كيف تدين خطاب "التطبيع" الجديد، وتغفل عن نقد خطاب "المقاومة" الزائف؟
وذهب الدكتور بشارة إلى التلميح أننا قد نكون ظلمنا نظام حافظ الأسد حين اتهمناه ببيع الجولان، فقال بالنص: “من اتهم نظام الأسد بالتفريط بالجولان لا يُعقل أن يستخفّ بعد سقوط النظام بضم إسرائيل الجولان وباعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهذا الضم؛ إلا إذا كان يعرف أنّ نظام الأسد لم يُفرّط بالجولان، وأنه يمكن أن يكون النظام دكتاتوريّاً مستبدّاً بغيضاً ومعادياً لإسرائيل فعلاً في الوقت ذاته”.
إن القضية الفلسطينية كانت لعقود طويلة أداة دعائية في أيدي أنظمة ديكتاتورية، مارست باسمها القمع والتخوين والتجويع ضد شعوبها، لا لتحرير فلسطين، بل لحماية كراسيها وحصار شعوبها. لقد كانت جبهات “الصمود والتصدي” مجرد واجهات هشة، لا صمدت في وجه إسرائيل ولا تصدّت للعدو، بل وجهت جيوشها وأسلحتها إلى صدور شعوبها،
وأنت يا سيد عزمي، تعرف هذا جيداً. كنت شاهداً على تلك الحقبة، بل وأحد المساهمين في صوغ خطابها السياسي في فترات سابقة. فكيف تدين خطاب “التطبيع” الجديد، وتغفل عن نقد خطاب “المقاومة” الزائف؟
نعم، فلسطين قضية عادلة، لكن من ظلمها هم من تاجروا بها. والتاريخ يشهد أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة، بينما جعلوا من شعبهم عدوًا داخليًا دائمًا.
ما يدعو للاستغراب أن الدكتور عزمي بشارة، الذي يُحسن تفكيك سياسات التطبيع بلغة تحليلية عميقة، نادراً ما يضع المسؤولية الحقيقية على الأنظمة التي شوّهت فلسطين قبل أن تفرّط بها.
“مفكر قومي” ، لكنه كان جزءًا من تلك النخب التي أضفت على أنظمة “الممانعة” طابعًا أخلاقيًا وسياسيًا، رغم أن الواقع كان يكشف كل يوم زيف تلك الادعاءات.
فهل يكفي اليوم التذكير بخطر التطبيع دون الاعتراف بأن القضية فُرغت من معناها منذ زمن بعيد، ليس فقط بأفعال المطبعين، بل بأيدي المستبدين الذين رفعوا رايتها كذبًا وزيفًا
ليس فقط الحُكّام من تاجروا بفلسطين. فحتى بعض المثقفين والسياسيين والكتّاب، جعلوا من القضية وسيلة لتعزيز حضورهم السياسي أو تسويق مشروعهم الأيديولوجي. والنتيجة: تضخم الخطاب العاطفي، وغياب أي رؤية عملية للتحرير، أو حتى دعم صادق للشعب الفلسطيني.
فهل ما زلنا نصدق أن “القضية المركزية” هي محور وجودنا القومي، بينما الشعوب تُسحق ويُسلب منها حقها في الكرامة والحرية باسم هذه القضية نفسها؟
القضية الفلسطينية لن تحل على أيدي أنظمة ديكتاتورية، ولا على يد معارضين لا يرون الاستبداد إلا حين لا يعجبهم شكله.
وأمام نقدك الواضح لما أسميته “التحول من خطاب المقاومة إلى منطق الدولة”، متناولًا ـ مآلات النظام السوري بعد الحرب، في انتقاله من رفع شعار تحرير فلسطين إلى لغة البراغماتية والتطبيع والانفتاح.
يا دكتور عزمي، عد إلى الوراء قليلا
ما جرى في سوريا مثال صارخ لكل انواع الخيانات خيانة فلسطين، وخيانة للشعب السوري. كانت الطائرات تُشترى باسم “مواجهة إسرائيل”، لكنها وُجِّهت إلى حلب ودوما والغوطة. كان الإعلام يتحدث عن “تحرير الجولان”، بينما أجساد المتظاهرين الاحرار الذين طالبوا بالكرامة تكبس وتذوب بالأسيد .
أين كانت فلسطين حين دُمّرت حمص؟
أين كان شعار الصمود حين فُتحت السجون لعشرات الآلاف من المدنيين؟
هذه الأسئلة لا يُجيب عنها مقالك بل إنه يمر على الجريمة مرورًا ناعمًا، كما لو أن النظام كان فقط “واقعيًا” أكثر مما ينبغي.
وهنا مكمن الخلل ..فلسطين، يا عزمي، ليست غطاءً. وليست شعارًا صالحًا للاستخدام في جميع المواسم.
السوريون لم ينسوا أن جيش “الصمود” قتل شعبه.
لم ينسوا إ ن الإعلام الرسمي كان يرفع صور القدس ، بينما يبثّ أخبار الانتصار على “الإرهابيين” في درعا وإدلب من خلال قصف البيوت والأسواق الشعبية والمشافي والمدارس وانتشال جثث الأطفال أشلاء على يد الدفاع المدني أمام عدسات الكاميرات!
لم ينسوا أن اسم فلسطين استُخدم مطية للاستبداد، لا سبيلًا للتحرير.
نحن لا نرفض الواقعية السياسية، لكننا نرفض أن تُغسل الخطايا بشعارات أخلاقية مبطّنة. نرفض أن يُعاد تدوير الاستبداد تحت أسماء جديدة.
نقدُك يا عزمي مهم. لكن الحقيقة تكتمل حين تُسمّى الأشياء بأسمائها. حين تقولها صراحة: نعم، تم تدمير شعب باسم تحرير شعب آخر. وهذه جريمة لا تغتفر.
فلا تجعل من صوتك وسيلة لتحسين صورة مرحلة قاتلة باسم فلسطين.
يا دكتور عزمي، كفى تذكيرًا بنهاية “الخيانة”، دون أن تبدأ من أولها. وكفى نقدًا لمآلات التطبيع، دون التوقف عند بدايات التوظيف الكاذب للقضية.
لقد خُدعنا كثيرًا، وصدقنا أن فلسطين هي المعيار، لكنها كانت للأسف وسيلة لتمديد عمر الاستبداد، لا وسيلة لتحرير الأرض.
فلا تصنع من التطبيع آخر خيباتنا، وقد سبقه ما هو أدهى وأخطر
نقدنا لك ليس عداءً، بل دعوة أن تكون في صف الحقيقة حتى آخرها، لا نصفها.
فالحقيقة الناقصة، كالكذبة، تؤلم أكثر مما تبرّر
----------
العربي القديم
إن القضية الفلسطينية كانت لعقود طويلة أداة دعائية في أيدي أنظمة ديكتاتورية، مارست باسمها القمع والتخوين والتجويع ضد شعوبها، لا لتحرير فلسطين، بل لحماية كراسيها وحصار شعوبها. لقد كانت جبهات “الصمود والتصدي” مجرد واجهات هشة، لا صمدت في وجه إسرائيل ولا تصدّت للعدو، بل وجهت جيوشها وأسلحتها إلى صدور شعوبها،
وأنت يا سيد عزمي، تعرف هذا جيداً. كنت شاهداً على تلك الحقبة، بل وأحد المساهمين في صوغ خطابها السياسي في فترات سابقة. فكيف تدين خطاب “التطبيع” الجديد، وتغفل عن نقد خطاب “المقاومة” الزائف؟
نعم، فلسطين قضية عادلة، لكن من ظلمها هم من تاجروا بها. والتاريخ يشهد أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة، بينما جعلوا من شعبهم عدوًا داخليًا دائمًا.
ما يدعو للاستغراب أن الدكتور عزمي بشارة، الذي يُحسن تفكيك سياسات التطبيع بلغة تحليلية عميقة، نادراً ما يضع المسؤولية الحقيقية على الأنظمة التي شوّهت فلسطين قبل أن تفرّط بها.
“مفكر قومي” ، لكنه كان جزءًا من تلك النخب التي أضفت على أنظمة “الممانعة” طابعًا أخلاقيًا وسياسيًا، رغم أن الواقع كان يكشف كل يوم زيف تلك الادعاءات.
فهل يكفي اليوم التذكير بخطر التطبيع دون الاعتراف بأن القضية فُرغت من معناها منذ زمن بعيد، ليس فقط بأفعال المطبعين، بل بأيدي المستبدين الذين رفعوا رايتها كذبًا وزيفًا
ليس فقط الحُكّام من تاجروا بفلسطين. فحتى بعض المثقفين والسياسيين والكتّاب، جعلوا من القضية وسيلة لتعزيز حضورهم السياسي أو تسويق مشروعهم الأيديولوجي. والنتيجة: تضخم الخطاب العاطفي، وغياب أي رؤية عملية للتحرير، أو حتى دعم صادق للشعب الفلسطيني.
فهل ما زلنا نصدق أن “القضية المركزية” هي محور وجودنا القومي، بينما الشعوب تُسحق ويُسلب منها حقها في الكرامة والحرية باسم هذه القضية نفسها؟
القضية الفلسطينية لن تحل على أيدي أنظمة ديكتاتورية، ولا على يد معارضين لا يرون الاستبداد إلا حين لا يعجبهم شكله.
وأمام نقدك الواضح لما أسميته “التحول من خطاب المقاومة إلى منطق الدولة”، متناولًا ـ مآلات النظام السوري بعد الحرب، في انتقاله من رفع شعار تحرير فلسطين إلى لغة البراغماتية والتطبيع والانفتاح.
يا دكتور عزمي، عد إلى الوراء قليلا
ما جرى في سوريا مثال صارخ لكل انواع الخيانات خيانة فلسطين، وخيانة للشعب السوري. كانت الطائرات تُشترى باسم “مواجهة إسرائيل”، لكنها وُجِّهت إلى حلب ودوما والغوطة. كان الإعلام يتحدث عن “تحرير الجولان”، بينما أجساد المتظاهرين الاحرار الذين طالبوا بالكرامة تكبس وتذوب بالأسيد .
أين كانت فلسطين حين دُمّرت حمص؟
أين كان شعار الصمود حين فُتحت السجون لعشرات الآلاف من المدنيين؟
هذه الأسئلة لا يُجيب عنها مقالك بل إنه يمر على الجريمة مرورًا ناعمًا، كما لو أن النظام كان فقط “واقعيًا” أكثر مما ينبغي.
وهنا مكمن الخلل ..فلسطين، يا عزمي، ليست غطاءً. وليست شعارًا صالحًا للاستخدام في جميع المواسم.
السوريون لم ينسوا أن جيش “الصمود” قتل شعبه.
لم ينسوا إ ن الإعلام الرسمي كان يرفع صور القدس ، بينما يبثّ أخبار الانتصار على “الإرهابيين” في درعا وإدلب من خلال قصف البيوت والأسواق الشعبية والمشافي والمدارس وانتشال جثث الأطفال أشلاء على يد الدفاع المدني أمام عدسات الكاميرات!
لم ينسوا أن اسم فلسطين استُخدم مطية للاستبداد، لا سبيلًا للتحرير.
نحن لا نرفض الواقعية السياسية، لكننا نرفض أن تُغسل الخطايا بشعارات أخلاقية مبطّنة. نرفض أن يُعاد تدوير الاستبداد تحت أسماء جديدة.
نقدُك يا عزمي مهم. لكن الحقيقة تكتمل حين تُسمّى الأشياء بأسمائها. حين تقولها صراحة: نعم، تم تدمير شعب باسم تحرير شعب آخر. وهذه جريمة لا تغتفر.
فلا تجعل من صوتك وسيلة لتحسين صورة مرحلة قاتلة باسم فلسطين.
يا دكتور عزمي، كفى تذكيرًا بنهاية “الخيانة”، دون أن تبدأ من أولها. وكفى نقدًا لمآلات التطبيع، دون التوقف عند بدايات التوظيف الكاذب للقضية.
لقد خُدعنا كثيرًا، وصدقنا أن فلسطين هي المعيار، لكنها كانت للأسف وسيلة لتمديد عمر الاستبداد، لا وسيلة لتحرير الأرض.
فلا تصنع من التطبيع آخر خيباتنا، وقد سبقه ما هو أدهى وأخطر
نقدنا لك ليس عداءً، بل دعوة أن تكون في صف الحقيقة حتى آخرها، لا نصفها.
فالحقيقة الناقصة، كالكذبة، تؤلم أكثر مما تبرّر
----------
العربي القديم