نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


نازحو الحديدة ... منسيون في زمن الحرب




صنعاء - هرباً من جحيم المواجهات المسلحة والغارات الجوية، نزح الآلاف من المدنيين من محافظة الحديدة، غربي اليمن، التي تشهد معارك عنيفة بين قوات الجيش اليمني الحكومي مسنودة بقوات التحالف العربي من جهة، ومسلحي جماعة الحوثي من جهة اخرى.


ونزحت معظم هذه الأسر إلى العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في حين توجهت بقية الأسر إلى محافظة عدن (جنوب اليمن) وإب (وسط اليمن) و إلى محافظات يمنية أخرى، حيث واجهت العديد من تلك الأسر مصاعب ومخاطر جمة حتى استطاعت الوصول إلى المناطق الأخرى الهادئة نسبياً داخل المحافظة او المحافظات الأخرى.
في صنعاء، وصلت عشرات الأسر النازحة من الحديدة وتوجهت إلى مدرسة أبو بكر الصديق الحكومية التي تم تخصيصها مؤخراً من قبل مسلحي الحوثي كمخيم لإيواء النازحين القادمين من الحديدة، ويشرف عليها مسلحون يتبعون جماعة الحوثي التي تسيطر على صنعاء والعديد من المحافظات الشمالية.

لم تستوعب المدرسة سوى جزء من تلك الأسر، فيما اضطرت بقية الاسر إلى التوجه إلى منطقة مذبح بمديرية معين، شمال العاصمة صنعاء، حيث تشتهر تلك المنطقة بانتشار المباني العشوائية.
هادي محمد علي، مواطن من مدينة الحديدة، نزح مع أسرته المكونة من تسعة أطفال وزوجته قبل نحو ثلاثة أشهر، بالتزامن مع حملة القصف العنيف التي شهدتها المدينة من قبل الطائرات والبوارج التابعة لقوات التحالف العربي في ظل احتدام المواجهات المسلحة بين طرفي الحرب، حد وصفه.
يقول علي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "هربنا من شدة القصف، فالطائرات تقصفنا من أعلى، والبوارج الحربية تقصفنا من البحر، إلى جانب قذائف المدافع والدبابات التي يتبادلها طرفي النزاع على الأرض.".

يحكي علي قصة نزوحه، ويقول "بعنا كل شيء نملكه بثمن بخس كي نتمكن من الفرار إلى صنعاء، هرباً من الموت، حيث قتل العديد من جيراني في الحي الذي اسكن فيه بالقرب من ميناء الحديدة نتيجة القصف الجوي والبحري الذي شنه التحالف. رأينا عند هروبنا جثثاً على الأرض وسمعنا الطائرات تحوم فوقنا. كانت أصوات القصف مرعبه ونحن معرضون للموت في اي لحظة".
فور وصوله إلى صنعاء، لم يجد علي مكاناً يؤويه وصغاره الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم ست سنوات.
ويضيف "اضطررنا للمبيت ليلتين كاملتين تحت الشجر في العراء بمنطقة مذبح حتى استطعت استئجار غرفة صغيرة لا تتجاوز مترين وفناء صغير يغطي جزء منه خيمة من قماش ممزق، تستخدمه الأسرة بدلاً عن المطبخ، مقابل عشرة آلاف ريال يمني."
لا تملك أسرة علي سوى بعض الفرش المهترئة، وأغطية ممزقة، وآواني قديمة لطباخة الطعام باستخدام مخلفات البلاستيك بدلاً عن الغاز المنزلي الذي لا تملك الأسرة المال للحصول عليه.

وتقول زوجة علي "اشعل النار في العلب البلاستيكية واضع الأواني فوقها كي اصنع الخبز لأطفالي وهو طعامنا في الصباح والمساء. وفي بعض الأيام لا نجد ما نشبع به بطوننا الخاوية".
وتشير إلى انها تضطر للخروج يومياً إلى الشوارع مع زوجها واطفالها لجمع القناني والعلب البلاستيكية الفارغة وبيعها مقابل مبالغ مالية زهيدة من اجل الحصول على المال.
" لا يوجد لدينا مال أو مصدر دخل سوى ما نحصل عليه من بيع العلب البلاستيكية. لا نعرف على ماذا ننفق ما جمعناه هل على إيجار المنزل أو على الطعام أم على حليب ابنتي الصغيرة التي لم تكمل عامها الأول...؟؟".
وتشكو زوجة علي من ضعف الدور الذي تقوم به المنظمات الإنسانية، مؤكدة أنها وبقية النازحين لم يحصلوا على أي دعم من قبل المنظمات منذ وصولهم إلى صنعاء سوى على فرش واحد وغطاء واحد لكل أسرة مهما كان عدد أفرادها.
وتتحدث زوجة علي بحرقة وتقول "لم أكن أتخيل أبداً أن يأتي يوم أضطر فيه إلى جمع العلب البلاستيكية من الشوارع كي أنقذ نفسي واطفالي من الهلاك،" وتتابع "لا نريد شيئا من السياسيين سوى أن يتركونا نعيش بسلام .. الموت افضل من العيش في هذا الذُل والعذاب".
ومنذ 13 حزيران /يونيو الماضي، أعلنت القوات الحكومية بإسناد من قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، إطلاق عملية عسكرية لتحرير ميناء ومدينة الحديدة، غربي اليمن، من قبضة مسلحي الحوثيين، وتمكنت خلال العملية العسكرية من السيطرة على عدة مناطق في أطراف المدينة.
ويسيطر الحوثيون على مدينة وميناء الحديدة منذ عام 2014 بعد اقتحامهم العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية أخرى، بقوة السلاح، في حين تتهم السلطات الحكومية الشرعية وقوات التحالف مسلحي الحوثيين بتلقي الدعم العسكري من إيران عن طريق ميناء الحديدة، وهو ما تنفيه جماعة الحوثي.
سعد عمر، هو الآخر نزح مع أسرته إلى جانب أربع أسر أخرى من شارع الستين في الحديدة إلى العاصمة صنعاء، ويعيشون سوياُ في غرفة واحدة لا تتعدى مساحتها ثلاثة امتار، وسقفها مثقوب و تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
يقول عمر لـ (د.ب.أ)، "نزحنا من شارع الستين الواقع جوار ميناء الحديدة. بعنا كل ما نملك حتى نحصل على المال ونستطيع النزوح إلى صنعاء".

وصلت تلك الأسر إلى مدرسة ابو بكر الصديق لكنها لم تجد متسعاً لها هناك، فاضطرت للمبيت في فناء المدرسة لبضعة أيام ومن ثم انتقلت إلى منطقة مذبح.
يتنهد عمر بحرقة ويحاول مقاومة دموعة ويتابع "اعطانا فاعل خير هذه الغرفة التي لا تقينا من الأمطار ولا البرد، لكنها مجرد غطاء نختبئ فيه بعيداً عن الذُل والمهانة الذي تواجهنا في الخارج".
بداخل الغرفة، التي تقع وسط فناء صغير مغطى بالطرابيل الممزقة، تعيش تلك الأسر المكونة من 27 فرداً، جُلهم من النساء والأطفال.
يقول عمر "كانت حياتنا مستقرة، كنا نعيش براحة. كان لدي مصدر دخل ثابت حيث كنت أعمل حمالاً في الميناء".
واشار عمر إلى أنه لو كان يعلم أن وضعهم سيكون هكذا لما قرر النزوح والخروج من منزله ومدينته، متمنياً العودة إليها في أقرب وقت.
وأضاف "انقلبت حياتنا رأساً على عقب عندما بدأت الحرب في الحديدة، حث توقفت الأعمال، وغاب الأمن، وحفر الحوثيون الخنادق في الشوارع، وكثف التحالف غاراته على المدينة، واضطررنا لترك منازلنا. وحتى اليوم ما زلنا ننتظر السلام أو الحرب وكأنه لا قيمة لنا وسط هؤلاء المتقاتلين".
وأوضح أن الموت تحت القصف أو بين القذائف أهون بكثير من الموت جوعا وقهرا بسبب النزوح.
ويواجه النازحون القادمون من الحديدة صعوبة كبيرة في الحصول على مأوى في صنعاء، وسط ضعف الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية، حد وصفهم.
ومنذ إعلان التصعيد العسكري في محافظة الحديدة، نزح 80 الف شخص من منازلهم، بحسب تقرير لمنظمة أوكسفام الشهر الماضي.
أم سعيد، نازحة من منطقة الربصة الواقعة بجانب مطار الحديدة، اضطرت هي الأخرى لترك منزلها والهرب إلى صنعاء للوصول إلى مكان أكثر أمناً من الحديدة التي شهدت معارك عنيفة وقصف متبادل بين الجيش الحكومي مسنوداً بمقاتلات التحالف من جهة، ومسلحي الحوثيين من جهة ثانية خلال الأشهر القليلة الماضية.

تقول أم سعيد لـ (د.ب.أ)، "اضطررنا للهرب عند اشتداد القصف ولم نستطع اخذ شيء معنا سوى بعض الملابس. كنت اردد الشهادة استعداداً للموت في اي لحظة. نزحت إلى صنعاء وانا اعتقد اني سأعيش حياة كريمة ولكني فوجئت بمصاعب الحياة".
حاولت ام سعيد النزوح إلى مدرسة أبو بكر الصديق، وقضت أربع ليالي خارج مخيم المدرسة حتى تتمكن من الدخول، إلا أن المسؤولين عن المدرسة لم يسمحوا لها بالدخول نتيجة ازدحام المدرسة بعشرات الأسر النازحة.
" المدرسة مزدحمة جداً ولا يوجد اي مكان فيها لاستضافة المزيد من الأسر النازحة، حيث يسكن في الصف الواحد نحو خمس أسر".
اضطرت أم سعيد للبحث عن مكان يؤويها وأطفالها السبعة، حتى تمكنت من استئجار منزل مكون من غرفتين في منطقة مذبح التي استضافت عشرات الأسر النازحة من الحديدة.
ولا يختلف وضع أم سعيد عن بقية النازحين في تلك المنطقة، حيث لا تمتلك مصدر دخل، وتشتكي من غياب المساعدات الإنسانية من قبل الجهات المعنية، الأمر الذي اضطرها وابنائها إلى التسول "للحصول على لقمة العيش وتأمين إيجار المنزل الذي يقدر بـ 15 الف ريال يمني".

وبحسب أم سعيد، يذهب النازحون باستمرار إلى مخيم مدرسة أبو بكر حتى يتم ضمهم إلى جانب الأسماء الأخرى في المخيم كي يتمكنوا من الحصول على المساعدات الغذائية.
تتنهد أم سعيد وبحسرة تتابع "منذ عدة أشهر وهم يعدوننا بتسجيل اسمائنا وبأنهم سيرسلون إلينا رسائل نصية حتى نأتي لاستلام المساعدات ولكن لم نحصل على اي شيء حتى اليوم".
وهناك العديد من الأسر النازحة تسكن في مباني عشوائية مهجورة لم يتم استكمال بنائها بعد، في وضع إنساني مزري حيث تفترش تلك الأسر الأرض، دون أن تمتلك حتى غطاء يحميها من البرد والمطر.
خطر الموت
ويواجه هؤلاء النازحون خطر الموت أثناء نزوحهم جراء الألغام التي زرعها مسلحو الحوثيين في مناطق المواجهات، أو جراء الغارات الجوية الخاطئة التي ينفذها طيران التحالف العربي، وأحيانا جراء هجمات مسلحة ينفذها مجهولون.
منال الوصابي، ناشطة في المجال الإنساني، تقول لـ (د.ب.أ)، هناك نزوح داخلي من مناطق الاشتباكات إلى مناطق هادئة نسبياً في الحديدة، وهناك نزوح خارجي إلى بقية المحافظات مثل صنعاء و تعز وإب وعدن.
وفي كلا الحالتين، توضح الوصابي، أن النازحين يواجهون الموت، أثناء النزوح، فضلاً عن ان "هناك مئات الأسر التي لم تتمكن من النزوح من مناطق الاشتباكات نتيجة الفقر المدقع وعدم تمكنها حتى من الحصول على اجرة التنقل".
وتتابع "للأسف فقد هؤلاء النازحون أبسط حقوقهم ولم يتمكنوا من الحصول على حياة كريمة سواءً في منازلهم أو حتى في مخيمات النزوح".
ووصفت الوصابي، حياة المدنيين في الحديدة، بأنها حياة مأساوية "فهم لا يملكون فرص العمل ولا الغذاء ولا الماء النظيف ولا الكهرباء ويواجهون الموت كل يوم، وحتى إن فكروا في النزوح سيكون مصيرهم كغيرهم من النازحين".
وأكدت، أن هناك عشرات المدنيين الذين قتلوا خلال نزوحهم جراء الألغام، والقصف الجوي، وتابعت "حتى في مخيم النازحين في مدينة عدن، قتل وجرح عدد من المدنيين جراء القاء قنبلة يدوية من قبل مجهولين إلى داخل المخيم في مديرية الشيخ عثمان".
وتشهد مدينة عدن توترات أمنية ومطالبات شعبية واسعة بمنع دخول ابناء المحافظات الشمالية التي تقع من ضمنها محافظة الحديدة، إلى المحافظات الجنوبية.
وناشدت المنظمات الإنسانية بالعمل لمساعدة أبناء محافظة الحديدة سواءً في داخل مدنهم، أو في مناطق نزوحهم.
وقالت "لا توجد مخيمات رسمية كافية لهؤلاء النازحين، فهي محدودة جدا ولم تتسع سوى لقلة من تلك الأسر، واضطرت بعض الأسر إلى اتخاذ إحدى المقابر في مدينة عدن كمأوى للنزوح، وفي صنعاء وإب وذمار تشرد العديد من النازحين وسط الأحياء الفقيرة".
كما دعت أطراف الصراع إلى وقف الاشتباكات المسلحة التي "لم ولن يدفع ثمنها سوى المدنيين"، وإيجاد حل سلمي شامل.
ويشهد اليمن، منذ نحو أربعة أعوام، حرباً بين القوات الحكومية والحوثيين، خلفت أوضاعاً معيشية وصحية متردية للغاية، وبات معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حيث يحتاج حوالي 22 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات غذائية، فضلاً عن وجود ما لا يقل عن ثمانية ملايين شخص على حافة المجاعة في البلد الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حسب ما أفادت منظمة الامم المتحدة.


أمل اليريسي
الاحد 9 سبتمبر 2018