نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


قوارب الموت..أمل الجزائريين في الحياة





الجزائر - عندما اصطف الألاف من الشباب الجزائريين أمام المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة الجزائر، لاجتياز امتحان شهادة الكفاءة في اللغة الفرنسية بما يسمح لهم بمواصلة الدراسة في فرنسا، وربما التطلع للبحث عن مستقبل أفضل في هذا البلد، حاولت بعض الدوائر السياسية المقربة من السلطة تبرير تلك المشاهد "الصادمة" التي تزامنت مع ذكرى اندلاع ثورة التحرير على المستعمر الفرنسي، برغبة الجزائريين في تحصيل العلم ولو بالصين، مصداقا لقول الرسول الاكرم. لكن هذه الدوائر التزمت الصمت المطبق أمام ظاهرة الهجرة غير الشرعية من خلال عبور البحر الأبيض المتوسط عن طريق الزوارق المطاطية والقوارب التقليدية، أو ما يسمى محليا بـ" الحرقة" التي باتت تتزايد يوما بعد يوم. اعتراف.. وأرقام مرعبة بخلاف الهيئات والمؤسسات السياسية، سارعت وزارة الدفاع المعروف عنها الالتزام الشديد بواجب التحفظ، إلى دق ناقوس الخطر، حيث اشارت إلى تضاعف محاولات مغادرة التراب الجزائري بطرق غير شرعية، بالمقابل أكدت على ان وحدات خفر السواحل لقيادة القوات البحرية تبقى يقظة ومجندة باستمرار بقصد إحباط هذه المحاولات وتفكيك شبكات المهربين، وذلك، بالتنسيق مع مصالح الأمن المختصة.


 
لكن مسحا اجرته وكالة الانباء الألمانية (د. ب. أ) على البيانات الدورية التي تنشرها وزارة الدفاع في موقعها الرسمي، يترك الانطباع، بانه حتى جهود خفر السواحل عاجزة على ما يبدو في التصدي للجماعات الزاحفة على البحر من أجل العبور نحو الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.

فخلال شهر تشرين ثان /نوفمبر ، ورغم الظروف الجوية غير المناسبة، احبط خفر السواحل الجزائري، محاولات هجرية غير شرعية لنحو 1500 شخص، في حين بلغ الرقم 753 شخصا في شهر تشرين أول/ اكتوبر ، و878 شخصا في شهر ايلول /سبتمبر ، و318 شخصا في اب/ اغسطس ، و341 شخصا في تموز/ يوليو. بينما وصل العدد إلى 1456 شخصا في النصف الأول من عام 2017. وتؤكد الكثير من المصادر، ان هذه الارقام تبقى نسبية، لان المئات من "الحراقة" وصلوا بالفعل إلى سواحل اسبانيا وايطاليا، ومنهما انتشروا في العديد من الدول الأوروبية، ولا غرابة ان يكون هناك من مات غرقا او انتهى به الأمر في بطن الحوت. البشر بدلا من الغاز تقول الاعلامية نعيمة بن وارث، الصحافية بيومية " الوطن" الناطقة بالفرنسية صاحبة عدة مقالات حول الموضوع، أن الأرقام المتداولة حول الهجرة غير الشرعية (الحرقة)، تظهر عجز الجزائر على الاحتفاظ بأبنائها، وعن تقديم اجابات وتفسيرات شاملة للضيق من المعيشة الذي يلازم قسما كبيرا منهم، فضلا عن فشل الاجراءات القانونية والتشريعية في الحد من هذه الظاهرة. وتعتقد بن وارث، ان مشروع " غالسي" الذي اطلقته شركة الطاقة الجزائرية سوناطراك مع شركائها الايطاليين عام 2003، من اجل نقل الغاز من الجزائر إلى ايطاليا عبر سردينيا التي تقع على الجانب الشمالي الغربي لجزيرة صقلية، وبدلا من ان ينقل الغاز، ساهم في ظهور "سوق طبيعية مختلفة جدا" لا تقل ربحية، حيث يدر على شبكات التهريب ارباحا تصل إلى 700 مليون يورو، حسب تقديرات ايطالية. وتوضح أن من ساهم في كتشاف الطريق البحري بين الجزائر وسردينيا لنقل الغاز، هو أحد الجزائريين المختصين في مجال الملاحة والغوص ينحدر من ولاية عنابة شرقي البلاد، والذي ساهم بطريقة غير مباشرة في رسم خرائط الطريق اللازم لإقامة اتصال تحت الماء في البحر الأبيض المتوسط عن طريق خط انابيب الغاز بين الجزائر وإيطاليا، يمتد على مسافة 1500 كيلومتر منها 560 كيلومترا في اعالي البحار. تجمع الروايات على ان أول الرحلات السرية إلى الحلم الأوروبي انطلاقا من السواحل الجزائرية (عنابة تحديدا) كانت عام 2005، حيث ضمت 15 شخصا ينحدرون من مدن باتنة وقسنطينة وعنابة، ومن المفارقة ان هذه المدن هي ضمن مخطط الطريق البري الذي كان يفترض أن ينقل الغاز من الصحراء الجزائرية إلى ايطاليا. ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق حملة ترويجية حقيقية حول وجهة سردينيا من شاطئ سيدي سالم بولاية عنابة. وعرفت ظاهرة " الحرقة" انتشارا مذهلا، في غضون بضع سنوات، وبات المغادرون يعدون بالمئات ثم الآلاف، ومعها ارتقت مدينة عنابة بسرعة إلى رتبة من بين أكبر المدن الجزائرية وفي المنطقة المصدرة لـ"الحراقة"، قبل ان تحظى بمنافسة قوية في القترة الأخيرة من قبل مدن وهران ومستغانم والشلف وسكيكدة وعين تموشنت وتيبازة. إسراء... سيناريو فيلم ينافس "التيتانيك" لم يعد حلم الهجرة بأي طريقة كانت مقتصرا على الشباب العاطل عن العمل لذي يريد المغامرة من أجل كسب قوت عيشه وضمان مستقبل افضل لعائلته، وإنما اتسع ليشمل عائلات بأكملها بما فيها الرضع والأطفال والنساء الحوامل والمتزوجين حديثا. وليس عجبا أو مفاجئا أن تضم قوافل " الحراقة" مهاجرين من دول الساحل الإفريقي دخلوا الجزائر أيضا بطريقة غير شرعية بعدما طالتهم العدوى. في بداية شهر تشرين ثان/نوفمبر، تحول ظهور رضيعة اسمها إسراء في شهرها الثامن من العمر، في مقطع فيديو رفقة مجموعة من الأشخاص على متن قارب تقليدي قال بعضهم انهم على وشك الوصول للسواحل الاسبانية، إلى قضية رأي عام، حيث تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة للسجال والنقاش، خاصة من اولئك الذين استهجنوا اقدام الوالد وزوجته على المغامرة بابنتهما في خطوة غير محمودة العواقب. غير ان الأب يوسف لم ينتظر كثيرا، حيث رد بقسوة على الذين انتقدوه مؤكدا أنه لم يكن أمامه خيار أخر سوى ركوب القارب رفقة زوجته وابنته لانتشالهما من حياة الضياع التي عاشها في الجزائر رغم أنه لم يبلغ بعد عامه الثلاثين. يوسف قال أيضا إن الصليب الاحمر الإسباني تكفل به وزوجته وابنته، كما مكنه من الحصول على وظيفة، وهو الان يتوق إلى حياة كريمة تمناها على أرض الآباء والأجداد.

في الحقيقة قصة إسراء، تستحق أن تكون سيناريو لقصة فيلم ليس من أجل منافسة " التيتانيك" او التنافس على جوائز الأوسكار، وإنما لمحاكاة واقع مرير يعيشه المجتمع الجزائري اليوم، فإسراء لم تكن الرضيعة الأولى أو الوحيدة التي ركبت قوارب الموت، والأمر ينسحب على والدتها، فهناك العشرات من النساء الحوامل والرضع والأطفال الصغار، من فضل المجازفة بحياته على حياة البؤس والفقر. أكثر من ذلك حتى أن أحد المترشحين في انتخابات المجالس البلدية التي جرت في 23 تشرين ثان/نوفمبر، لم ينتظر نتائج الاقتراع، وتجرد من كل القيم الاخلاقية والمجتمعية، ليقرر الابحار باتجاه إسبانيا رفقة أشخاص أخرين ومعه المبلغ المالي الذي حصل عليه من مسؤولي حزبه لتنشيط الحملة الانتخابية، قبل أن يخاطب اصدقاءه وابناء حيه من إسبانيا بالصوت والصورة، وهو ما قد يشجع ربما بعضهم على اتباع نفس المسار.

يهاجم مراد، وهو شاب في العشرينات من العمر المسؤولين السياسيين ويحملهم كل التبعات، ويقول إنهم يعيشون بعيدا عن واقع عام الشعب ولا يقاسمونه نفس الانشغالات والمشاكل، وإنهم مهووسون بالسلطة وخدمة مصالحهم الشخصية فقط، دون الحاجة إلى القلق حول ما يحدث من حولهم. ايطاليا وإسبانيا ضاقا ذرعا تشير احصائيات المنظمة الدولية للهجرة، أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، منذ بداية 2017 وحتى نهاية سبتمبر/ ايلول تجاوز 133 ألفا. فيما بلغ عدد الذين قضوا في البحر أكثر من 2556 مهاجرا، في حين تؤكد مصادر أخرى، أن البحر الأبيض المتوسط ابتلع 33 الفا منذ 2000. وبحسب منظمات غير حكومية، فإن أكثر من 10 الاف مهاجر غير شرعي تم اعتقالهم ما بين 2005 و2016، في حين نجح ما بين 20 و25 الفا في الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، بالمقابل مات 1500 شخص غرقا، إلى جانب عدد من المفقودين. التدفق الهائل للمهاجرين، دفع رئيس مقاطعة سردينيا، فرانشيسكو بيغليارو، إلى حث سلطات بلاده على اتخاذ التدابير اللازمة لوقف تقاطر " الحراقة" الجزائريين على الجزيرة. فيما تبقى السلطات الاسبانية تنتظر من الجزائر تشديد الرقابة على مستوى حدود مياهها الإقليمية للحد من ظاهرة الهجرية السرية التي تعرف انفجارا انطلاقا من سواحلها.

بيد ان الجزائر لم تنتظر ملاحظات من جيرانها الأوربيين للتحرك، حيث سنت قانونا في 26شباط/ فبراير 2009، تحت رقم 09-01، المتضمن تحت عنوان " الجرائم المرتكبة ضد القوانين والانظمة المتعلقة بمغادرة التراب الوطني"، والذي يعاقب بالحبس من شهرين إلى 6 أشهر وبغرامة من 200 دولار إلى 600 دولار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل جزائري أو أجنبي مقيم يغادر الإقليم الوطني بصفة غير شرعية. لكن هذه الاجراءات لم تحد من الظاهرة، بل قابلها اصرار كبير من بعض الجزائريين على المغامرة وعدم التخلي عن رغبتهم في " الفرار" من الظلم الاجتماعي والبطالة المزمنة والفقر، حتى لو كان ذلك يشكل خطرا على حياتهم. يصف استاذ علم الاجتماع، علي بنسعد، المختص في الهجرة، ظاهرة " الحرقة" بـ"الرمز القبيح الذي يشير إلى الفشل الاقتصادي الخطير للجزائر. والكاريكاتير الذي يلخص كل الشر الذي يدمر البلاد". كما يرى انها ليست الجواب الصحيح بالتأكيد للمشاكل التي يعيشها المجتمع، لكن يعتبرها شكل من أشكال الاحتجاج العنيف واليأس الذي اصابه. واوضح أن السلطة التي تسوق للاستقرار الظاهري الذي تنعم به الجزائر، لا يمكنها أن تقترح بديلا لمسألة "الحراقة"، لانها لا تريد ولا تستطيع الاستجابة بشكل عام لتطلعات المجتمع بكامله.

د ب ا
الجمعة 15 ديسمبر 2017