نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


هل يحول الجفاف إيران إلى قنبلة موقوتة؟




أرومية (إيران) – تقع مدينة أرومية بجوار بحيرة أرومية الشهيرة والتي ظلت لسنوات جنة الإجازات شمال غرب إيران. تعتبر قصتها مثالا لعمليات استغلال الطبيعة وتكوين الثروات، ونموذجا أيضا لهؤلاء الأشخاص الذين يخسرون كل شيء. كما تعد شاهدا على مدى خطورة ظواهر خطيرة ومدمرة بعضها طبيعي مثل التغير المناخي، وبعضها بشري مثل الفساد، وسوء الإدارة ونزاعات السياسة الخارجية والتي دفعت في بعض الأحيان الناس إلى النزول إلى الشارع بصورة تهدد بتحويل البلاد إلى قنبلة موقوته يمكن أن تنفجر في أية لحظة.


يتذكر سائق التاكسي رجب علي بنوع من الحنين الأيام الخوالي حينما كانت البحيرة أكثر اتساعا مما هي عليه الآن، ويقول "كان يطلق على أرومية، باريس إيران، وكان يأتيها السائحون من جميع أنحاء البلاد، ومن البلاد المجاورة مثل تركيا والعراق، وهذا كان يفتح بابا للرزق للفنادق والمطاعم والبازارات والتاكسيات". تقع أرومية بين إقليمي آذربيجان الشرقية والغربية، على الحدود التركية، ويبلغ تعداد سكان المدينة 740 ألف نسمة، وكانت تعيش على عائدات السياحة من البحيرة الداخلية المالحة، ولكن ذلك كان في الماضي. الآن توضح صور القمر الاصطناعي كيف تضاءلت مساحة البحيرة، حيث توضح مجلة ناشيونال جيوجرافيك أن سطح البحيرة تراجع بمعدل 80% خلال العقود الثلاثة الأخيرة، واختفى من محيطها تماما بجع الفلامنكو والبشروش ومالك الحزين والبط البري، التي كانت منتشرة هناك. في الوقت الراهن لا يجد السائحون في الأماكن التي اعتادوا على التنزه بها سوى رمال الصحراء، تغرق في شمس لا ترحم كونت فوق الرمال طبقة هشة من الملح، ويبدو المشهد في مجمله كما لو كان مسرح جريمة في فيلم ويسترن، ولكنها في الحقيقة جريمة في حق البيئة. ويؤكد سائق التاكسي ذو الــ62 عاما قائلا "يخشى الناس أن يأتي يوم تجف فيه البحيرة بالكامل". ولكن، ماذا حدث؟ يمكن تلخيص ذلك في تأثيرات التغير المناخي التي تسببت في حدوث موجة جفاف ضربت إيران لفترة طويلة، وارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة، مما أدى لتبخر كميات كبيرة من منسوب المياه في البحيرة. كما أن البحيرة لا تعوض المنسوب المفقود، بسبب مشاريع الري والسدود التي تقام من حولها، وغيرها من الإجراءات غير القانونية، حيث يتربح البعض من هذا الاعتداء السافر على الطبيعة ومن الفساد المستشري ومن سوء الإدارة، ولكن الخاسرين أكبر، بسبب فقدان أعمالهم التي تعتمد على السياحة، أولئك الذين تعتمد أراضيهم التي تعرضت للبوار على الزراعة. والمثير للقلق في الأمر، هو أن حالة بحيرة أرومية ليست الوحيدة، حيث يبدو أن القصة تتكرر في أماكن أخرى، وبأبعاد أكثر مأسوية، مثل مدينة أصفهان ذات الطابع السياحي المميز، والتي جف نهر زاينده رود، التي يقطعها تماما في فصل الصيف الماضي، وأصبح شبه جاف خلال معظم أوقات العام حاليا. وكان الناس في الماضي يأتون للتنزه على ضفتيه، وتناول وجبة خفيفة وسط أحضان الطبيعة، ولكنه جاف الآن. ويبدو أن فكرة التنزه تعد مشكلة صغيرة إذا نظرنا للأراضي الزراعية الواقعة أعلى مجرى النهر والتي تعرضت للبوار بسبب نقص المياه، مما اضطر الكثير من المزراعين للنزوح وتركها لتغرق هذه المدن في مزيد من البؤس والفقر. والحديث عن النزوح لا مبالغة فيه، حيث تقدر الأرقام أن من 16 إلى 18 مليون إيراني اضطروا لترك مدنهم لاستحالة العيش فيها بسبب ضيق أسباب الرزق، والظاهرة في ازدياد، وفقا لبيانات وفرها المدون الإيراني الكندي في المنفى، نيكاهانج كوسر ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز، حيث لا توجد بيانات رسمية. ويشير المدون الإيراني أن الأحياء الفقيرة تتحول عادة لبؤر لاندلاع أعمال الشغب، متوقعا المزيد من تدهور الأوضاع مما قد يجبر الملايين من الإيرانيين على الهجرة قبل نهاية القرن، مما سينتج عنه اندلاع موجة جديدة من اللجوء في العالم. يقول عيسى كلانتري ، مساعد الرئيس الإيراني رئيس منظمة البيئة الايرانية إن موجات الجفاف تضرب البلاد منذ عدة سنوات، وانخفض منسوب الأمطار بنسبة 40% خلال العام الماضي، محذرا "نحن بصدد دولة تتحول إلى صحراء". في بعض مناطق البلاد، يتجمع الناس لأداء صلاة الاستسقاء من أجل هطول المطر. وعندما تمطر، يذهب الكثير من الناس إلى الشارع للاحتفال، وكذلك يفعلون على الشبكات الاجتماعية. تقع إيران في واحدة من مناطق العالم الأكثر تضررا من ظاهرة التغير المناخي، لكن الاختفاء البطيء لبحيرة أورمية يرجع أساسًا إلى يد الإنسان، وفقًا لبعض الخبراء، الذين اشاروا إلى أنه قبل ظهور مفهوم "التغير المناخي" بفترة طويلة ، كانت إيران تتعامل بالفعل مع الجفاف. فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، قامت الحكومة الإيرانية ببناء حوالي 600 سد للطاقة أو لمشاريع الري التي تحول كميات كبيرة من المياه، لري محاصيل الفستق، وهي واحدة من المحاصيل الرئيسية التي تصدرها إيران. تشير النيويورك تايمز أنه في الوقت نفسه، تم تحويل مصادر المياه للمشاريع الصناعية، ويقع بعضها في أماكن أثيرت شكوك كثيرة حول جدواها. ويبرز من بين أكثر المستفيدين من هذه الأنشطة أشخاص مقربون من الحرس الثوري، وأصحاب الحظوة لدى الحكومة، وممثلي وزارة الطاقة، وكذلك رجال أعمال في مجال الزراعة. يقول هويات ياباري من مكتب وزارة البيئة في أورمية "في مواجهة التغير المناخي وشح الأمطار لا يمكن لأحد أن يفعل شيئا لكن في القضايا الأخرى نعم". ويضيف "بداية يجب تحديث وسائل الري في مجال الزراعة، لتفادي إهدار مورد شحيح بالفعل مثل المياه". وكان نائب الرئيس الإيراني، اسحق جهانجيري قد زار في آذار/ مارس الماضي، شمال غرب البلاد للتعرف عن قرب على أبعاد الكارثة، وقال إنه سوف يركز جهوده مع الشركات التي ستتعاون من أجل إنقاذ البحيرة. يعد جهاجيري واحدا من رجال السياسة القلائل الذين مازلوا يحظون بمصداقية في البلاد، مقارنة بالرئيس حسن روحاني. وكان روحاني يحظى بإشادة وتقدير كبيرين في بداية ولايته للسلطة في إيران، وقد قدم وعودا كثيرة للمواطنين، ولم يوف منها إلا بالقليل. وبعد مرور بضعة سنوات، لم يستطع السيطرة على الأزمة الاقتصادية، وتعتبر مشكلة شح المياه من أولويات حكومته، حسب تأكيداته. ومع ذلك، تحتل الأزمة السياسية الداخلية والخارجية، مع تفاقم الوضع الاقتصادي جزءا كبيرا من وقته، وبالتالي أحال أزمة المياه إلى نائبيه جهاجيري وكلانتري. ويمكن القول إنهما يبذلان جهودا، إلا أنه تنقصهما خطة واضحة، وقبل كل شيء مصادر التمويل. يشكو كلانتري من قلة مخصصات إدارة البيئة التي يشرف عليها، في الموازنة العامة للدولة، موضحا أن تحديث نظم الري والزراعة يتطلب ضخ مليارات الريالات. ومع ذلك تؤكد صحفية إيرانية فضلت عدم الإفصاح عن هويتها "أموالنا تذهب إلى سوريا واليمن وغزة"، وهي وغيرها من الكثير من الإيرانيين لا يفهمون سبب توجيه المليارات من أموال النفط إلى حلفاء طهران بدلا من مواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد. تجدر الإشارة إلى أنه خلال الاحتجاجات التي اندلعت مطلع العام الجاري ومنتصفه، ردد المتظاهرون شعارات مثل "لن نضحي بأرواحنا من أجل غزة أو لبنان بل من أجل إيران". بدوره، طرح كلانتري المشكلة في سياق آخر، إن لم يتمكن من التخلص من قيد الموازنة العامة، موضحا "إذا كنا نؤكد أن البرنامج النووي حق للشعب الإيراني، يجب أن ننادي بأن يكون الهواء النظيف والماء النقي هي أيضا حقوق هامة للمواطنين". ولا تفصح السلطة عن حجم الإنفاق المخصص للمشروع النووي، ولكن الكونجرس الأمريكي يؤكد أن موازنته تتجاوز 100 مليار دولار ما يعادل 86 مليار يورو. وتثير هذه الاستثمارات الضخمة قلق القوى العالمية الكبرى، خاصة وأن طموح إيران النووي لم يتأثر كثيرا بالعقوبات الاقتصادية. ويرى المنتقدون أنه كان من الأولى توجيه هذه الاستثمارات الكبيرة لحماية البيئة، حيث توضح بيانات وزارة الصحة في إيران أنه خلال الفترة بين عامي 2016 و2017، لقى أكثر من 4800 شخص مصرعهم نتيجة أمراض مرتبطة بالتلوث. كما ترصد صور الأقمار الاصطناعية لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا خلال سنوات 1998 و 2011 و 2016 التغيرات التي طرأت على البحيرة التي يبلغ طولها 140 كيلو مترا. فقبل عشرين عاما كان الماء لا يزال أزرق اللون. إنه الوقت الذي يحب أن يتذكره الناس. في عام 2011، أصبح اللون أخضرا مع علامات أملاح لافتة للنظر. في عام 2016 ، أصبح اللون يميل ببساطة إلى الطوبي، نتيجة لارتفاع معدلات الملوحة للمياه وانتشار الطحالب والبكتريا. ويبذل سكان أورمية قصارى جهدهم للحصول على الرزق ولكن البؤس يحيط بهم من كل جانب ولا مفر منه. يتذكر داوود ستاري، المدير السابق لفندق فانوس، الحقبة التي كانت فيها التوازن البيئي في البحيرة لم يمس، ووقتها كانت موجات البحيرة تتهادى برقة حتى تمس بوابة الفندق، أما الآن فيتعين قطع عدة كيلومترات سيرا على الأقدام لبلوغ الماء". اضطر تدهور الوضع ستاري لتغيير نشاطه، وبدلا من العمل في فندق سياحي يطل على ضفاف البحيرة، حول المكان إلى قاعة أفراح، حيث يقول "لقد استثمرت الملايين في هذا المشروع ولا يمكنني التراجع الآن". يعتبر الحديث عن جفاف البحيرة الشغل الشاغل لسكان أورمية، ويتساءلون: هل هناك أمل في إنقاذها؟ هل يجب علينا البقاء بعد ذلك؟ أم يجب علينا الانتقال لمدينة أخرى؟ السكان ميسورو الحال يفكرون بالفعل في الهجرة، الحدود التركية لا تبعد عن المدينة أكثر من ساعة.

فرشيد مطهري واوليفر بيخوف وهانز دان
الجمعة 21 ديسمبر 2018