نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


كاتب لا يحبه الرئيس ....خلاف مع المباحث يدفع ثمنه صحافي مصري




لندن - الهدهد - حين يزاح صحافي عن رئاسة تحرير ثلاث صحف خلال فترة زمنية قصيرة لابد أن تكون وراءه قصة ولا بد أن تكون الجهة التي تعاديه وتريد التخلص منه بالغة النفوذ والتأثير وهذا ما لا يخفيه عبد الحليم قنديل فهو يذهب بخلافه الى سدة الرئاسة بوصفه أول من وضع الرئيس حسني مبارك في عين العاصفة - كما يقول - وشجع على انتقاد نظامه فكان لابد أن يدفع الثمن الذي يدفعه الآن ولكن ليس بصمت فهو يكشف في مقال (جريمة صحافي مصري ) عن وقائع لا تستدعي تحقيقا سياسيا فحسب بل تحقيقا جنائيا لمعرفة حدود الحقيقة وحدود السلطة وحق حرية التعبير الذي يفترض أنه مكفول بالدستور المصري وفي ما يلي مقال الصحافي الذي يعد بمواصلة الشغب وينتظر نهاية هذه الدراما الواقعية التي تجري فصولها على المكشوف وبمعرفة كافة الأجهزة السرية والعلنية فهل يتحرك القضاء لانصاف صحافي مظلوم ؟ لعل وعسى لكن لا ندري ولا احد يدري فمصر أم العجائب والمفاجآت ،في ما يلي ما يقوله الكاتب الذي لا يحبه الرئيس عن محنته وازمة الحريات في مصر


كاتب لا يحبه الرئيس ....خلاف مع المباحث  يدفع ثمنه صحافي مصري
عبد الحليم قنديل يكتب :'جريمة' صحافي مصري
هذا الموضوع ليس شخصيا، وإن بدا كذلك من العنوان، ومن الكلام الذي ستقرأه بدءا من السطر التالي .
فقد تعودت أن أعيش في قلب الخطر، وأن تهوى الضربات على رأسي كالمطارق، وأن أنتقل ـ بعد استراحات قصيرة ـ من التجويع إلى الترويع، بل ولامست حافة الموت في زيارة خاطفة، وفي حادث شهير غير مسبوق ولا ملحوق في تاريخ الصحافة المصرية، وحين جرى اختطافي وتعذيبي ورميي عاريا في صحراء المقطم ذات صباح رمضاني في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، ومع ذلك، فأنا أعيش لا أزال، وأتنفس، وأعارض، وأفرح بتمرد المصريين بعد المنامة الطويلة، وتكتب لي النجاة حتى إشعار آخر، وفي رعاية دعوات الأمهات والآباء بأن يحفظ الله ويحمي .
في قضية رؤساء التحرير الأربعة في مصر، كنت الوحيد بينهم المتهم بإهانة الرئيس، وقد ظلت القضية تنظر ـ على درجتي تقاضي ـ لأكثر من عامين، وألغى حكم السجن لسنة فيها للأربعة، ونزل الحكم في الاستئناف إلى غرامة العشرين ألف جنيه، لكن ذلك لم تكن نهاية المطاف في رغبة عقابي أنا بالذات، فقد فقدت في الفترة ذاتها منصب رئاسة تحرير جريدتين هما 'الكرامة' و'صوت الأمة'، وفي دراما ضغط هائل كاسح على أصحاب الجريدتين، ومن الموارد ذاتها، من قيادة جهاز مباحث أمن الدولة، ومن بيت الرئاسة وديوان الرئيس بالذات، ومن الأسماء ذاتها التي تحرس الرئيس المغتصب للسلطان، وبأدوار بطولة مطلقة لزكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس، وفي أدوار الضغط التمهيدي كانت البطولة محجوزة للواء اسمه حسن عبد الرحمن يعمل رئيسا مزمنا لمباحث أمن الدولة، وقد بدت النهاية مفاجئة وعلى غير التوقع في حالة جريدة 'الكرامة'، فأصحاب الجريدة ناصريون ورفاق طريق، لكن الضغوط كانت ـ على ما أعرف يقينا ـ فوق طاقة احتمال البشر المعنيين، وعلى مدى عام ونصف، وهي ضعف المدة التي قضيتها رئيسا لتحرير 'صوت الأمة'، وبرغبة ملحة من صاحب الجريدة الذي يملك في الوقت نفسه جريدة 'الدستور' اليومية، وما إن قبلت العرض حتى بدأ الضغط عنيفا متصلا، فقد صدر حكم بالسجن على صاحب الجريدة لثلاث سنوات ونصف، وفي قضية ضرائب مفتعلة، وبعد خمسة أسابيع لاغير من بدء رئاستي لتحرير الجريدة، وبدأت المقايضة في الكواليس المكشوفة، والوعد بإلغاء حكم السجن مقابل إلغاء وجودي في الجريدة، وهو ما حدث بعد أقل من تسعة شهور، وفي دراما عاصفة كان مقالي المصادر المعنون (ممدوح إسماعيل جناية نظام ) مشهدها الأخير .
ضغوط وسجن
وفي القصة تفاصيل مذهلة تستحق أن تروى، وقد لا يتسع لها مقال ولا عشرة، وقد كان أولها انطباع مذعور نقله لي صاحب 'صوت الأمة'، واسمه ـ بالمناسبة ـ عصام إسماعيل فهمي، وهو رجل (بيزنس) بلا عقيدة سياسة من أي نوع، كأن أول انطباع أنه لم يكن يتصور عواقب قراره بدعوتي لرئاسة التحرير، وقال لي بالنص 'انه لم يكن يتصور أبدا أن الرئيس يكرهني إلى هذا الحد'، واكتفيت وقتها بنصف ابتسامة، بينما راح الرجل يروي قصة أول رسالة ضغط كاسح تلقاها، فقد نقل إليه الملياردير هشام طلعت مصطفى رسالة غضب منذر من الرئيس، كان ذلك قبل تورط هشام ـ المقرب من بيت الرئاسة ـ في قضية مقتل سوزان تميم، قال هشام لعصام 'الريس زعلان منك'، ولم يفكرصاحب الجريدة طويلا في فحوى التهديد، فقد وصل مفعول التهديد بأسرع مما كان ينتظر، وتحول 'الزعل' الرئاسي إلى حكم بالسجن المباشر، وفي قضية تافهة جرى افتعالها، والتقاطها من ركام أوراق قديمة لصاحب الجريدة، ، ودون سماح بإبداء المرافعات، وكان عصام يروي لي ما جرى، وبروح فكاهة لا تخفي الفزع، وفي ظنه أنه يشرح لي كثافة الضغط الذي يحتمله، وهو الحبيس في كرسي متحرك من وراء باب بيته، وعقب إصابته قبل سنوات بجلطة في المخ، وكنت ـ ولا زلت ـ أدعو له بالشفاء، فقد كان بيننا حوار متصل ينتهي دائما إلى الوصية ذاتها، وهي أنه يترك 'صوت الأمة' أمانة في عنقي، ولم يكن لي ـ برغم الشكوك ـ أن أخذل رجلا في محنتين، محنة المرض، ومحنة ضغوط السياسة من بيت الرئاسة، ودربت نفسي على ترك التفكير فيما يجري من وراء الكواليس، وقدر لي الله ـ بعون صحافيين مميزين ـ أن أنهض بالجريدة من عثراتها المهنية، وأن أضاعف توزيعها ثلاث مرات، وأن أجعلها أعلى الصحف الأسبوعية المصرية توزيعا وتأثيرا، وأن أحولها لصوت حقيقي للأمة ولأشواق الحرية، وإلى أن جاء الموعد المقدور، وجرى إلغاء حكم السجن بحق صاحب الجريدة في كانون الثاني/يناير الماضي، وجاء موعد الوفاء بالوعد الضمني، ودارت عجلة الضغط الأخير هائجة مائجة، وفي سياق استعجال مباحث أمن الدولة ـ ثم بيت الرئاسة ـ لدفع الثمن، فيما بدا صاحب الجريدة في أسوأ الأوضاع حرجا وارتباكا، فهو لا يستطيع أن يواجهني بالحقيقة، ولا يملك أن يتكتم في الوقت نفسه، وزاد تواتر حكاياته عن ضغوط الرئاسة والجنرالات، ثم تحولت الحكايات إلى مصادمات، ثم تواترت مصادمات النهاية على مدى الشهور الثلاثة الأخيرة، وفي ثلاث معارك كبرى من حول ثلاثة مقالات لي جرت مصادرتها، وبذات الطريقة، كنت أنتهي من عملي في الجريدة صباح السبت، وترسل الأفلام إلى مطابع 'الأهرام'، ويدور التضاغط العنيف ـ الذي لم أكن طرفا فيه ـ من بيت الرئاسة والأمن على صاحب الجريدة، ثم تكون النهاية واحدة، وهي مصادرة مقالي الإفتتاحي، وبحسب وثائق وصور صفحات الجريدة الأصلية التي أحتفظ بها، ونصوص المقالات التي جرى بثها على شبكة الإنترنت، فقد كان تاريخ أول قصف في 5 كانون الثاني/يناير 2009، وجرى تعطيل طباعة الجريدة ليومين، واشتراط أن يرفع مقالي الافتتاحي المعنون (الذين جلبوا العار لمصر)، وفي 16 شباط/فبراير جاء الضغط هذه المرة من جهة حساسة لا أريد ذكر اسمها، وجرت مصادرة مقالي (خطاب مفتوح للجيش)، وبدون أن أعلم هذه المرة، وبدعوى تخوف صاحب الجريدة من تهديد وصله بإحالتي لمحاكمة عسكرية، كان واضحا أن نقطة النهاية تقترب، ولم تتأخر الظنون عن مواعيدها، وانتظرت شهرا بالكاد، تلاحقت فيه الضغوط إلى غايتها الموعودة، وزاد ذعر صاحب الجريدة، ودخل ' بيت الرئاسة' على الخط هذه المرة، وعلى نحو مباشر، وبغير وساطة حاجبة لجنرالات أمن الدولة، وكان المطلوب هذه المرة صريحا منطوقا بلفظه المباشر، وهو أن يصادر مقالي الافتتاحي في عدد 16آذار/ مارس، وكان بعنوان (ممدوح إسماعيل جناية نظام)، وأن يصادر وجود صاحب المقال واستبعاده فورا من رئاسة التحرير، وهو ما حدث، والحمد لله، فقد كان المقال هذه المرة عن شراكة وصداقة ممدوح إسماعيل ـ الهارب في لندن والمدان بقتل ألف مصري ويزيد ـ لزكريا عزمي وعائلة الرئيس مبارك شخصيا .
وماذا بعد؟
وها أنذا أعود إلى الشارع مجددا، لا أطلب عملا، فلدي من العمل ما يكفي ويزيد، وقد أصدرت عقب خروجي من جريدة 'الكرامة' كتابي 'الأيام الأخيرة'، وأستعد بعد خروجي من 'صوت الأمة ' لإصدار كتاب آخر بعنوان 'كارت أحمر للرئيس '، وربما لا تكون لي من فرصة عودة كريمة للصحافة المصرية إلى مدى مقدور، وربما إلى موعد خروج الرئيس مبارك نهائيا من الحياة أوالحكم، أيهما أقرب، وربما انتظر طويلا، أو ربما تكون أقدار الله أسرع مما يظنون، المهم أن تتوافر لي راحة الضمير وسكينة القلب، وأن أرضى باختياري وبدفع ضرائبه، فأنا متهم بإهانة الرئيس، وهذه جريمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه، فقد كان قدري ـ قبل تسع سنوات مضت ـ ان كنت أول صحافي مصري ينتقد الرئيس وعائلته، وضعت الرئيس في عين العاصفة، وحولت الصحف التي ترأست تحريرها ـ 'العربي' ثم 'الكرامة' ثم 'صوت الأمة' ـ إلى منابر صدام مباشر مع حكم الديكتاتور، وطلب الإنهاء السلمي لنظام مبارك وعائلته، وبوسائل العصيان المدني السلمي، وكان فضل الله عظيما على شخصي الضعيف، فلم تعد تلك صرختي وحدي، ولا صرخة الصحف التي أخرجوني من رئاساتها، بل صرخة ملايين المصريين الذين يضربون ويعتصمون الآن، وفي انتظار قيام الساعة الآتية لا ريب فيها

عبد الحليم قنديل
الثلاثاء 24 مارس 2009