نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

سمومُ موازينِ القوى

28/07/2025 - غسان شربل

من نطنز إلى صعدة: مواد القنبلة في قبضة الوكيل

24/07/2025 - السفير د. محمد قُباطي

في كذبة الوطنية السورية

21/07/2025 - غازي دحمان


حديقة ترفيهية في مقر العقيد البائد في ليبيا ما بعد الثورة التي تنهض من بين الركام




طرابلس - آن بياتريس كلاسمن - من بعيد تبدو أكياس القمامة المنتفخة والمكدسة أمام الجدران الخرسانية المهدمة لمجمع العزيزية الذي كان مقرا لإقامة الزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي حتى صيف 2011مثل شكائر الرمل التي تتخللها فتحات ضيقة تصوب منها فوهات البنادق.


حديقة ترفيهية في مقر العقيد البائد في ليبيا ما بعد الثورة التي تنهض من بين الركام
غير أن العمليات القتالية انتهت في العاصمة الليبية طرابلس بغض النظر عن الهجمات الإرهابية المتقطعة والنزاعات المحلية التي تتم تسويتها أحيانا باستخدام الأسلحة النارية. 
ويتردد أنه ستتم إزالة المجمع الذي كان يقيم فيه ديكتاتور ليبيا الراحل غريب الأطوار لإفساح المكان لإقامة حديقة ترفيهية. 
 
ومن ناحية أخرى لا يشعر السكان المحليون بالرضا إزاء القصور في أداء جامعي القمامة الذين يتراخون في إزالة أكياس المخلفات. 
 
كما أن شرطة المرور لا تحصل على درجات جيدة في التقييم الشعبي للأداء، ففي منتصف النهار من كل يوم تتدفق طوابير لا نهاية لها من السيارات عبر الطرق المتربة.
وينطلق قائدو السيارات الذين نفد صبرهم بسرعة فائقة ليتجاوزوا الإختناقات المرورية بالاندفاع فوق الأرصفة أو بشكل متعرج حول الأشجار، وعجزت الحكومة المركزية والمجالس المحلية التي خلفتها الثورة الليبية عن حفظ النظام.
 
 
 ويشغل كثير من شباب الثوار الفراغ الناتج عن عودتهم للحياة المدنية بتعاطي المخدرات، ومن الحوادث اللافتة للنظر التي وقعت مؤخرا قيام أحد بارونات المخدرات باقتحام مفترق طرق مركزية بدبابة خلال مشاجرة مع الشرطة. 
 
ولم يتم القضاء على الفساد المزمن الذي شاع تحت حكم القذافي على الرغم من وفاته التي تمت بطريقة عنيفة على أيدي الثوار في تشرين أول/أكتوبر الماضي.
 
 ويعرب عبد الله الدغيم / 58عاما / وهو معلم لمادة الحاسب الآلي بمدرسة ثانوية عن أسفه لانتشار ظاهرة الفساد، ويقول إن المسؤولين العموميين اعتادوا الحصول على رشاوى مقابل كل عقد يتم إصداره من المكاتب التابعة لهم وهذا يجعل عملنا أكثر صعوبة بكثير، وقد أصبح الدغيم منذ أيار/مايو 2012عضوا في أول مجلس منتخب لمدينة بنغازي. 
 
 
وفي كانون أول/ديسمبر الماضي أرسلت الحكومة المؤقتة في طرابلس لمجلس مدينة بنغازي اعتمادات مالية طارئة تبلغ مئة مليون دينار ليبي ( ما يوازي 79مليون دولار ) وهو مبلغ لا يتناسب مع هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 800ألف نسمة والتي أهملت سلطات الحكومة المركزية البنية التحتية لها لعدة عقود. 
 
ويتم حاليا إعادة رصف شارع يمر أمام فندق الفضيل، كما يجرى إحلال وتجديد النوافذ المكسورة ودورات المياه المتآكلة في بعض المدارس. 
 
ولا زالت الميلشيات التي تشكلت إبان الثورة تسيطر على مختلف أحياء بنغازي، وهي لا تتلقى الأوامر من أية جهة بما في ذلك مجلس المدينة والحكومة المؤقتة في طرابلس.
 وذات يوم ربيعي غائم مؤخرا بدت هذه الميليشيات ظاهرة للعيان بدرجة أكثر من المعتاد في شوارع بنغازي ثاني أكبر مدينة في ليبيا، ويركب رجالها رتلا من السيارات الرياضية ذات الدفع الرباعي لونها كاكي تعلوها مدافع رشاشة وهي تمر في الطريق المؤدي إلى المطار. 
وبعد حادث تفجير السيارة الملغومة أمام السفارة الفرنسية بطرابلس في 23نيسان/أبريل الماضي مما أسفر عن إصابة عدة أشخاص تم وضع جميع الوحدات المسلحة في ليبيا في أهبة الاستعداد سواء الجنود النظاميين أو المقاتلين المستقلين. 
 
وأصبح يتعين على عوض البرعصي نائب رئيس الوزراء الليبي أن يقوم بمهام صعبة لإحداث التوازن، وخلال أيام الأسبوع يمارس مهامه في مجلس الوزراء بطرابلس، وفي نهاية الأسبوع يستمع إلى شكاوى المواطنين في مدينة بنغازي مسقط رأسه.
 
وبعكس كثيرين من زملائه الذي نشأوا على السلبية خلال فترة حكم القذافي يتمتع البرعصي / 46عاما /  بالحسم والحيوية.
 
 ولا يبدو البرعصي على الإطلاق وهو حليق اللحية تماما أنه عضو بحزب العدالة والبناء الذي أسسه الإخوان المسلمون، كما يرتدي قيمصا مزدان بنقوش ولا يضح علامة الحزب الذي ينتمي إليه ويتحدث بسهولة مع النساء مثلما يتكلم مع الرجال.
 وأتم البرعصي دراسته الجامعية في كندا وعمل فترة من الزمن في دبي، كما تولى منصب وزير الكهرباء في أول حكومتين انتقاليتين في ليبيا، ويقول إنه أحب هذا المنصب لأن المواطنين شعروا بنتائج عمله.
 
ويشير إلى هذه الفترة قائلا " إنه كان من الصعب إقناع الشركات الأجنبية بالعودة والعمل على إصلاح الشبكة الكهربائية في ليبيا حتى تعمل مرة أخرى ولكننا نجحنا ". 
وبينما ينتمي البرعصي إلى نموذج رجل الإدارة يميل رئيس الوزراء على زيدان لأن يشبه أحد المنشقين من المدرسة القديمة. 
 
وبعد انتهاء اجتماع لمجلس الوزراء عصر ذات يوم مؤخرا نظر زيدان بعينين نصف مغمضتين بشكل غريب وهو يخرج من قاعة الاجتماع التي غمرها ضوء اصطناعي باهر، وكالعادة كان موضوع الأمن في مقدمة قائمة القضايا المدرجة على جدول الأعمال. 
ولأسابيع لم يتعرض مقر الحكومة لهجوم من جانب مجموعات غاضبة ومسلحة من الليبيين.
 وتتردد عبارة " الحمد لله " على ألسنة الموظفين العاملين في المقر.
ويتمتع مدير مكتب على زيدان رئيس الوزراء بابتسامة جذابة، وهو لا يبدو مثل رجل تم اختطافه لبضعة أيام منذ فترة قصيرة.
 
وتوضح أمل جيراري رئيسة المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الليبي أن الحكومة الحالية هي " حكومة أزمة ".
 
 وتظهر أمل جيراري بتصفيفة شعر قصيرة وعصرية، وهي تجعل بعض ذوي الخبرة من القدامى وكذلك المتحولين بإنتمائاتهم في وسائل الإعلام الليبية الرسمية لا يشعرون بالارتياح، ومع ذلك فهم يحترمونها.
 
 وتوجهت جيراري إلى بنغازي مرة واحدة ولبضع ساعات فقط، وتقول عن هذه الزيارة " هبطت طائرتنا وكنت أوجه نظري في كل مكان بحثا عن المطار ".
 
ولا يكاد يكون هناك مبنى للركاب في مطار بنينا الدولي الذي يقع خارج مدينة بنغازي، ويشبه المبنى غرفة انتظار في محطة قديمة للحافلات العامة بإحدى الدول الأفريقية، وهذه العبارة الصريحة التي ذكرتها جيراري لا تنم عن تقليل من شأن المكان.
 
 وشوهدت أكوام من القمامة وسط مدينة بنغازي بل إنها تزيد في الارتفاع عن نظيرتها في طرابلس، ودخل جامعو القمامة في إضراب لمدة ثلاثة أيام في مسعى للضغط للاستجابة لمطالبهم بحصولهم على أجورهم التي لم تصرف لهم منذ أسابيع.
 
وعند مفترق أحد الطرق تم إلقاء كومة من مخلفات المنازل بشكل مخز تحت لافتة إعلانية تقول بعبارات يشوبها التوبيخ " إن الناس لا يحتاجون لشوارع نظيفة لكي يكونوا مهذبين ولكن الشوارع تحتاج إلى أشخاص مهذبين لكي تكون نظيفة ".
 
 ويمكن أحيانا سماع طلقات الرصاص في وسط بنغازي كما يمكن أحيانا سماع أصوات صرخات وسيارات الإسعاف.
 
 ولا يبدو أن هذه الأصوات تزعج أحدا بما في ذلك جامعو القمامة الذين يتظاهرون على الطريق الساحلي والمعلمات اللاتي يرتدين أغطية رأس ملونة ويتبادلن الأحاديث بمرح وهن يخرجن من أبواب مدرسة إعدادية للبنين.
 
ويحذر جلال الجلال المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي التابع للثوار أثناء الثورة من أنه " إذا لم تهدأ بنغازي فلن تهدأ ليبيا "، ويركز الجلال على أنشطته التجارية في الوقت الحالي ولم تعد له علاقة كبيرة بالمسائل السياسية. 
 
وعلى الرغم من أن المرحلة الانتقالية للتحول إلى دولة ديموقراطية تقوم على التعددية تسير بخطوات بطيئة إلا أنه تم تحقيق قدر من التقدم على الأقل.
 
 ففي تموز/يوليو 2012وبعد تأخير عدة أسابيع انتخب الليبيون برلمانا مؤقتا وهو " المؤتمر الوطني العام "، ويضم أعدادا متساوية تقريبا من النواب الليبراليين والمحافظين الإسلاميين الذين ينتمون للطبقة الوسطى.
 
ولم تنجح الأعداد القليلة من المرشحين السلفيين المتشددين في الفوز بمقاعد في البرلمان المؤقت. 
 
وأوكل البرلمان المؤقت لعلي زيدان في تشرين أول/أكتوبر الماضي مهمة تشكيل الحكومة، وبعد حوالي شهر مارست أول حكومة مؤقتة منتخبة مهامها، والخطوة التالية كانت انتخاب جمعية دستورية  من المحتمل أن تضم 90عضوا موزعين على مناطق الجنوب والشرق والغرب بليبيا بحيث يمثل كل منطقة 30عضوا.
 
 وبمجرد وضع الدستور وإقراره عن طريق استفتاء عام يتم انتخاب برلمان جديد، وفي ذلك الحين على أقصى تقدير يكون قد تم حل المشكلة المثيرة للجدل التي تتمثل في تحديد مسئولي الحكومة في عهد القذافي ( 1969- 2011) الذين سيتم حرمانهم من العمل السياسي مستقبلا. 
 
ويتعين على الحكومة الجديدة أيضا أن تقرر ما إذا كان في وسع ليبيا أن تواصل إنفاق أكثر من ثلث موازنتها العامة التي تأتي أساسا من إيرادات النفط والغاز على الأجور والمعاشات. 
 
وتعرب السيدة سلوى الديغالي وهي أستاذة جامعية من بنغازي تلقي محاضرات في القانون وتتسم بالشخصية النضالية عن اعتقادها بأن الحكومة الانتقالية تثير مشاعر اليأس، وكانت الديغالي عضوا بالمجلس الوطني الانتقالي تحت رئاسة مصطفى عبد الجليل وهو المجلس الذي تم حله في آب/أغسطس 2012.
 
 وتقول " إن الانتخابات سارت سيرا حسنا حقيقة، ولكننا ببساطة انتخبنا الأشخاص الخطأ، ويجب علينا أن نتعلم من هذه الغلطة ".
 
وتؤيد الديغالي بقوة ما يسمى " قانون العزل السياسي " الذي يستهدف المسؤولين في نظام القذافي، وأحد أسباب تعرض مشروع هذا القانون للنقاش الساخن هو أنه يمكن أن يجبر عددا من نواب البرلمان ووزراء الحكومة الحاليين على الإبتعاد عن العمل السياسي. 
 
ومن المرجح أن يحظر مشروع القانون الذي تجرى مناقشته حاليا العمل السياسي لمدة عشر سنوات على الوزراء ومديري الأجهزة الحكومية الذين عملوا خلال فترة حكم القذافي، ومن الممكن أن يشمل العزل الشخصيات التي كانت توجه الانتقادات للقذافي ثم استجابت لعروض التفاهم التي طرحها سيف الإسلام نجل القذافي خلال الأعوام الأخيرة من حكم والده.
 
 ومع ذلك ثمة تركة ورثتها ليبيا من النظام الديكتاتوري السابق وتريد السيدة الديغالي الحفاظ عليها، وتوضح قائلة " إننا لا نريد أن نخدع أنفسنا، فقد تم تحقيقي التقدم في مجال حقوق المرأة خلال عهد القذافي، ويجب أن نحرص على ألا نفقد هذه الحقوق  ".

آن بياتريس كلاسمن
الاربعاء 22 ماي 2013