
بعيدا عن أي مواجهة مع مدربين آخرين، يحيا مارادونا بهدوء بعيدا في دبي حيث يسعى للتركيز في كرة القدم فقط، لنسيان كل الجدل الذي صاحبه في مسيرته داخل وخارج المستطيل الأخضر.
وعقب خروج المنتخب الأرجنتيني المؤلم الذي كان يتولى قيادته، من كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا والذي جاء بشكل درامي، كما اعتاد مارادونا ظل عدة أشهر يفكر فيما يتوجب عليه فعله، حتى سافر في أيار /مايو 2011 للإمارات التي تجذب بأموالها وناطحات السحاب التي تمتلكها أنظار نجوم كبار كرة القدم من المدربين بلا أندية أو لاعبين دوليين قاربوا على الاعتزال.
وحينها أكد نادي الوصل الإماراتيأن نجم كرة القدم العالمية السابق قبل بشغل منصب المدير الفني للفريق لوضعه على خريطة كرة القدم العالمية، حيث قال رئيس النادي مروان جمعة بين بيات والذي كان سببا رئيسيا في التعاقد مع مارادونا في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) إنه "يقبل فقط المركز الأول والمرتبة الثانية بالنسبة له خسارة".
ولكن خلال الشهور التي مرت اضطرت إدارة النادي للاعتياد على أن مارادونا في المنافسات الإماراتية قبل بأن يكون في المركز الثاني أو ما هو أقل من ذلك، كما قال المدرب الأرجنتيني بنفسه عقب الفوز على الجزيرة 4-3 والتأهل لنصف نهائي كأس اتصالات "يمكننا أن نصبح في المركز الرابع، لقد فزنا ولا توجد مشكلة، أنا سعيد لأنني فزت".
وكان بن بيات قال عند التعاقد مع مارادونا "مجيئه إلى دبي من أجل النقود على حساب سمعته أمر مستبعد"، ولكن بمرور الأيام ثبت أن سمعة المدرب الأرجنتيني في انحدار مقابل ارتفاع معدل أرصدته البنكية، كل هذا مع العلم بأن شهرة الأسطورة الأرجنتيني في المقام الأول كانت كلاعب وليس كمدير فني.
وكان رئيس النادي أكد في أيار/مايو الماضي أن مجلس الإدارةتلقى ويدرس "عروضا إعلانية ودعائية من شركات محلية ودولية لدعم الفريق والترويج له بجانب اسم مارادونا" بطل العالم مع منتخب بلاده في 1986، ولكن يبدو أن كل هذه الآمالتبخرت إذ أن وصول مارادونا لدبي كان مثل تسرب الغاز الذي بمجرد انتهاء تأثيره السريع لا يحدث أي شيء.
وعن وجود مارادونا في الإماراتيقول المدرب الإسباني لنادي الأهلي، كيكي سانشيز فلوريس "وجوده بالنسبة للعالم العربي هنا يجعله مرجعية عالمية مثل بيليه وكوريف ودي ستيفانو، أي شيء يقوله يثير اهتمام الجميع".
وعقب تسعة شهور من وصول مارادونا لم ينجح في جذب أسماء أخرى كبرى للإمارات، حيث لم يتبع أحد خطى الإيطالي فابيو كانافارو في مغامرته إلى البلد العربي، حيث يفضل الأطفال لعب الكريكيت على كرة القدم.
وقال مارادونا أمام مجموعة من الصحفيين عقب مباراة الجزيرة التي أهلته لنصف نهائي كأس اتصالات وشاهدها 317 شخصا فقط "لا أعرف إذا ما كنا الأفضل، ولكننا دائما نبحث عن مرمى الخصم ولعب كرة القدم بشكل جيد وأعتقد أن هذا يفيد كرة القدم في الإمارات بشكل عام، كان عرضا رائعا في مباراة شهدت سبعة أهداف".
ومن ناحيته يرى سانشيز فلوريس أن "ما يكسبه المدرب هنا هو تخصيص المزيد من الوقت لمهنته، لاستعادة عاداته وجزء من حياته، وفي حالتي بعد ثمان سنوات من الضغط المتواصل، الحياة هنا جيدة"، ويتفق مارادونا من ناحيته مع فلوريس حيث صرح لـ(د. ب. أ) " أرغب في التجديد لأنني أحب إكمال المشروع طويل المدى، وبالأخص مع فتية فرق 14 و16 و18 و20 عاما، لأثبت للجميع أن الأمر لا يتعلق بالنقود، صحيح أن النقود مهمة، ولكن المجد لا يمكن شراؤه، أتمنى أن أكون في الوصل مثلما أصبح أرسين فينجر في أرسنال".
ويقول مارادونا "بالنسبة لي طالما كان لدي عمل يمكنني تفريغ كل خبراتي فيه بين لاعبي الفريق وداخل الملعب، لا أمانع من العيش حتى في الصحراء، وبالنسبة لي العمل في دبي وتدريب الوصل مثل قيادة ريال مدريد أو برشلونة أو بوكا جونيورز بل وحتى بايرن ميونخ".
والحق يقال أن مارادونا يعيش هذه التجربة بكل مشاعره فهو يظهر بالمنطقة الفنية متقدا بالغضب، يقبل لاعبيه في بعض الأحيان يلعن التوفيق وأحيانا الحكام، ويبدو كما لو كان في كل مباراة يخوض نهائي المونديال، حيث يقول سانشيز فلوريس "رؤية المشاعر التي يعيش بها المباريات تستحق الاحترام، لأنه لا يمكن سوى لشخص مثله القيام بهذا".
ويعتبر مارادونا أن قيادة وتدريب وإعداد لاعبين بعيدا كل البعد عن ليونيل ميسي وخابيير ماسكيرانو وجونزالو إيجواين، يعد تحديا حقيقيا، وعلى الصعيد الشخصي يعتبر أنه لا يوجد شيئ أفضل من قرب المسافة بين محل إقامته وجزيرة الجوميرا.
ويقيم مارادونا في المقر الملكي التابع لفندق جمير زعبيل سراي الفخم، حيث أن المقر الملكي عبارة عن مجموعة من الفيلات الخاصة التي يتعدى سعر الليلة فيها ألف و300 دولار في الليلة وكلها محاطة بمياه البحر الزرقاء.
وأثناء توجه مارادونا لإستادالوصل في سيارته (أودي كيو 7) يمكنه مشاهدة أعاصير التراب وبرج العرب المصمم على هيئة قارب شارعي والذي يوجد به أغلى فندق في العالم، والأول الذي يتم تصنيفه كمنشأة سياحية بسبع نجوم، وبرج خليفة، الأطول في العالم بارتفاع 820 مترا وإن كان التراب في بعض الأحيان يتسبب في إخفاءه.
بمعنى أخر يشعر مارادونا بكل معاني الرفاهية في حياته بدبي من إقامة رائعة لتقدير مادي بسبب الصحة المالية الجيدة للاقتصاد الإمارات، التي تعد إحدى الدول الكبرى في معدلات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.
وسواء كان المؤتمر الصحفي لمارادونا أمام تسعة صحفيين أو ألف فإنه دائما ما يتحول لعرض لا مثيل له في وجود مترجمين اثنين، فهو يسيطر على مسرح العمليات والذي دائما يرن خلاله هاتفه المحمول ليجيب على حفيده بنجامين نجل ابنته جيانا وصهره، لاعب فريق مانشستر سيتي الإنجليزي، سرخيو أجويو.
ولا يخفي مارادونا مطلقا إعلان تأييده للعرب حيث يتذكر الجميع قوله "زيارة منتخب فلسطين تمثل بالنسبة لي شيء يوازي قبلة من حفيدي بنجامين لأن الشعب الفلسطيني يحتاج المساعدة وأنا دائما في خدمة فلسطين بل ونصيرهم الأول".