نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


عن “الأصدقاء” والإرهاب وتدوير الأخطاء






ما كان لملايين السوريين الذين ثاروا ضدّ الأسد ونظامه، ودفعوا أثماناً تفوق الوصف طلباً للحرّية، أن يتصوّروا في أكثر كوابيسهم سوءاً وأشدّ توقّعاتهم تشاؤماً أن ينتهي بهم المطاف تحت سطوة من أذلّهم وأذاقهم الويلات، ولا أن من زعم يوماً دعم الثورة سيسعى إلى إعادتهم مجدّداً للدخول في حظيرة الطاعة الأسدية. هذا واقع الحال، فهو لم يعد مقتصراً على الجهود الروسية أو الإيرانية الحثيثة الرامية إلى “تطبيع” أوضاع نظام الأسد وتعويمه من جديد، وإنما يتجلّى أيضاً في نهج وسياسات دول كانت في السابق من “أصدقاء الشعب السوري”.


 

مضى زمن طويل على سحب مسألة “تنحّي الأسد” من التداول في خطاب وسلوك أولئك “الأصدقاء”، بل إنها باتت في عرف كثيرين منهم ضرباً من “اللاواقعية”. حتى “العملية السياسية” المستندة إلى بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، على هزالها، أُفرغت من مضمونها بمباركتهم، إذ تشعبّت المسارات وتعدّدت لتنتج أكثر من “عملية سياسية” واحدة، بالتوازي مع فشل سلسلة اجتماعات جنيف المختلفة في عهد ديمستورا وسلاله المشؤومة، ما أتاح للروس، رعاة الأسد، اختراع مساراتهم التي ساندهم فيها الأتراك في آستانة وسوتشي، ثم فرْضها وتكريس مخرجاتها العسكرية والأمنية بوصفها أمراً واقعاً، والعمل على استثمارها بصورة أدت إلى قلب المعطيات الميدانية على الأرض، ومن ثمّ الموازين السياسية والدبلوماسية ومواقف العديد من الدول حيال الملفّ السوري. وهاهم “الأشقّاء العرب” يهرولون تباعاً لتطبيع علاقاتهم مع الطغمة الأسدية.

من ذلك أنّ الحكومة الأردنية أعادت فتح معبر نصيب الحدودي بعد أن استعادت قوات الأسد السيطرة عليه. وتونس تستأنف علاقاتها الدبلوماسية تدريجياً مع دمشق من بوابة تسيير شؤون كل من الجالية السورية في تونس والتونسية في سوريا، فضلاً عن متابعة الحكومة التونسية لملفّات ما يزيد عن ألفي تونسي انخرطوا في صفوف تنظيمات متطرّفة تقاتل في سوريا، حيث تتواصل لجنة برلمانية تونسية اللجنة مع خارجية الأسد في هذا الشأن، وقد أكّدت بعض المصادر التونسية بأن عودة العلاقات الدبلوماسية بالكامل “ستكون قريبة ولن تتأخر”.

لا يخرج عن هذا السياق العناقُ الحار الذي جرى نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي في أروقة الأمم المتحدة أمام عدسات وسائل الإعلام، بين وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة وبين وليد المعلّم وزير خارجية الأسد، لا سيما وأن ّالسياسة البحرينية تنسجم أو حتى تتطابق مع السياسات السعودية. الدلالات والرسائل السياسية لما جرى تكشّفت بوضوح من خلال تصريحات الوزير البحريني نفسه تعقيباً على الواقعة، إذ أكّد أنّ هذا لم يكن اللقاء الأول، وأنّه وبلاده يعملون “مع الدول لا مع من يريد إسقاطها”، وأن “ما بين الشعب السوري وحكومته يخصّ الشعب السوري”، وقال أيضاً “نحن نرى أن الدولة يجب أن تسيطر وتؤمّن كل أنحائها”، ويقصد هنا نظام الأسد طبعاً. من اللافت أيضاً أنّ بعض الإعلام العربي الذي تبنّى لسنوات خطاباً مناهضاً للأسد ونظامه وكال له ما يليق بجرائمه من صفات وفي أحسن الأحوال كان يذكر اسمه مجرداً من أي لقب، يعود الآن إلى ذكر اسمه مسبوقاً بعبارة “الرئيس السوري”!

ليست هذه سوى أمثلة بسيطة، أو مؤشرات على الوجهة التي يُراد لسوريا أن تمضي بها، وهي طيّ صفحة التغيير، والتسليم باستمرار الأسد وما تبقّى من نظامه إلى أجل غير مسمّى، وفق معادلات ترسمها مصالح القوى الفاعلة وميزان القوى على أرض سوريا وفي سمائها أيضاً، وهذه مسائل لا شأن لها بما أراده السوريون، فأصحابها يبحثون عن مصالحهم ولا يعنيهم مستقبل هذه البلاد وناسها إلا بقدر ما يؤثّر هذا على تلك المصالح.

في ما مضى، بلغ عدد من أطلقوا على أنفسهم اسم “مجموعة أصدقاء الشعب السوري” نحو مائة دولة، رفعوا جميعاً شعار دعم الثورة السورية، إلا أنّ العدد راح يتقلّص تدريجياً مع تحوّل كثير من “الأصدقاء” إلى تبنّي مقاربات سياسية تنظر إلى الحالة السورية من منظور “الإرهاب” ومخاطر التطرّف وما إلى ذلك، حتى انتهت المجموعة إلى ما لا يزيد عن عشر دول، هي التي كانت أكثر الأعضاء تدخّلاً وتأثيراً. لكنّ أدوار هذه الدول نفسها انعكست سلباً على السوريين وثورتهم، إذ فخّخت الثورة من الداخل، وهيّأت الظروف لانطلاق “الثورة المضادة” في صورة المشاريع الجهادية وتنامي سطوة الجماعات الإسلامية على اختلاف درجات تشدّدها.

تلك “الثورة المضادة” هي ما جعل من “مكافحة الإرهاب” سبباً رئيسياً يدفع الدول إلى إعادة حساباتها في سوريا، والعمل سرّاً أو في العلن على منع انهيار النظام بالكامل، وفي الوقت نفسه وجد بعضها موطئ قدم على الأرض السورية وأسّس لتواجد عسكري تحت ذريعة المشاركة في الحرب على الإرهاب. وهنا لا بأس من التذكير بأنّ هذا التحوّل في المواقف لم يحصل نتيجة جهود آلة النظام الدعائية فحسب، بل أدت إليه خيارات فئات عدّة ابتليت بها الثورة السورية وتصدّرت مؤسسات المعارضة فأسهمت بصور شتّى في طغيان الصبغة الجهادية على العمل المسلح ضدّ النظام، حتى غدت الجماعات المسلحة الإسلامية، ومن ضمنها تيار “الجهاد العالمي”، الفريق المسيطر على معظم المناطق التي كانت خارج سيطرة الأسد، ليصبح “الإرهاب” أمرا ًواقعاً وخطراً حقيقياً.

غاية هذه الاستعادة التنبيه إلى ضرورة الحذر من تكرار الأخطاء مستقبلاً، فالكفاح من أجل حرية سوريا لم ينته بعد، وهو يتّخذ أبعاداً جديدة، حيث أنّ البلاد لم تعد أسيرة الاحتلال الأسدي فقط، وإنما أضيفت له احتلالات متعدّدة، جميعها تتناقض مع المشروع الوطني السوري التحرري والديمقراطي. بالتالي، لا ينبغي السماح بأي دور في المستقبل لمن أفسدوا الثورة بإرهابهم وطائفيتهم ومشاريعهم العدمية، ولا يمكن لأي ثائر حرّ القبول بإعادة تدويرهم تحت أي مسمّى، بالقدر نفسه لرفضه ما يجري الآن من إعادة تدوير لنظام الأسد.

ليس من الواضح متى ستكون انطلاقة الموجة الثورية الجديدة، لكنّ استحقاقاتها السياسية والعسكرية قادمة لا محالة، والتفكير فيها يجب أن يبدأ من الآن.
--------------
بوابة سوريا


طارق عزيزة
الاثنين 29 أكتوبر 2018