نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر


هل وقع أحمد الشرع في فخّ إسرائيلي






استغلّت حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل الأحداث في محافظة السويداء أخيراً، ووجدت فيها فرصةً سانحةً للقيام باعتداءات جديدة، فشنّت المقاتلات الإسرائيلية غارات على ما يزيد على 160 هدفاً في الأراضي السورية، طاولت عناصرَ من الجيش والأمن السوريَّيَن داخل السويداء وريفها ومحافظة درعا، وامتدّت لتشمل غاراتٍ على مقرّ الأركان العامة للجيش السوري ومحيط القصر الجمهوري، إلى جانب الدفع بفرقتَين عسكريتَين نحو الحدود مع سورية


.

يكشف حجم هذه الاعتداءات أن الأهداف الإسرائيلية من ورائها لا تمتّ بصلة إلى ما تحاول تسويقه حكومة بنيامين نتنياهو حول "حماية الدروز السوريّين"، ولا تستند إلى مطالبة الشيخ حكمت الهجري (أحمد مشايخ العقل لطائفة الموحدين الدروز)، رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بـ"التدخّل لحماية الأقلية الدرزية من الإبادة"، ولا إلى توسّل الشيخ موفق طريف لقيادة الجيش الإسرائيلي بالتدخل وغزو سورية، بل تتعلّق بشكل أساس بعدوانية إسرائيل ومصالحها الأمنية، وبمخطّطاتها التفتيتية والتقسيمية في سورية، الساعية إلى القضاء على المقدرات العسكرية والأمنية للدولة السورية، وإنهاكها، وعدم توفير أيّ فرصة لنهوضها، الأمر الذي يفسّر ما ذهب إليه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في قوله إن "وجود دولة سورية واحدة، ذات سيطرة وسيادة فعلية على جميع أراضيها أمر غير واقعي، لذلك فإن المسار المنطقي بالنسبة إلى إسرائيل للمضي قدماً هو تحقيق استقلالية مختلف الأقليات في سورية ضمن هيكل اتحادي فيدرالي". وبالتالي، هدف إسرائيل من ذلك إنشاء كيانات فوضوية مسيطر عليها عند "حدودها"، بديلاً من دولة مستقرّة، ويُقدَّم التذرّع بحماية الدروز السوريين مبرّراً لما تقوم به إسرائيل من توغّلات لإنشاء منطقة عازلة في جنوب سورية، بغية فرض الهيمنة الإسرائيلية عليها، وعلى الأراضي السورية كافّة. وعليه، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى استغلال مسألة الأقليات في تشكيل دويلات صغيرة أو كانتونات، وعلى أساسها تريد أيضاً تحويل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء منطقةً عازلة، تشكّل العمق الاستراتيجي الضامن لأمن ما تسمّيه الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

ما فشلت إسرائيل في تحقيقه عبر المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة السورية، تريد تحقيقه عبر اعتداءاتها على الأرض السورية

اللافت أن إرسال الحكومة السورية أرتالاً من الجيش وقوى الأمن جاء بعد إخطار الطرف الإسرائيلي بذلك من طريق الإدارة الأميركية وسواها، ولم تستهدفها إسرائيل إلا بعد توقيع اتفاق مع المرجعيات الروحية في السويداء في اليوم الأول من وصول قوات الجيش السوري إليها، أعربت فيه عن ترحيبها وموافقتها على تولي الدولة السورية مسؤولية حفظ الأمن في السويداء، ثمّ انقلب عليه حكمت الهجري، متذرعاً بأنه وقع عليه تحت ضغوط خارجية، وأنه لم يعد قادراً "على التعايش مع نظام لا يعرف من الحكم إلا الحديد والنار". ولم يجد الهجري مخرجاً سوى طلب الحماية من "إبادة" مزعومة من حكومة إسرائيلية متهمة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من محكمة العدل الدولية، ومن مؤسّسات في الأمم المتحدة، ومنظّمات أخرى حقوقية، ويرأسها نتنياهو المتهم شخصياً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، ومطلوب مع وزير الدفاع السابق يوآف غالانت للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية.

يشير تسلسل أحداث السويداء إلى وجود كمين أو فخ نصبته إسرائيل، ووقعت فيه الإدارة السورية ممثّلةً بالرئيس أحمد الشرع. ويبدو أنه استُدرجِ إليه متوقّعاً عدم تدخّل إسرائيل، لأن الأمر يتعلّق بفضّ الاشتباكات التي جرت بين مسلّحين من السويداء ومسلّحين من عشائر بدو السويداء، إلى جانب أن إسرائيل أظهرت في البداية عدم اكتراثها بتوجّه الجيش السوري إلى محافظة السويداء ودخوله إليها، لكن الأمور تغيّرت كثيراً بعد ذلك، لتشهد تدخّلاً إسرائيلياً عسكرياً سافراً غيّر مجرى الأحداث، فهاجمت المقاتلات والمسّيرات الإسرائيلية خارج حدود المحافظة، استُهدفت فيها مقرّات حكومية حسّاسة مثل قيادة الأركان ووزارة الدفاع، والقصر الجهوري، وبالتالي فإن الأمر تعدّى مسألة "حماية الدروز السوريين"، ولا يجد تفسيراً سوى في ممارسة المزيد من الضغوط على الشرع وحكومته للحصول على تنازلات لم يقدّمها في المفاوضات غير المباشرة، التي ترعاها أطراف عربية وإقليمية في أذربيجان وسواها، إذ يبدو أنها لم تحقّق ما تريده حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل.

تريد إسرائيل من اعتداءاتها في سورية فرض إملاءاتها وشروطها على النظام

ليس مستبعداً أن يكون الرئيس السوري أحمد الشرع قد استند إلى الموقف الأميركي، الذي تجسّد في تصريحات المبعوث الخاصّ للرئيس الأميركي إلى سورية توماس برّاك، التي دعا فيها القوى الكردية والدرزية إلى ضرورة الاندماج مع الدولة السورية، والتخلّي عن فكرة الكيانات الذاتية والمستقلّة. وقد وجد الشرع في الموقف الأميركي الإيجابي حياله (وحيال إدارته)، إشارات مشجّعة لتحقيق ما يطمح إليه في بسط سيطرة الدولة التي يرأسها على الأراضي السورية، بما فيها محافظة السويداء في جنوبي سورية، والمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سورية، والغاية من ذلك كلّه هو تقوية الدولة السورية عبر فرض سيطرتها، وتثبيت دعائم الحكم المركزي فيها.

يكشف الفخّ الإسرائيلي الذي تبعته اعتداءات إسرائيلية واسعة على الأرض السورية، أن ما تريده إسرائيل فرض إملاءاتها وشروطها على النظام الجديد، عبر توقيع اتفاقية مذلّة يتخلّى فيها عن مطالبته بالجولان الذي تحتلّه، ما يعني أن ما فشلت إسرائيل في تحقيقه عبر المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة السورية، تريد تحقيقه عبر اعتداءاتها على الأرض السورية.

قد يشكّل انسحاب القوات السورية من السويداء مخرجاً مؤقّتاً للأزمة الحاصلة، لكن حلّ هذه الأزمة يتطلّب عملاً كثيراً كي تلتئم الجراح والشروخ التي خلّفتها الأحداث في النسيج السوري، بالنظر إلى الانتهاكات التي وقعت، وأعداد الضحايا الذين سقطوا في المواجهات. وبات المطلوب الدخول في مصالحة وطنية شاملة، والقيام بمحاسبة جدّية، بغية تقديم حلول لمعضلات سورية في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، عبر إعادة بناء الثقة بين مكوّنات الشعب السوري وتطمينها، وإشراك نخبها في بناء مؤسّسات الدولة بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق والوجبات، واعتماد المواطنة حجرَ أساس لبناء هُويَّة وطنية جامعة، تعزّز التلاحم الداخلي، الذي يُعدّ المدخل الأساس لنزع فتيل الأزمات وإغلاق أبواب التدخّلات الخارجية.
----------
العربي الجديد


عمر كوش
السبت 19 يوليوز 2025