نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


هل كانت سوريا الخمسينات ديمقراطية ؟





حكم العسكر دمار ، خنوع الساسة جريمة عامة .
هل كانت سوريا الخمسينات ديمقراطية؟ معظم السوريين سيجيبون بنعم، حنيناً إلى تلك المرحلة الذهبية من تاريخ سوريا التي سبقت اشتراكية جمال عبد الناصر وعسكرة حزب البعث.


 
ولكننا لو نظرنا إليها بعين مجردة، بعيداً عن العواطف، نجد أن ديمقراطيتها كانت عرجاء، فيها بذور صحيحة، كان من الممكن أن تنمو وتزدهر، لو أدرك السوريون معناها.
عبد الناصر وضعف السوريين
الجميع يعتبر أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر هو المسؤول الأول أن وأد الديمقراطية السورية عام 1958. هو الذي ألغى الأحزاب والصحف الخاصة، وهو الذي أنشأ دولة البوليس ووسع كثيراً من صلاحيات المخابرات العسكرية، التي كانت تعرف يومها بالمكتب الثاني.
في عهده بدأت عمليات مراقبة المكالمات الهاتفية، وفتح البريد، والتنصت على الناس في المقاهي. ولكن، من جاء بعد الناصر إلى سوريا؟ أليس هم نفس الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بالديمقراطية منذ العشرينات؟ كان عبد الناصر يومها يقترب من عامه السادس في مصر، والجميع يعرف نظام الحكم القائم في القاهرة منذ سنة 1952، القائم على البطش ومصادرة الحريات.
هل تفاجأ السوريون، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية شكري القوتلي، بأنه اشترط حلّ الأحزاب في سوريا وتعطيل البرلمان وتعيين مدير المخابرات عبد الحميد السراج وزيراً للداخلية؟.
وحدهم خالد العظم وخالد بكداش ورشدي الكيخيا اعترضوا (ولو بدرجات متفاوتة) على تسليم سوريا لعبد الناصر بهذه الطريقة الساذجة والمهينة. الكيخيا صوّت لصالح الوحدة، ولكن على مضد، وكذلك فعل العظم، أمّا بكداش فقد غاب عن تلك الجلسة التاريخية التي عقدت تحت قبة البرلمان السوري، ليكون هو النائب الوحيد الذي لم يقل نعم لعبد الناصر.
ألم يكن بوسع الرئيس القوتلي، الذي وقف وقفة الرجل الشجاع في وجه الفرنسيين، أن يفعل ذات الشيء مع عبد الناصر؟ ألم يكن بوسعه أن يقول: “أنا لا أقبل بهذه الشروط، لأنها مجحفة بحق سوريا، وأقدم لك شروطي، فإما أن تقبلها ونمضي بطريق الوحدة وأما أن ترفضها؟”.
عندما جاءه خبر سفر وفد من الضباط إلى القاهرة للتفاوض على الوحدة من دون علمه أو موافقته، كان بوسع الرئيس القوتلي فصلهم من الجيش ومحاكمتهم غيابياً بتهمة التخابر مع دولة خارجية.
لو كان جزاراً مثل عبد الناصر، لكان أرسل فريق كوماندوس من سوريا إما لاغتيال هؤلاء الضباط أو خطفهم وسوقهم إلى سوريا للمحاكمة.
ولكنه فضّل إضفاء شرعية على وفد العسكر، وأرسل وزير خارجيته البعثي صلاح البيطار للالتحاق بهم ودعمهم. لن ندخل في دوافع الرئيس القوتلي رحمه الله، هل فعل ذلك فعلاً لأنه كان مؤمناً بالوحدة العربية، كما أشيع يومها، أم أنه تخوّف من وقوع انقلاب عسكري في دمشق، يطيح به ويهينه كما فعل حسني الزعيم سنة 1949؟ كان القوتلي سنة 1958 قد كبر في السن واقترب من التقاعد، ويبدو أنه لم يكن يريد أن ينهي حياته السياسية في مواجهة، لا مع الجيش السوري ولا مع عبد الناصر.
بداية الخوف مع الانقلاب الأول
وهذا الضعف ينطبق على كل السياسيين الذين هادنوا العسكر منذ سنة 1949، باستثناء هاشم الأتاسي ورشدي الكيخيا. الأول استقال من منصبه احتجاجاً على تجاوزات أديب الشيشكلي سنة 1951 والثاني رفض رئاسة الجمهورية مرتين، قائلاً إنه لا يقبل أن يكون رئيساً في ظلّ تمادي نفوذ العسكر.
أمّا فارس الخوري مثلاً فقد قرر التعاون مع حسني الزعيم وصوّت له خلال الانتخابات الشكلية التي أجراها الأخير بعد انقلابه، والتي فاز بها بنسبة 99%. لم يطعن الخوري في تلك الانتخابات، وهو أب الديمقراطية السورية وحاميها، ولم يعلّق عليها عندما أذيعت النتائج.
عدد السياسيين الذين هادنوا حسني الزعيم كان كبيراً جداً، مثل الأمين العام للحزب الوطني صبري العسلي، وفيضي الأتاسي وعلي بوظو (وكلاهما من قادة حزب الشعب) والشاعر خليل مردم بك، الذي دخل وزيراً على حكومة الزعيم، ومعه الأمير عادل أرسلان.
ومعهم طبعاً كان الدكتور محسن البرازي، مدير مكتب شكري القوتلي وأمين سره، الذي قبل أن يكون رئيساً للوزراء في عهد الزعيم، وابن عمه رئيس الوزراء حسني البرازي، الذي قبل أن يكون حاكماً عرفياً في الشمال (على الرغم من أنه مدني لا خلفية عسكرية له بالمطلق).
السلطة إذن كانت هي دافع كل هؤلاء، لا الدولة الديمقراطية المدنية.
لم يعترض أي من هؤلاء (باستثناء رشدي الكيخيا) على اعتقال رئيس الجمهورية وزجه في سجن المزة العسكري، ولم يدافعوا عن الدستور الذي عطله حسني الزعيم (ومعظمهم كانوا مشاركين في صياغته)، أو عن البرلمان (ولا حتى رئيس المجلس فارس الخوري). لو حدث انقلاب مشابه في فرنسا على شارل ديغول، صانع استقلال بلاده، لخرج الناس إلى الشارع دفاعاً عن مؤسسة الرئاسة، أمّا السوريون، فقد خرجوا احتفالاً بالانقلاب وهللوا له، رافعين شعارات شتم ضد رئيسهم المنتخب شكري القوتلي.
وهنا توجد قصة شهيرة، بأن القوتلي رفض الاستقالة قائلاً للزعيم: “أنا رئيس منتخب والشعب السوري هو الذي انتخبني.” فأخرجه الزعيم من سجنه في سيارة مصفحة وجال به على شوارع العاصمة ليرى بعينه رأي الناس في العهد الجديد.
بدلاً من الحداد على الديمقراطية والإضراب العام، شاهد من كان يقسم باسمه قبل أيام يقوم بلعنه أمام دار الحكومة، وكيف كان السوريون يمزقون صوره، وهو “أبو الجلاء” و”بطل الاستقلال.”.
ثلاثة رؤساء خلفهم العسكر
الخمسينات كانت فعلاً فترة ذهبية لو قارناها مع ما جاء بعدها، ولكنها لم تكن مثالية وفيها الكثير من الأخطاء القاتلة التي يجب أن تدرس بشكل علمي، بعيداً عن الرومانسيات.
المتعارف عليه أن فترات الحكم الديمقراطية في سوريا ما بعد الجلاء هي مراحل الرؤساء الثلاثة شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وناظم القدسي. القوتلي حكم سوريا من 17 نيسان 1946 ولغاية 29 آذار 1949 (سنتين و11 شهراً)، وفي عهده تم تعديل الدستور للسماح له بولاية رئاسية ثانية، كان فيها مرشحاً وحيداً لم ينافسه أحد (كما كان الحال عند انتخابه في زمن الانتداب سنة 1943).
وفي عهده طبعاً كانت الانتخابات النيابية سنة 1947 التي جرى فيها تزوير كبير من قبل الحزب الوطني، المحسوب على رئيس الجمهورية، كما فرضت الأحكام العرفية إثر حرب فلسطين وأغلقت العديد من الصحف. إذاً هذا العهد كان ديمقراطياً بالشكل، لا في الجوهر.
أما عن هاشم الأتاسي فقد جاء إلى الحكم بعد انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم في 14 آب 1949 وبقي في منصبه حتى 3 كانون الأول 1951 (سنتين وأربعة أشهر). كانت اليد العليا في هذه المرحلة للعسكر وليس للمدنيين، ابتداء بالحناوي وصولاً إلى أديب الشيشكلي الذي نفذ انقلابه الأول في كانون الأول 1949 والثاني في تشرين الثاني 1951. وقد انتخب الأتاسي رئيساً، مثله مثل القوتلي من قبله، دون أي منافسة، وكانت قرارته مرهونة بموافقة الحناوي الشيشكلي.
ثم عاد الأتاسي إلى الرئاسة لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية عند الإطاحة بأديب الشيشكلي، وحكم البلاد مجدداً من 1 آذار 1954 ولغاية 5 أيلول 1955 (سنة وستة أشهر).
وفي هذه المرحلة اغتيل العقيد عدنان المالكي ولمع نجم عبد الحميد السراج في التحقيقات، وهو الذي بطش بالسوريين ولم يستطع الرئيس العجوز الوقوف في وجهه أو إقالته.
أي أن السلطة الحقيقة في هذه الفترة كانت بيد السراج وليس في يد السياسيين المدنيين. وفي 5 أيلول 1955 عاد شكري القوتلي إلى الحكم بعد انتخابات رئاسية، كانت هي الأفضل والأكثر نزاهة في تاريخ سوريا الحديث، وبقي في الحكم حتى قيام جمهورية الوحدة في شباط 1958 (سنتين وأربعة أشهر).
ثم كانت ولاية الرئيس ناظم القدسي من 14 كانون الأول 1961 ولغاية 8 آذار 1963 (سنة وثلاثة أشهر تخللها أسبوع في سجن المزة).
جمعاً تكون فترة حكم الرؤساء الثلاثة 10 سنوات وثلاثة أشهر من عمر سوريا، التي عمرها يفوق عشرة آلاف سنة. كانوا هم الشواذ وليسوا القاعدة، لأن جميع من سبقهم من حكام ومن جاء بعدهم كانوا من العسكر، ابتداء من معاوية بن أبي سفيان مروراً بالعباسيين والأيوبيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين والفرنسيين، ومروراً بالملك فيصل وجمال عبد الناصر وصولاً إلى حزب البعث ومن ثم الروس وفلاديمير بوتين.
جميعهم كانوا عسكراً، بخوذ وسيوف ورماح، وحتى في عهد الرؤساء الثلاثة “الديمقراطيين”، كانت الغلبة دوماً للعسكر.
-----------
الناس نيوز

د . أمير سعادة –
الاثنين 24 يناير 2022