نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


إصلاح التعليم : ماذا يعني ؟







أوركسترا المقالات والمحاضرات والحوارات والحكي لا تتوقف عن تكرار أن إصلاح التعليم فى مجتمعنا هو لب الأمل وقضية القضايا وسفينة النجاة الوحيدة المتوفرة والتى يمكن أن تفصل بين واقعنا ومستقبلنا وبين التدهور والإنحطاط والإنهيار والفوضي والسقوط كثمرة ناضجة وجاهزة فى كف قوي الظلام المترقبة والمتوثبة . وفى الجلسات بشتي أنواعها من قمة الهرم المجتمعي لأبسط المواطنين المتعلمين يتكرر أنه إما إصلاح التعليم أو الطوفان .


وبقدر ما تحتشد تلك المقالات والمحاضرات والحوارات وجلسات الحكي بالبكاء على التعليم الذى كان (فى الماضي) والتنديد بنوعية وثمرة التعليم المعاصر وأحيانا قليلة التطرق لبعض أسباب ما إعتري مؤسساتنا التعليمية فأضحت على ما هى عليه اليوم من فقر فى الجودة وتواضع الثمار وبعد المسافة عن العصر وتجلياته ؛ بقدر إفتقاد القاريء أو السامع أو المشاهد لتلك السيمفونيات الشكائية لمعرفة ما يطرحه الحزاني من تصورات ومعالم للبديل المنشود . وهذا ما أحاول فى هذا المقال القيام ببعضه بشكل بالغ الإيجاز . وفى إعتقادي أن النظام التعليمي لدينا يحتاج أول ما يحتاج لما يسمي ببيان الرؤية ... والتى أعتقد أنها ينبغي أن تكون أقرب ما يمكن لما يلي : " تهدف المؤسسات التعليمية فى مجتمعنا لتكوين أبناء وبنات مجتمع المستقبل بقيم العصر وبمؤهلات معرفية تجعلهم قادرين على المساهمات الفعالة والخلاقة والإيجابية فى إحراز التقدم والسلام الإجتماعي وجودة نوعية الحياة على كافة المستويات". وأهم قيم العصر التى ينبغي على المؤسسات التعليمية غرسها فى عقول وضمائر أبناء وبنات مجتمعنا هى : ( حب التعددية بشتي مظاهرها المادية والفكرية والعرقية والدينية والسياسية والثقافية بصفتها من أهم وأجمل حقائق الحياة وإحترام نتائج ذلك وأهمها الغيرية والسماحة الثقافية والدينية ... وترسيخ الإيمان بعالمية وإنسانية العلم والمعرفة ؛ وإستئصال كل بذور التعصب ... وإحترام حقوق الإنسان والأقليات وإعلاء مكانة المرأة كنصف البشرية عددا ومعني وأدوارا ... وتقدير التقدم وأنسنته وغرس الإحترام العميق للعلم ... وتأسيس ثقافة الوجود المشترك بين كل البشروحب الفنون بسائر صورها وأشكالها وتقديس الحياة الإنسانية وإحترام العمل). وينبغي تكوين مجموعات عمل توجد فيها خبرات فى سائر المجالات المتصلة من داخل وخارج رجال ونساء التعليم لترجمة تلك الرؤية لبرامج تعليمية ... كذلك ينبغي دراسة ومعالجة الأسباب التى تجعل جل المنخرطين فى العملية التعليمية راغبين وراغبات فى إكمال ذات الرحلة التى يتوخاها الكل : تعليم إبتدائي فإعدادي فثانوي فجامعي . فالمجتمع من جهة لا يحتاج كل أؤلئك الجامعيين ؛ وهو كذلك يحتاج بشدة لآخرين فى عشرات المجالات غير الجامعيين . أثناء زيارة حديثة للبلد الذى يعتقد خبراء التعليم أن به أفضل نظام تعليمي فى العالم اليوم (فنلندا) وأثناء حوار مع شخصية قيادية فى مجال التعليم فى العاصمى الفنلندية سمعت وجهة نظر تقول بأن المشكلة ليست فى كون التعليم مجانيا أو بمصاريف ؛ فالتعليم فى فنلندا من الحضانة للدكتوراة مجانا (بل ولغير أبناء فنلندا). ولكن المشكلة تكمن فى فشل العديد من نظم التعليم فى إغراء الكثير من أبناء وبنات المجتمع للتوجه للتعليم المهني لخدمة المجتمع خدمة شاملة متكاملة لا يقدر عليها الجامعيون وحدهم. فى هذا الحوار قالت لي تلك الشخصية الأبرز فى سياسات التعليم فى هذا البلد الإسكندنافي بالغ التقدم والرقي أن أي مجتمع لا يمكن أن يحتاج لجامعيين أكثر من ربع عدد المنخرطين فى العملية التعليمية أما الأخرون فيحتاجهم المجتمع كمهنيين مهرة فى عشرات المجالات. وإذا تمكنت السياسة التعليمية من توجيه الربع أو الثلث (على الأكثر) للتعليم الجامعي والثلاثة أرباع أو الثلثين للتعليم المهني العصري والراقي فإن المجتمع لن يتلقي فقط مجمل المساهمات المطلوبة لتقدمه وإنما سيتمكن من توفير تعليم جامعي مجاني للمتفوقين والمتميزين ... أما الأغنياء غير المتميزين (كما هى العادة فى معظم الأحوال) فتبقي دائما أمامهم بدائلا أخري هى همهم وليست هم المجتمع والدولة . ورغم أن الروشتة الواردة فى هذا المقال تبدو بسيطة وسهلة وواضحة ؛ إلا أن تطبيقها ليس كذلك. فهى تحتاج لمجموعة كبيرة من المؤهلين لوضع أسس هذا التغيير الجذري ؛ كما أن هؤلاء وروشتتهم سيحاربون من كهنة المعبد المعادين للتغيير لأسباب لا تحتاج لشرح. كذلك فإن هناك أصحاب مصالح هائلة تبقي مصالحهم محمية وتدر ما تدر طالما بقت الحال على ما هى عليه . ولا شك أن توفر الإرادة السياسية لإحداث هذا التغيير هو أمر حتمي . وفى إعتقادي أن الإرادة السياسية لإحداث هذا التغيير لضمان ركوب المجتمع سفينة النجاة الوحيدة متوفرة عند الرقائق الأعلي من الهرم السياسي فى مجتمعنا ؛ ولكنها ليست متوفرة بنفس القدر والرؤية والوضوح على مستوي الرقائق الوسطي وما تحتها.


طارق حجي
الخميس 26 مارس 2009