نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


مخاطر العجز العربي أمام تهديدات إسرائيل




تمثّل العنصر البارز في الساحة الحالية للاحداث بفشل الحكومات العربية في التجاوب بشكلٍ فعّالٍ ومشتركٍ مع التطوّرات الدولية، حتى وإن كانت لهذه التطورات أهمية كبرى بالنسبة إليها.

أكّد كبار المسؤولين العرب الذين أجريت معهم مقابلات خلال إعداد هذا المقال (لكنهم فضلوا عدم الكشف عن هويتهم) أن عجز الدول العربية المزمن عن اتخاذ موقف موحّد قد أدى إلى شلل الديبلوماسية العربية وإلى إضعاف النظام العربي بكامله.


والمثال الأخير على ذلك هو اجتماع جامعة الدول العربية الذي عُقد في القاهرة في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بهدف تشجيع المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، إلا أنه لم يُثمر عن نتائج ملموسة.

ولطالما اتّسمت العلاقات بين العرب بالخصومة والعداء المتجذّر ممّا أدّى إلى شلّ العمل الجماعي. ويُعتبر ذلك مُؤسفاً اليوم لا سيّما في وقت يحتاج فيه العرب بشكل ملح إلى محاولة استمالة الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس المنتخب باراك أوباما وإسرائيل، فعليا، التي تمرّ حاليا في فترة الإعداد للانتخابات العامة التي ستجري في شهر شباط (فبراير) والقابعة في خضمّ جدالٍ كبيرٍ حول علاقاتها مع العالم العربي.

وبخلاف العرب، وضع الاتحاد الأوروبي بأعضائه السبعة والعشرين وثيقة شرح فيها وجهات نظره لأوباما. وتدعو هذه الوثيقة إلى إقامة العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أساس مبدأ «تعددية الأطراف» وإلى إيلاء أولوية الاهتمام إلى النزاع العربي -الإسرائيلي حيث يقترح الاتحاد الأوروبي الاضطلاع بدور عامل الاستقرار. كما تدعو الوثيقة إلى علاقاتٍ مع روسيا تقوم على البراغماتية وإلى الإقرار بأن حلّ النزاع مع حركة «طالبان» في أفغانستان وباكستان لا يكون بالسّبل العسكرية.

فأين العرب من وثيقة مماثلة؟ وأين هي خريطة طريق العلاقات العربية - الأميركية المستقبلية؟ وكيف تتوقع الدول العربية أن يتم سماع كلمتها إذا كانت لا تعبّر عن نفسها ككيانٍ واحدٍ؟

للصمت العربي نتيجتان مهمتان على الأقل. أولا، لقد فتح عجز العرب السياسي الباب أمام إيران وتركيا لسدّ الفراغ الحاصل. ثانيا، لقد دفع اليأس من غياب تفاعل الحكومات العربية مع «الشارع» العربي إلى التطرّف المتزايد. وبشكلٍ مناقضٍ، ومقابل ازدياد خوف الأنظمة العربية من استقطاب الأفكار المتطرفة المتزايد لشعوبها، يزداد تشددها وقمعها وتتراجع قدرتها على إنقاذ سمعتها من خلال اتخاذ خطوة مشتركة وجريئة.

ويُعْتَبَرُ الوضع المخزي الذي نشهده في غزة حاليا دليلا واضحاً على ذلك. فلم يصدر عن البلدان العربية أي احتجاج جماعي على خرق إسرائيل الصارخ للقانون الدولي، على الأقل لم يصدر أي احتجاجٍ علني. ولم تستخدم الدول العربية حتى قوتها السياسية أو المالية لدفع المجتمع الدولي إلى فكّ الحصار. كما لم يقم أي وفدٍ عربيٍّ مؤلف من كبار الوزراء العرب بجولةٍ على العواصم الكبرى للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن للمطالبة بوقف إسرائيل للعقاب الجماعي الذي تُنزله بمليون ونصف مليون شخص في غزة.

حاولت دولة عربية أو إثنتان القيام بخطوة فردية لكن من دون جدوى. وتخطط جمعية خيرية قطرية لإرسال سفينة إلى غزة، لكنّ آمال عبورها ضئيلة. وقد تمّ إرسال سفينة ليبية مُحمّلة بـ3 آلاف طن من مواد الإغاثة إلا أن البحرية الإسرائيلية اعترضتها وأجبرتها على أن تعود أدراجها، فحطت رحالها في ميناء العريش في مصر.

لكن، تبدو مصر عاجزةً تماما عن العمل على تخفيف البؤس الذي تعانيه غزة وهي تقع بمحاذاة حدودها، لا سيما وأنها مكبّلة بمعاهدة السلام مع إسرائيل وضعيفة بسبب اعتمادها على المساعدات الأميركية وقلقة من نشاط «الإخوان المسلمين» وغارقة في المشاكل الداخلية ومسكونة بهاجس الخلافة.

ومنذ مرحلةٍ ولّت، كانت الترويكا المؤلّفة من مصر والمملكة العربية السعودية وسورية تتمتّع بحضورٍ في العالم. أما اليوم فلا يبقى من مصر سوى شبح حضورها السّابق، أقله سياسياً، فيما العلاقات السورية - السعودية متوتّرة بسبب تحالف دمشق مع إيران.

وتدل الأمثلة المختلفة على فشل العرب في اتخاذ موقفٍ موحّدٍ. وفي نهاية الشهر الماضي، أطلق ما لا يقلّ عن خمسمئة من جنرالات إسرائيل السابقين والديبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين الرفيعي المستوى حملةً لـ «ترويج» مبادرة السلام العربية، التي رعتها المملكة العربية السعودية، لدى الشعب الإسرائيلي. وتقترح المبادرة، التي أُطلقت للمرة الأولى خلال القمة العربية التي عقدت سنة 2002، السلام على إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية الإثنتين والعشرين مقابل انسحابها من الأراضي الفلسطينية والسورية التي استولت عليها عام 1967.

وحثّ هؤلاء المسؤولون الاسرائيليون، وعلى رأسهم اللواء المتقاعد داني روتشايلد، زملاءهم الإسرائيليين من خلال إعلانٍ نشر على صفحةٍ كاملةٍ في الصحف الإسرائيلية، على «عدم تجاهل الفرصة التاريخية التي يقدمها لنا هذا الموقف العربي المعتدل». ونقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية عن روتشايلد قوله في 27 تشرين الثاني(نوفمبر): «يحتاج الجمهور الإسرائيلي اليوم إلى دليلٍ يشجّعه على إبرام صفقة نهائية مع الفلسطينيين والسوريين».

فكيف كانت ردة فعل الزعماء العرب على هذه الدعوة الإسرائيلية غير المعهودة إلى السلام؟ هل قابلوها بحماس؟ هل اقترحوا عقد اجتماعٍ مشترك لتحديد تفاصيل مبادرة السلام؟ وهل سعوا للضغط على الإدارة الأميركية الجديدة والاتحاد الأوروبي لدعم مبادرة السلام؟ يبدو أنهم لم يقوموا بأي من ذلك كله.

وصحيح أن الأمير تركي الفيصل، وهو الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، قد قدّم دعمه لمبادرة السلام ضمن تقرير جديد أعدته مجموعة أوكسفورد للأبحاث البريطانية. إلا أن هذا الدعم يختلف عن الحاجة الى تحرّك ديبلوماسي عربي مشترك يحظى بتغطية إعلامية كبيرة ويستدعيه هذا الظرف.

ولا يقلّ دويّ الصمت العربي عندما يتعلق الأمر بالتهديدات الإسرائيلية الصريحة ضد غزة ولبنان. ولا يمرّ يوم واحد من دون أن يهدّد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق ضدّ غزة بغية وقف الصواريخ التي يتم إطلاقها على إسرائيل. إلا أن إسرائيل هي التي خرقت الهدنة وليس «حماس» وذلك في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بسلسلة من الغارات المسلحة على غزة تسببت بمقتل عشرات الفلسطينيين. وكالعادة، تريد إسرائيل أن تضرب وتقتل كما يحلو لها من دون أن يقابل ذلك اي رد.

ولا يتردّد أيضا كبار المسؤولين الإسرائيليين في توقع شنّ حرب جديدة «حتمية» على لبنان. وقد حذّر اللواء المتقاعد جيورا عيلاند، وهو مستشار الأمن القومي السابق لدى شارون وأولمرت، في مقال نشرته مجلة «ستراتيجيك أسيسمنت» وهي النشرة الفصلية التي يصدرها «معهد دراسات الأمن القومي» الاسرائيلي في شهر تشرين الثاني من أن الحرب التالية «ستؤدي إلى القضاء على الجيش اللبناني وإلى تدمير البنية التحتية اللّبنانية وإلى إنزال العذاب الشديد بالشعب».

وفي العدد نفسه، كتب الجنرال يوسي كوبرواسر، وهو رئيس سابق لقسم الأبحاث الاستخباراتية العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أن «الامتناع عن التحرّك (في لبنان) يسمح للمنظمات الإرهابية (ويقصد «حزب الله») بإظهار قوتها وتعزيز قدراتها... بالتالي، لا يمكن تفادي شنّ عملية عسكرية برية واسعة النطاق...»

لماذا لم تندّد الدول العربية علنا بهذه الدعوة غير المسؤولة إلى الحرب؟ فمن السهل أن نتصور رد فعل إسرائيل الغاضب وموجة الاحتجاج الدولي في حال كتب مسؤول عربي أو صحيفة إيرانية عن «حتمية» شنّ حرب لتدمير البنية التحتية الإسرائيلية وإنزال العذاب الشديد بالشعب الإسرائيلي.

من المهمّ أكثر من أيّ وقتٍ مضى أن يوحّد العرب كلمتهم ويُسْمِعوها في حال أرادوا أن ينقذوا المنطقة من نزاعٍ آخر كبير.

· كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط



باتريك سيل
الجمعة 12 ديسمبر 2008