نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


"التعفيش" ظاهرة رافقت الحرب السورية والضحية هم المدنيون




دمشق - دخل ما اصطلح على تسميته في سورية بـ" التعفيش" في قائمة النقاط الخلافية الكثيرة بين السوريين ليخلق إشكالية جديدة اختلفت حولها الآراء وتبادل الاتهامات حول تبعية الأشخاص الذي يسطون على الممتلكات في المناطق التي تدخلها القوات الحكومية التي نفت أكثر من مرة علاقتها بهؤلاء، والجميع يذكر في هذا السياق البيان الذي صدر في أيار/ مايو الماضي بعد تداول صور لأشخاص جنوب دمشق.


والتعفيش كما هو معروف في الأوساط السورية هو السطو أو سرقة الممتلكات من أثاث منزلي وأدوات كهربائية ومصاغ ذهبي وأموال من المناطق التي يتم فيها تبادل السيطرة سواء من المعارضة المسلحة أو القوات الحكومية ونقلها لبيعها والاتجار بها في أسواق ومحلات خاصة بها وبأسعار رخيصة قياسا بالأسعار الرائجة في سورية.
وظهر التعفيش في سورية خلال النزاع الدائر بين الأطراف السورية وتكرس بوضوح منذ الأيام الأولى لتبادل السيطرات وتحديدا في عام 2013 عندما سيطرت القوات الحكومية على مدينة القصير بريف حمص قرب الحدود السورية اللبنانية؛ حيث شوهد آنذاك آلاف الأشخاص يدخلون إلى المدينة شبه المدمرة ويسطون على ما تبقى من أثاث منزلي ويقومون بنقله إلى مدينة حمص القريبة وباقي المدن الأخرى بغرض الاتجار به قبل أن تتكرس هذه الظاهرة أكثر فأكثر خلال السنوات الماضية لتصل إلى ذروتها في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق في الربع الأول من العام الجاري.
ويبرر محمد وهو أحد الأشخاص الذين يمتهنون السطو على الممتلكات فيما سماها المناطق المحررة " نحن نأخذ من المناطق المدمرة الاثاث المنزلي والأدوات الكهربائية وهذا حق طبيعي لنا، وبالتأكيد إذا لم نأخذها ستتعرض للتخريب والتلف كونها موجودة في مناطق مدمرة، وما الضير من نقلها وبيعها كأدوات مستعملة والاستفادة من ثمنها".
ويضيف محمد الذي يبلغ من العمر 32 عاماً " انا أعمل في الدفاع الوطني وأقوم بنقل المواد والاثاث من البيوت المدمرة نتيجة الحرب والقصف لبيعها في السوق على أنها أدوات مستعملة، قصدت مختلف المناطق في حمص وحلب وريف دمشق وأخيرا درعا وتمكنت من خلال عملي في التعفيش من جمع ثروة كبيرة تكفي لتأمين مستقبل أولادي... وهذا حق مشروع لي.

"ويقول ابو جميل/ 51 عاماً /وهو أحد أصحاب المحلات في منطقة المزة بدمشق الذي يشتري المواد المسروقة القادمة من المناطق التي تستعيد القوات المحررة "أدفع أموالا لا بأس بها مقابل الحصول على تلك المواد وأقوم ببيعها للمواطنين على أنها مواد مستعملة وهناك إقبال كبير عليها نظرا لرخص ثمنها قياسا بنظيرتها الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للسوريين وتردي حالتهم المعيشية بعد أن انخفض الدخل الشهري للسواد الأعظم منهم إلى أقل من 100 دولار".
شرعنة التعفيش من قبل الكثيرين بناء على مبررات يرونها منطقية لا يعني بأي شكل من الأشكال عدم وجود فئة لا بأس بها من السوريين الرافضين لهذه المهنة إن صح التعبير حيث يؤكد "سليمان نايف " وهو موظف في وزارة الكهرباء رفضه المطلق للتعامل مع المواد المعروضة في الأسواق القادمة من مناطق النزاع وجبهات القتال معتبرا أن شراءها حرام ويشجع أصحاب هذه المهنة على الاستمرار في السطو على ممتلكات الغير وأنه رغم وضعه المادي السيء كحال كل السوريين يرفض بشكل قطعي شراء هذه المواد.
ويحمل سليمان القوات الحكومية والمجموعات التابعة لها مسؤولية تزايد هذه الظاهرة من خلال السماح لأشخاص لا علاقة لهم بالمناطق التي يسيطرون عليها لإخراج ممتلكات الآخرين وبيعها في الأسواق معتبرا أن الحل لوقف هذه الظاهرة هو التشديد على الحواجز المنتشرة في أطراف المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية ومنع إخراج أي شي منها.
وفي سياق الرفض الشعبي المتزايد لهذه الظاهرة هددت عائلات في مدينة السويداء جنوبي سورية أبنائها المشاركين في التعفيش بالتبرؤ منهم. وبحسب بيانات صادرة عن عائلات الجغامي وحاتم ورضوان في شهر تموز / يوليو الماضي بعد سيطرة القوات الحكومية على ريف درعا الشرقي أكدت على أبناء العائلات عدم التعاطي والمتاجرة والترويج للمواد المسروقة، وأنها تتبرأ من أي فرد يشارك في هذه الظاهرة بأي شكل من الإشكال وتعتبره لا يمثل إلا نفسه كما استنكرت أعمال السرقة والتعفيش واعتبرتها دخيلة على المجتمع، كما اعتبرت أن أي شخص يشارك فيها لا يمثل إلا نفسه ويعتبر غريبًا عن العائلة التي ورثت عن الأباء والأجداد القيم المعروفة والأصيلة؛ علما أن مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في السويداء حرمت أي تناول للأملاك المسروقة من بيع أو شراء أو إتجار، مؤكدة أن هذه الممارسات منافية للدين. ووقع على بيان التحريم شيخا العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي وطالبت “مشيخة العقل” الجهات الرسمية بعدم السماح بمرور هذه البضائع أو إنشاء مراكز أو أسواق لها في المنطقة، كما حرمت “حركة رجال الكرامة” في بيان سابق ظاهرة التعفيش وبيع الممتلكات المسروقة، وحملت القيادات السياسية والأمنية المسؤولية الكاملة لظاهرة التعفيش.
وتباينت مواقف السلطات الحكومية السورية من ظاهرة التعفيش في حدتها خلال سنين الأزمة؛ حيث قامت القوات الحكومية أكثر من مرة بملاحقة العاملين في هذه الظاهرة و قامت أكثر من مرة بإحراق السيارات التي تقوم بنقل المواد المسروقة حيث يقول "محمود" وهو من أهالي تدمر" شاهدت بأم عيني كيف قامت القوات الحكومية بإحراق أكثر من 300 سيارة محملة بمواد مسروقة من تدمر بعد طرد داعش منها في آذار 2015 وذلك قبل وصولها إلى مدينة حمص."

ويستدرك"رغم إيجابية هذه الخطوة كان الأولى أن يتم منع إخراج هذه المواد أصلا من مدينة تدمر ليعود الأهالي ويجدوا ممتلكاتهم"، واصفا هذه الخطوة بأنها مترددة وخجولة.
الخطوة التي اتخذتها السلطات السورية بإحراق السيارات المحملة بمواد مسروقة على أطراف تدمر تكررت بصورة مختلفة في دمشق مطلع العام الجاري عندما قامت الدوريات الأمنية والشرطية بمداهمة جميع محلات التعفيش المملوءة بمواد مسروقة من الغوطة الشرقية.
ويقول في هذا السياق صاحب أحد المحلات "الذنب ليس ذنبنا... نحن تصلنا المواد من قبل الأشخاص الذين يقصدون الغوطة وندفع ثمنها... فلماذا لا يتم منع هؤلاء من إخراج المواد المسروقة أصلا."
ويدافع أبو الزين وهو أحد الأشخاص الذين يدخلون إلى الغوطة الشرقية عن قيامه بذلك قائلا" نريد أن نعيش... وفي المحصلة المواد التي نقوم بإخراجها من المناطق "المحررة" ندفع مقابلها الكثير من الأموال لحواجز التفتيش التابعة للقوات الحكومية والمجموعات التابعة لها وكأنهم هم من يشرعنون قيامنا بذلك"
ويضيف" تسمح لنا الحواجز ونقاط التفتيش بإخراج جميع المواد باستثناء النحاس الذي يستخرج من كابلات الكهرباء حيث تعمد القوات الحكومية إلى شرائه مننا بأسعار رخيصة ، 1000 ليرة سورية لكيلو النحاس".
ولم يقتصر التعفيش على القوات الحكومية والمجموعات الموالية لها بل امتد إلى جميع اطراف الصراع من الجيش الحر إلى داعش والوحدات الكردية؛ حيث قامت مجموعات تابعة للجيش السوري الحر في عدد من المناطق السورية بسرقة وتعفيش المناطق التي تسيطر عليها من القوات الحكومية بحجج مختلفة في حين يتم التعفيش من قبل تنظيم داعش تحت اسم اموال المرتدين في حين كان الكثير من التعفيش من قبل الوحدات الكردية وقوات سورية الديمقراطية قد تم بعيداً عن الاعلام ومنها مدينة الرقة شمال سورية .
وبث ناشطون في جنوب العاصمة دمشق نهاية شهر ايار/ مايو الماضي صوراً تظهر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية يعتقلون أربعة اشخاص يرتدون ملابس الجيش السوري في بلدة ببيلا جنوب دمشق و اتهامهم بحيازة أدوات كهربائية، وأثاث منزلي من بيوت سكان المنطقة.
ونشرت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر عسكري سورى قوله " توضيحاً لما تم تداوله من صور وفيديوهات حول إلقاء القبض على عناصر يدعون أنهم من الجيش السوري أثناء قيامهم بسرقة إحدى المناطق التي تم تحريرها مؤخرا تؤكد القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أن من ظهروا في هذه الصور هم ليسوا جنوداً من المؤسسة العسكرية على الإطلاق ولا ينتمون إليها وهم مطلوبون للأجهزة الأمنية وأسماؤهم معممة على جميع الحواجز منذ فترة ."

خليل هملو
الاحد 19 غشت 2018