
وفي لغة قومية كويشاو في بيرو تحمل كلمة المعالج " كولاسيو سونكويو" معنى " طبيب الناس بالقلب "، وخلال عصر حضارة الإنكا القديم كان هؤلاء الخبراء المعالجون يطلق عليهم وصف " أماوتاس " الذي يعني أساتذة حضارتهم وكانوا يلقون احتراما بالغا بسبب المبادىء الطبية التي حصلوا عليها، وكثير من هذه المبادىء لا زالت صالحة للتطبيق حتى اليوم كما يقول الدكتور خوسيه لويز بيريز ألبيلا وهو من أنصار الطب المحلي البديل.
وفي ليما عاصمة بيرو وهي مدينة تضم مجموعات من المهاجرين قامت جماعة من السكان الأصليين تسمى " شبيبا " بولاية أوكايالي الغنية بالغابات بإقامة منزل في مستوطنة كانتاجالو حيث يخفي المعالجون الروحيون مهنتهم بارتداء حلل غربية، وفي هذا المنزل يبدأ بيكون سوي الذي يعني إسمه " الشاب الوسيم " ويبلغ من العمر 23 عاما أولى خطواته في مجال الطب الروحي حيث يحصل على لقب
" آياهاوسكا " الذي يعني العشب المقدس، وكان عمه وهو عراف يعيش في الغابات يرعى قدراته العلاجية عندما بلغ من العمر 18 عاما.
ويوضح بيكون سوي واسمه الحقيقي أورياس جارسيا أنه تلقى تدريبا استغرق عدة أعوام ليكون قادرا على القيام بمهامه، ويقول إن كل طعامه كان يحتوي على السمك والموز المشوي ليستطيع الحصول على قوة النباتات، وإنه تناول الأعشاب المقدسة البرية، كما أعطاه أستاذه مع بقية التلاميذ أدويته ووسائل الدفاع التي لديه حتى لا يتعرضون لهجوم الأعداء.
وتعد أعشاب " آياهاوسكا " هي النبات المقدس في غابات بيرو، وتشير الطبيبة مارثا فيلار رئيسة لجنة الطب التقليدي بكلية بيرو الطبية إلى أن هذا النبات يسبب الهلوسة ويجعل الذين يتناولونه تنتابهم حالات مختلفة من الإحساس بالضمير، كما أنه يساعد على علاج بعض حالات الصدمات النفسية التي تنتج عنها الأمراض وتسبب الألم، أما الدكتور أوسكار فيلكا وهو عضو في ذات اللجنة فيرى أنه ليس من السهل العثور على معالج روحي جدير بالثقة.
ويقول إنك يمكن أن تجد أحدهم بعد كثير من البحث في قلب الغابة، وعادة ما يكون رجلا حكيما يقوم بتدريب تلميذ من أقاربه، وهذه هي الطريقة التي يتم توارث هذه المهنة بها لتستمر، ويقوم سانتياجو أجيواناري الذي يبلغ من العمر سبعين عاما بإعداد مزيج لمرضاه بمنزله، ومنذ أكثر من 50 عاما وفي قرية نائية من ولاية أوكايالي عرفه والده بالقوى الكامنة في الأعشاب، ومنذ ذلك الحين أصبح أجيواناري عارفا بأسرار أكثر من مئة نبات والتي يمكن على حد زعمه أن تشفي من جميع أنواع الأمراض من البرد إلى السرطان بل حتى الإيدز.
ويؤكد أجيواناري أنه يمكن شفاء الإيدز وأن هناك دواء له، ويقول إنه يستخدم العشب المقدس ويصفه بأنه نبات الحياة إلى جانب أعشاب أخرى، وأثناء الحديث كان أجيواناري يعد مزيجا من " تشوتشوهواسي " وهو نبات يستخدم في التخفيف من آلام الروماتيزم والتهاب المفاصل وآلام العضلات وعدوى المسالك البولية، كما كان يعد جرعة دواء لتخفيف الإلتهابات باستخدام لحاء شجرة " إيكوجا " التي يصل طولها إلى 15 مترا.
ويضيف أجيواناري إن هناك حالات لا يفيد فيها الطب الرسمي وفي هذه الحالات يحيل الأطباء مرضاها إليه، كما أنه بدوره يرسل بعض المرضى إلى المستشفى إذا لم تتحسن حالتهم بعد تناول الدواء الذي يعده، وكان يستعد لاستقبال مريضة بسرطان الرحم، بينما ترى الطبيبة فيلار أنه ليست ثمة دراسات مؤكدة حول إمكانية الشفاء من السرطان أو الإيدز على يد المعالجين الروحيين، وتقول إن العلاج قد يعني عند الطبيب الساحر تخفيف الأعراض أو تحسين النظام المناعي، ومع ذلك تحث على إجراء مزيد من الدراسات والأبحاث حول هذه المزاعم.
ومن ناحية أخرى يقول الدكتور بيريز ألبيلا وهو أيضا مقدم برامج في إذاعة وتلفاز بيرو إنه يجب تضمين الممارسات الطبية لحضارة الإنكا القديمة في الحملات الطبية الوقائية الحديثة، فهو يعتقد على سبيل المثال أنه ينبغي على الأمهات أن يتولين حضانة أطفالهن الرضع حتى سن ثلاث سنوات مثلما اعتاد أن يفعل أبناء الإنكا، ويضيف بيريز ألبيلا إن نساء الهنود الحمر لازلن حتى الآن يحملن أطفالهن الرضع داخل شالات على ظهورهن طوال اليوم وهذا العمل يحمي ألبانهن من الجفاف.
ويوصي بيريز ألبا بتناول حبوب " كوينوا " التي تشبه الأرز والغنية بالبروتين مع الحصول على حمامات بالماء الساخن لتهدئة الروح وتخفيف الألم، كما يوصي باحترام الأشخاص الأكبر سنا واحترام الطبيعة، وقد أدمج المسئولون عن قطاع الصحة في بيرو بعض الممارسات الطبية المحلية التقليدية في النظام الصحي الرسمي، ومنذ عام 1998 أصبح برنامج التأمين الإجتماعي يتيح الرعاية الصحية باستخدام الطب البديل، وقدم خدماته لنحو 300 ألف شخص.
وتصف بعض المراكز الطبية علاجات طبيعية وتستخدم الوخز بالإبر الصينية إلى جانب أسلوب علاج الجسم والعقل معا من بين أساليب أخرى في منهاج للطب البديل، ويتم تحفيز المرضى على تغيير أنماط حياتهم واتباع عادات غذائية أفضل من شأنها أيضا الوقاية من الأمراض.
وتعتزم كلية بيرو الطبية طرح مشروع قانون يمكن المعالجين الروحيين والقابلات والمعالجين بالأعشاب ومجبري العظام من تقديم خدماتهم تحت إشراف وزارة الصحة، ويشير الطبيب أوسكار فيلكا إلى تجربة شيلي حيث أتاحت الحكومة دورات دراسية مجانية لمدة عامين في علم وظائف الأعضاء والتشريح لممارسي العلاج التقليدي القائم على الطبيعة والذين يتمتعون بالشهرة، ويقول فيلكا إنهم أصبحوا يقدمون أنفسهم لمرضاهم كمعالجين حاصلين على شهادات، ويضيف إنه يجب أن يكون كل من الطب الرسمي والممارسات العلاجية التقليدية المحليةجزءا من المناهج التي تدرس في جامعة بيرو.