تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


مرثية الزوال ....."الهجالة " نص أدبي جديد للصحفية الجزائرية فتيحة بوروينة




الجزائر –انشراح سعدي - "الهجالة "نص أدبي صدر مؤخرا عن منشورات القصبة بالجزائر لصاحبته فتحية احمد بوروينة التي اختارت في تجربتها الأولى عنوانا من لفظة واحدة جزائرية بحثه معنها الأرملة،تمكنت من خلاله جلب القارئ بمختلف شرائحه خصوصا وان النص الأدبي لم تعد تحدده لا المقدمة ولا الخاتمة،وبشكل آخر لم يعودا يشكلان حدودا ثابتة وصارمة للعمل الإبداعي فالعنوان، واسم المؤلف والناشر والصورة والعناوين الداخلية… تشكل جميعها عناصر متحكمة في نجاح العمل والكاتبة عرفت من أين تأكل الكتف فبدأت العمل بعنوان يحمل العديد من الدلالات بالنسبة للقارئ الجزائري خصوصا .


غلاف الكتاب الجديد
غلاف الكتاب الجديد
العنوان عامة يعلن عن استقلاله واكتفائه الذاتي. وبذلك يتكون كنص حول نص آخر، فمن جهة، هناك ملفوظ مركزي ونحوي بشكل ما ومن جهة أخرى هناك ملفوظ تام تركيبيا ودلاليا.
كما أن العنوان يعد آلة معقدة، فهو لا يمنح نفسه للتحديد بسهولة. إنه نتيجة التقاء ملفوظ روائي بملفوظ إشهاري. فمن خلاله وعبره تلتقي الأدبية والاجتماعية، في بعدهما ألإشهاري والاستهلاكي، لذا فإن العنوان يدعو إلى تلقيه بطريقتين مختلفتين،المـــقاربة الأولى تركز على قانون السوق، والثانية على رغبة قول الكاتب وعلى اشتغال الكتابة ،فالعنوان يعتبر مدخلا رئيسا وأوليا إلى عمارة النص لأنه يمتلك طاقة تـوجيهية كبيرة،فمن خلال عنوان النص الأدبي يمكن أن نستشف سمة معينة تميزه وهي ارتباط النص بالهجالة أي الأرملة،
أي المرأة التي توفي زوجها وفي دلالة اللفظ الجزائري الكثير من الدلالات أهمها أنها امرأة بلا ظهر وان كانت مثقفة واكاديمة أو حتى عالمة .
جاء العنوان على غلاف الكتاب مكتوبا باللون الأصفر الفاقع مرفقا بلوحة صغيرة في إطار يحده اللون الرمادي القريب الذي يلتقي مع السواد والبياض في نقاط عديدة ،بياض الكفن وسواد الحداد ، وبداخل الصورة الإطار ثلاث نسوة تتفاوت أعمارهن ويطغى الصورة الإطار الألوان الثلاثة الأحمر يليه الرمادي فالأصفر.

وقد أثبتت الدراسات النفسية التأثيرات الآتية للون الأحمر، فهو يثير روح الهجوم، الغزو والآفتان والشجاعة والثأر، ويخلق في الإنسان نوعا من التوتر العضلي، ويرفع من حرارة الجسم، وهو ويبدو أكثر الألوان إغراء في الطعام، والأحمر يحمل معنى الخــــطر والإثارة، لذا يستعمل للإشارة إلى معدات مقاومة الحريق والوقاية من النار هناك استخدامات أسطورية للألوان، فاستخدم اليابانيون اللون الأحمر لطرد الكابوس، وكانت هناك خواتم حمراء يرتديها الجنود في مصر القديمة، حيث يقابلون أعداءهم حتى لا يجرحوا، وإذا جرحوا لا ينزفوا. وقد أعطت كثير من الديانات للألوان قيمة خاصة، واتخذت لها دلالات رمزية، ومنهم ما ربط بعض الممارسات الدينية بألوان خاصة ، فالأحمر يرمز في الديانات الغربية إلى الاستشهاد في سبيل مبــــدأ أو دين وهو رمز لجهنم في كثير من الديانات،حيث توصف جهنم بأنها حمراء وتعددت دلالات اللون الأحمر في التراث الشعبي وتباينت مفهوماته بصورة تجعله لونا مميزا،وارتبط بلون الدم، استعمل للتعبير عن المشقة والشدة والخطر والغضب جاء في محكم التنزيل "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحـمر مختلف ألوانها وغرابيب سود"فالأحمر هنا ارتبط بالصـعوبة وملاقاة الأهوال والأزمات ، ولا اكبر من المصاب الجلل الذي تتحدث عنه الكاتبة هي وفاه الزوج ونظرة المجتمع لها .
إن صورة الغلاف عتبة أخرى تؤكد ما سبق ذكره، بل أكثر من ذلك، فهي تجعل المتلقي في كثير من الأحيان يتصور العنوان قبل أن يقرأه أو على الأقل يصل إلى الحـقل الدلالي الذي ينتمي إليه هذا الأخير . ذلك أنها تقوم بصياغة ملامح العمل فالنسوة الثلاث باللباس التقليدي لأصعب منطقة جزائرية جغرافيا أي منطقة القبائل الكبرى توحي لنا أن " الهجالة " في تحدي لطبيعة ما هي طبيعة المجتمع العربي الذي يرى المرأة بعد الطلاق أو الترمّل فريسة يجب أن تخضع لقانون طبيعي أخر هو الكسوف عن الواجهة الحياتية أي الموت الحتمي والمطلق.
أشير إلى أن "الهجالة "ورد ت لفظة مفردة تشكل من خلالها العنوان ولم يربط لا بسابقة ولا بلاحقة تحيلنا على أرضية ما نبدأ بها قراءة هذا العنوان ،بل تترك مبدئيا قراءة أحادية وهي أن الهجالة امرأة أرملة بمجرد أن يبدأ القارئ القراءة يعرف أن هذه الهجالة هي الكاتبة نفسها هي لا تحكي عن وجع امرأة أخرى بل هو وجعها الدفين .
ارتبطت لفظة الهجالة في فضاء النص بالوجع والتأوه والاستذكار لأيام جميلة قضتها الكاتبة رفقة مراد زوجها ووالد ابنيها إذ جاء في الإهداء"إلى روحِ من احتَرقَ قلبُه بحُبِي .. فاحترَقْتُ بنَبضِه الغَائبِ إلى الأبــد .. إلى الصديق الحميم .. قبل الزوج العاشق .. إلى من أحّبَني بطُهرِي و أخطَائي إلى مراد تيروش .. إلى أطفالِه بشرى و عبد الرحمن .. إلى أجملِ ما أَنجزَ و انْطفَأ .. إلى من تأوَّهُوا برحِيلِه المُفَاجِئ مِثلي .. فآنسُونِي و لمَلمُوا حُزني المُتشَظِي مثل المَرايَا .. لكَ نَهدِي حُروفَنا الموجُوعة .."
هذا الإهداء عتبة نصية أخرى لا تخلو من قصدية سواء في اختيار المهدى إليه اوإليهم، أو في اختيار عبارات الإهداء ،فالإهداء تقليد ثقافي عريق يتمثل في تقديم العمل -رمزيا - إلى شخص أو مجموعة ، و يرتكز عليه في فهم خصوصية العمل وعوالمه الممكنة، وفي الآن ذاته، تأكيد لدور المهدى إليه الذي يعتبر، بشكل أو بآخر، مسؤولا عن العمل وفي هذه النص كان المهدى إليه هو مراد تريوش زج الكاتبة التي نعته في كتاب من سبع فصول يعتبر نوعا جديدا من الكتابة في الجزائر تتحدث فيه عن 130يوم للعدة الشرعية التي اعتبرتها الكاتبة طوقا وان كان شرعيا يخنقها خصوصا وأنها الصحفية النشطة التي تعودت على العمل والحرمة المستمرة .
وجاء في النص تصدير جاء في شكل لتقديم للناقد الجزائري والروائي عبد المالك مرتاض فقال" عُرِض عليّ هذا النّصّ مخطوطاً فألفَيتُه نصّاً أدبيّاً رصيناً، يمثّل تجربة فريدةً عاشتْها كاتبة إعلاميّة متأنّقة هي فتيحة بوروينة، وهي تجربة مُرّة قَرِيحَةٌ، تَمْثُلُ في حَكْيِ قصّة فِقْدان زوجها فَجأةً، ودون مَرَضٍ سابقٍ، بعد أن ترك لها طفلين صغيريْن يتيميْن في رعايتها، وما وقع لها من أحزان كابدَتْها بكلّ شجاعة وصبر. فكان لا بدَّ مِنْ أن تؤثّر هذه المصيبةُ المريعة تأثيراً عنيفاً في وِجْدان الكاتبة الإعلاميّة فصاغتْها بلغة عنيفة، تلائم عُنْف المصيبة، وقساوة الْمِحنة، ولكنّها لغة صادقة، وبأسلوب مباشر ولكنّه متميّز؛ فوصفتْ حالَ جُثّة زوجها مراد الهامدة، وهي أَمامَها مشروحة ممدودة، كأنّ تلك الجثّة العزيزة لم تكن، من قبلُ، شباباً ناعماً، ولا جسماً مكتظّاً بالحياة والعنفوان..."
مثلما ذيل الروائي السعودي احمد ابوالدهمان الذي قال حين قرأت الهجالة ، بكيت كأني مراد،كأني فتيحة ، كأني بشرى وعبد الرحمن...عرفت في الهجالة ما لم اعرفه من قبل عن الجزائر عن الإسلام عن الحب والوفاء.... في الهجالة تتجلى خصوصية النص الجزائري اعني الحرية فما يكتب بالعربية في الجزائر لا مثيل له في النصوص العربية الأخرى ،شهادة عظيمة من الكاتب المبدع صاحب الحزام الذي كتبه باللغة الفرنسية والعربية .
نص الهجالة يمكن أن يقرأ ويؤل كثيرا وهو نص شهي مازال ينتظر مشرط الناقد ليخرج منه مواطن الجمال والإبداع.

انشراح سعدي
الخميس 19 نوفمبر 2009