نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


من ذاكرة الوحش: تظنونني بلا قلب! اسألوا غيداء عني؟




أحياناً، كنت أشفق على غيداء، بل ربما أحسست بقليل من الذنب لكونها زوجة رجل لا يقدّر قيمتها جيداً، زوجة رجل يسعى وراء النساء، ويتمنى لو يقضي عمره بينهن وبين طاولات القمار. لقد زوّجتُها له، وأنا أعرف ما هو عليه، وأتوقع أن مَن مثله لن يهيم بحبها، وتمنيت طبعاً ألا تحبه.

مرةً، سألته عن النساء اللواتي مررن في حياته؟ ضحك، شرد قليلاً، عبّ نصف كأسه، لمعت عيناه وهو يحكي عن مغربية كان يحبها. استطرد في الحديث عنها، كان مفتوناً بفكرة أن المغربيات يعشقن بقوة وإخلاص إلى حد لا يُطاق! تحدث أيضاً بمرح عن لبنانية أمضى معها بعض الوقت، ولم يخفِ حنينه إليها رغم أنها لوّعتْه وتركته وهو مولّه بها.


  سألته عن غيداء، أجاب بأنه يحبها طبعاً، لكن لم يرتعش له رمش ولا اتسعت حدقته قليلاً، ولا تغير شيء في صوته وهو يدّعي حبه لها، كأنه قال ذلك مجاملة لها، أو مجاملة لي لأنني كنت عراب زواجه. قلت لنفسي: بالتأكيد لم يرَ منها ما رأيت، وإلا كان أغرم بها كما أغرمت. أكّدت لنفسي: لا بد أنها تحبني، ثم كيف تطاوعها نفسها أو يطاوعها جسدها على أن تحبه كما أحبتني؟! .
لحسن الحظ أنني عرفتها قبل أن أصبح وزيراً للدفاع، فمع مشاغل الوزارة والطموحات التي أعطتني إياها ما كان ممكناً لي أن أفكر بامرأة جديدة تدخل حياتي. أقصد حياتي السرية التي لا تعرفونها، والتي لا يعرفها بشكل مؤكد أقرب المقربين إليّ. فيما يخص غيداء، لمحت نظرة ذات مغزى في عيني عديلي يوم زواجها، لكنني تجاهلتها وهو لم يشأ أن يرمي ولو بجملة تلميحاً إلى ظنونه، وما كنت أتوقع منه بعد مرور عشرات السنين أن يفصح عنها.
هل أُدهشكم إذا أخبرتكم أنها كانت امرأتي الأولى والأخيرة؟ لا أقصد المعنى الحرفي للجملة، فقد عرفت قبلها الحب الخائب لمراهقة قصيرة، ثم تزوجت المرأة التي سعيت إلى الزواج بها، وسررت بالحصول عليها، بل أحببتها لأوقات طويلة، ولو لم أقابل غيداء لكنت مقتنعاً بحبي الكبير لها، ولها وحدها فقط. لعلها هي أيضاً أحست بحبي لامرأة أخرى، ألا تشعر الزوجات عادة بتغير أزواجهن؟ ألا تمنعهن كرامتهن أحياناً من التصريح بشكوكهن؟ فكيف إذا كانت زوجة معتدة بنفسها وبأصولها؟ كيف كان كبرياؤها سيسمح لها بالبقاء لو صارحتني بظنونها؟
كنت رجلها الأول أيضاً. قد ترون هذا الكلام مضحكاً اليوم، أما في أيامنا الخوالي فلم تكن المرأة لتمنح جسدها لأي رجل، وينبغي أن تحبه بقوة لتفعل ذلك، وإذا كان متزوجاً وله ثلاثة أولاد مثلي فهي بلا شك تهيم به لتمنحه جسدها بلا أمل بالزواج. وأنا ما كنت لأخيّب ثقتها بي، فقد منحتها كل عواطفي، ولأن وضعي لا يسمح بأكثر من هذا فقد زوّجتها من رجل آخر. أي رجل سواي سيضحّي هكذا؟ .
أغلب الظن أن غيداء نفسها لم تفهم جيداً أبعاد حبي لها، فمعها تحررت من زوجتي، وتحررت من ماضيّ عندما كان زواجي بها سبيلاً إلى الارتقاء. رغم أنني كنت أصعد سلّم السلطة بسرعة إلا أنها ظلت لوقت طويل تتعامل معي، من دون أن تنتبه، وكأنها لا تزال تلك الفتاة التي تفضلت عليّ بقبولي زوجاً. عندما شعرتْ بوجود امرأة أخرى تبدد ذلك الوهم، فأنا لم أعد في جيبها كما كنت دائماً.
أقدّر أن ذلك كان مربكاً لها، شكّها في أنني أخونها وأنقلب عليها، وصعودي في الوقت نفسه لأصبح الوزير الذي يسيطر على أخطر ما في البلد. عاتبتني لمرة واحدة بالقول إنه يجب عليّ مراعاة وضعنا الاجتماعي الجديد، فتجاهلتُ كلامها وهي لم تعد إليه، لقد أصبحت حراً أخيراً إذ أصبحت الأقوى.
مع غيداء شعرت لأول مرة بالثقة المطلقة بالنفس، لمست بيدي أن أكون صاحب سطوة وسلطة. لقد لمست السلطة في الغرام، وأحسست بها عندما قبلت أن تتزوج مَن اخترته لها، قبلتْ أن أصنع لها مصيرها. ذلك كان عندي في وقته أبلغ أثراً مما سأشعر به وأنا أمسك بمصائر الملايين، بمصير بلد بأكمله. لذا، ما كنت لأفرّط بها، وكان الزواج أفضل غطاء لتبقى قريبة مني.
هي أيضاً ستتذوق طعم السلطة، خاصة عندما أصبحت رئيساً. لا يهم أن الغرام الحار بيننا قد توقف، المهم أن لها كلمتها على صاحب أعلى سلطة في البلاد، وأن طلباتها لا تُردّ. قلت لها بين المزاح والجد أنها أصبحت بمثابة الحبيبة السرية للدولة، وما عليها سوى أن تطلب وتتمنى. وكأن هناك قدراً فيما قلته، إذ مع الأيام صار أقرباؤها جزءاً من رجالاتي المقرّبين، إنما من دون أن يتقدم اسم عائلتها إلى الواجهة. أنا نفسي أحياناً كنت أنسى صلة القرابة التي تربطهم بها، ثم أذكّر نفسي بأن وراء كل واحد منهم في الظل غيداء أخرى من أقربائها.
بفضلها اكتشفت أن الخدعة سلطة أيضاً، كنت أشعر بذلك وأنا أنظر إلى زوجتي الموافقة على كل ما فعلته لأجل غيداء، بل المتواطئة وكأنها بتواطؤها تكذّب ظنونها بي. أما زوجها فكنت أنظر إليه بين الحين والآخر، وأقول لنفسي: تُرى ما الذي سيفعله لو علم أنه كان ضحية خدعة كبيرة؟
أجيب نفسي نيابة عنه بأنه لن يفعل شيئاً، سيتجاهل الأمر برمته، بل ربما يقنع نفسه بأنه محظوظ إذ اخترتُ له هذا الدور. سأبوح بسر آخر: لطالما شعرت بأنني صاحب سلطة مزدوجة عليه لكوني رئيساً ولأنه مخدوع بزواجه من عشيقتي، ولطالما تمنيت أن يعرف ويصمت لأحس بسطوتي أقوى وأقوى. وهي.. ألن يضرّ بها أن يعرف بحبنا القديم؟ كان ذلك ربما ليحدث لو لم أكن رئيساً، أعني لو لم أكن رئيساً على هذا النحو الذي تعرفونه جميعاً.
أعرف أنكم تظنونني بلا قلب، تظنونني وحشاً فحسب، لكن ها قد حكيت لكم موجز قصة غرامي الوحيد لأريكم وجهي الذي لم تعرفوه.
ربما تتفاجأ غيداء بأنني تحدثت عنها بعد مرور السنين، هي الوحيدة الباقية من القصة في عالمكم بعد رحيلي ورحيل زوجتي وزوجها.
ربما، لتقدّروا كم كنت عاطفياً، عليّ في مرة مقبلة أن أحكي لكم عن ابني الذي فعل مرات، وعلناً، ما فعلتُه مرة واحدة في السر.
------------
الناس نيوز

عمر قدور
الخميس 9 يونيو 2022