نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


بلينكن : “قوة وهدف الدبلوماسية الأميركية في عصر جديد”




ألقى وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن خطابا في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز شرح فيه باسهاب الدبلوماسية الاميركية في عصرها الجديد واستشهد بمستشار الامن القومي الاميركي السابق بريجنسكي الذي وضع الاكاديميين والعلماء في مرتبة متقدمة بين صناع الدبلوماسية وفي ما يلي النص الكامل للخطاب


وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن - انتر نت
وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن - انتر نت
 
الوزير بلينكن: حضرة العميد شتاينبرغ، جيم، شكرا لكما على شرف الانضمام إلى مجتمع كلية الدراسات الدولية المتقدمة للمساعدة في افتتاح هذا المنزل الجديد الرائع حقا.

لقد ساهم جيم كثيرا خلال حياته المهنية الرائعة، لكن مساهمته الأكثر ديمومة هي جيل المفكرين، جيل الفاعلين الذين علمهم، وقام بتوجيههم وإلهامهم. بمن في ذلك أنا.

كما اعتقد الدكتور بريجنسكي أن إحدى مساهماته الأكثر ديمومة في الشؤون الدولية كانت تشكيل العلماء والممارسين الصاعدين في أميركا – بمن في ذلك الرئيس كارتر، الذي وصف نفسه بأنه “تلميذ متحمس” لزبيغ. وإيان ومارك وميكا – وجميعهم سعوا جاهدين لتقريبنا مما أسماه زبيغ الانصهار العملي للقوة الأميركية مع المبدأ الأميركي.

لذلك قبل ثمانين عاما، عندما اجتمع بول نيتز مع عضو الكونغرس آنذاك كريس هيرتر لإنشاء هذه المؤسسة، شرعا في إيجاد مكان يكون مقرا لها.

فتوصلا إلى قرار باستخدام قصر متهالك في شارع فلوريدا – (ضحك) – كان في يوم من الأيام مكانا لمدرسة للبنات. وكان ملعب كرة سلة قديم بمثابة أول مكتبة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة. وكما ذكر جيم، كانت لديّ خبرة في العمل في المقر الأصلي لكلية الدراسات الدولية المتقدمة – وأيضا حظيتُ بالشرف العظيم والمميز لشغل المكتب الذي كان يعمل منه بول نيتز ذات يوم.

ولكن كما عرف كل من نيتز وهيرتر، فإن المباني – من الأكثر تواضعا إلى الأعظم – هي مجرد مبان. إن الأشخاص هم الذين يبثون فيها الأفكار والغايات.

في ذلك الوقت، كان العالم يحاول تجاوز ويلات الحرب العالمية الثانية. كان النظام القديم في حالة خراب، وكان نيتز وهيرتر يؤمنان بأن هذه المؤسسة يجب أن تلعب دورا أساسيا في بناء نظام جديد. وقد حقق خريجو كلية الدراسات الدولية الدولية هذا الوعد منذ ذلك الحين.

والآن نجد أنفسنا في لحظة مفصلية أخرى في التاريخ، نتصارع مع السؤال الأساسي للاستراتيجية، كما عرفها نيتز: “كيف نصل من حيث نحن إلى حيث نريد أن نكون، دون أن نصطدم بكارثة على طول الطريق؟”.

اليوم، ما أريد القيام به هو تحديد إجابة إدارة بايدن على هذا السؤال العميق والحيوي.

لذلك دعونا نبدأ بالمكان الذي نحن فيه.

إن المشهد الدولي الذي تدرسونه جميعا يختلف اختلافا عميقا عن المشهد الذي واجهتُه عندما بدأتُ العمل في الحكومة منذ 30 عاما إلى جانب السيد شتاينبرغ.

لقد جلبت نهاية الحرب الباردة معها وعدا بمسيرة لا هوادة فيها نحو مزيد من السلام والاستقرار، والتعاون الدولي، والترابط الاقتصادي، والتحرر السياسي، وحقوق الإنسان.

وبالفعل، بشرت حقبة ما بعد الحرب الباردة بتقدم ملحوظ. إذ انتُشل أكثر من مليار شخص من الفقر. وانخفضت الصراعات بين الدول إلى مستويات تاريخية. وتضاءلت الأمراض الفتاكة – بل تم القضاء عليها.

الآن، لم يستفد الجميع بالتساوي من المكاسب غير العادية لهذه الفترة. وكانت هناك تحديات خطيرة للنظام – الحروب في يوغوسلافيا السابقة؛ الإبادة الجماعية في رواندا؛ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وحرب العراق؛ الأزمة المالية العالمية لعام 2008؛ سوريا؛ جائحة كوفيد – على سبيل المثال لا الحصر.

لكن ما نشهده الآن هو أكثر من مجرد اختبار لنظام ما بعد الحرب الباردة. إنها نهايته.

هذا لم يحدث بين عشية وضحاها. وما أوصلنا إلى هذه اللحظة سيكون موضوع دراسة ونقاش لعقود قادمة. ولكن هناك اعترافا متزايدا بأن العديد من الافتراضات الأساسية التي شكلت نهجنا في التعامل مع حقبة ما بعد الحرب الباردة لم تعد قائمة.

لقد أفسحت عقود من الاستقرار الجيوسياسي النسبي المجال لمنافسة محتدمة مع القوى الاستبدادية والقوى الرجعية. إن الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا هي التهديد الأكثر إلحاحا والأكثر حدة للنظام الدولي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه الأساسية المتمثلة في السيادة والسلامة الإقليمية واستقلال الدول وحقوق الإنسان العالمية غير القابلة للتجزئة للأفراد.

وفي الوقت نفسه، تشكل جمهورية الصين الشعبية التحدي الأكثر أهمية على المدى الطويل لأنها لا تطمح فقط إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، بل لديها بشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك.

وبكين وموسكو تعملان معا لجعل العالم آمنا للاستبداد من خلال “شراكة بلا حدود” قائمة بينهما.

مع تصاعد هذه المنافسة، تقوم العديد من البلدان بالتحوط من رهاناتها. إن نفوذ الجهات الفاعلة غير الحكومية آخذ في الازدياد – من الشركات التي تنافس مواردها موارد الحكومات الوطنية؛ إلى المنظمات غير الحكومية التي تقدم الخدمات لمئات الملايين من الناس؛ إلى الإرهابيين الذين لديهم القدرة على إلحاق أضرار كارثية؛ إلى المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية التي تتاجر بالمخدرات والأسلحة والبشر بصورة غير مشروعة.

وأصبح التعاون الدولي أكثر تعقيدا. ليس فقط بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، ولكن أيضا بسبب الحجم الهائل للمشاكل العالمية مثل أزمة المناخ وانعدام الأمن الغذائي والهجرة الجماعية والنزوح. فالبلدان والمواطنون يفقدون الثقة في النظام الاقتصادي الدولي، وتهتز ثقتهم بسبب العيوب النظامية:

عدد من الحكومات استخدمت إعانات تقوض القواعد، وملكية فكرية مسروقة، وممارسات أخرى تشوه السوق للحصول على ميزة غير عادلة في القطاعات الرئيسية.

التكنولوجيا والعولمة التي أفرغت وشردت صناعات بأكملها، والسياسات التي فشلت في القيام بما يكفي لمساعدة العمال والمجتمعات التي تركت متخلفة عن الركب.

وعدم المساواة التي ارتفعت بشكل كبير. فخلال الفترة الممتدة بين عامي 1980 و2020، جمع أغنى 0.1 في المئة الثروة نفسها التي جمعها أفقر 50 في المئة.

وكلما طال أمد هذه التفاوتات، زاد انعدام الثقة وخيبة الأمل في نفوس الناس الذين يشعرون أن النظام لا يمنحهم حصة عادلة، وزادت من تفاقم الدوافع الأخرى للاستقطاب السياسي، والتي تضخمها الحسابات التي تعزز تحيزاتنا بدلا من السماح لأفضل الأفكار بالارتقاء إلى القمة.

المزيد من الديمقراطيات تحت التهديد. إذ إنها تواجه تحديا من الداخل من قِبل القادة المنتخبين الذين يستغلون الاستياء ويؤججون المخاوف؛ ويعملون على تآكل الهيئات القضائية المستقلة ووسائل الإعلام؛ وعلى إثراء المقربين؛ وقمع المجتمع المدني والمعارضة السياسية. وتواجه تحديا من الخارج، من قِبل المستبدين الذين ينشرون المعلومات المضللة، والذين يستخدمون الفساد كسلاح، والذين يتدخلون في الانتخابات.

إن أيًا من هذه التطورات كان وحده ليشكل تحديا خطيرا لنظام ما بعد الحرب الباردة. ولكنها كلها معا، قلبتها وأثرت فيها بشدة.

لذلك نجد أنفسنا عند ما يسميه الرئيس بايدن نقطة انعطاف. حقبة واحدة تنتهي، وحقبة جديدة تبدأ، والقرارات التي نتخذها الآن ستشكل المستقبل لعقود قادمة.

إن الولايات المتحدة تقود في هذه الفترة المحورية من موقع قوة. قوة ترتكز على كل من تواضعنا وثقتنا.

التواضع لأننا نواجه تحديات لا يمكن لبلد واحد معالجتها بمفرده. لأننا نعلم أنه سيتعين علينا كسب ثقة عدد من البلدان والمواطنين الذين فشل النظام القديم في الوفاء بالعديد من وعوده. لأننا ندرك أن القيادة تبدأ بالاستماع وفهم المشاكل المشتركة من منظور الآخرين، حتى نتمكن من إيجاد أرضية مشتركة. ولأننا نواجه تحديات عميقة في الداخل، والتي يجب أن نتغلب عليها إذا أردنا القيادة في الخارج.

لكن الثقة – الثقة – لأننا أثبتنا مرارا وتكرارا أنه عندما تتحد أميركا، يمكننا فعل أي شيء. لأنه لا توجد دولة على وجه الأرض لديها قدرة أكبر على تعبئة الآخرين في قضية مشتركة. لأن سعينا المستمر لتشكيل اتحاد أكثر كمالا يسمح لنا بإصلاح عيوبنا وتجديد ديمقراطيتنا من الداخل. ولأن رؤيتنا للمستقبل – عالم منفتح وحر ومزدهر وآمن – هذه الرؤية ليست رؤية أميركا وحدها، بل هي الطموح الدائم للناس في كل دولة في كل قارة.

عالم يتمتع فيه الأفراد بالحرية في حياتهم اليومية، ويمكنهم تشكيل مستقبلهم ومجتمعاتهم وبلدانهم.

عالم يمكن فيه لكل دولة أن تختار طريقها الخاص وشركائها.

عالم يمكن فيه للسلع والأفكار والأفراد التحرك بحرية وبشكل قانوني برا وبحرا وجوا وفي الفضاء السيبراني، حيث تُستخدم التكنولوجيا لتمكين الناس – وليس لتقسيمهم ومراقبتهم وقمعهم

عالم يتم فيه تعريف الاقتصاد العالمي من خلال المنافسة العادلة، والانفتاح، والشفافية، وحيث لا يقاس الازدهار فقط بحجم نمو اقتصادات البلدان، بل بعدد الأشخاص الذين يشاركون في هذا النمو.

عالم يخلق مجالا لسباق نحو بلوغ القمة مع توفر معايير العمل والبيئة، في الصحة والتعليم والبنية التحتية والتكنولوجيا والأمن والفرص.

عالم يتم فيه التمسك بالقانون الدولي والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، وتُحترم فيه حقوق الإنسان العالمية.

وسوف نعزز هذه الرؤية مسترشدين بشعور من المصلحة الذاتية المستنيرة التي ظلت تهدي القيادة الأميركية منذ فترة طويلة في أفضل حالاتها. لقد ساعدنا في بناء النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية واستثمرنا في تقدم الدول والشعوب الأخرى لأننا أدركنا أنه سيخدم مصلحة البشرية، ولكن أيضا مصلحتنا.

لقد أدركنا أنه حتى كأقوى دولة على وجه الأرض، فإن صياغة قواعد عالمية مشتركة – قبول قيود معينة – ودعم نجاح الآخرين سيجعل الشعب الأميركي في نهاية المطاف أكثر ازدهارا وسلاما وأمنا.

ولا تزال تفعل ذلك. والواقع أن مصلحة أميركا الذاتية المستنيرة في الحفاظ على هذا النظام وتعزيزه لم تكن أعظم مما كانت عليه في أي وقت مضى.

الآن، منافسونا لديهم رؤية مختلفة اختلافا جوهريا. إنهم يرون عالما تحدده حتمية واحدة: الحفاظ على النظام وإثرائه. عالم يتمتع فيه المستبدون بحرية الإجبار والسيطرة على شعوبهم وجيرانهم وعلى أي شخص آخر يقف في طريق هذا الهدف الذي يستهلك كل شيء.

يزعم منافسونا أن النظام القائم فرضه الغرب، في حين أن المعايير والقيم التي ترسخه عالمية في الطموح – ومكرسة في القانون الدولي الذي وقعوا عليه. وهم يزعمون أن ما تفعله الحكومات داخل حدودها هو شأنها، وأن حقوق الإنسان هي قيم ذاتية تختلف من مجتمع إلى آخر. وهم يعتقدون أن الدول الكبرى لها الحق في مناطق النفوذ وأن القوة والقرب يمنحانها الحق في إملاء خياراتها على الآخرين.

لا يمكن أن يكون التناقض بين هاتين الرؤيتين أكثر وضوحا. ولا يمكن أن تكون أخطار المنافسة التي نواجهها أكبر مما هي عليه – بالنسبة للعالم وللشعب الأميركي.

عندما طلب مني الرئيس بايدن أن أشغل منصب وزير الخارجية، أوضح أن وظيفتي هي أولا وقبل كل شيء تحقيق تطلعات الشعب الأميركي. وأصر على أن نجيب على سؤالين أساسيين: كيف يمكن لمشاركة أميركا في الخارج أن تجعلنا أقوى هنا في الداخل؟ وكيف يمكننا الاستفادة من تجديد أميركا في الداخل لجعلنا أقوى في العالم؟

لقد أرشدت إجاباتنا على هذه الأسئلة استراتيجية الرئيس بايدن منذ اليوم الأول.

لقد بدأنا بالاستثمار في أنفسنا في الداخل، لذا فإن الولايات المتحدة في أقوى وضع للمنافسة والقيادة في العالم. وكما يذكرنا جورج كينان: “الكثير يعتمد على صحة وحيوية مجتمعنا”. وقد قام الرئيس بايدن والكونغرس بأكبر استثمارات أميركا – عفوا – منذ أجيال في تعزيز صحتنا ونشاطنا. نحن نعمل على تحديث البنية التحتية، وتعزيز البحوث، وتعزيز الصناعات والتقنيات الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، وإعادة تجديد قاعدة التصنيع لدينا، وقيادة انتقال الطاقة العالمي.

لقد صارت سياستنا الداخلية والخارجية، أكثر من أي وقت مضى في مسيرتي المهنية، وفي حياتي، متكاملة تماما، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الذي لعب دورا رائدا في صياغة استراتيجيتنا الصناعية والابتكارية الحديثة ومواءمتها مع سياستنا الخارجية.

إن تجديدنا المحلي يعزز القيادة الأميركية في العالم كما يتم تعزيزه بها. وهنا يأتي دور قوة الدبلوماسية الأميركية وهدفها. ففي صميم استراتيجيتنا تكمن إعادة إشراك وتنشيط وتصور أعظم أصولنا الاستراتيجية: وهي تحالفات أميركا وشراكاتها

نحن نعمل بهدف وإلحاح لتعميق وتوسيع وحشد أصدقائنا بطرق جديدة حتى نتمكن من مواجهة الاختبارات الثلاثة المحددة لهذه الحقبة الناشئة: منافسة استراتيجية شرسة ودائمة؛ والتحديات العالمية التي تشكل تهديدات وجودية للحياة وسبل العيش في كل مكان؛ والحاجة الملحة إلى إعادة التوازن إلى مستقبلنا التكنولوجي ومستقبلنا الاقتصادي، وبالتالي فإن ترابطنا هو مصدر للقوة وليس الضعف.

نحن نفعل ذلك من خلال ما أحب أن أسميه هندسة المتغيرات الدبلوماسية. نبدأ بالمشكلة التي نحتاج إلى حلها ونعمل مرة أخرى من هناك – تجميع مجموعة الشركاء بالحجم المناسب والشكل المناسب لمعالجتها. نحن عازمون على تحديد المجموعة المناسبة حقا للهدف المرجو تحقيقه.

هذه التحالفات لا توجد في فراغ. إن إنشاء وتعزيز أي مجموعة واحدة يجلب القدرات التي يمكن استخدامها عبر شبكة شركاء أميركا الواسعة. وكلما زاد عدد التحالفات التي نبنيها، تمكنا من إيجاد أوجه تآزر جديدة فيما بينها – بما في ذلك بطرق ربما لم نتوقعها بالكامل. ومعا، يصبح الكل أكبر بكثير من مجموع الأجزاء.

لقد كانت الديمقراطيات الزميلة دائما أول محطة للتعاون. سيكونون دائما كذلك. لهذا السبب عقد الرئيس بايدن قمتين من أجل الديمقراطية للجمع بين قادة الديمقراطيات الكبيرة والصغيرة، الناشئة والراسخة، لمواجهة التحديات المشتركة التي نواجهها.

ولكن في بعض الأولويات، إذا ذهبنا بمفردنا، أو فقط مع أصدقائنا الديمقراطيين، فسوف نقصر في ذلك. إذ إن العديد من القضايا تتطلب مجموعة أوسع من الشركاء المحتملين، مع فائدة إضافية تتمثل في بناء علاقات أقوى مع المزيد من البلدان.

لذلك، نحن مصممون على العمل مع أي بلد – بما في ذلك أولئك الذين نختلف معهم حول القضايا المهمة – طالما أنهم يريدون تحقيق تطلعات مواطنيهم، والمساهمة في حل التحديات المشتركة، ودعم المعايير الدولية التي بنيناها معا. وهذا ينطوي على أكثر من مجرد الشراكة مع الحكومات الوطنية – ولكن أيضا الحكومات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمواطنين، وخاصة القادة الشباب.

هذا هو جوهر استراتيجيتنا للوصول من حيث نحن إلى حيث نريد أن نكون. ونحن نتابعها بأربع طرق رئيسية.

أولا، نحن نجدد ونعمق تحالفاتنا وشراكاتنا، ونقيم تحالفات وشراكات جديدة.

بالعودة إلى الوراء بضع سنوات فقط، فسوف يشكك البعض علنا في قدرات وأهمية حلف شمال الأطلنطي والتزام أميركا ذاتها به. واليوم، أصبح الحلف أكبر وأقوى وأكثر اتحادا مما كان عليه في أي وقت مضى. وقد أضفنا عضوا جديدا قادرا بشكل لا يصدق في فنلندا، وستنضم السويد قريبا، ولا تزال أبواب الحلف مفتوحة. لقد عززنا ردعنا ودفاعنا، بما في ذلك إضافة أربع كتائب جديدة متعددة الجنسيات إلى الجناح الشرقي لحلف الناتو، وزيادة الاستثمارات الدفاعية لمواجهة التحديات الناشئة من الهجمات الإلكترونية إلى تغير المناخ.

نحن نحول مجموعة الدول السبع الكبرى إلى لجنة توجيهية للديمقراطيات الأكثر تقدما في العالم، ونجمع بين قوتينا السياسية والاقتصادية ليس فقط لمعالجة القضايا التي تؤثر على شعوبنا – ولكن أيضا لتقديم طرق أفضل للبلدان خارج مجموعة الدول السبع لتقوم بتحقيق تطلعات شعوبها.

لقد رفعنا مستوى الطموح في علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي. معا، نحن نمثل 40 في المئة من الاقتصاد العالمي. نحن نستخدم هذه القوة لتشكيل مستقبلنا التكنولوجي والاقتصادي ليعكس قيمنا الديمقراطية المشتركة.

نحن نأخذ العلاقات الثنائية الهامة إلى مستوى جديد.

إن تحالفنا الذي دام عقودا مع اليابان أقوى وأكثر أهمية مما كان عليه في أي وقت مضى – حيث وصل إلى آفاق جديدة، من الفضاء إلى الحوسبة الكمومية.

ووقعنا إعلان واشنطن مع جمهورية كوريا، معززين تعاوننا لردع التهديدات من كوريا الشمالية؛ وإعلان القدس مع إسرائيل، الذي يؤكد من جديد التزامنا بأمن إسرائيل – واستخدام جميع عناصر القوة الأميركية لضمان عدم حصول إيران أبدًا على سلاح نووي.

واتفقنا على ترتيبات جديدة للقواعد والمواقف مع الحليفين أستراليا والفلبين.

والشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند لم تكن أكثر فعالية وحيوية مما كانت عليه في أي وقت مضى، حيث نتعاون في كل شيء من أشباه الموصلات المتقدمة إلى التعاون الدفاعي.

وقبل بضعة أيام فقط في هانوي، عزز الرئيس بايدن شراكة استراتيجية شاملة جديدة مع فيتنام.

لقد حفزنا التكامل الإقليمي. ففي الشرق الأوسط، قمنا بتعميق العلاقات الحديثة وتلك القائمة منذ عقود بين إسرائيل والدول العربية – ونعمل على تعزيز علاقات جديدة، بما في ذلك مع المملكة العربية السعودية.

في نصف الكرة الأرضية الذي نعيش فيه – والذي يشهد أكبر هجرة جماعية ونزوح في تاريخه – حشدنا 20 دولة ونعول على استراتيجية إقليمية لضمان هجرة آمنة ومنظمة وإنسانية، مع معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الناس إلى ترك أوطانهم في المقام الأول.

وقد استضاف الرئيس بايدن مؤتمرات قمة مع قادة من الأميركتين وجنوب شرق آسيا وأفريقيا ودول جزر المحيط الهادئ لدفع الشراكات المؤثرة إيجابيًا.

ثانيا، نحن ننسج تحالفاتنا وشراكاتنا معا بطرق مبتكرة يعزز بعضها بعضا – عبر القضايا وعبر القارات.

ما عليكم سوى التفكير لدقيقة في جميع الطرق التي حشدنا بها مجموعات مختلفة من الحلفاء والشركاء لدعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي الشامل.

وبقيادة وزير الدفاع أوستن، تتعاون أكثر من 50 دولة لدعم الدفاع الأوكراني وبناء جيش أوكراني قوي بما يكفي لردع الهجمات المستقبلية ودحرها.

لقد قمنا بحشد عشرات الدول في فرض مجموعة غير مسبوقة من العقوبات وضوابط التصدير والتكاليف الاقتصادية الأخرى على روسيا.

وفي مناسبات متعددة، حشدنا 140 دولة في الأمم المتحدة – أكثر من ثلثي جميع الدول الأعضاء – لتأكيد سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها وإدانة العدوان الروسي والفظائع.

وحشدنا المانحين والمؤسسات الخيرية والمنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة المنقذة للحياة لملايين الأوكرانيين النازحين.

وقمنا بالتنسيق مع مجموعة الدول السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي وعشرات الدول الأخرى لدعم الاقتصاد الأوكراني، ولإعادة بناء شبكة الطاقة – التي دمرت روسيا أكثر من نصفها.

هذا ما تبدو عليه هندسة المتغيرات: لكل مشكلة، نقوم بتجميع تحالف مناسب للهدف المرجو تحقيقه.

وبسبب الشجاعة الملحوظة والقدرة على الصمود التي يتمتع بها الشعب الأوكراني ودعمنا له، فإن حرب بوتين تظل بمثابة فشل استراتيجي بالنسبة لروسيا. إن هدفنا هو ضمان ليس فقط بقاء أوكرانيا، بل وازدهارها، باعتبارها ديمقراطية نابضة بالحياة ومزدهرة، حتى يتمكن الأوكرانيون من كتابة مستقبلهم – والوقوف بمفردهم.

لقد رأى البعض في وقتٍ ما أن التهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي تقتصر على منطقة أو أخرى. لن يكون الأمر كذلك بعد الآن. لقد أوضح الغزو الروسي أن أي هجوم على النظام الدولي في أي مكان سيؤذي الناس في كل مكان. لقد انتهزنا هذا الإدراك للتقريب بين حلفائنا عبر الأطلسي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في الدفاع عن أمننا المشترك وازدهارنا وحريتنا.

عندما قطعت روسيا إمدادات النفط والغاز عن أوروبا في الشتاء في محاولة لإصابة البلدان بالتجمد لإبعادها عن دعم أوكرانيا، انضمت اليابان وكوريا إلى كبار منتجي الغاز الطبيعي المسال في أميركا لضمان حصول البلدان الأوروبية على الطاقة اللازمة للحفاظ على منازلها دافئة طوال فصل الشتاء. وأصبحت اليابان وكوريا وأستراليا ونيوزيلندا الآن مشاركين منتظمين ونشطين في اجتماعات حلف الناتو.

وفي الوقت ذاته، انضمت الدول الأوروبية وكندا وغيرها إلى حلفائنا وشركائنا في آسيا في شحذ أدواتهم للتصدي للإجبار الاقتصادي الذي تمارسه جمهورية الصين الشعبية. ويعمل حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في كل منطقة بشكل عاجل لبناء سلاسل توريد مرنة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتقنيات الرئيسية والمواد الحيوية اللازمة لبنائها.

لقد أنشأنا شراكة أمنية جديدة – الشراكة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – لبناء غواصات حديثة تعمل بالطاقة النووية، وتعزيز عملنا المشترك في مجال الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، وغير ذلك من التكنولوجيات المتطورة.

بعد انعقاد أول قمة ثلاثية على الإطلاق لزعماء الدول الثلاث، الولايات المتحدة واليابان وكوريا، في كامب ديفيد الشهر الماضي، فإننا ننتقل بكل جانب من جوانب علاقتنا إلى المستوى التالي – من زيادة التدريبات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخبارية إلى مواءمة استثماراتنا العالمية في البنية التحتية.

لقد رفعنا مستوى الشراكة للمجموعة الرباعية مع الهند واليابان وأستراليا لتحقيق تطلعات بلداننا والعالم في كل شيء بدءًا من تصنيع اللقاحات إلى تعزيز الأمن البحري إلى مواجهة التحديات المناخية.

عندما قمتُ بتحديد استراتيجية الإدارة القائمة على “الاستثمار والمواءمة والتنافس” تجاه الصين في العام الماضي، تعهدنا بالعمل مع شبكتنا من الحلفاء والشركاء لتحقيق الهدف المشترك. وبأي مقياس موضوعي، أصبحنا الآن أكثر اتساقا، ونعمل بطرق أكثر تنسيقا، مما كنا عليه في أي وقت مضى.

وهذا يسمح لنا بإدارة منافستنا مع الصين من موقع قوة، في حين نستفيد من قنوات الاتصال المفتوحة للتحدث بوضوح ومصداقية ومع مجموعة من الأصدقاء حول مخاوفنا؛ وإظهار التزامنا بالتعاون في القضايا التي تهمنا أكثر في العالم؛ والتقليل من مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى النزاع.

ثالثا، نحن نعمل على بناء تحالفات جديدة لمعالجة أصعب التحديات المشتركة في عصرنا.

مثل سد فجوة البنية التحتية العالمية.

والآن، في كل مكان أذهب إليه تقريبا، أسمع من الدول عن وجود مشاريع مدمرة للبيئة وسيئة البناء، تستورد العمال أو تسيء معاملتهم، وتشجع الفساد، وتثقل كاهلها بديون لا يمكن تحملها.

وبطبيعة الحال، تفضل البلدان الاستثمارات الشفافة والعالية الجودة والمتوافقة مع البيئة. لكن ليس لديهم دائمًا خيار. نحن نعمل مع شركائنا في مجموعة الدول السبع الكبرى لتوفير الخيار المناسب لهم.

لقد التزمنا معًا بتقديم 600 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة بحلول عام 2027 من خلال شراكة البنية التحتية والاستثمار العالميين . ونحن نركز دعمنا الحكومي على المجالات التي يؤدي فيها الحد من المخاطر إلى إطلاق مئات المليارات الإضافية من استثمارات القطاع الخاص.

لذا اسمحوا لي أن أقدم لكم بعض الأمثلة السريعة حول كيفية قيامنا بذلك. إننا نقوم بسلسلة من الاستثمارات المؤثرة إيجابيًا في ممر لوبيتو – وهو شريط تنمية يربط أفريقيا، من ميناء لوبيتو في أنغولا، عبر جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى زامبيا – بإنشاء ميناء جديد، وخطوط سكك حديدية وطرق جديدة، ومشاريع جديدة للطاقة الخضراء، وشبكة إنترنت عالي السرعة جديدة.

سيوفر المشروع 500 ميغاوات من الطاقة – وهو ما يكفي لتوفير الكهرباء لأكثر من مليوني شخص، وخفض حوالي 900 ألف طن من انبعاثات الكربون كل عام، وخلق الآلاف من فرص العمل للأفارقة، وآلاف أخرى للأميركيين، وجلب المعادن الحيوية مثل النحاس والكوبالت إلى الأسواق العالمية.

عندما زرت كينشاسا العام الماضي، قال الرئيس تشيسيكيدي إن لوبيتو هو الخيار الذي كانوا ينتظرونه – إذ إنه يمثل فرصة للخروج من صفقات التنمية الاستغلالية والاستخلاصية التي اضطروا إلى قبولها لفترة طويلة للغاية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلن الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الهندي مودي، في قمة مجموعة العشرين، عن ممر طموح آخر للنقل والطاقة والتكنولوجيا من شأنه أن يربط موانئ آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. وستتعاون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة والهند لتعزيز إنتاج الطاقة النظيفة والاتصال الرقمي وتعزيز سلاسل التوريد الحيوية في جميع أنحاء المنطقة.

إن هذه الجهود وغيرها لبناء البنية التحتية في البلدان النامية هي في نهاية المطاف استثمارات في مستقبلنا – إذ تخلق شركاء أكثر استقرارا وازدهارا للولايات المتحدة؛ ومزيدًا من الأسواق للعمال والشركات والمستثمرين الأميركيين؛ وكوكبًا أكثر استدامة لأطفالنا.

إن تقديم عرض أقوى لشركائنا يعد بمثابة صفقة جيدة لأميركا أيضًا.

وينطبق الشيء نفسه على قيادتنا لمعالجة أزمة الغذاء العالمية.

إذ يواجه أكثر من 700 مليون شخص في جميع أنحاء العالم انعدام الأمن الغذائي – الذي يغذيه وباء كوفيد والمناخ والنزاعات – والذي تفاقم الآن بسبب قيام روسيا بمنع تدفق الحبوب من أوكرانيا، سلة غذاء العالم.

والآن، لقد أتيحت لي الفرصة للاستماع إلى القادة في البلدان الأكثر تضررًا من هذه الأزمة. وما يوضحونه لي هو: نعم، إنهم بحاجة إلى مساعدات طارئة؛ ولكن ما يريدونه حقا هو الاستثمار في المرونة الزراعية، وفي الابتكار، وفي الاكتفاء الذاتي، حتى لا يجدوا أنفسهم في أزمة كهذه مرة أخرى. ونحن نتشارك معهم لتحقيق ذلك، جنبًا إلى جنب مع أكثر من 100 دولة وقّعت على خريطة طريق عالمية للعمل واتخاذ الإجراء اللازم.

ونحن نقود بقوة المثال الخاص بنا.

إن الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة في العالم لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة – فنحن نقدم حوالي 50 بالمئة من ميزانيته السنوية. روسيا والصين؟ أقل من 1 بالمئة لكل منهما.

ومنذ عام 2021، قدمت الولايات المتحدة أيضًا أكثر من 17.5 مليار دولار لمعالجة انعدام الأمن الغذائي وأسبابه الجذرية. ويشمل ذلك أكثر من مليار دولار سنويًا لصالح برنامج ’الغذاء من أجل المستقبل‘ – البرنامج الرئيسي للوكالة الأميركية للتنمية الدولية – وهو يمثل شراكتنا مع 40 دولة لتعزيز النظم الغذائية. ويتضمن ذلك دعمنا لما يسمى ’مبادرة الرؤية الخاصة بالمحاصيل والتربة المتكيفة‘ – وهو برنامج جديد أطلقناه مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لتحديد المحاصيل الأفريقية الأكثر تغذية، واستنبات أصنافها الأكثر قدرة على الصمود في مواجهة المناخ، وتحسين التربة التي تنمو فيها.

كلما زاد عدد البلدان التي تستطيع إطعام شعوبها، أصبحت شركاء أكثر ازدهارًا واستقرارًا؛ وقل احتمال وقوعها ضحايا للدول الراغبة في قطع الغذاء والأسمدة؛ وقل حجم الدعم الذي ستحتاج إليه من الجهات المانحة الدولية؛ وزادت وفرة الإمدادات الغذائية العالمية، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار في الأسواق في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ونحن نتبع نهجًا مماثلا في التعامل مع التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي.

في تموز/يوليو، أعلن الرئيس بايدن عن مجموعة جديدة من الالتزامات الطوعية من سبع شركات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي آمنة ومأمونة وجديرة بالثقة. وبالأمس فقط، انضمت ثماني شركات رائدة أخرى.

هذه الالتزامات هي الأساس لمشاركتنا مع مجموعة واسعة من الشركاء لصياغة إجماع دولي حول كيفية تقليل المخاطر وتحقيق أقصى قدر من إمكانات التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي.

لقد بدأنا مع أقرب شركائنا، مثل مجموعة السبع، حيث نقوم بتصميم مدونة سلوك دولية للجهات الفاعلة من القطاع الخاص والحكومات التي تعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم – والمبادئ التنظيمية المشتركة – والشركاء مثل المملكة المتحدة، التي تعقد قمة عالمية بشأن الأمان في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد المخاطر طويلة المدى والتخفيف منها بشكل أفضل.

والآن، لكي تصبح هذه المعايير فعّالة، فإننا سنحتاج إلى إشراك مجموعة واسعة من الأصوات ووجهات النظر في المناقشة، بما في ذلك البلدان النامية. نحن ملتزمون بفعل ذلك.

إن صياغة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الميزة التنافسية لأميركا في هذه التكنولوجيا وأيضا لتعزيز ابتكارات الذكاء الاصطناعي التي تفيد الناس في كل مكان، مثل المساعدة في التنبؤ بمخاطر إصابة الأفراد بالأمراض الفتاكة أو التنبؤ بتأثير العواصف الأكثر شدة والأكثر تواترا. هذه هي الفكرة وراء الاجتماع الذي سأستضيفه في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل لتركيز انتباه الحكومات وشركات التكنولوجيا والمجتمع المدني على استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز أهداف التنمية المستدامة.

واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالا أخيرًا عن كيفية بناء تحالف جديد لمعالجة مشكلة ربما لم يفكر فيها كثير من الناس باعتبارها قضية تتعلق بالسياسة الخارجية، ألا وهي المخدرات التركيبية.

في العام الماضي وحده، توفي ما يقرب من 110 ألف أميركي بسبب جرعة زائدة من المخدرات. وكان ثلثا هذه الوفيات يتعلق بالمواد الأفيونية التركيبية، مما يجعل المواد الأفيونية التركيبية القاتل الأول للأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا. لقد كلفت هذه الأزمة الولايات المتحدة ما يقرب من 1.5 تريليون دولار في عام 2020 وحده، ناهيك عن المعاناة التي تسببها للأسر والمجتمعات في جميع أنحاء بلدنا.

نحن لسنا وحدنا في هذا الأمر. فكل منطقة تشهد ارتفاعا مثيرا للقلق في المخدرات التركيبية، ولا يستطيع أي بلد أن يحل هذه المشكلة.

ولهذا السبب أنشأنا تحالفا عالميًا جديدًا لمنع التصنيع والاتجار غير المشروعين بالمخدرات التركيبية، واكتشاف التهديدات الناشئة وأنماط الاستخدام، وتعزيز استجابات الصحة العامة. وقد انضمت أكثر من 100 حكومة وعشرات المنظمات الدولية إلى هذا التحالف. إننا نعمل معًا على مواءمة الأولويات المشتركة، وتحديد السياسات الفعالة، ودمج مقدمي الرعاية الصحية وشركات تصنيع المواد الكيميائية ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرهم من الأطراف المعنية الرئيسية في جهودنا. وسنجتمع الأسبوع المقبل في نيويورك لتوسيع نطاق هذا العمل.

وبطبيعة الحال، هذه ليست المجالات الوحيدة التي نبني فيها التحالفات أو نحافظ عليها. فنحن نستخدمها أيضا لمعالجة التهديدات الأمنية، بدءًا من فريق العمل المتعدد الجنسيات الذي أنشأناه لحماية السفن التي تعبر مضيق هرمز إلى تحالف الدول الطويل الأمد الذي أنشأناه لهزيمة تنظيم داعش.

إننا نواصل الشراكة مع الحكومات والمنظمات الإقليمية والمواطنين للضغط من أجل إيجاد حلول دبلوماسية للصراعات الجديدة والقديمة – من إثيوبيا وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى أرمينيا وأذربيجان، إلى اليمن حيث ساعدنا في صياغة هدنة حساسة والحفاظ عليها.

لقد ساعدت وساطتنا إسرائيل ولبنان على التوصل إلى اتفاق تاريخي لترسيم الحدود البحرية بين بلديهما، مما يتيح تطوير احتياطيات كبيرة من الطاقة لصالح الشعبين في كلا البلدين وخارجهما.

كلما جمعنا الحلفاء والشركاء معًا لتحقيق تقدم حقيقي في القضايا الحاسمة مثل البنية التحتية، مثل الأمن الغذائي، ومثل الذكاء الاصطناعي، ومثل المخدرات التركيبية، ومثل الصراعات الجديدة والقديمة، أظهرنا قوة عرضنا.

على سبيل المثال، انظروا إلى أي تحدٍ حديث حيث تتطلع الدول في جميع أنحاء العالم إلى دول قوية لتقودها. في أفضل الأحوال، جلس منافسونا على الهامش، وأغلقوا دفاتر شيكاتهم. وفي أسوأ الأحوال، تسببوا في جعل المشاكل السيئة أسوأ واستفادوا من معاناة الآخرين – من خلال انتزاع تنازلات سياسية من أجل بيع اللقاحات للدول؛ ونشر المرتزقة الذين يجعلون الأماكن غير المستقرة أقل أمانًا وينهبون الموارد المحلية ويرتكبون الفظائع؛ وتحويل احتياجات الناس الأساسية – من التدفئة والغاز والغذاء والتكنولوجيا – إلى هراوة لتهديدهم وإكراههم.

عند هذا المنعطف الحرج، نُظهر للبلدان من نحن. وكذلك من هم منافسونا.

وأخيرا، نحن نعمل على الجمع بين تحالفاتنا القديمة والجديدة لتعزيز المؤسسات الدولية التي تشكل أهمية بالغة في التصدي للتحديات العالمية.

يبدأ ذلك بالظهور والتواجد. فعندما يكون للولايات المتحدة مقعد على الطاولة، يمكننا تشكيل المؤسسات الدولية والمعايير التي تنتجها لتعكس مصالح وقيم الشعب الأميركي وتعزيز رؤيتنا للمستقبل.

بعد أن تولى الرئيس بايدن منصبه تحرك بسرعة للانضمام مرة أخرى إلى اتفاقيات باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية. وحصلنا مجددًا على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وانضممنا مؤخرا إلى اليونسكو – منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – التي ستلعب دورا في تشكيل المعايير التي تحدد الذكاء الاصطناعي.

لقد تنافسنا بشدة لانتخاب القادة الأكثر تأهلا لرئاسة الوكالات الدولية المعنية بوضع المعايير، مثل الاتحاد الدولي للاتصالات والمنظمة الدولية للهجرة، التابعين للأمم المتحدة. ولم تكن الأميركيتان اللتان فازتا في هذين السباقين أفضل المرشحين لهذا المنصب فحسب، بل إن كلا منهما أيضا أول امرأة تقود مؤسستها.

والآن، مهما كانت هذه المؤسسات غير مثالية، فليس هناك بديل للشرعية والإمكانيات التي تستخدمها للتأثير على القضايا التي تهم شعبنا. لذا، فنحن لدينا مصلحة ذاتية ثابتة في العمل من خلالها وجعلها تعمل على نحو أفضل – وليس من أجل الولايات المتحدة فحسب، بل من أجل الجميع.

كلما زاد عدد الناس والدول في جميع أنحاء العالم الذين يرون أن الأمم المتحدة والمنظمات المشابهة لها تمثل مصالحهم وقيمهم وآمالهم – زادت فعالية هذه المؤسسات وزادت قدرتنا على الاعتماد عليها.

ولهذا السبب طرحنا رؤية إيجابية لتوسيع مجلس الأمن الدولي بحيث يضم وجهات نظر أكثر تنوعا جغرافيًا ــ بما في ذلك الأعضاء الدائمين وغير الدائمين الجدد من أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وبقيادة الوزيرة يلين، نقوم بدفعة كبيرة لتنشيط وإصلاح بنوك التنمية المتعددة الأطراف حتى تتمكن من تلبية الاحتياجات الملحة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تواجه عاصفة كاملة من التحديات: التأثير المتزايد لأزمة المناخ، والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد، والتضخم، والديون الساحقة.

والرئيس بايدن يعمل مع الكونغرس لإطلاق إمكانية إقراض جديدة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتوفير المزيد من التمويل – بأسعار فائدة أرخص – للاستثمار في التخفيف من آثار تغير المناخ، وفي الصحة العامة، وغير ذلك من القضايا الحاسمة في هذه البلدان.

ومن شأن هذه المبادرات مجتمعة والتي تقودها الولايات المتحدة أن تولّد ما يقرب من 50 مليار دولار من القروض للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ومن خلال جهودنا القوية، سيعمل البنك الدولي قريبا على تمكين البلدان من تأجيل مدفوعات الديون بعد الصدمات المناخية والكوارث الطبيعية.

عندما نعمل على تعزيز المؤسسات الدولية – وعندما تفي بوعودها الأساسية لضمان الأمن، وتوسيع الفرص، وحماية الحقوق – فإننا نبني تحالفا أوسع من المواطنين والبلدان الذين يرون النظام الدولي كشيء يحسن حياتهم بطرق حقيقية ويستحق التأييد والدفاع عنه.

لذا، فعندما تحاول دول في العالم أمثال بكين وموسكو إعادة كتابة – أو هدم – ركائز النظام المتعدد الأطراف؛ وعندما يزعمون كذبا أن النظام موجود فقط لتعزيز مصالح الغرب على حساب بقية العالم – فإن مجموعة عالمية متزايدة من الدول والشعوب سوف تقول، وتدافع عما تقول: كلا، إن النظام الذي تحاولون تغييره هو نظامنا؛ إنه يخدم مصالحنا.

وبالقدر ذاته من الأهمية، عندما يسأل إخواننا الأميركيون عما نحصل عليه مقابل استثماراتنا في الخارج، يمكننا أن نشير إلى فوائد ملموسة للأسر والمجتمعات الأميركية، حتى عندما ننفق أقل من واحد في المئة من ميزانيتنا الفيدرالية على الدبلوماسية والتنمية العالمية.

وهذه الفوائد تشمل المزيد من الأسواق للعمال والشركات الأميركية؛ وسلعًا بأسعار أفضل للمستهلكين الأميركيين؛ وإمدادات أكثر موثوقية من الغذاء والطاقة للأسر الأميركية، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار في محطات الوقود وعلى موائد الطعام؛ وأنظمة صحية أكثر قوة قادرة على إيقاف الأمراض الفتاكة ودحرها قبل أن تنتشر إلى الولايات المتحدة؛ والمزيد من الحلفاء والشركاء الذين هم أكثر فعالية في ردع العدوان والتصدي معنا للتحديات العالمية.

لهذه الأسباب وغيرها الكثير، فإن عائد أميركا من النظام الدولي يتجاوز بكثير استثمارنا فيه.

وفي هذا الوقت المحوري، لا تشكل القيادة الأميركية العالمية عبئا، وإنما هي ضرورة لحماية حريتنا وديمقراطيتنا وأمننا؛ ولخلق الفرص للعمال الأميركيين والشركات الأميركية؛ ولتحسين حياة المواطنين الأميركيين.

وقد لاحظ دين أتشيسون – الذي قاد وزارة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية – في تقريره عن تلك الفترة بعنوان ’حاضرٌ عند الخلق‘، أن – وأنا هنا أقتبس مقولته – “التاريخ يُكتب رجوعًا إلى الوراء، ولكنه يُعاش مُضيّا إلى الأمام”.

كان أتشيسون يكتب عن منعطف مختلف بالطبع، لكن كلماته تنطبق تمامًا على كل فترة من عدم اليقين العميق والصدفة، بما في ذلك الفترة الحالية.

وعند العودة إلى الماضي، فإن القرارات الصحيحة تميل إلى أن تبدو واضحة، والنتائج النهائية تكاد تكون حتمية.

لكنها ليست كذلك أبدًا.

في الوقت الحقيقي، الأمر يبدو كالضباب. ولم يعد من الممكن اعتبار القواعد التي وفرت الشعور بالنظام والاستقرار والقدرة على التنبؤ أمرا مفروغا منه. هناك مخاطر كامنة في كل مسار عمل، وتيارات خارجة عن سيطرتنا، وأرواح لا حصر لها معرضة للخطر.

ولكن حتى في مثل هذه الأوقات – وخاصة في هذه الأوقات – لا يتمتع صناع السياسات برفاهية انتظار انقشاع الضباب قبل اختيار المسار.

وعلينا أن نتصرف، ونتصرف بشكل حاسم.

يجب علينا أن نعيش التاريخ مُضيّا إلى الأمام – كما فعل أتشيسون، وكما فعل بريجنسكي، وكذلك كل الاستراتيجيين العظماء الآخرين الذين قادوا أميركا خلال هذه اللحظات المفصلية.

يجب علينا أن نضع أيدينا على دفة التاريخ ونرسم مسارًا إلى الأمام، مسترشدين بالأشياء المؤكدة حتى في الأوقات المضطربة – مبادئنا، وشركاؤنا، ورؤيتنا للمكان الذي نريد أن نذهب إليه – حتى أنه عندما ينقشع الضباب يميل العالم الناشئ نحو الحرية، ونحو السلام، ونحو مجتمع دولي قادر على الارتقاء إلى مستوى تحديات عصره.

ولا أحد يفهم هذا أفضل من الرئيس بايدن. وأميركا في وضع أقوى بكثير في العالم مما كانت عليه قبل عامين ونصف بسبب الإجراءات التي اتخذها.

إنني مقتنع أنه، بعد عقود من الآن، عندما تتم كتابة تاريخ هذه الفترة – ربما من قِبل البعض منكم – فسوف يظهر أن الطريقة التي تصرفنا بها – بشكل حاسم واستراتيجي، مع التواضع والثقة لإعادة تصور قوة وهدف الدبلوماسية الأميركية – مكّنتنا من تأمين مستقبل أميركا، وتحقيق تطلعات شعبنا، ووضع الأساس لحقبة أكثر حرية، وأكثر انفتاحا، وأكثر ازدهارا – للشعب الأميركي وللشعوب في جميع أنحاء العالم.

شكرا جزيلا على حُسن استماعكم.

 

الخارجية الاميركية - وكالات
الثلاثاء 19 سبتمبر 2023