يتجه ويلان مع مجموعته السياحية إلى مكان شديد التميز: القطاع الجمهوري الجديد، وهي منطقة مسورة، تم تخصيصها تكريما لرفات نشطاء منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي. توجد مقبرة ساندز هناك. يقول ويلان مخاطبا السياح "جميعهم ماتوا وهم يؤدون الواجب". يجد الزوار شغفا في التعرف على معاقل المقاومة الجمهورية. جدير بالذكر أن ويلان نفسه يعتبر من الناجين من هذه الفترة، ومازال يأمل إلى اليوم أن تحصل إيرلندا على استقلالها عن بريطانيا.
الحرب، الدين، السياسة
يتسبب مصطلحا "كاثوليكي" و"بروتستانتي" المستخدمان في التمييز بين المعسكرين المتناحرين في نوع من الإرباك، لما لهما من تداعيات تحصر المواجهة في الجانب الديني بصورة حصرية. لكن غالبية جوانب الصراع في الحقيقة ذات طابع سياسي. وقد تركت أعمال الشغب والقلاقل الناجمة عن الصراع المسلح وأسفرت عن مصرع أكثر من 3500 شخص، أثرا كبيرا في حياة ويلان، كما تظهر بوضوح في التغضنات التي ملأت ملامح وجهه، فبدا عمره أكبر بكثير من عمره الحقيقي 62 عاما.
تنعطف الجولة في شارع بومباي، الذي يعتنق جميع سكانه المذهب الكاثوليكي، ويعرف ذلك من الواجهات الخلفية لمنازل الحي المسيجة جميعها بالحديد تحسبا لقذائف كوكتيل المولوتوف التي كانت تلقى عليها أثناء ذروة الصراع المسلح، من الحي البروتستانتي المقابل له. في الوقت الراهن تحمي كلا المنطقتين الواحدة من الأخرى بسور ضخم.
تقسم أحياء المدينة ما باتت تعرف الآن بخطوط السلام. وهي عبارة عن أسوار يتفاوت امتدادها من مئة متر إلى خمسة كيلومترات، في حين يصل أقصى ارتفاع لها إلى ثمانية أمتار. وتوجد ببعض الأسوار أبواب تتيح النفاذ من حي لآخر، لكن تظل مغلقة طوال الليل. ويبلغ الانقسام مداه بين كلا الفريقين في مقابر المدينة حيث يفصل بين مقابر الكاثوليك والبروتستانت جدار تحت الأرض.
بلا ندم
يصطحب ويلان السائحين إلى محل الهدايا التذكارية "شين فين". وهو حزب سياسي ايرلندي، موجود في كل من ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا، وينظر إليه البعض على أنه الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي. و تطلق التسمية على عدد من الحركات السياسية الايرلندية خلال القرن العشرين مستوحاة من الحزب الاصلي الذي أُسس في عام 1905 على يد آرثر جريفيث وتعني الكلمة انفسنا أو نحن أنفسنا "ourselves" or "we ourselves".
يمكن للسياح أن يشتروا من هناك بوسترات وشارات وفناجين محفور عليها صور أبطال الجيش الجمهوري الايرلندي والشين فين، كنوع من التذكارات. ومع ذلك، يتحدث ويلان عن أسماء رفاق السلاح السابقين بنوع من الورع والخشوع، خاصة الذين لقوا حتفهم أثناء تفكيك عبوات ناسفة، وهي على حد قوله "حوادث مأسوية مؤسفة". أما حين يتحدث عن المواقع التي فجر فيها الجيش الجمهوري الايرلندي عبوات ناسفة، فيصفها ويلان بالعمليات الناجحة، ولا يكلف نفسه حتى عناء الحديث عن الضحايا الذين سقطوا خلال تلك الأحداث.
من جانبهم، فإن أنصار الاتحاد مع بريطانيا العظمى الذين دافعوا عن تلك القضية وبقاء إيرلندا الشمالية جزءا من إنجلترا يقدمون أيضا جولات سياحية بمصاحبة مرشد في بلفاست تتضمن أماكنهم التذكارية ورؤيتهم الخاصة وتبريراتهم القومية للأحداث ومجرياتها. وعلى الرغم من أنها هي نفس المدينة، إلا أن الجولة في هذه الحالة تشمل أماكن لها أهميتها التاريخية لأنصار هذا الجانب من الصراع: يصطحب المرشد بول ماكين هذه المرة السائحين عبر شوارع الجانب البروتستانتي.
يمرون بجوار جدار تذكاري محفور عليه "هنا وقعت مذبحة قام بها الجيش الجمهوري الايرلندي ضد أبرياء". في الأسفل يقرأ على شاهد حجري أسود عبارة "تخليدا لذكرى خمسة بروتستانتيين أبرياء اغتيلوا هنا على يد حفنة من القتلة الجمهوريين". وترفرف على النصب التذكاري هذه المرة بدلا من العلم الجمهوري، الراية البريطانية.
عندما يصل ماكين مع مجموعته السياحية إلى جادة ساندي رو، وهو الشارع الذي يقيم فيه منذ أن ولد، يقابله أبناء الحي بالتحيات والعناق. الطريف أن نفس الشيء يتكرر مع ويلان عندما يتجول مع السائحين في الحي الجمهوري الذي يقع به منزله. تحرص كل فئة من الطرفين على إظهار روح الترابط الشديد. ويبدو أن الأمر مازال كذلك، لأن كل طرف مستمر في اعتقاده بأن الطرف الآخر خصم مشترك.
ماتزال بلفاست إلى اليوم مدينة مسيسة بامتياز، حيث تنتشر في كل مكان النصب والشواهد التذكارية، والجداريات، ولكن سيكون من الخطأ أن شيئا لم يتغير. تظهر استطلاعات الرأي أن نسبة ضئيلة للغاية من السكان تكاد تكون أقلية، مازالت تؤمن بشرعية العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.
الجينيس: عامل مشترك
إنها ليلة الجمعة في فندق أوروبا. يعتبر هذا المبنى الواقع بوسط العاصمة بلفاست "أكثر فندق في العالم تعرض للقصف"، نظرا لأنه تعرض للهجوم لأكثر من ثلاثين مرة من قبل ميليشيات الجيش الجمهوري الايرلندي منذ افتتاحه عام 1971 وحتى توقيع وقف إطلاق النار عام 1994. يحتفل في تلك الليلة ثلاثة أشقاء بعيد الميلاد الخمسين لأصغرهم. يرافقهم صديقان وأحد الأصهار. يتخلل اجتماعهم أحاديث مع نزلاء حانة الفندق الجالسين على الطاولات المجاورة. يتضح أن أحدهم بروتستانتي.
في أوقات سابقة، كانوا يشيرون إليه على أنه "واحد من الطرف الآخر". لكن الآن وقد تغيرت الظروف يقدمون لإدوارد – هذا اسمه – مشروب الجينيس تلو الآخر، إنها نوع الجعة الشهير الذي اتفق عليه الايرلنديون سواء البروتستانت أو الكاثوليك، على الرغم من خلافاتهم التاريخية الكبيرة. وفي نهاية السهرة يلتقطون الصور معا، ويودعون بعضهم بالأعناق. يعلق إدوارد "في النهاية كلنا نريد نفس الشيء: أن يترعرع أبناءنا في عالم أفضل".
معلومات مفيدة عن بلفاست
للحصول على جولات سياحية مع مرشد من شهود العيان على الصراع المسلح، يجب الحجز قبلها بوقت كاف عن طريق الانترنت. تعرف الهيئة المنظمة باسم "لجنة السجناء السابقين": «Coiste na n-larchimi» وموقعها على الانترنت هو: (www.coiste.ie) وتقدم جولاتها للراغبين بمصاحبة أعضاء سابقين من الجيش الجمهوري الايرلندي، عبر الجانب الغربي الكاثوليكي في بلفاست. أما عن الجولات السياحية في معاقل الجانب البروتستانتي خاصة جادة ساندي رو فيجب الحجز عن طريق موقع الكتروني خاص.
الحرب، الدين، السياسة
يتسبب مصطلحا "كاثوليكي" و"بروتستانتي" المستخدمان في التمييز بين المعسكرين المتناحرين في نوع من الإرباك، لما لهما من تداعيات تحصر المواجهة في الجانب الديني بصورة حصرية. لكن غالبية جوانب الصراع في الحقيقة ذات طابع سياسي. وقد تركت أعمال الشغب والقلاقل الناجمة عن الصراع المسلح وأسفرت عن مصرع أكثر من 3500 شخص، أثرا كبيرا في حياة ويلان، كما تظهر بوضوح في التغضنات التي ملأت ملامح وجهه، فبدا عمره أكبر بكثير من عمره الحقيقي 62 عاما.
تنعطف الجولة في شارع بومباي، الذي يعتنق جميع سكانه المذهب الكاثوليكي، ويعرف ذلك من الواجهات الخلفية لمنازل الحي المسيجة جميعها بالحديد تحسبا لقذائف كوكتيل المولوتوف التي كانت تلقى عليها أثناء ذروة الصراع المسلح، من الحي البروتستانتي المقابل له. في الوقت الراهن تحمي كلا المنطقتين الواحدة من الأخرى بسور ضخم.
تقسم أحياء المدينة ما باتت تعرف الآن بخطوط السلام. وهي عبارة عن أسوار يتفاوت امتدادها من مئة متر إلى خمسة كيلومترات، في حين يصل أقصى ارتفاع لها إلى ثمانية أمتار. وتوجد ببعض الأسوار أبواب تتيح النفاذ من حي لآخر، لكن تظل مغلقة طوال الليل. ويبلغ الانقسام مداه بين كلا الفريقين في مقابر المدينة حيث يفصل بين مقابر الكاثوليك والبروتستانت جدار تحت الأرض.
بلا ندم
يصطحب ويلان السائحين إلى محل الهدايا التذكارية "شين فين". وهو حزب سياسي ايرلندي، موجود في كل من ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا، وينظر إليه البعض على أنه الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي. و تطلق التسمية على عدد من الحركات السياسية الايرلندية خلال القرن العشرين مستوحاة من الحزب الاصلي الذي أُسس في عام 1905 على يد آرثر جريفيث وتعني الكلمة انفسنا أو نحن أنفسنا "ourselves" or "we ourselves".
يمكن للسياح أن يشتروا من هناك بوسترات وشارات وفناجين محفور عليها صور أبطال الجيش الجمهوري الايرلندي والشين فين، كنوع من التذكارات. ومع ذلك، يتحدث ويلان عن أسماء رفاق السلاح السابقين بنوع من الورع والخشوع، خاصة الذين لقوا حتفهم أثناء تفكيك عبوات ناسفة، وهي على حد قوله "حوادث مأسوية مؤسفة". أما حين يتحدث عن المواقع التي فجر فيها الجيش الجمهوري الايرلندي عبوات ناسفة، فيصفها ويلان بالعمليات الناجحة، ولا يكلف نفسه حتى عناء الحديث عن الضحايا الذين سقطوا خلال تلك الأحداث.
من جانبهم، فإن أنصار الاتحاد مع بريطانيا العظمى الذين دافعوا عن تلك القضية وبقاء إيرلندا الشمالية جزءا من إنجلترا يقدمون أيضا جولات سياحية بمصاحبة مرشد في بلفاست تتضمن أماكنهم التذكارية ورؤيتهم الخاصة وتبريراتهم القومية للأحداث ومجرياتها. وعلى الرغم من أنها هي نفس المدينة، إلا أن الجولة في هذه الحالة تشمل أماكن لها أهميتها التاريخية لأنصار هذا الجانب من الصراع: يصطحب المرشد بول ماكين هذه المرة السائحين عبر شوارع الجانب البروتستانتي.
يمرون بجوار جدار تذكاري محفور عليه "هنا وقعت مذبحة قام بها الجيش الجمهوري الايرلندي ضد أبرياء". في الأسفل يقرأ على شاهد حجري أسود عبارة "تخليدا لذكرى خمسة بروتستانتيين أبرياء اغتيلوا هنا على يد حفنة من القتلة الجمهوريين". وترفرف على النصب التذكاري هذه المرة بدلا من العلم الجمهوري، الراية البريطانية.
عندما يصل ماكين مع مجموعته السياحية إلى جادة ساندي رو، وهو الشارع الذي يقيم فيه منذ أن ولد، يقابله أبناء الحي بالتحيات والعناق. الطريف أن نفس الشيء يتكرر مع ويلان عندما يتجول مع السائحين في الحي الجمهوري الذي يقع به منزله. تحرص كل فئة من الطرفين على إظهار روح الترابط الشديد. ويبدو أن الأمر مازال كذلك، لأن كل طرف مستمر في اعتقاده بأن الطرف الآخر خصم مشترك.
ماتزال بلفاست إلى اليوم مدينة مسيسة بامتياز، حيث تنتشر في كل مكان النصب والشواهد التذكارية، والجداريات، ولكن سيكون من الخطأ أن شيئا لم يتغير. تظهر استطلاعات الرأي أن نسبة ضئيلة للغاية من السكان تكاد تكون أقلية، مازالت تؤمن بشرعية العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.
الجينيس: عامل مشترك
إنها ليلة الجمعة في فندق أوروبا. يعتبر هذا المبنى الواقع بوسط العاصمة بلفاست "أكثر فندق في العالم تعرض للقصف"، نظرا لأنه تعرض للهجوم لأكثر من ثلاثين مرة من قبل ميليشيات الجيش الجمهوري الايرلندي منذ افتتاحه عام 1971 وحتى توقيع وقف إطلاق النار عام 1994. يحتفل في تلك الليلة ثلاثة أشقاء بعيد الميلاد الخمسين لأصغرهم. يرافقهم صديقان وأحد الأصهار. يتخلل اجتماعهم أحاديث مع نزلاء حانة الفندق الجالسين على الطاولات المجاورة. يتضح أن أحدهم بروتستانتي.
في أوقات سابقة، كانوا يشيرون إليه على أنه "واحد من الطرف الآخر". لكن الآن وقد تغيرت الظروف يقدمون لإدوارد – هذا اسمه – مشروب الجينيس تلو الآخر، إنها نوع الجعة الشهير الذي اتفق عليه الايرلنديون سواء البروتستانت أو الكاثوليك، على الرغم من خلافاتهم التاريخية الكبيرة. وفي نهاية السهرة يلتقطون الصور معا، ويودعون بعضهم بالأعناق. يعلق إدوارد "في النهاية كلنا نريد نفس الشيء: أن يترعرع أبناءنا في عالم أفضل".
معلومات مفيدة عن بلفاست
للحصول على جولات سياحية مع مرشد من شهود العيان على الصراع المسلح، يجب الحجز قبلها بوقت كاف عن طريق الانترنت. تعرف الهيئة المنظمة باسم "لجنة السجناء السابقين": «Coiste na n-larchimi» وموقعها على الانترنت هو: (www.coiste.ie) وتقدم جولاتها للراغبين بمصاحبة أعضاء سابقين من الجيش الجمهوري الايرلندي، عبر الجانب الغربي الكاثوليكي في بلفاست. أما عن الجولات السياحية في معاقل الجانب البروتستانتي خاصة جادة ساندي رو فيجب الحجز عن طريق موقع الكتروني خاص.