نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


بالجريف في الجوف على ايام ابن الرشيد ..1




يعتبر كتاب وليم جيفور بالجريف -وسط الجزيرة العربية وشرقها -من أمتع وادق ما كتب عن الجزيرة العربية وقد بدأت تلك الرحلة من منطقة الجوف التي كانت تخضع لطلال بن الرشيد قبل أن يستولي عليها ابن سعود وتتحول الى جزء من السعودية وأهمية بالجريف انه يركز ككل الرحالة المتمكنين على التفاصيل الدقيقة لحياة الناس وعاداتهم في الحياة اليومية في خيامهم


الجوف
أيام طلال بن الرشيد

نظرة على الجوف من الشمال- مقابلة كل من غافل وضافى- منزل غافل: القهوة- رسميات المجتمع- صنع القهوة- التمر- وصف عام للجوف- منازل الجوف- أبراج الحرب، الحدائق، وبيارات النخيل- المناخ- السكان- القرى الأخرى- التاريخ السابق؛ الغزو الوهابي، الفوضى التي تلت ذلك- تدخل عبدالله ابن الرشيد- الروالة. غزو طلال؛ غزوه الجوف وجعله منطقه تابعه له- تعيين حمود حاكماً للجوف- الطابع الديني والأخلاقي والبدني لسكان الجوف- عدم المبالاة بالدين- أوجه الشبه مع الإنجليز- التجارة والتقدم- مساكننا الجديدة- الحياة اليومية- عشاء في الجوف- الإتهامات التي وجّهت إلينا- زيارة القلعة- الشكل المعماري للقلعة- برج مارد- حمود؛ قهوة حمود، حاشيته في شومر- العدل- المسجد- المضايقات- المجتمع في الجوف- وصول مندوبي العوازم، موافقتنا على مرافقة مندوبي العوازم الى حائل- مرشدنا الجديد- مغادرة الجوف- الطريق صوب الجنوب- بئر شقيق، ‘نشاؤه- تأمل ماضي ومستقبل الجزيرة العربية.
----------------------------------------------------------
كان منظر الجوف ونحن نقترب منه أول مرة من ناحية الغرب على النحو التالي: وادي واسع عميق، سلاسل من الجبال المنحدرة الواحدة إثر الأخرى إلى أن تختفي أعماق هذه السلاسل الجبلية عن الأنظار بين رفوف صخرية يميل لونها إلى الإحمرار، ، وتنتشر في كل مكان، يوجد أسفل هذه الرفوف الصخرية، مجموعات من بيارات النخيل وأشجار الفاكهة على شكل بقع شديدة الاخضرار تمتد الى آخر منعطفات الوادي؛ كتلة كبيرة من المساكن بنية اللون غي المنتظمة تتوج التلة الرملية الرئيسية؛ ومن خلف هذه التلة برج وحيد مرتفع يشرف على الضفة الأخرى من الغور، وفي الأسفل توجد مجموعة من البوريجات الدائرية الصغيرة وقمم المنازل المنبسطة التي تختفي بين أوراق نباتات الحدائق، كان كل ذلك يسبح في فيض من الضوء والحرارة العموديين، كان المشهد جميلاً، بل إنه كان أكثر جمالاً في عيوننا التي أجهدها الإقفار الطويل الذي مضت رحلتنا خلاله، يوماً بعد يوم، وبلا أي استثناء منذ أن ألقينا نظرة الوداع الأخيرة على كل من غزه وفلسطين إلى أن دخلنا الجزيرة العربية المأهولة بالسكان أول مرة. وأنا أجدني هنا أقتبس ما قاله أحد الشعراء العرب، عندما كان يصف مكاناً مماثلاً في الجزائر، " مثل جنة الخلد، لا يدخله أحد إلا بعد المرور على الصراط".
ولما كان المنظر قد بعث الأمل والحياة فينا، بدأنا نستحث جمالنا المجهدة، وبدأنا فعلا في نزول المنحدر الأول من منحدرات الوادي، وهنا تقدم خيالان، مهندمان ومسلحان تماماً على طريقة سكان الجوف، كانا قادمين من المدينة، وحيونا تحية حارة بصوت عال " مرحباً "؛ وأردفا قائلين بلا مقدمات:" فلنشب النار ونتناول الطعام"، وحذيا حذو الخيال السابق ذكره بأن نزلا من على جواديهما، وفتحا حقيبة جلدية كبيرة مملوءة بالتمر الممتاز، وقربة ماء ملآها من مياه العين الجارية؛ وبعد أن فردا كل هذه المأكولات الخفيفة على الصخرة، وأردفا قائلين:" كنا على يقين أنكم لا بد أن تكونوا جوعانين وعطشانين، ولذلك جئنا ومعنا الزاد"، ودعونا مرة ثانية الى الجلوس وتناول الطعام.
كنا جوعانين وظمآنين بالفعل؛ أما التمر فكان من الجوف، أحسن أنواع التمور التي تأتي من شمالي الجزيرة العربية، وكان الماء عذباً، بارداً وصافياً، وليست عليه أي ملاحظات من قبيل الملاحظات التي على آبار كل من مجوع "MAGOWA" والأويسيط، وترتب على ذلك أن وجدنا أن ليس من الضروري أن يلح علينا أصدقاؤنا الجدد، ويكررون دعوتهم لنا إلى الطعام، وجلسنا على الفور نتمتع بالخير الذي مَثُلَ أمامنا، وتركنا المستقبل بكل همومه للعناية الإلهية ولمجريات الأحداث، ورحت أنا، في الوقت ذاته أدرس بدقة مظهر أولئك الذين أحسنوا إلينا.
كان أكبرهما رجل يبلغ من العمر حوالي أربعين عاماً، طويل، قوي البنية، داكن البشرة، وتوحي ملامحه بعدم الثقة، في الوقت الذي تكشف فيه عن كثير من الذكاء ومزيد من التعالي المعتاد، كان الرجل يرتدي لباساً عربياً أنيقاً، فقد كان يرتدي صُدرة من القماش الأحمر، لها كُمَّان طويلان يتدليان فوق قميصه الأبيض الطويل، ويضع فوق رأسه منديل (غتره) من الحرير المقلم بالأحمر والأصفر، في حين يعلق على جنبه سيفاً مقبضه من الفضة، وقصارى القول، إن مظهر ذلك الرجل كان يوحي بأنه كان شخصية ثرية ومهمة، كان اسم هذا الرجل غافل الحابوب رئيس وأهم وأعنف عائلات الجوف، بيت حابوب، الذين لم يعودوا بعد حكاماً للمدينة، وإنما هم الآن، مثل بقية إخوانهم المواطنين، مجرد رعايا متواضعين من رعايا حمود، نائب طلال بن الرشيد، أمير جبل شومر.
أما رفيقه، واسمه ضافي، فقد كان يصغره سناً، نحيف البنية، ولكن لباسه لم يكن من مستوى غافل، برغم إنه كان يحمل، مثل غافل تماماً، السيف ذي المقبض الفضي الذي يشيع حمله في الجزيرة العربية بين رجال الحسب والنسب ومن يشغلون المناصب المهمة، كان لقب ضافي أيضاً حابوب، ولكن ملامحه كانت توحي بالاعتدال، وشخصيته أكثر انبساطاً عن شخصية ارئيس، ابن عمه من الدرجة الرابعة.
وبعد أن انتهينا من وجبتنا، أمضينا بعضاً من الوقت في طرح الأسئلة والإجابة عليها، ونظراً لأنهم كانوا أبلغونا بأن الحاكم حمود يسكن في مدينة الجوف نفسها، اقترحنا على غافل أنه كان من الأفضل والأنسب لنا أن نقوم بزيارة هذه الشخصية المهمة والسلام عليها فور دخولنا، ولكن الرئيس كان لديه مجموعة من الأسباب، سيقف عليها فور دخولنا، ولكن الرئيس كان لديه مجموعة من الأسباب، سيقف عليها القارئ فيما بعد تمنع قيامنا بزيارة الحاكم فور دخولنا، وبناء على ذلك، أجابنا غافل بأننا ضيوفه هو شخصياً، وبالتالي فإنه هو نفسه له حق استقبالنا أول مرة؛ أما فيما يتعلق بحمود فسوف نزوره في فترة لاحقة، وبرفقة غافل شخصياً، كما أبلغنا أيضاً أن الزيارات التي من هذا القبيل تتم بعد يوم أو يومين، وأنه في ذات الوقت يعد ضماناً كافياً لشعور الحاكم الودي تجاههم.
وهنا تدخَّل ضافي وطلب أن نحل ضيوفاً عليه، قائلاً إن منزله أقرب من منزل غافل؛ كما قال أيضاً: إنه حضر شخصياً لاستقبالنا؛ وبالتالي يصبح من حقه، مثل غافل، أن نحل عليه ضيوفاً، وعلى كل حال، كان لا بد له من التنازل لمن يكبره مقاماً من أهله. ثم ركبنا دوابنا جميعاً وواصلنا مسيرنا ببطء، وعندما أوشكنا على الوصول الى المستوى المنخفض من الوادي، وبدأنا نسير فعلاً بين ظلال بيارات النخيل الكثيفة، وقدم ضافي اعتذاره عن سماحه لنا بتجاوز منزله دون أن يشارك في تقديم واجب الضيافة لنا؛ وبعد أن وجه لنا الدعوة، تمنى علينا أن تلبيها في أقرب وقت، ثم انتحى جانباً بين جدران الحديقة العالية قاصداً منزله، الذي سنتركه فيه مرحلياً، ولكنه عندما فاقنا كان وجهه يحمل نظرة ذات معنى، بالنسبة لغافل أولاً، وبالنسبة لنا ثانياً، ولم نفهم مغزاها تماماً بعد.
وواصلنا مسيرنا بصحبة مضيفنا الجديد، الذي واصل ترحيبه بنا على امتداد الطريق بكامله، وراح يعبر عن استعداده لتلبية أية خدمة تخطر ببالنا وبعد أن ابتعدنا قليلاً عن تلة القلعة والبرج اللذين كانا على يميننا، ومضينا نقطع بيارات النخيل واحدة إثر الأخرى، إلى أن دخلنا من خلال بوابة عالية إلى مجموعة من المنازل أقيمت من حول مكان واسع فسيح، كانت تتناثر فيه مصاطب بُنيت من الطين والحجر بجوار الجدران هنا وهناك، مكونة بذلك حجرة انتظار الزوار الذين لم يتم بعد استقبالهم في فناء المنزل الداخلي، مما يوحي بأهمية المنزل وبالتالي أهمية صاحبه.
وتجاوزنا مدخلاً ثانياً فوجدنا أنفسنا في فناء صغير كانت المباني السكنية تشكل ثلاثة جوانب من جوانبه؛ ولكن الجانب الرابع كان اطبلاً للخيول والجمال، ومن أمام هذا المدخل كان هناك جدار عال، به عدة نوافذ صغيرة مثقوبة في الجدار(لأن المناخ لا يتطلب زجاجاً في هذه الأماكن الحارة) تحت السقف مباشرة، علاوة على باب كبير في منتصف الجدار، هذا الباب باب القهوة- الجهوه- كما يسمونها، إن شئت فقل حجرة الاستقبال؛ وطالما أن السيدات لا يستعملن هذه الغرفة، فلن يكون من المناسب أن أطلق عليها اسم قاعة الاستقبال، ووصف واحدة من تلك القهاوى، (الجهاوى)، مع قليل من التعديلات الطفيفة، يصلح أن يطبق على بقية القهاوى (الجهاوى) في الجزيرة العربية كلها؛ والقهوة ملمح أساسي لا غنى عنه في كل البيوت المحترمة في كل أنحاء شبه الجزيرة العربية من أقصاها الى أقصاها، ولا تتباين تلك القهاوى (الجهاوى) تبايناً كبيراً، اللهم إلاّ من حيث الكبر أو الصغر أو التأثيث الجيد، أو غير الجيد، وذلك في ضوء ظروف صاحبها ولهذا السبب فأنا استأذنكم أن تسمحوا لي بالدخول في بعض التفاصيل الصغيرة التي شاهدتها في منزل غافل؛ والذي يمكن أن تعتبره مثالاً لآلف المنازل الأخرى.
كانت قهوة غافل عبارة عن صالة بيضوية كبيرة، يصل ارتفاعها الى عشرين قدماً، وطولها خمسون قدماً، وعرضها حوالي ستة عشر قدماً تقريباً؛ وكانت جدران الغرفة مطلية بألوان سمجة هي البني والأبيض، وكانت تتخلل جدرانها تجاويف مثلثة الشكل، خصصت لاستقبال الكتب برغم أنها لم تكن تتوفر لغافل هي والمصابيح، والأشياء الأخرى التي من هذا القبيل، وسقف القهوة مسطح ومصنوع من الخشب، أما أرضية القهوة فكانت مفروشة بالرمل الناعم النظيف، ومزينة بطول جوانب الجدران، بقطع طويلة من السجاد، وضعت من فوقه، على بعد مسافات متساوية مساند مكسوة بالحرير، وفي المنازل الفقيرة يقوم الكليم المصنوع من اللباد مقام السجاد، وفي أقصى أطراف القهوة، وبالتحديد في الطرف البعيد عن الباب، يوجد وجار صغير، أو إن أردت الدقة موقد القهوة الذي تكون من كتلة كبيرة مربعة من صخور الجرانيت، أو من أي نوع آخر من أحجار يبغ طول ضلعها حوالي عشرين بوصة؛ ويوجد بهذه الكتلة تجويف على شكل مدخنة مفتوح من الأعلى، ويتصل من الأسفل بأنبوب افقي صغير، أو إن شئت فقل فتحه على شكل أنبوب، يمر من خلالها الهواء، الذي يدفع خلالها بواسطة منفاخ، يصل الى فحم الخشب المكوَّم على مِنْصَبْ مُقَضَّب في منتصف المدخنة من الداخل، وبهذه الطريقة يمكن الوصول بالوقود المشتعل إلى درجة الابيضاض خلال وقت قصير جداً، وبالتالي يمكن الوصول بالماء الموجود داخل إناء القهوة الموضوع فوق فوهة المدخنة، إلى درجة الغليان في زمن قصير، ومنظومة فرن القهوة هذه تشيع في كل من الجوف وجبل شومر، أما في نجد نفسها وفي الأماكن البعيدة الأخرى التي زرتها في جنوبي وشرقي الجزيرة العربية فهم يستبدلون الوجار Furnace بوجار(1) (1) الوجار: بكسر الوار وفتح الجيم هو موقد صنع القهوة (المترجم) مفتوح عبارة عن تجويف في الأرض، له حاجز صخري مرتفع، وبه مكان للوقود، إلخ مثل تلك المواقد التي قد نشاهدها في أسبانيا أو في قصور مُلاَّك الغرب الإنجليز، ويرجع هذا التباين والتنوع في مواقد القهوة، في الجزيرة العربية، إلى توفر الحطب في الجنوب، والذي يتمكن السكان بفضله من إشعال النار على نطاق أكبر؛ في حين يقل الحطب في كل أنحاء الجوف وجبل شومر، ولا يتيسر للسكان هناك سوى الفحم النباتي السيئ، الذي يُجْلَبُ من مسافات بعيدة ويقتصد الناس في استعماله تماماً.
وركن القهوة هذا هو مكان التميز، الذي يبدأ منه التكريم والتشريف بدرجات متزايدة الى كل أنحاء القهوة، وهذا هو المكان الذي يجلس بالقرب منه رب البيت، أو أولئك الضيوف الذين يريد رب المنزل تكريمهم بصفة خاصة.
وعلى الحافة العريضة للوجار أو الموقع، حسب الأحوال، توجد مجموعة من دلال القهوة النحاسية التي تسترعي الأنظار، تتباين أحجامها وأشكالها، وصناعة هذه الدلال في الجوف شبيهة بتلك التي تصنع في دمشق؛ ولكن هذه الدلال في نجد وفي المناطق الشرقية تختلف من حيث الشكل والنقوش التي تزينها، وهي طويلة ونحيلة، وعليها عديد من دوائر الزينة والمصبوبات البارزة الجميلة، إضافة الى البزابيز الطويلة التي تشبه مناقير الطيور وأغطيتها التي تشبه الأبراج، وعدد تلك الدلال كبير بشكل يستثير الضحك، فقد شاهدت ذات مرة اثني عشرة دلة في صف واحد بالقرب من وجار تلك الوجارات، برغم أن تسوية القهوة لا تتطلب سوى ثلاث فقط من تلك الدلال، على أكثر تقدير، أما هنا في منطقة الجوف، فإن خمسًا أو ست من تلك الدلال هو العرف الجاري؛ ولكن في الجنوب، يتضاعف هذه العدد؛ وكل ذلك فإيحاء بجود وسخاء مالك هذه الدِّلال، عن طريق الإيحاء بكثرة الزائرين والمقدار الكبير من القهوة الذي ينفقه في إكرامهم.
وفي منازل الأثرياء على أقل تقدير، يجلس من خلف ذلك الموقع عبد أسود، ينادونه باسمه مصغراً، إشارة الى الألفة والمودة: وهو عند غافل اسمه سويليم، أي تصغير سالم، ووظيفته تسوية القهوة وصبها: وفي الأسر التي لا يكون لها عبيد، يقوم رب البيت بنفسه، أو أحد من أبنائه، بواجب الضيافة؛ وهو عمل متعب، كما سنرى فيما بعد.
وسوف أتكلم عن العبيد وعن أحوالهم في وسط الجزيرة العربية، عندما نصل المناطق الوسطى التي يوجد العبيد فيها بأعداد أكبر من الجوف.
وندخل، وعند الدخول يفضل أن نبدأ باسم الله، وعدم البدء باسم الله يعد فألاً سيئاً بالنسبة للداخل والموجودين في المنزل على حد سواء، ويتقدم الزائر في صمت، الى أن يصل الى منتصف القهوة، ويحييِّ جميع الحاضرين بينما ينظر الى رب البيت بصفة خاصة، ويقول: " السلام عليكم"، وفي هذه الأثناء يثبُتُ كل من في القهوة بلا حراك، ودون أن ينطق بكلمة واحدة، ولكن رب المنزل بعد أن يتلقى السلام بالطريقة المعتادة، ينهض واقفاً، وإن كان وهابياً متشدداً، أو يود أو يبدو كذلك، فإنه يرد السلام رداً مطولاً قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، أما إذا كانت لدى رب البيت ميول غير وهابية فإنه يرد قائلاً:" مرحباً "، أو "أهلاً وسهلاً أو أي شيء آخر من هذا القبيل؛ إذ يوجد عدد لا يحصى ولا يعد من هذه العبارات، ويحذو بقية الحاضرين حذو رب المنزل وينهضون واقفين ويسلمون، وهنا يتجه الضيف صوب رب المنزل، الذي يكون بدوره قد تقدم خطوة أو خطوتين إلى الأمام ويمد يده إلى ضيفه، لكن بدون أن يقبض عليها أو يصافحها، وتمر المسألة مروراً شكلياً، ويكرر كل واحد من الحاضرين التحية مصحوبة ببعض العبارات المهذبة التي من قبيل : "كيف حالك؟" " إيش إخبار الدنيا معاك؟ " إلخ هذه العبارات، وتكون كل عبارة من هذه العبارات مصحوبة بنغمة تعبر عن الاهتمام، وتتكرر هذه العبارات ما يزيد على أربع مرات إلى أن يقول أحدهما: " الحمدلله"، وهذه إشارة الى التحول إلى الأسئلة الاحتفائية.
ثم يجلس الضيف، بعد مباراة قصيرة في أدب الضيافة، في المكان المخصص له بالقرب من "وجار" القهوة، بعد أن يحيي العبد الأسود، معتذراً، الذي يجلس بجانب الموقد، ويحيي جاره الذي يجلي على الجانب الآخر، يضاف الى ذلك أن أفضل مسند وأجدد سجادة تخصص للضيف، أما عن الأحذية والصنادل (النِّعال)، والصنف الأخير فقط هو المستعمل في الجزيرة العربية، فيخلعها الضيوف ويتركونها على الرمل، قبل أن يجلسوا على السجادة، وتبقى الأحذية والصنادل على الرمل بالقرب من الضيوف، أما المشعاب أو العصا، الرفيق الذي لا يفارق العربي الأصيل، سواء أكان بدوياً أم حضرياً، غنياً أم فقيراً، ماجداً أو بسيطاً، فيظل العربي ممسكاً به في يده، ويستخدمه في التلاعب به خلال فترات الصمت التي تتخلل الحديث، شأنه في ذلك شأن المروحة التي كانت جداتنا تستعملنها أيام الهزيمة.

وليم جيفور بالجريف
الاحد 26 أكتوبر 2008