نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :

التانغو" فوق حطام المنطقة

22/05/2025 - عالية منصور


آباء يتوجعون وسلطات تتنصل ..... شهادة حية عن احد ضحايا قوارب الموت في الجزائر




الجزائر –انشراح سعدي - منذ الرابع من نيسان 2008 لا يعرف مسعود مجمّم وعائلته أي معلومة عن ابنهم هشام، الذي اختار أن يعبر إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر إحدى قوارب الموت أو مايعرف ب"الشالوتي" محرقا بذلك وثائق العودة إلى بلد يعتبر شبابه انه أبدع في وهب أبنائه للحوت، في وقت يردد فيه أطفال الجزائر قبل شبابها أغنية تدعو للهجرة الجماعية و الانتحار المؤكد "بابور ...يابابور ...يالوكان شالوني.. نقطعوع بيه لبحور .. قلع يا البحري...كرطون في روما ولا القعدة في الحومة ".


الشاب هشام مجمم
الشاب هشام مجمم
أصبحت أمنية شاب الجزائري المحبط أن ينام على "الكرطون" المجزأرة من اللغة الفرنسية بمعنى ورق التغليف ولا يبقى في " الحومة " أي حيّه، وما روما في هذه الأغنية إلا كناية عن أوروبا كلها التي يرى الشباب الجزائري أنها ارض النعيم الأبدي ، بعد أن يهب شبابه لعجوز في الغابرين تصبح وثيقته الثبوتية في هذه الأرض الذي في اغلب الأحيان لا يعرف من لغتها إلا بعض الكلمات ويعيش على أمل أن تموت العجوز ليبدأ حياة أخرى ، مادامت سبل الهجرة الشرعية غير موجودة بسبب التشديدات في ملفات قبول التأشيرات ، ولا يمكنني أن أنسى في هذا المقام النكت التي حيكت في هذه الزيجات إذ"قيل ا ن شابا عشرينيا كان يرافق عجوزا فرنسية وسقطت في إحدى الشوارع الجزائرية ولم ينتبه لها كونها كان يسرع فناداه شاب آخر وقال له" يا أخي سقطت أوراقك الثبوتية ".

مسعود مجمّم أب لشاب عشريني لم يكن يأخذ كلامه على محمل الجد فكثيرا ما كان الولد يردد جملة " لا استطيع العيش في هذه البلاد" ولكن مسعود اعتبر الجملة مجرد هذر من طفل عرف بطاعته لوالديه وتعلقه بهما وحين التقته الهدهد الدولية قال " نحن كآباء لأبناء ذهبوا ضحية عشرية سوداء لا نعرف أين نتوجه ، وجهتنا الوحيدة هي مصلحة حفظ الجثث في مختلف شواطئ الجزائر ،بعد أن تنتشل الجثث من المالح ولا حق لنا في الحديث عن مصير أبنائنا وكأننا نحن الجناة وليست الظروف التي أوصلت أبناءنا لهذه المرحلة، خصوصا وان هذه الحالة ليست حالة فردية بل هي حالة جماعية فالهجرة أو " الحرقة " هم تقاسمته مئات الأسر الجزائرية وأقول ذلك من واقع تجربتي في البحث عن معلومات توصلني لابني هشام ".

عن الفترة التي سبقت رحيل هشام من بيته قال والده مسعود مجمم لم يكن لابني عملا قارا ولكنه كان يشتغل ووفر مبالغا من المال وفي يوم من الأيام قال إنه سيأخذ مبلغ 100الف دينار جزائري أي ما يعادل 1200دولار ليعيرها لصديق له سيشتري سيارة وكان له ذلك ولكن المبلغ كان من اجل شراء قارب صغير أو ما يعرف بالفلوكة أو الشالوتي، وفي صبيحة يوم الجمعة التي رحل فيها كنت أنا ووالدته في عزاء لأحد المقربين واتصلت به بالهاتف فقال لي إنه ذاهب لزيارة أخواله في مدينة تيزي وزو –منطقة القبائل – وحين استفسرت والدته عن سبب الزيارة قال لها " اعتني بنفسك ولا تقلقلي علي فانا رجل" .
ويردف قائلا وفي "يوم السبت أفاق الجميع على خبر خروج ثلاثة شباب من حي درقانة في رحلة نحو المجهول هم ابني " هشام ، ورضوان وحمزة " وبدأ أبناء الحي يتحدثون على مخططهم للحرقّة أي الهجرة غير الشرعية عبر شواطئ تنس،د ون معلومات مؤكدة لأنه أخفى الأمر عن الجميع، وعلمنا بعد ذلك أن القارب كان يحمل عشرة شباب ابني كان أصغرهم".

في يوم 23 جوان أي بعد شهرين من رحيل ابني هشام عثر على واحد من العشرة ميتا في ميناء جيجل، وعرفنا بعد ذلك انه كان يعاني من مرض الربو ولم يستطع المقاومة ، ويضيف مسعود انه يعيش على خبر سمعه في قناة ميدا نست مفاده أن تم انقاد تسعة شباب كانوا على متن زورق تعرض لعاصفة ونقلوا إلى مالطة في حين إن الشباب قالوا أنهم فقدوا الشاب العاشر الذي كان معهم ، وهذا ما جعلني اربط بين الشاب الذي وجد ميتا بميناء يجيل وبين القارب الذي انقد ، وأقول دائما علّه في احد السجون أو المراكز ولا أريد أن أضع أي احتمال آخر في ذهني".
أما السيدة مجمّم والدة هشام فتقول " أنا أدعو الله أن يكون في إحدى سجون المغرب أو اسبانيا أ
وايطاليا وحدسي يخبرني دائما انه على قيد الحياة ولكننا لم نعد نعرف أي الأبواب نطرق ولم يبق لنا إلا باب الصّبر والدعاء والتمسك بالأمل لنتمكن من مواصلة الحياة، فالأمر صعب جدا لأن الموت في كثير من الأحيان تعد رحمة ربانية أمام انتظار الموت فيعد جحيما حقيقيا لو لوا التمسك بالصبر ."

و يقول مسعود مجمم أنه بالرغم من تخصيص وزارة التضامن الجزائرية لما يعرف بالرقم الأخضر لخدمة أولياء المهاجرين غير الشرعيين إلا أن الاستقبال سيء جدا خصوصا فيما يعرف بمكتب الحرقة ، فلا احد يراعي ظروف الأولياء ونعامل على أننا أساس المشكل علما أن الأنباء ابتلاهم الله في أبنائهم.
تحولت الهجرة السرية " الحرقة " في الجزائر إلى الشغل الشاغل للشباب على اختلاف مستوياته ، ومن مختلف المدن، و أصبحت المناطق الساحلية بالغرب الجزائري قبلة توصلهم إلى ارض الأحلام التي تبدأ بأسبانيا، انطلاقا من الشواطئ الغربية لولاية الشلف، مستغانم، وهران وعين تموشنت وتلمسان المدينتان اللتان تعتبران المعبر الرئيس للمهاجرين غير الشرعيين•.
أصبح بعض البحارة في المناطق المذكورة ، ''مهرّبين للبشر''، إذ يحملون فوق بواخر الصيد التي يشتغلون عليها المهاجرين السريين مع الزورق الذي يكونوا قد اشتروه ، ويخرجونهم من المياه الإقليمية الجزائرية ويقطعون بهم المياه الدولية، موهمين حراس السواحل أن الأشخاص الذين يوجدون على متن الباخرة صيادين، وعند الاقتراب من المياه الإقليمية الإسبانية، يتوقفون وينزلون الزورق المهيأ، يمتطيه "الحراقة" ويغامرون على مسافة قصيرة، تنتهي في الغالب بالنجاح•
ويسمي المشتغلون في هذا النوع الجديد من التهريب، هذه الطريقة بـ ''شراء البحر'' مثلما يسمي مهربو المواد الاستهلاكية والمخدرات تأمين مسالك عبور سياراتهم وشاحناتهم من الحدود الغربية بـ ''شراء الطريق''• وتعتبر هذه الطريقة في الوصول إلى الشواطئ الإسبانية ''الأضمن'' لأن الزورق لا يتعب كثيرا، ولا يحتاج إلى كميات كبيرة من الوقود،وهناك طريقة أخرى للهجرة السرية تتمثل في استعمال الزوارق نصف الصلبة، وهي زوارق مطاطية منفوخة، تملك أرضية من مادة صلبة ويمكن تركيب محركات قوية عليها، وتحمل إلى غاية عشرة ''حرافة''، وتتميز عن غيرها من الزوارق الصغيرة كونها إذا انقلبت بفعل الأمواج لا تغرق، على خلاف الزوارق
البلاستيكية أو الخشبية التي إذا امتلأت بالماء تغرق ويغرق معها ممتطوها• ويتجهّز مستعملو الزوارق نصف الصلبة بمعدات السباحة مثل الصدريات الواقية من الغرق، التي تسمح لهم في حال تدهور الأحوال الجوية أو انقلاب الزورق بالسباحة وإعادة الزورق إلى وضعيته وامتطائه من جديد لمواصلة الرحلة•،ولكن بعض شبكات الهجرة السرية، صارت تدفع الشباب نحو الموت، من خلال بيعهم محركات غير صالحة للإبحار،فبعد اشتغالها لمدة لا تزيد عن أربع ساعات تتعطل، ويبقى ممتطو الزورق رهائن وسط البحر دون مخرج• ويمارس ''تجار الموت'' هذه الطريقة مع الشباب القادم من مناطق بعيدة إلى الشواطئ التي تحولت إلى نقاط الانطلاق نحو إسبانيا، والذين لا يعرفون البحر من سكان المناطق الداخلية.

" الحراقة " مصطلح جديد كعشرات المصطلحات وليدة العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر ، عشرية لم يفلح بعد الساسة في محو أثارها ، وتعتبر البطالة العامل الرئيس وراء إصرار آلاف الشباب الجزائري على الهجرة السرية، محملين السلطات المحلية مسؤولية تدني أوضاعهم المعيشية وغياب تنمية حقيقية في القرى والبلديات النائية، التي مازالت خارج الجغرافية بالنسبة لمخططات التنمية في الجزائر.
الأفارقة هم من فتح أعين الجزائريين علي الهجرة السرية ، كونهم أول المهاجرين السريين الذين جعلوا من الجزائر نقطة نزوح لأوروبا بطرق غير شرعية،وتشير إحصائيات شرطة الحدود الجزائرية، إلى توقيف ما لا يقل عن 8000 مهاجر سري في السنة يحاولون دخول الأراضي الجزائرية برّا من حوالي 30 دولة إفريقية، هدفهم الوصول إلى المعابر البحرية الغربية، كنقطة للاتجاه نحو الدول الأوروبية القريبة ،والهجرة ليست مقتصرة فقط على الشباب الأمي بل حتى الجامعيين الذين لم يجدوا عملا يناسب مؤهلاتهم العلمية،فالكثير من الشباب وبعد سهر طويل لتحصيل الشهادة يتساوى مع الامي ومتوسط التعليم في العمل في مقهى او "حمال" في مشاريع البناء..

ولعبت الهوائيات المقعرة ، التي تبث الفضائيات خصوصا الفرنسية منها الدور الكبير في شد نظر الشباب الجزائري اتجاه كبريات عواصم حوض المتوسط أهمها فرنسا و إسبانيا و إيطاليا ، هذه الفضائيات ساهمت في تكريس صورة الجنة الضائعة والنعيم الأبدي الذي يصل اليه على يدي زوجة أجنبية ،تهبه الجنسية والبيت والسيارة ويهبها شبابه وفحولته فغالبا ما تكون هذه الزوجة تجاوزت الخمسين لترضى به ، و الأخطر في الظاهرة كلها ، أن الشباب بات يجازف بنفسه بركوب ، ما أصبح يعرف في الأوساط الإعلامية و الجمعوية بـ " قوراب الموت " فبعد أن أصبح الحصول على التأشيرة نحو البلدان الأوروبية صعبا للغاية بسبب تعقيد الإجراءات البيروقراطية التي اتخذتها الدول الأوروبية اتجاه الرعايا الجزائريين، لم يجد الشباب الجزائري من وسيلة للهروب من جحيم البطالة والفقر والبؤس الاجتماعي سوى الهجرة سرا عبر البحر نحوا لقارة الحلم حتى ولو كان الثمن حياته.


انشراح سعدي
الاربعاء 21 يوليوز 2010