نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


الرقص فوق الخراب






يستطيع بشار الأسد أن يرقص فوق ركام حلب ويدخل بجيشه وميليشيات حلفائه الأصوليين المدينة ، وينتقم من قلعتها ، ويدمر قبر المتنبي ، معلنا انتصاراً فوق خراب المدينة الأجمل وبقاياها .


  كما تستطيع الدول العربية والإقليمية التي استباحت الانتفاضة الشعبية السورية بالمال والنفط والغاز والسلاح غير المجدي ، أن تطرب ، حتى وهي ترى اتباعها يُهزمون ، لأنها نجحت في وأد فكرة الحرية وكرامة الانسان التي جعلت مئات آلاف السوريين يحتلون الشوارع ، بهتافهم وموتهم الذي احتلّ السماء .
يستطيع بوتين أن يتباهى بأن تدخل طيرانه وخبرائه وآلة الدمار التي تملكها روسيا حوّل كل سورية إلى غروزني ، وحقق أمنية الديكتاتور السوري الصغير الذي أعلن شعاره : « الأسد أو ندمّر البلد » .
وتستطيع الدبلوماسية الأمريكية أن تقدّم درساً للعالم في الخبث والضِعة والكلام الفارغ من المعنى ، وهي تشاهد كيف أنجزت دمار سورية من دون التكلفة الباهظة التي دفعتها من أجل تدمير العراق .
لقد دمر المستبد السوري بلده بيديه ، متكئاً على حلف إقليمي دولي أسود ، يعتقد أنه يستعيد فوق خراب سوريا امبراطورية روسية غاربة ، أو حلم امبراطوري ايراني .
وتستطيع اسرائيل الليكودية العنصرية ان تنتشي ، وهي تشهد كيف تدمر بلاد الشام على أيدي الطاغية .
وفي النهاية يستطيع الأصوليون أن يفاخروا بأن قمعهم للشعب السوري في المناطق التي استولوا عليها ، لم يكن أقل وحشية من قمع النظام . وأنهم حين داسوا علم الثورة السورية ، كانوا يدوسون على الحلم الديمقراطي ، وبذا اكتسبوا تجربة دموية جديدة تؤهلهم للعب أدوار جديدة عند مشغليهم المباشرين وغير المباشرين .
كل القتلة والسفاحين اجتمعوا من أجل قتل سوريا ، واذلال شعبها . فعندما تخطف رزان زيتونة وسميرة الخليل في دوما التي يحكمها « جيش الإسلام » ، وعندما لا يرفع الأصوليون سوى شعار إذلال المرأة السورية ، وحين لا يكون هم « داعش » سوى السبي والقتل والحرق ، فإننا نكون أمام مشهد يعيد صوغ وحشية سجن تدمر، وإصرار شبيحة النظام على اجبار المعتقلين على تأليه الأسد ، واحتفالية القتل والاغتصاب والاذلال ، التي اتقنها الشبيحة ، وهم يستبيحون سوريا ، ويحولون ذكرى تيمور لنك إلى مشهد في الحاضر .
افرحوا أيها القتلة والسفاحون ، ويحق لكم ذلك . فلقد كانت سوريا هي النقطة المفصلية التي أعلنت انهيار القيم الأخلاقية والانسانية ، ودخول العالم بأسره وعلى رأسه الغرب الامريكي في نفق الوحشية والعنصرية .
لا نريد أن نلوم أحداً ، الشعب السوري انفجر بثورة نبيلة شكلت نموذجا لإرادة شعب وصلابته وقدرته على التضحية في مواجهة الطغيان والاستبداد . كانت مظاهرات المدن والبلدات السورية وشعاراتها الوطنية التي قمعت بالرصاص والقتل والتعذيب والاذلال ، اعلانا صارخا بأن نداء الحق والحرية يستطيع أن يصنع لغته ، رغم كل شيء .
لا نريد أن نلوم أحداً ، بلى يجب أن نتوجه بالسؤال إلى من نصّب نفسه قيادة لم تستطع أن تقود ، فانجرفت إلى أوهام التدخل الخارجي ، وارتمى بعضها على الأقل ، في أحضان زمن النفط والاستبداد العربي ، بحيث أُكلت الثورة من خارجها ، عبر المال والسلاح والفكر الأصولي الظلامي ، ليجد الشعب السوري نفسه وحيدا في مواجهة آلات قتل عمياء .
بلى يجب أن نعيد النظر في ثقافتنا بشكل جذري ، لا لأن المشكلة ثقافية فقط ، فالمشكلة سياسية اقتصادية أولا ، بل كي نعيد تشكيل النخب الثقافية والفكرية ، التي عليها أن تحمل ارث هذا الدم السوري وتحوله إلى فعل تاريخي عبر الالتحام بالناس ، والإنخراط في آلامهم ومعاناتهم ، كي نحوّل هذه المقتلة وهذا الألم العظيم ، إلى تاريخ نرى من خلاله مستقبلا تصنعه الحرية .
بلى يجب ألا نغفر للقتلة والسفاحين ، ويجب أن نحاكمهم أمام ضميرنا الوطني في كل لحظة ، إلى أن يحين موعدهم مع العدالة .
بلى يجب ألا ننسى قوافل الذين قضوا تعذيبا وقتلا ، مشاهد الأطفال تحت الأنقاض ، ومعاناة ملايين اللاجئين ، وأنين المدن التي اقتلعت فيها الحياة .
يستطيع القتلة أن يطربوا ، فالفاشية تعم العالم ، الرئيس الأمريكي الجديد يجسد الفظاظة والوحشية الرأسمالية وانتقام الرجل الأبيض ، وهو يرى في الديكتاتور العربي الذي حطّم بلاده أفضل حليف كي يستمر انحطاط العرب وذلهم وخيبتهم . وهو في ذلك يلتقي بالقيصر الروسي وبالفاشي الصهيوني ، الذين لا يرون في بلادنا سوى الخراب الذي تصنعه صحراء الدم .
السوريات والسوريون ، الذين علمونا التضحية والكبرياء، يشهدون اليوم خراب هذا الزمن ، لكنهم يعلمون أن انتصارات الاستبداد والفاشية والأصوليات العمياء ليست سوى وهم .
صحيح أن مشاهد الخراب أعمت العيون ، وصحيح أيضاً أن الحناجر قُطعت وجثث الأطفال شُوهت وكرامة الناس حجبها غبار القصف .
لكن ما لا يعرفه الطغاة هو أن من يلعب بالدمار سوف يصير ضحيته ، وأن فرحهم اليوم بتدمير الأرض والشعب ، هو لحظة مؤقتة لا تستطيع أن تدوم .
فالشعب الذي كسر جدران الخوف ، ولبس الحرية ، لن يعود إلى زمن الظلمات ، مهما كانت قوة البطش .
الشعب الذي كسر تماثيل المستبد لن يرفعها من جديد ، حتى ولو جاءت كل قوى الأرض من أجل رفعها .
الشعب الذي يهان اليوم في مخيمات اللجوء ، وفي مدن سورية التي صارت كلها مستباحة ، لن يرضى بالذلّ .
الطاغية يتوهم أنه انتصر، نعم لقد انتصر، لكنه سيحوّل انتصاره إلى وهم ، وسيرى أن لا أحد يستطيع أن يلعب بالموت إلى ما لا نهاية .
انها لحظة للألم ، لكنها ليست لحظة لليأس ، انها بداية زمن ما بعد اليأس الذي يجب أن نصنعه بالصبر والاصرار على حلم الحرية .

الياس خوري
السبت 17 ديسمبر 2016