نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


واحة بوذية في قلب ألمانيا... ملاذ للاسترخاء والتأمل




فالدبرول (ألمانيا) – لا يمتلكون شيئا تقريبا، ومع ذلك لديهم الكثير ليعطونه. يبدأ يومهم قبل شروق الشمس بكثير، حيث يمارس كلا من الراهب البوذي تاي باب والراهبة سونج نغيم، تمارين استرخاء هادئة من تعاليم التايتشي. كلاهما حليق الرأس تماما، ويرتدون ثيابا بسيطة صفراء اللون، ومن خلفهما يوجد تمثال لبوذا مضاء بالأنوار، ويجلس أمامهما خمسون رجلا وامرأة يبدأون في ممارسة طقوس التأمل والاستذكار. تقول بتؤدة الراهبة البوذية سونج نغيم "ننحني ونتنفس بعمق". ويذكرها بصوت ناعم شقيقها تاي باب آن "ثم نبتسم".


الطريف في الأمر أن هذا المشهد لا يحدث في مدينة "هو شي منه" الفيتنامية أو بانكوك التايلاندية، بل في مدينة فالدبرول الألمانية في مقاطعة، شمال الراين ويستفاليا. أنشأ الفيتناميون مكانًا للحد من السرعة والسكون في هذه المدينة الصغيرة الواقعة غرب ألمانيا، أطلقوا عليه "معقل الهدوء". يأتي الناس من العديد من الدول الأوروبية لاستعادة قواهم. يعيش التجمع البوذي المكون من 40 عضوًا بشكل متواضع: كل فرد لديه طاولة وسرير ومقعد وبعض المتعلقات الشخصية، لا يوجد أجهزة تلفاز أو أجهزة حاسوب. يتغذى أفراد هذا التجمع البوذي المتقشف على الطعام النباتي، الذي مصدره حديقتهم الخاصة. يتمتع تاي باب آن بكاريزما كبيرة. جاء إليه الخمسون شخصا الحاضرون الآن من بلجيكا وهولندا للمشاركة في الدورة التي ينظمها تحت عنوان "كيفيه التحرر من براثن الخوف" ومدتها أربعة أيام. يخيم صمت القبور على القاعة بمجرد أن يبدأ الراهب البوذي في الحديث. يوضح "يكمن الجوهر في تعلم إدراك الوعي". إنه خطيب مفوه يتحدث بفصاحة كبيرة عن بوذا وتعليمه، والحياة الزائلة، والخوف من الموت، وإدراك معنى أن تعيش الحياة هنا والآن، يتناول موضوعات تتعلق بالعلم والتحليل النفسي أيضا". يؤكد الراهب البوذي "كل ما تمنحنا الحياة، هي نعمة"، مضيفا أن الألم والمعاناة جزء مما تمنحنا الحياة، وأن ممارسة التأمل يمكن أن تساعد على تقبل ذلك وتجاوزه. يشار إلى أن بعض الطقوس تمارس بشكل جماعي. يلاحظ أن تاي باب آن، رجل واسع الثقافة والاطلاع، يتمتع بخبرة كبيرة في الحياة وأنه حمل رسالته إلى العديد من دول العالم. وهو أيضا عميد المعهد الأوروبي للدراسات البوذية التطبيقية والمعروف اختصارا(EIAB) ، يذكر أن تاي باب آن، هرب في شبابه على متن قارب صغير من حرب فيتنام، مثل غيره من آلاف الشباب، والتي عرفت بـ"قوارب الشعب". عاش في مخيم لاجئين في ماليزيا، وتمكن لاحقا من استكمال دراسته في الولايات المتحدة، حيث حصل على الدكتوراه في الرياضيات قبل أن يتحول إلى راهب في فرنسا. تعلم إلى جواره الراهبة سونج نغيم، سيدة تبلغ من العمر 66 عاما، ضئيلة الحجم، تشع سعادة غامرة بشكل معدي. حين تغني وسط المجموعة تضيع منها الكلمات وتفقد اللحن، فتقول مازحة "ربما أفقد تصريحي كمغنية". حينما يطلب منها الوقوف من أجل التقاط صورة، تمرر في الحال براحة يدها على رأسها الخالي من الشعر وتقول بنوع من التبصر "الراهبات والرهبان مثلنا لا نعير اهتماما لجمالنا الخارجي، بل للجمال الداخلي". درست سونج نغيم في دارمشتات، بمقاطعة هسه الألمانية. حاصلة على الدكتوراة في الكيمياء، وأنجزت على مدار سنوات طويلة مهاما علمية كبيرة لشركات متخصصة. فقدت معظم أفراد عائلتها الكبيرة أثناء الفرار من الحرب، ومع ذلك مازالت الراهبة البوذية تؤمن بالخير داخل البشر. انخرطت مثل تاي باب آن، في سلك الرهبنة البوذية في قرية بلوم فيليدج جنوب غرب فرنسا، بمركز التأمل البوذي، الذي أسسه تيش نات هاه، معلم الزن الشهير المعروف على مستوى العالم، والذي يبلغ عمره الآن 93 عاما، وهو أيضا من أسس المعهد الأوروبي للدراسات البوذية التطبيقية (EIAB)، قبل نحو عشر سنوات في فالدبرول، على مسافة 69 كيلو مترا من إقليم كولونيا. تعيش هناك وسط البوذيين، سيدة ألمانية، الراهبة بي نغيم /72 عاما/. عندما يسألونها إذا كانت لا تشتاق لاحتساء كأس من الشراب بين الحين والآخر، أو لمشاهدة التلفاز لبرهة، تجيب: "هذا آخر شيئ احتاج إليه"، مضيفة أنها تسمح لنفسها من آن لآخر ببعض الرفاهية "حينما أكون على سفر، أقرأ الجريدة لكي أعرف ماذا يجري في العالم". كان المبنى خاويا، حينما جاء البوذيون الأوائل إلى فالدبرول، ولم يكن به نظام تدفئة مركزية، أو ماء شرب أو صرف، حيث كان المكان يستخدم كمصحة، ولكن في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، طرد النازي نحو 600 نزيل بحجة بناء فندق فاخر، ولكن لم يتم افتتاحه مطلقا. ومع ذلك، في الوقت الراهن فقد استقبل زوارا من 35 دولة من جميع أنحاء العالم. يقول تاي بابا آن "نسعى لمساعدة المجتمع لأن يكون أكثر مسالمة وتعاطفا وودا. الناس هنا يعانون من حالة من الفقر الروحي". ويضيف الراهب البوذي أن الكثيرين يأتون بحثا عن التوازن، والتناغم والسلام الداخلي. وتتضمن روشتة العلاج التي تقدمها فالدبرول التأمل، والسير بصمت في مجموعات فضلا عن تمارين الاسترخاء العميق. كما يعد الطعام وسط صمت مطبق. يقول بعض المشاركين إنهم عانوا في البداية من نوبات هلع، وخوف من الفشل، اكتئاب ونوبات بكاء عنيفة. كما يكشف كثيرون أنهم شعروا بارتياح كبير مع الرهبان البوذيين وأنهم تمكنوا شيئا فشيئا من استعادة السكينة. تؤكد الراهبة سونج نغيم "نحن هنا لا نفرق بين أنا وأنت، بل نتشارك في كل شيء، بما في ذلك ألم المعاناة". وتعتبر المبادئ الأساسية في المكان هي الاحترام والتعاطف والمحبة، وهي مبادئ يفتقد إليها الناس كثيرا في الوقت الراهن. لذلك يقدم المكان دورات لأولئك الأشخاص الذين يتعاملون مع الحياة كنوع من التحدي وحلقات نقاش جماعي لتقليل التوتر. بعض المشاركين عملياً لا يُسمح لهم بمشاهدة أنفسهم إلا عندما يصلون مع دقات الجرس الضخم الموجود في الحديقة الذي يدعوهم إلى الصلاة من أجل السلام. يوضح الراهب البوذي تاي باب آن، أن الأمر لا يتعلق بالرغبة في تحويل الزوار إلى البوذية، بل يؤكد أن أتباع جميع الديانات مرحب بهم في هذا المكان. ويعتبر الراهب أن أهم شيء هو أن يكتسب الأشخاص الذين يترددون على المكان من خلال الممارسات البوذية، وضوح البصيرة، وأن يتجاوزوا قلقهم ومخاوفهم وأن ينجحوا في تحقيق التغيير المنشود في داخلهم ومن قلوبهم. ويختتم تاي باب آن حديثه قائلا "أن أكون شاهدا على حدوث هذا التغيير أمر مؤثر للغاية".

يوريكو فال-إيميل
الجمعة 27 ديسمبر 2019