نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


بثينة خضر مكي .. صوت القصة و الرواية النسوية في السودان




الكاتبة السودانية بثينة خضر مكي ، حائزة على وسام العلم والآداب والفنون الذهبي، وجائزة الشهيد الزبير للابداع والتميز العلمي، معلمة، صاحبة نشاط اداري وثقافي ، عضو اتحاد الكتاب العرب، اول رئيس لرابطة الادبيات السودانيات، واول سودانية تعمل في مجال الطباعة والنشر، و هي ايضا أول برلمانية في السودان ، قدمت العديد من المؤلفات، تتراوح بين القصة نجد لديها أربع مجموعات "النخلة والمغني" و"أشباح المدن" و"أطياف الحزن" و"أهزوجة المكان" والرواية "أغنية النار" و"صهيل النهر" و"حجول من شوك" و"غطاء الصمت" و غيرها من الدراسات و كتب الاطفال "فتاة القرية"


بثينة خضر مكي .. صوت القصة و الرواية النسوية في السودان
من أقاصيص بثينة خضر مكي ، هذة القصة التي تتقمص الخادمة في مواجهة تعسف مخدومة ثرية :

فتات الحلوى
ظلت الصغيرة تبكي طوال الليل ، وعائشة تحاول عبثا إسكاتها ، حاولت أن تلقمها ثديا هزيلا عاجزا عن الإمتلاء لكنها ظلت تبكي بشدة ، دثرتها بالاغطية الصوفية الممزقة الأطراف التي منحتها لها ، مخدومتها دون جدوى ، حمى خفيفة بدأت تسري في جسد الطفلة الناحل وبالتالي في جسد الأم التي إحتضنتها بشدة لسبب أو لآخر تململت الصغيرة الأخرى التي كانت تنا م عند رجليها في تلك اللحظة ودون أن تغير من وضعها المتقوقع في توتر حول إبنتها المريضة ،
مدت ساقها اليمنى وأخذت تربت بها فوق جسد الأخرى التي تململت ، من الغريب أنها هدأت وسكتت وعادت إلى النوم فربما ظنت ان مايربت عليها وهي نصف ، نائمة هو ساعد الأم وربما رائحتها التي إستنشقتها من بشرة الساق التي إمتدت إليها في صمت هي التي أعادتها إلى النون ثانية .
أشرقت شمس الصباح وعائشة نصف نائمة ونصف مستيقظة ، تعالت أصوات العصافير من شجرة المانجو الوارفة وأشجار الليمون والجوافة التي تظلل الفناء الخارجي حيث تنام نع إبنها ، بينما في الناحية الأخرى من الفناء ينام السائق والخادم الذان يعملان معها في خدمة الأسرة ، فتحت عينيها على إتساعهما وهي تسمع صفق نافذة تفتح في الطابق العلوي يتسرب منها صوت سيدة المنزل تنادي باسمها في صوت ناعس لكنه عالي النبرة : عائشة ألا تزالين نائمة ؟ لست نائمة سوف أحضر حالا
تحسست إبنتها تمتمت في سرها "الحمد لله ليس بها داء"
غطت الأخرى جيدا بملاءة الصوف الحائل اللون ثم نهضت نحو السرير المقارب لسريرها
حنان .... حنان
كانت تناديها بصوت منخفض ، قامت حنان مسرعة وفي عينيها بقية من حلم تمنت لو إستطاعت إكماله ، فقد كانت تحلم بإ مها البعيدة التي تركتها وجاءت لتعمل في خدمة الصغيرتين ورعايتهما عندما تكون أمها في خدمة أصحاب المنزل ، إستدارت حنان ، ووقفت بحركة تلقائية تقوم بها كل يوم ,
في الصباح عندما توقظها عائشة عند حافة السرير الذي كانت تنام عليه ، ووقفت عائشة في الجانب المقابل ، معا حملتا السرير وألصقتاه بالسرير المقابل الذي تنام عليه البنتان حتى يكون حاجزا للبنت الصغيرة يحميها من السقوط في حالة نوم حنان ، هي أيضا صغيرة ، على وشك تجاوز السابعة من عمرها وربما يغلب عليها النوم عندما تذهب عائشة لعملها في الطابق العلوي ، عائشة .... أين أنت ؟ أصبحت كسولة هذه الأيام .
سوف أحضر حالا.. إبنتي مريضة
لم ترد السيدة عليها ، ولم تعلق على الجملة الأخيرة ، ولكنها أغلقت النافذة بعنف ، أخذت عائشة تجمع اللأواني التي كانت تتناثر حولها والتي أحضرت فيها العشاء للصغيرات من داخل المنزل
كانت تخطو نحو المنزل ، تتعثر في درجات السلم المتعددة ، جاء الصوت مناديا ، مغضبا تشوبه بعض الحدة وهي تبرطم في سرها "هؤلاء القوم لايهمهم مرض إبنتي في شيء، يريدونني ، أن أتفرغ كليا لخدمتهم هم فقط" قامت بغسل الكواب والصحون التي تكدست في الحوض المخصص لغسل الأواني "لماذا لا تغسل هؤلاء الفتيات الكسولات هذه الاكواب ..هؤلاء الفتيات الكسولات هذه الأواني بعد تناولهما هذا العشاء الدسم ؟ إنهن تكبرانها في العمر إحداهما موظفة والأخرى تدرس بالجامعة ولكنهما لا تستطيعان خدمة نفسيهما ، تخرجان في الصباح وترجعان للمنزل في الساعة الثالثة مثلهما مثل الرجال تتغديان ثم تخلدان للنوم ، تتفنن السيدة في عمل الحلوى الفطائر والساندوتشات الدسمة التي يتم تقديمها أثناء مشاهدة برامج التلفزيون وقنواته الفضائية المختلفة التي تدهشها كثيرا في اللحظات المختلسة القصيرة التي تشاهدها فيها فمنذ الساعة الخامسة وإلى أن يقارب الليل نصفه يتكرر البرنامج اليومي الشاق الذي يثقل وقعه على عائشة وجسدها أيضا ، فقد كانت تقوم طوال هذه الفترة بتقديم الشاي وأطباق الحلوى والشطائر الدسمة لأصحاب المنزل وزوارهم وأصدقائهم ، جمعت كسرات الساندوتشات ، وأخذت تلملم بقايا الشطائر والحلوى في حرص وتضعها في صحن نظيف وهي تتمتم في شبه إعتذار ساخط بينما السيدة ترقبها في ضيق تبدى جليا في ملامح وجهها ، سوف آخذ هذه الفتافيت للبنات ، عندما خرجت السيدة من المطبخ مدت يدها خلسة إلى قطعة شهية من التورتة ، وضعتها في الصحن بعد أن كسرتها إلى ثلاث قطع حتى يبدو شكلها وكأنه بقتة مأكل.
قامت عائشة بإعداد الحليب والشاي وتجهيز الفطائر، وساندوتشات الإفطار ثم حملت الصينية الممتلئة إلى طاولة الطعام في الصالة حيث يقوم أفراد الأسرة تباعا بتناول الإفطار قبل خروجهم إلى أعمالهم ، عند عودتها إلى المطبخ قامت بصب الشاي المتبقي فيالإبريق في الكاسات المخصصة لشربها هي وصغيراتها ، لكنها وضعت قدرا أكبر من الحليب والسكر في الكوب المخصص لإ بنتها الصغيرة ، دخلت السيدة فجأة ولمحت ما تقوم بعمله قالت في شبه تذمر
لحليب أصبح غاليا هذه الأيام ، لاتأخذي كثيرا ربما يأتي ضيوف اليوم
ردت في إعتذار وكأنها تلعنها في سرها :
هذا الحليب أخذته من الثلاجة ، هو باق من الأمس وليس حق اليوم
ـــ إن إبنتك صغيرة ومعدتها لاتتحمل كثرة السكر ولا كثرة الحليب البارد الدسم ، أنت تجلبين لها الضرربهذه الطريقة.
سحقا لهذه السيدة كيف يكون الحليب والسكر ضارين بالمعدة ؟ لابد أنهما سيكونان غذاء نافعا لبنتها ، يقويها من هذا الضعف الذي يلازمها منذ ولادتها ويتركها عرضة لأمراض غيرالفهومة ، حملت الكاسات الممتلئة في صمت وخرجت ، كانت الصغيرتان تغطان في النوم ، لكن حنان مستيقظة أخذت منها كأس الشاي بالحليب في لهفة وتلقفت معه بعض فتات الحلوى ، إزدردتها في لذة متعجلة ثم أخذت ترمق بعين جائعة ما تبقى في الصحن من بقايا الساندوتشات والتورتة ، لكن عائشة تجاهلتها وأخذت تنظر نحو بنتيها النائمتين في حسرة ، لابد من إيقاظهما الآن لشرب الشاي فالسيدة لن تسمح لهل بالعودة إليهما ثانية قبل أن تقوم بتنظيف غرف المنزل والحمامات الداخلية الملحقة بها ، وإن تباطأت أو حضرت خلسة لتطمئن على البنات ، فربما غضبت عليها ، وإن غضبت عليها فسوف تطردها من الخدمة وسوف يمر عليها زمن طويل تطرق الأبواب بحثا عن عمل ، فلا أحد يريد خادمة تجرجر في أذيالها ثلاث صغيرات لهن أفواه جائعة تطالب بالطعام والحليب والسكر والخبز ، لاسبيل إلى ذلك والحكومة المحلية تزيد في الأسعار كل يوم حتى أصبح الرغيف حلما وشراب الشاي بالحليب والسكر وعدا بالهناء لمن كن فيمثل ظروفها ، حمدا لله إنها الآن تحظى بكل هذه الأشياء مجانا ولها راتب يبلغ ثلاثون جنيها ترسل نصفها إلى زوجها الذي بقي في في بلدتهم الصغيرة يزرع السمسم والفول كما أن لها غرفة خاصة تؤيها هي وبناتها في هذا المنزل الشاسع الضخم إنهن في مأمن من الرياح الترابية والعاصفة والأمطار الشرسة .
انها تذكر الآن بكتير من الحقد إن مخدومتها السابقة رفضت إيوائها هي وبناتها واتفقت معها
على أن تعمل صباحا في المنزل وتغادره عند السادسة مساء كل يوم فاضطرت أن تقاسم أخاها الذي يعمل حدادا في أطراف المديمة غرفته التي إستأجرها بمبلغ زهيد لكنه يأكل نصف راتبه قبلها على مضض فوجودها معه يجعله مضطرا إلى المشاركة احيانا في مصاريف إعاشة البنات ، كان شكل الغرفة البنية من قوالب الطين الأخضر ، غير المتناسقة ، بائسة الشكل بالمقارنة مع الغرفة التي تسكن فيها الآن ، لكنها لم تكن تحس ببشاعتها في ذلك الوقت لأن تلك الغرفة كانت أجمل من الغرفة التي كانت تسكن فيها مع زوجها في بلدتها الصغيرة ، والحياة البائسة في طرف المدينة تبدو في نظرها أجمل وأكثر رفاهية من الحياة البائسة في القرية ، إنها على الأقل لن تكون على القيام مع إطلالة الشمس بجلب الماء من الحفير وحمله على كتفها مسافة طويلة حتى مكان سكنها ، ولن تكون مرغمة على جمع أعواد الحطب اليابسة والأغصان المتكسرة لإيقاد النار ولابذل المحاولات المستميتة المستمرة لايقاد النار مشتعلة فأعواد الكبريت شحيحة وغالية الثمن في قريتها ، كانت تقوم بتحريك قطعة مستطيلة من الكرتون يمينا ويسارا وتقوم بالنفخ بفمها أحينا لتنقي الجمرات متقدة ولا تضطر لإستخدام عود ثقاب آخر قد يكون الأخير ما كان يعيب غرفة أخيها هو سقفها ، فقد كان السقف كالغربال تماما، طاردتها ذكريات الليلة السابقة لمجيئها لمنزل مخدومتها الحالية ، وألحت عليها الصور والتداعيات ، كان المطرعنيفا ، ظل ينهمر في قسوة من خلال السقف في شراسة ضارية ، فابتلت ملابسهم وأجسادهم، البنات يرتعشن من البرد ، والصغيرة ترتعش من الحمى وهي تبكي وتصرخ في رعب هيستيري وعائشة تكثر من الدعاء وطلب الرحمة والمغفرة والدموع تغرق وجهها وتختلط بمياه الأمطار بينما أخيها يرقبها في صمت تارة ، وينفجر فيها موبخا تارة أخرى مهددا بإ رجاعها هي وبناتها الى القرية إذا كانت لاتستطيع الصبر على الشدائد في الغربة ، في صباح تلك الليلة أخذت إبنتها إلى المستشفى وقد إستبد بها السعال والحمى ، عادت بها إلى المنزل سقتها من الدواء الذي إشترته بآخر ما تبقى معها من مال ، دثرتها جيدا ، وأوصت حنان بها خيرا ، وخرجت تبحث عن عمل آخر ، طرقت أبواب كثيرة لم تكن تبحث عن الراتب الضخم بقدر ما كانت تبحث عن مكان يأويها هي وبناتها ، بعد أن إستطاعت إقناع إحدى السيدات باستخدامها ، قالت في تردد : سوف أحضر معي إبنتاي وبنتا صغيرة أخرى تقوم بالاشراف عليهن أثناء خدمتي بالمنزل .
ثلاث بنات ؟ رددت السيدة ذلك بدهشة .
لن يضيرك من وجودهن شيء ، تقولين انني سأسكن في الغرفة الخارجية المستخدمة لكي الملابس .
وأكلهن وشربهن ؟! رغيف وسكر وحليب وصابون ، لا....لن أستطيع أن أوفي بكل هذا في هذا الزمان الصعب كادت أن تيأس وتعود أدراجها ، لكنها وجدت هذه السيدة الرحيمة التي رضيت بايوائها هي وبناتها .
عائشة ... هل سأظل أنادي عليك هكذا طيلة
ساعات الصباح ؟ ماذا تفعلين كل هذا الوقت ؟
إنتفضت في جزع وهي تقول
حاضر سوف أحضر حالا
إستحثت إبنتها الكبرى على شرب الشاي ، أطعمت إبنتها الصغرى بعض فتات الحلوى بعد أن بللتها بالحليب ، وضعتها على السرير بعد أن سقتها كوب الحليب بالسكر كاملا ، دثرتهاجيدا وأوصت حنان عليها كثيرا طبعت قبلة حانية على جبينها وهي ترقب جسدها الهزيل الشاحب وتقارنه في سرها بأجساد أطفال الزوار الذين تقوم على خدمتهم ويماثلون إبنتها في العمر ، كانوا ممتلئين صحة وعافية ، ونشاطا طفوليا مزعجا .
عائشة ؟
أ سرعت تركض نحو المنزل في رعب حقيقي من عاقبة ما سيحدث لها نتيجة تلكؤها واستغراقها في تأملاتها الخائبة .....

بثينة خضر مكي
الجمعة 24 أبريل 2009