نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


يوم في الطاحونة




أستيقظ كل صباح على صياح الديك وأتناول إفطاري وأذهب للمشي
بين الأبقار
والخراف وحقول الذرة والقش


حياتي في هذه اللحظة عبارة عن سيمفونية مؤلفة من ثلاث حركات؛ «الكثير من الناس» و«القليل منهم» و«وبالكاد أحد». تستمر كل حركة ما يقارب من أربعة أشهر في العام، وإن كان هناك القليل من كل منهم خلال شهر واحد، ولا تختلط حركتهم أبدا.

«الكثير من الناس»، حينما أتواصل مع العامة ومع الناشرين والصحافيين. «القليل منهم»، حينما أعود إلى البرازيل وألتقي بأصدقائي القدامي، واتنزه على طول شاطئ كوباكابانا، والذهاب إلى بعض المناسبات الاجتماعية، وقضاء معظم الوقت في البيت.

أريد اليوم أن أتحدث قليلا عن حركة «بالكاد أحد». خيم الليل في هذه اللحظة على 200 ساكن في إحدى قرى جبال البيرينيز، التي أفضل أن أحجب اسمها، حيث اشتريت فيها قبل زمن قصير سكنا كان قبل تعديله طاحونة. أستيقظ كل صباح على صياح الديك، وأتناول إفطاري وأذهب للمشي بين الأبقار والخراف وحقول الذرة والقش.

انظر إلى الجبال ـ التي لا تشبه الوقت الذي تحفل به بحركة «الكثير من الناس» ـ ولا أفكر أبدا من أنا. ولا أملك أية أسئلة أو أجوبة، لأعيش بالكامل في حاضر اللحظة، وأنا مدرك بأن في السنة أربعة فصول (نعم، أعرف أن هذا أمر بديهي، لكننا ننسى في بعض الأحيان)، وأحول نفسي كما يفعل الجانب الريفي بالمنطقة من حولي.

في هذه اللحظة، لا أهتم كثيرا بما يحدث العراق أو أفغانستان، مثلي مثل أي واحد في الريف، فأهم الأخبار هنا النشرة الجوية. كل واحد يعيش في القرية الصغيرة يعرف إن كانت ستمطر أم لا، أو سيكون الطقس باردا أو عاصفا، لأن هذا الأمر ذو تأثير مباشر على حياتهم وخططهم ومحصولهم. أرى مزارع يعمل في حقله، نتبادل تحية الصباح ونناقش حالة الجو، ثم نعود إلى شأننا، هو في الحراثة وأنا في سيري.

أعود وأتفقد صندوق البريد، أسحب الجريدة المحلية، هناك حفلة راقصة في القرية المجاورة، ومحاضرة في نادي «تاربيس» في المدينة الكبيرة الأقرب إليهم، والتي يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، وخبر عن استدعاء فريق الإطفاء ليلة الأمس بسبب إشعال النار في حاوية نفايات. والخبر المأساوي الراهن في هذه المنطقة، هو اعتقادهم أن المسؤول عن قطع خط من الأشجار على طول الطريق، هو مجموعة تلوم الأشجار وتحملها مسؤولية موت الفتى سائق الدراجة.

ويحتل هذا الخبر مساحة صفحة بأكملها، وهناك العديد من المقالات المشابهة عن «الخلية السرية» التي ترمي إلى الانتقام لموت الفتى، من خلال تدمير الأشجار.

أستلقي بجانب مجرى الساقية التي تعبر الطاحونة، وأنظر إلى السماء الصافية في هذا الصيف المخيف مع خمسة آلاف حالة وفاة في فرنسا وحدها. أنهض وأذهب لأتدرب على الكيودو، الرياضة التي تجمع بين التأمل ورماية السهام والتي تستغرق ساعة من يومي. حان الآن وقت الغذاء، أتناول وجبة خفيفة، ثم وفي إحدى غرف هذا البناء القديم، أنتبه فجأة لشيء غريب يضم شاشة ولوح مفاتيح، ومتصل ـ يا للعجب العجاب- بخدمة خطوط الانترنت الفائقة السرعة والتي تعرف باسم (دي إس إل). وأنا مدرك الآن، أني في اللحظة التي أضغط فيها على أحد مفاتيح هذا الجهاز، سيأتي العالم لمقابلتي.

قاومت قدر استطاعتي لكن اللحظة حانت، وضغط إصبعي مفتاح التشغيل. ها أنا أتواصل مع العالم مجددا؛ الصحف البرازيلية، والكتب ومواعيد المقابلات، وأخبار الأحداث في العراق وأفغانستان، والطلبات، وملاحظة تشير إلى وصول تذكرة سفري، وقرارات تتطلب البت وأخرى التأجيل.

أعمل لبضع ساعات باختياري ورغبتي، لأنها أسطورتي الشخصية، ولأن محارب النور يعرف بأن لديه التزامات وواجبات. ولكن خلال حركة «بالكاد أحد»، يبدو كل شيء على الكمبيوتر بعيدا جدا، مثلما بدت الطاحونة كالحلم خلال تواجدي في الحركتين «الكثير من الناس» و«القليل منهم»

تغرب الشمس فأطفئ الجهاز، ليعود العالم إلى حياة الريف، ورائحة الحشيش وخوار البقر، وصوت الراعي الذي يعود بخرافه إلى الحظيرة خلف الطاحونة.

أسأل نفسي كيف يمكن لي التواجد في عالمين جد مختلفينـ بالطبع لا أملك جوابا، لكني أعرف أني أستمد من يومي هذا سعادة كبيرة، وبأني سعيد وأنا أكتب هذه السطور
------------
البيان دبي

باولو كويلو
الخميس 21 يناير 2010