بين 17 و 30 عاما تعد الأكثر أدامانا على تعاطي عقار الترامادول الذي يباع بطرق غير رسمية عبر التهريب، وبسعر لا يزيد عن 10 دولارات للشريط الواحد.
 
ويعتبر هيدروكلوريد الترامادول الذي يباع تحت الاسم التجاري (ترامال) مسكن ينتمي إلي فئة الأفيونيات وهو العقار المفضل في قطاع غزة حيث يؤثر على الجهاز العصبي المركزي ويقوم بتخفيف الألم عن طريق تأثيره على خلايا عصبية محددة للنخاع الشوكي والدماغ.
 
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة في حكومة حماس عن إجراءات مراقبة على الصيدليات المحلية التي ثبت تورط العشرات منها في بيع العقارات المخدرة دون وصفة طبية منها مضادي الاكتئاب (فاليوم)، و(أنافرانيل) إلى جانب الترامادول.
 
ويقول أصحاب صيادلة في غزة إن تحسن الأداء الجنسي وهو من الآثار الجانبية لاستخدام الترمادل والعقاقير المماثلة، يزيد من شعبيتها بين الشبان المتزوجين.
ورغم الجهود الحكومية للمكافحة إلا أن نشطاء في جمعيات حقوقية وأهلية ينتقدون تجار كبار يقفون خلف ترويج العقارات المخدرة دون محاسبة في ظل جنيهم أمولا طائلة من بيعها بأضعاف أسعارها بعد تهريب كمياتها.
 
ويعلق الناشط الحقوقي مصطفى إبراهيم، بأن تعاطي المخدرات في قطاع غزة بات مخيفا خاصة الترامادول، مستندا إلى بعض المصادر التي تقول إن نسبة المتعاطين تتراوح بين 25%، إلى 40% "في مؤشر خطير جدا".
 
ووصف إبراهيم، تعاطي العقارات المخدرة بأنه تحول إلى "وباء يستوجب وضع سياسات وقائية وعلاجية للسيطرة عليه، والتعامل معه على أنه شكل ظاهرة ينتج عنها العديد من المشكلات، صحياً ونفسياً واقتصادياً أو أمنياَ ".
 
ويشدد على الحاجة إلى إستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات دون أن يغفل ذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة والفقر والبطالة وغياب الثقة بالحكومة وقدرتها على العلاج من دون الشراكة مع المجتمع ومؤسساته و فئاته المختلفة، إضافة إلى المعالجة الأمنية والشرطية.

عماد الدريملي
السبت 20 يوليوز 2013