وهناك صنف آخر من البشر يتصرف بكيفية مختلفة: لا يلقي أية متفجرات، إنما يخبط خبط عشواء بما أسميه "قنابل الكلمات". فتلكم طريقتهم في إثارة الخوف والارتعاش. فهم يزمرون يوميا من على وسائل الإعلام أن وراء كل شجرة إرهابي كامن، ويوحون بما لا هوادة فيه بأن ثلة من الملتحين يشكلون طابورا خامسا، وأن كل متحجبة تمثل تهديدا لعصر التنوير، وأن كل مدرسة إسلامية عمل من أعمال العدوان ضد الغرب يكون الغرض منه الإطاحة بالديمقراطية والسيطرة على زمام الأمور. انهم يتوقون إلى مجتمع رعب ويمقتون رواد السينما الذين يزعمون أن حمامات الدم في أفلام العنف مصنوعة من صلصة الطماطم. نعم ، فهم لا يتوانون ولو يوما واحدا عن الصياح بخطاباتهم من على السطوح. وحاصلهم المنشود هو: جو من الرهاب المرضي الخانق. وهؤلاء الناس نسميهم: تجار الخوف.
دعني الآن أسألك السؤال التالي: هل الإرهابي أسوأ من تاجر الخوف؟ ستجيبني: "أجل، فيدا الإرهابي ملطختان بالدماء". وتكون محقا من الناحية الإنسانية، وليس من الناحية المبدئية، إذ إن الخوف هو عدو الحرية. من يعيش في الخوف لا يعرف للحرية مكانا. فالخوف والخشية ينتقصان من مساحة حرية التفكير وحرية التصرف. ثم إننا متشبثون بقيم "التفكير الحر والتصرف الحر" لدرجة أنه يشرفنا أن نكون مستعدين للتضحية بالنفوس من أجلهما. تأمل معي: الثورة الفرنسية، كفاح حزب المؤتمر الوطني الافريقي، الكفاح الفلسطيني، والحرب ضد النازية، كان دم الإنسان في كل مرة ثمنا مناسبا للهدف النبيل: الحرية.
قبل عشرين عاما لم يكن أحد ليكترث لحقيبة ملقاة على جانب الرصيف. كان من سيعثر عليها سيلتقطها ويسلمها بعناية لقسم المفقودات. أما الآن فحقيبة فارغة تسبب ذعرا شاملا يتكبد عدد لا يُحصى من المسافرين خلاله أضرارا لا لزوم لها.
لماذا؟ لأن الخوف يسود هذا البلد. على الرغم من أننا نبغض ذلك (تعرف عبارة 'أشد ما يعانيه المرء خشيته من المعاناة') نكاد لا تقاوم البتة. والسؤال الرئيسي هو: من أين لمناخ الخوف اللعين ذاك؟ لقد وُسوِس به في آذاننا، أو بالأحرى لقد زُرع بيننا. ليس من قبل الإرهابيين، لا، فلا قطارات فُجِّرت هنا ولا أبراج. وحتى ولو كان الأمر كذلك، فإن احتمال أن يصيبك أنت أو يصيبني أنا هذا التفجير أضعف بما لا يُحصى من أن نشتري روقة يانصيب رابحة أو أن نقع في حادثة سير. لا، بل من زرع هذا الخوف، نعم بالضبط، هم تجار الخوف الوسيطيون.
نحن نعلم أننا قد عدّلنا مواد قانوننا بحيث تتسنى لنا إدانة الإرهابيين (المحتملين). بل إنه من الممكن الآن ملاحقة مروجي الحقد (اقرأ: الأئمة المتطرفين) جزائيا. ولكن من له، بحق السماء، أن يفسر لي لماذا لم يُبتدع لتجار الخوف قانون جزائي مماثل
دعني الآن أسألك السؤال التالي: هل الإرهابي أسوأ من تاجر الخوف؟ ستجيبني: "أجل، فيدا الإرهابي ملطختان بالدماء". وتكون محقا من الناحية الإنسانية، وليس من الناحية المبدئية، إذ إن الخوف هو عدو الحرية. من يعيش في الخوف لا يعرف للحرية مكانا. فالخوف والخشية ينتقصان من مساحة حرية التفكير وحرية التصرف. ثم إننا متشبثون بقيم "التفكير الحر والتصرف الحر" لدرجة أنه يشرفنا أن نكون مستعدين للتضحية بالنفوس من أجلهما. تأمل معي: الثورة الفرنسية، كفاح حزب المؤتمر الوطني الافريقي، الكفاح الفلسطيني، والحرب ضد النازية، كان دم الإنسان في كل مرة ثمنا مناسبا للهدف النبيل: الحرية.
قبل عشرين عاما لم يكن أحد ليكترث لحقيبة ملقاة على جانب الرصيف. كان من سيعثر عليها سيلتقطها ويسلمها بعناية لقسم المفقودات. أما الآن فحقيبة فارغة تسبب ذعرا شاملا يتكبد عدد لا يُحصى من المسافرين خلاله أضرارا لا لزوم لها.
لماذا؟ لأن الخوف يسود هذا البلد. على الرغم من أننا نبغض ذلك (تعرف عبارة 'أشد ما يعانيه المرء خشيته من المعاناة') نكاد لا تقاوم البتة. والسؤال الرئيسي هو: من أين لمناخ الخوف اللعين ذاك؟ لقد وُسوِس به في آذاننا، أو بالأحرى لقد زُرع بيننا. ليس من قبل الإرهابيين، لا، فلا قطارات فُجِّرت هنا ولا أبراج. وحتى ولو كان الأمر كذلك، فإن احتمال أن يصيبك أنت أو يصيبني أنا هذا التفجير أضعف بما لا يُحصى من أن نشتري روقة يانصيب رابحة أو أن نقع في حادثة سير. لا، بل من زرع هذا الخوف، نعم بالضبط، هم تجار الخوف الوسيطيون.
نحن نعلم أننا قد عدّلنا مواد قانوننا بحيث تتسنى لنا إدانة الإرهابيين (المحتملين). بل إنه من الممكن الآن ملاحقة مروجي الحقد (اقرأ: الأئمة المتطرفين) جزائيا. ولكن من له، بحق السماء، أن يفسر لي لماذا لم يُبتدع لتجار الخوف قانون جزائي مماثل


الصفحات
سياسة








