تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

سورية بين ثلاث مدارس للحكم والسياسة

13/10/2025 - ياسين الحاج صالح

اوروبا تستعد للحرب

13/10/2025 - د. إبراهيم حمامي

من الفزعة إلى الدولة

13/10/2025 - حسان الأسود

انتخاب أم اصطفاء في سورية؟

13/10/2025 - احمد طعمة

المسار التفاوضي بين الحكومة السورية وقسد.. إلى أين؟

01/10/2025 - العقيد عبدالجبار العكيدي

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد


السير على حبل مشدود.. كيف توازن الحكومة السورية سياساتها بين الشرق والغرب






في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة انتقالية جديدة اتسمت بتحولات جيوسياسية جذرية. فقد أنهى الهجوم السريع الذي قادته قوات المعارضة، أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد، بعد السيطرة على دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر، وهروب الأسد إلى موسكو تاركًا وراءه دولة منهكة سياسيًا واقتصاديًا


 .
الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع أعلنت انطلاق مرحلة انتقالية تشمل إعلانًا دستوريًا مؤقتًا ودعوات للحوار الوطني، مؤكدة التزامها بحماية الأقليات ومكافحة الإرهاب. غير أن هذا التحول لم يكن حدثًا داخليًا فحسب، بل أعاد رسم خريطة التحالفات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط.
تحولات ما بعد السقوط
روسيا، التي تدخلت عسكريًا عام 2015 لإنقاذ النظام السابق، وإيران، الداعم الرئيسي له، واجهتا خسائر استراتيجية كبيرة. أما قواعد موسكو في طرطوس وحميميم التي كانت رمزًا لنفوذها في المتوسط، فأصبحت موضع تساؤل، رغم اتفاقات أولية تتيح لها البقاء مقابل دعم اقتصادي محدود. 
الصين بدورها، التي استخدمت الفيتو ثماني مرات دفاعًا عن الأسد، وجدت نفسها أمام معضلة كيف تحافظ على مصالحها الاقتصادية في إطار مبادرة "الحزام والطريق" من دون الاصطدام بالحكومة الجديدة التي تعتبر بكين من أبرز داعمي النظام السابق.
على الصعيد الدولي، ساهم سقوط الأسد في إعادة ترتيب موازين القوى. ومع تصاعد الحرب الأوكرانية وتعزيز التحالف بين روسيا والصين وإيران، وجدت العواصم الغربية في دمشق الجديدة فرصة لإعادة الانخراط.
فالاتحاد الأوروبي رفع في شباط/ فبراير 2025 معظم العقوبات الاقتصادية عن سوريا، مبقيًا على قيود تستهدف رموز النظام السابق، مقابل التزام الحكومة الجديدة بمعايير الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان.
كما سارعت السعودية والإمارات وقطر إلى إعادة فتح سفاراتها في دمشق مطلع 2025، ودعم جهود إعادة الإعمار، في حين أعادت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تمثيلها الدبلوماسي، في ما اعتُبر "عودة أوروبية إلى سوريا" بهدف منع الفراغ الأمني وتجدد تهديد الإرهاب.
توازن دقيق بين الشرق والغرب
هذا التموضع المتدرج نحو الغرب يضع دمشق أمام تحدٍ صعب: كيف تحافظ على علاقاتها مع موسكو وبكين دون خسارة الدعم الغربي؟
يقول د. ماهر التمران، ممثل "التحالف السوري الوطني"، لموقع "الترا سوريا" إن "الاقتراب السوري من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج يمثل خطوة استراتيجية تعكس رغبة دمشق في إعادة بناء علاقاتها على أسس براغماتية، لكنها ليست مجرد رد فعل على تراجع الدعم الروسي، بل إعادة تموضع متوازنة". ويضيف أن "دول الخليج أبدت اهتمامًا حقيقيًا بإعادة الإعمار والتخلص من النفوذ الإيراني، فيما أظهر الاتحاد الأوروبي استعدادًا لدعم التحول الديمقراطي، بشرط احترام حقوق الإنسان".
في المقابل يرى خزيمة العبدو، الباحث في العلاقات الدولية، في حديث لموقع "الترا سوريا" أن هذا التوازن يتطلب "حيادًا استراتيجيًا وشفافية دبلوماسية". ويوضح: "ينبغي على دمشق أن تتجنب الانحياز الكامل لأي طرف، وأن تستخدم أدوات مثل الوساطة الدولية والتركيز على القضايا التنموية لبناء الثقة مع الغرب من دون قطع الجسور مع موسكو".
روسيا: شريك مضطرب لا عدو
يقول الباحث والكاتب د. باسل معراوي، لموقع "الترا سوريا"، إن روسيا "خسرت حربها في سوريا وهي من الخاسرين الثلاثة مع إيران وإسرائيل، ولن تستطيع استعادة نفوذها السابق بعد سقوط الأسد". لكنه يضيف أن العلاقة الجديدة يمكن أن تُبنى على "أسس طبيعية، بحيث يبقى الوجود العسكري الروسي بقرار سيادي سوري، دون تدخل في السياسات الداخلية أو الخارجية".
شهدت العلاقة مع روسيا زيارات متبادلة، كان أبرزها في تموز/ يوليو 2025، حيث زار وفد حكومي سوري موسكو لإعادة تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين، مع التركيز على التعاون في مجالات الطاقة والنقل دون التورط في تحالفات سياسية، وهي إشارة إلى محاولة دمشق اعتماد سياسة "الحياد الإيجابي".
أما على صعيد الصين، فتبدو العلاقة أكثر حذرًا. ففي شباط/ فبراير 2025، التقى الشرع بالسفير الصيني في دمشق، وأكد رغبة بلاده في "علاقات طبيعية قائمة على المصالح الاقتصادية". غير أن وجود مقاتلين من أقلية الأويغور في شمال سوريا لا يزال يعكر صفو العلاقة بين الجانبين.
يوضح العبدو أن "التعاون السوري-الصيني في مجالات الطاقة والتجارة خطوة مهمة لتقليل الاعتماد على الغرب، لكنها تحتاج إلى شفافية عالية لتجنب القلق الأميركي والأوروبي".
ويضيف: "يجب توجيه التعاون نحو مشاريع تنموية ضمن مبادرة الحزام والطريق، فذلك يعزز صورة سوريا كشريك اقتصادي لا سياسي في التنافس بين الشرق والغرب".
الاعتبارات الإقليمية
يرى معراوي أن التموضع الكامل في المعسكر الغربي "يظل صعبًا ما دامت إسرائيل تقود هذا المحور". ويشرح: "إسرائيل ترى في إضعاف جيرانها أولوية أمنية، وترفض الانسحاب من الجولان، مما يجعل من المستحيل إقامة علاقات طبيعية معها حتى في ظل حكومة سورية غير إسلامية". ويرى أن "الغرب يدرك هذه المعادلة، لذا لن يضغط على دمشق لتطبيع العلاقات، بل سيكتفي بتعاون أمني واقتصادي".
في الوقت ذاته، تسعى دول الخليج لتثبيت نفوذها في إعادة الإعمار، مدعومة بمساعدات أوروبية تجاوزت 2.5 مليار يورو عام 2025، فيما تواصل الأمم المتحدة تسهيل الحوار الوطني ودعم العملية الدستورية.
في النهاية، يبدو أن الحكومة السورية الجديدة تتبنى سياسة خارجية تقوم على "المرونة والبراغماتية". فدمشق، وإن اقتربت من الغرب، تدرك أن قطع العلاقات مع موسكو وبكين قد يحرمها من أوراق ضغط استراتيجية، خصوصًا في مجلس الأمن. كما أن الاعتماد الكامل على الغرب قد يجعلها عرضة لتقلبات المواقف الدولية.
يقول التمران في ختام حديثه: "النجاح في هذه المرحلة لا يقوم على التحالفات الصلبة، بل على إدارة التناقضات. سوريا اليوم ليست في موقع من يختار بين الشرق والغرب، بل من يحاول أن يوازن بينهما لبناء دولة مستقلة ومستقرة".
من جانبه، يلخص العبدو الموقف بقوله: "التحالفات المتعددة لا تعني التبعية، بل هي وسيلة لبناء نظام إقليمي أكثر توازنًا. المهم أن تحافظ دمشق على الشفافية والسيادة في قراراتها".
وبين موسكو التي تسعى للاحتفاظ بموطئ قدم في المتوسط، وبكين التي تتطلع إلى استقرار يسمح بمرور طريق الحرير عبر الموانئ السورية، والغرب الذي يربط المساعدات بالإصلاحات، تواصل سوريا الجديدة السير في طريق دبلوماسي ضيق، لكنه ربما يكون خيارها الوحيد لاستعادة دورها الإقليمي، بعيدًا عن محاور الصراع.
----------
سوريا الترا

أحمد العكلة
الثلاثاء 14 أكتوبر 2025