نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
السبت 17 ماي 2025
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


الطائفة قبل الوطن ....الانتماء الوطني في لبنان ينحسر امام الطائفية




بيروت - فاديا عازار - ألقت الانتخابات النيابية الأخيرة ظلالاً كبيرة على مفهوم الإنتماء في لبنان ، بعد أن حشدت لها أسلحة من عيار ثقيل من الطائفية والمذهبية ، لاحظها المراقبون المحايدون والأجانب ، وولغ فيها أغلبية العاملين بالشأن السياسي سعياً لكسب الأصوات


صورة احد الساسة اللبنانيين ملصقة على إحدى المباني السكنية شرق بيروت بهدف إعلان الولاء
صورة احد الساسة اللبنانيين ملصقة على إحدى المباني السكنية شرق بيروت بهدف إعلان الولاء
ومع انجلاء غبار المعارك الطاحنة انتخابيا يتمكن المتابع من ملاحظة فراغ بعض المفاهيم السياسية والاجتماعية في لبنان من مضمونها، كالانتماء للوطن مثلا، لفرط حمولة لا قبل لها على احتماله ، حيث يتشظى بعضها وينشطر ويحمل معانٍ تختلف تماماً عن معناها الأصلي .
وإن كان الانتماء الوطني مفهوماً يرتبط بالبنية العقلية والفكرية للفرد إلا أنه يبقى في قلوب الناس روحياً ومعنوياً أكثر منه ماديا ومحسوساً
وقال المحامي وليد عازار إن "انتماء المواطن اللبناني إلى وطنه هو انتماء عاطفي في معظم الأحيان ينبع من انتمائه إلى طائفته ويُفسّر استناداً إلى معتقدات ترسخّت في فكر كل إنسان بطريقةٍ تؤذي هذا الانتماء وتؤدي بالوطن إلى ما لا تحمد عقباه "
و يبلغ عدد الطوائف الرسمية في لبنان 18 طائفة وكل مواطن لبناني يحدد له انتماؤه الطائفي ضمن المعلومات التي يحملها في بطاقة هويته، حيث يلاحظ المدقق في الحياة السياسية والاجتماعية لللبنانيين ، أسبقية الولاء الطائفي على الوطني
وتابع عازار أن "النظام القائم في لبنان منذ تأسيس هذا الكيان لم يكن في لحظة من اللحظات نظاماً هادفاً إلى بناء وطن ومواطنية سليمة وإنما إلى بناء جماعات مشرزمة تلتقي بعضها ببعض عند الضرورة وبناءً لتدخلات خارجية وتنفصل وتتناحر عند أول هزّة مهما كانت ضعيفة".
ويفاخر الكثير من اللبنانيين بالولاء للطائفة والدفاع عن رموزها واعتبارهم خطاً أحمر ، مع تغنٍّ تردادي بديمقراطية لا مثيل لها في العالم، هي في منطوق علم الاجتماع السياسي "ديمقراطية كونفيدرالية الطوائف" مع العلم أن الديمقراطية والطائفية نقيضان لا يتعايشان..إلاّ في لبنان، لأن الولاء للثانية معاكس للولاء للدولة ونظامها
وقال الدكتور عبدو بعقليني لـ د.ب.أ " ليست للشعب ثقافة الدولة لكي ينتمي إليها بل لديه ثقافة المجموعات الصغيرة كالقبائل والعشائر والعائلات"
وأنحى بعقليني باللائمة على الساسة اللبنانيين قائلا" هم المسئولون عن عدم انتماء الشعب اللبناني لدولته وعدم ولائه لوطنه، فهم الذين يسعون لتهميش دور الدولة وإقناع الشعب أن مصالحه مرتبطة بهؤلاء الساسة وليس بالدولة من أجل الإبقاء على ارتهانه لهم".
ويلاحظ أن مستقبل المواطن اللبناني يتحدد من خلال انتمائه الطائفي ،حيث يخضع كل مفصل من مفاصل الحياة الوظيفية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية في لبنان للانتماء والمحاصة الطائفية.
وتابع بعقليني "يجب على الساسة اللبنانيين أن يعمدوا إلى صياغة مشاريع تؤول إلى ترسيخ فكرة الدولة بحيث يتم إقناع الناس بأهمية هذه المؤسسة الجامعة وبأن تطبيق القوانين يهدف إلى مراعاة مصالح الناس وليس العكس ."
وقد أظهرت وساهمت سنوات الحرب الأهلية (1975-1990) بتعميق وتجذيّر داء الطائفية في لبنان، وزاد عليها اتفاق الطائف الذي حدد ملامح الدولة اللبنانية وطائفيتها السياسية التي لا يمكن إلغاءها بجرة قلم.
وغالبا ما يعمد زعماء الطوائف والساسة اللبنانيون، وخاصة في المفاصل الحساسة كالانتخابات والخلافات السياسية، إلى الاستقواء بالطائفة، الذي يبقى الباب الوحيد الذي يسمح للساسة باحتلال مقاعدهم على طاولة الكعكة السياسية ومعظمهم يتحركون انطلاقاً من الطائفة باتجاه الوطن وليس العكس
وقالت هبة قرباني، طالبة في الجامعة اللبنانية لـ د.ب.أ "لا يوجد في لبنان انتماء موحد ، فالمواطن في لبنان مجبر على حمل الهوية الطائفية لأن نظام الحكم في لبنان قائم على أساس طائفي"
وأضافت قرباني "الدولة في لبنان أصبحت دويلات، فالمؤسسات معطلة، ولا يوجد قانون ولا نزاهة قضائية وحتى تعيين القضاة يخضع للمحاصة الطائفية".
ويلاحظ أن الأحزاب العلمانية العقائدية ، كالحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي ، وحتى الشخصيات العلمانية المستقلة، لا يستطيعون ممارسة السياسة إلاّ من البوابة الطائفية، ففي الترشيح للانتخابات يتم ترشيح الأفراد منهم عن طوائفهم ومذاهبهم.
وذهبت قرباني إلى تحميل الاستعمار تبعة هذا الوضع فقالت " ربما يكون الاستعمار هو المسئول عن تشظية الهوية الوطنية إلى هويات دينية وخلق نعرات طائفية. وربما يكون انتماء اللبنانيين إلى الدول التي تدعم الأحزاب والطوائف التي يتكون منها الشعب اللبناني، أقوى من انتمائهم إلى الدولة اللبنانية، مع الأسف"
لكن قرباني استدركت قائلة " المجتمع هو الذي يجبر الإنسان على الانتماء إلى طائفته أولا ً، بسبب الفورات الطائفية المستجدة في لبنان".
ولكن التشكيك بالانتماء الوطني يبدأ عندما يضعف موقف طائفة ما تجاه حدث زلزالي معين ،حيث يُربط هذا الضعف بالانتماء الوطني عبر التحالف مع قوى خارج حدود الدولة. هذا هو الحال في لبنان، فالطوائف اللبنانية تتواصل مع جوارها بحكم عامل الجغرافيا السياسية.
وقال فيليب الرياشي الذي يعمل في مجال إدارة ورش البناء لـ د.ب.أ"على الإنسان أن يخلص للبلد الذي يعيش فيه، وإذا كان عليه القيام بذلك، فكيف يكون الأمر بالنسبة للبلد الذي يحمل المرء عاداته وتقاليده وثقافته، والذي يحتوي ترابه رفات أجداده؟"
وأضاف الرياشي"على اللبنانيين أن يتعلموا كيف يصبحون مواطنين صالحين ينتمون إلى الدولة والى البلد الذي يحملون بذور ثقافته. ولكن أداء الدولة مهم جداً في هذا المجال فهي التي تجبر الإنسان على الانتماء إليها أو تغيّر بوصلة انتمائه".
ومع ذلك يشكل الانتماء والولاء الوطنيان هاجساً يقلق الكثيرين في لبنان حيث لا ينفك مشتغلون بالسياسة والحقل العام من رؤساء أحزاب وتنظيمات ورجال دين، يتحدثون عن ضرورة أن يكون في لبنان انتماء موحد
لكن راحيل هراوي ، وهي باحثة ومترجمة ذهبت إلى أبعد من حدود لبنان ، البلد الصغير لتقول "إن مفهوم المواطنة بشكل عام أصبح اليوم مهدد مع ما أنتجته العولمة".
وفي عودتها إلى توصيف الأمر لبنانياً ،أضافت هراوي لـ د.ب.أ "الانتماء في لبنان هو انتماء لبعض المرجعيات السياسية والدينية ، لأن الدولة لا تقوم بواجباتها تجاه المواطنين ، فلا هي دولة العدالة الاجتماعية والمساواة، ولا استطاعت حتى اليوم أن تكون الدولة الراعية لكل أبنائها".
صحيح أن مفهوم الانتماء ما يزال يعد إشكالية فكرية ، وبحثاً في مفهوم الهوية، التي يصفها الكاتب اللبناني الأصل في منطقتنا بأنها "هويات قلقة"، لكن واقع الانتماء في لبنان يبقى متأرجحاً بين الهوية الوطنية والأخرى الطائفية.
لقد راهن بعض الحالمين على تغيير ما، في تشكيل الهوية الوطنية، بعيداً عن العاطفة وأغاني فيروز والرحابنة، للوصول إلى انتماء وطني ..لكن من انتخابات إلى أخرى يبدو لبنان أكثر إيغالاً في انتمائه التّحاصصيّ الطائفي.

فاديا عازار
الثلاثاء 30 يونيو 2009