نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


الملف الأسود للعلاقات الفرنسية السورية






أعادني الخبر الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية حول عمالة رفعت الأسد للمخابرات الفرنسية وأن الخدمات التي قدمها لها دفعتها لغضّ الطرف عن فراره إلى سوريا مؤخراً ولو على حساب القوانين الفرنسية، أعادني إلى كتاب "دروب دمشق.. الملف الأسود للعلاقات الفرنسية السورية" الصادر بالفرنسية عام 2014، قبل أن تتم ترجمته من قبل شركة المطبوعات للتوزيع والنشر

أعادني الخبر الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية حول عمالة رفعت الأسد للمخابرات الفرنسية وأن الخدمات التي قدمها لها دفعتها لغضّ الطرف عن فراره إلى سوريا مؤخراً ولو على حساب القوانين الفرنسية، أعادني إلى كتاب "دروب دمشق.. الملف الأسود للعلاقات الفرنسية السورية" الصادر بالفرنسية عام 2014، قبل أن تتم ترجمته من قبل شركة المطبوعات للتوزيع والنشر


 .

مؤلفا الكتاب هما الصحفيان المختصان في شؤون الشرق الأوسط كريستيان شينو وجورج مالبرونو يحاولان من خلاله شرح العلاقة الملتبسة بين البلدين خلال أربعين عاماً، وكيف كانت تتعاطى فرنسا عبر رؤسائها المتعاقبين مع نظام الأسد، منذ بداياته وصولاً إلى عام 2014.

دلالٌ بهدف الترويض

فرنسا هي التي أنشأت مركز البحوث العلمية في سوريا بين عامي 1975 و1981 ودربت كوادره، حتى بعد الاجتياح السوري للبنان 1976 عقب الحرب الأهلية هناك الذي رفضته فرنسا، ومنعت الأخيرة التعاون العلمي مع السوريين، إلا أنه ورغم ذلك واصل العلماء الفرنسيون تقديم خدماتهم وخبراتهم في مركز البحوث بشكل شخصي، إذ سعى المسؤولون والعلماء الفرنسيون عبره للحفاظ على الحضور الفرنسي في المنطقة، بيد أن باريس اضطرت في النهاية للتخلي عن هذا المشروع بفعل الضغط الإسرائيلي الأميركي.

كان التعامل الفرنسي مع نظام الأسد منذ البداية مبنياً على الدلال رغبة في ترويضه، أو تغيير سلوكه، بدءاً من الرئيس فاليري جسكار دستان، إلى فرانسوا ميتيران، فجاك شيراك، الذي حدثت في عهده كثير من التغييرات، وصولاً إلى نيكولا ساركوزي الذي انفتح على الأسد بعد خمس سنوات من العزلة الدولية، بغية تغيير سلوكه أو فصل المسارات، ولكن الثورة السورية ما لبثت أن أعادت ساركوزي إلى سيرته الأولى التي سيكملها بعد فرانسوا هولاند.

عون الفرنسي!

لبنان الذي أوجدته فرنسا كبلد، كان دائماً هو سبب تسميم العلاقات بين دمشق وباريس، خصوصاً بعد التدخل السوري إلى لبنان، ولكن ما زاد طين هذه العلاقة بلة هي قضية الجنرال ميشيل عون، المحسوب على الفرنسيين ومقاوم "سابقاً طبعاً" لوجود النظام السوري في بلد الأرز، ولولا لجوؤه إلى سفارتهم وإخراجه من لبنان، ربما كان لقي مصير العديد من الزعماء اللبنانيين الذين صفاهم نظام الأسد، بعد أن يتلقى ضوءاً أخضر من الأميركيين، ففي معركته ضد عون استخدم الطيران، وهذا ما كان ليحصل لولا الموافقة الأميركية، وقبلها موافقة إسرائيل التي كانت تسيطر على الأجواء اللبنانية.

أنيق وعصري؟

عندما توفي حافظ الأسد كان جاك شيراك هو الزعيم الغربي الوحيد الذي جاء ليشارك في مراسم الوداع، واصطحب معه رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي، رغم تحفظات فريق شيراك على هذه الخطوة، إذ لم تكن تجمع بين الرئيسين أي صداقة أو تفاهم.

الأسد الأب كان أوصى شيراك ببشار، وقال له اعتبره كأبنائك، وتلقف الرئيس الفرنسي هذه الوصية بكثير من الاهتمام، للتأثير على الرئيس الشاب، الذي اعتقد شيراك أنه أكثر ليونة من أبيه.. "ذلك هو الخطأ التحليلي الأول الذي ارتكب في شأن بشار الأسد. ((فنحن الذين اخترعنا القصة المزعومة لذلك الشاب الأنيق والعصري والخلاب حتماً لأنه تزوج من امرأة جميلة وأراد تطوير الإنترنت في بلاده! ليس هو من خلق هذا الانطباع، بل نحن)) كما يروي أحد الدبلوماسيين الأوروبيين. ((نعتناه بما يعجب الغربيين، وبخاصة فرنسا، لأننا رغبنا كثيراً أن يشبهنا)). وسنصاب بخيبة أقسى عندما ندرك أن هذا التصور لا يطابق الحقيقة".

كَسْب الوريث!

زيارة شيراك هذه كانت بتشجيع من صديقه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والذي كان يرغب هو الآخر عبثاً بكسب الرئيس الوريث، وكان في ذهن شيراك أن وصول بشار إلى السلطة يشكل أيضاً فرصة يجب اقتناصها لصالح صديقه الحريري الذي كان يواجه الوصاية السورية في لبنان، المعتمدة على 35 ألف جندي سوري.

وقبل ذلك كان بشار قد زار فرنسا عام 99 والتقى شيراك، رغم عدم توليه أية صفة رسمية، ولكنه كان رئيس الجمعية السورية للمعلوماتية، التي كانت تتولى ربط سوريا بالشبكة العالمية، وهو قبل إدخال شبكة المحمول إلى سوريا أراد من شركة ألكاتيل الفرنسية أن تؤسس شبكة مغلقة فقط لصالح الحرس الجمهوري، وهو ما كان، ثم قامت هذه الشركة بتزويد أمن الدولة بشبكة ثانية لجواسيسها، وهي منظومة اتصالات لا تسمح بالحديث والاستماع في آن واحد، كما قامت الشركة ذاتها بتطوير نظام الاتصال في سلاح الجو السوري المعتمد بالأساس على طائرات روسية.

إصلاحٌ كشفَ الفساد

عمل شيراك على مساعدة بشار الأسد في الإصلاحات، فأسس معهداً للإدارة، على غرار المعهد الوطني الفرنسي للإدارة، كما طالب شيراك من مديرة المعهد ماري فرانسواز بشتل ومدير الخطوط الحديدية الفرنسية جاك فورنييه بتقويم المنظومة الإدارية السورية، اللذَين أعدا تقريراً بهذا الخصوص، وأعدت فرنسا كذلك خطة لتطوير وزارة المالية ومصرف سوريا المركزي، وهنا يقول خبير فرنسي "إن المكننة تفترض شكلاً من أشكال الشفافية في العمليات المالية، وهو ما لم يكن يريده النظام، لأن ذلك يعني رفع الغطاء عن عمليات الفساد وتبييض الأموال وتمويل عشيرة الأسد. وبالتالي لم يكن هناك مجال للمساس بها".

شيراك يتبنى رؤية الحريري

اتفاق الطائف 1989 الذي لم تكن فرنسا سعيدة به مكن الأسد من السيطرة على لبنان عبر أربعة أشخاص نائبه عبد الحليم خدام ورئيس أركان الجيش السوري حكمت الشهابي ووالي لبنان غازي كنعان إضافة إلى رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الذي أهداه صديقه الفرنسي خط اتصال ساخن لا يمكن التنصت عليه، وأهدى خطاً مثله لحافظ الأسد، وبعد تولي بشار أصبح شيراك يتصل فيه كل يوم جمعة لمعرفة أخبار المنطقة، والشيء نفسه كان يفعله مع صديقه الحريري الذي استطاع إقناعه بكل وجهات نظره حول المنطقة، فما إن تحدث مشكلة ليس فقط في لبنان، بل حتى في الشرق الأوسط برمته كان شيراك يتصل بصديقه ليستطلع رأيه، وبالتالي يتبناه.

اغتيال الحريري

عارض الرئيس الفرنسي جاك شيراك الحرب الأميركية على العراق لأسباب مختلفة، وكذلك عارضها النظام السوري خشية من أن يكون هو الهدف اللاحق لجورج بوش، بعد فترة عاد الدفء إلى العلاقات الفرنسية الأميركية، وبدأت باريس بدعم من واشنطن عملها لإخراج الجيش السوري من لبنان، حيث عمل شيراك والحريري على القرار 1559 القاضي بسحب قوات النظام السوري من بلاد الأرز، إلا أن بشار الأسد بدا أكثر تصلباً بعد القرار، حيث أجبر الحريري على القبول بالتمديد لإميل لحود الرئيس اللبناني التابع للنظام السوري، ورغم ذلك فقد تم اغتياله في شهر شباط من العام المقبل 2005، تكونت لدى شيراك قناعة عبر عنها بعد ذلك بأسبوع، "ليست عملية الاغتيال إلا من فعل أجهزة منظمة وذات خبرة، ولا مجال للشك لمن يعرف طريقة عمل النظام العلوي الممسك في السلطة بدمشق في أن هذا القرار قد اتخذه الرئيس الأسد ولا معنى لأي فرضية أخرى". إذ حقق شيراك أول نصر في حملته ضد الأسد عندما أُجبِر بعد شهر ونصف على سحب قواته بعد سبعة وعشرين عاماً على الاحتلال.

خدمات أمنية

يقول لنا الكتاب إن الملفات الأمنية هي أساس العلاقات السورية الفرنسية، بل هي الصندوق الأسود للعلاقة، فهذا النظام أشبه ما يكون بمكتب خدمات أمنية، والتعاون بين الفرنسيين والسوريين لم يتوقف على مدى 30 عاماً خصوصاً في ملف مكافحة "الإرهاب" ففي يوم اغتيال الحريري التقى الجنرال الاستخباري الفرنسي فيليب روندو وممثل المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي جان بيير بارغانتي مع آصف شوكت صهر الأسد والرئيس الجديد للاستخبارات العسكرية، إلا أن "الفرنسيين والسوريين طوال سنوات المقاطعة الشيراكية لسوريا، استمروا بمتابعة الأعمال، وفي المجالات الأكثر حساسية أو لمصلحة أناس لا يجب نظرياً التعامل معهم". فبعد سنة من مقتل الحريري أنشأت شركة الكاتيل شبكة اتصال هاتفية مأمونة لمصلحة 14 مسؤولاً أمنياً وسياسياً من الأرفع رتبة في سوريا، كما أن فريقاً فرنسياً قام بتدريب الحرس الشخصي للجنرال الأمني علي مملوك، وعملت شركة فرنسية على تزويد الحدود السورية مع العراق ببوابات إلكترونية لكشف السيارات المحملة بالمتفجرات والمتجهة إلى سوريا، كما تم تسليم سوريا معدات للتنصت، "واحتفظت الأجهزة الفرنسية بالطبع بالرموز المشفرة لمعرفة ما يتم قوله". فضلاً عن حصول بشار الأسد على طائرتي هيلوكوبتر فرنسية لاستخدامه الخاص.

معلومات أمنية

وبفضل التعاون الاستخباري تم إحباط عدد من الهجمات التي تواجه فرنسا، ليس في لبنان وحسب، بل على الأراضي الفرنسية أيضاً، ويقول المدير السابق للأمن العام الداخلي الفرنسي برنار سكارسيني "كان السوريون يزودوننا بمعلومات تتعلق بهوية المشتبه بهم في فرنسا، وكانوا في كل مرة يعتقلون الشبكات عندهم يرسلون لنا المعلومات عن المتواطئين معهم في فرنسا، وهو ما مكننا من ملاحقتهم، والسوريون لم يكونوا مجبرين على عمل ذلك"، طبعاً هذا قبل الثورة، أما بعد الثورة فينقل الكاتبان عن وفد زار علي مملوك بهذا الخصوص فقال إنه جاهز للتعاون مع الفرنسيين بشرط فتح السفارات واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع النظام، إضافة إلى الضغط على السعودية لتتوقف عن تمويل المعارضين، "مارست دمشق منذ سنوات طويلة هذه الدبلوماسية الأمنية".

إرهاب سيء وآخر جيد!

ينوه المؤلفان إلى أن الفرنسيين لم يدققوا في الوسائل التي تعتمدها المخابرات السورية للحصول على المعلومات، في حين ينقل الكتاب عن استخباري فرنسي قوله إنه يجب الحذر خلال التعامل مع نظام الأسد في موضوع الإرهاب، فهم يميزون بين الإرهاب السيئ والإرهاب الجيد "فالسيئون هم السنة، أما الجيدون فهم أولئك الذين لن يتخلوا عنهم أبداً، أي حلفاءهم في حزب الله والشيعة".

انفعال فرنسي

يغلب على الكتاب الطابع التشاؤمي من فشل السياسيين والدبلوماسيين الفرنسيين وحتى الأمنيين في سوريا، وسوء تقديرهم للوضع هناك، وتقليل شأن كل ما قام به الفرنسيون، فمناف طلاس لم يستطع الخروج لو لم يسمح له النظام بذلك! وانشقاقه عديم الفائدة، وهو يشبه انشقاق عبد الحليم خدام، الذي لم يستطع تقديم شيء، حسبما يقول الكتاب.

وخلال أربعين عاماً من العلاقة كان الانفعال هو الطاغي في التعامل مع الوحش السوري البارد "والأنكى من ذلك أننا نحن الذين سعينا لإقامة أو إعادة إقامة العلاقة مع سوريا (ميتيران 1984 وشيراك 2000 وساركوزي 2008) ولم يعمد السوريون قط إلى الإعراب عن التوبة حيالنا، حتى بعدما كالوا لنا ضربات قاسية".
---------
تلفزيون سوريا


مصطفى عباس
الخميس 21 أكتوبر 2021