
حلت تونس الثانية عربيا في القرصنة بعد الجزائر
وأثار إدخال الحكومة تعديلات (سنة 2009) على القانون التونسي المتعلق بحماية الملكية الفكرية، غلّظت بموجبها العقوبات الزجريّة ضد المخالفين قلق أعداد غير قليلة من "قراصنة" المعلوماتية التونسيين إذ أصبح أقصى هذه العقوبات يصل إلى غرامة مالية بخمسين ألف دينار (25 ألف يورو) تضاعف عند معاودة المخالفة (100 ألف دينار= 50 ألف يورو) مع إمكانية السجن سنة نافذة.
الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أبدى في أكثر من مناسبة اهتماما شخصيا بمكافحة هذه الظاهرة إذ دعا خلال "اليوم الوطني للثقافة" الموافق لـ 25 شباط/ فبراير 2010 حكومته إلى "اتخاذ كل الإجراءات القانونية المناسبة لمقاومة القرصنة والنسخ غير المشروع وحماية حقوق المؤلفين في سائر مجالات الإبداع الأدبي والفكري والعلمي والفني" ويوم 18 آب/أغسطس 2010 إلى "استكمال التشريع المتعلق بالملكية الأدبية والفنّية وتكثيف حملات المراقبة الميدانية للحد من ظاهرة القرصنة".
تونس الثانية عربيا في القرصنة
صنّف تحالف منتجي البرمجيات المعلوماتية الذي أسسته شركات برمجيات أمريكية بهدف مكافحة قرصنة البرمجيات في تقريره الأخير لسنة 2008 تونس في المرتبة الثانية عربيا في قرصنة البرمجيات بعد الجزائر (الأولى).
وذكر التقرير أن نسبة البرمجيات المقرصنة في تونس بلغت 73 بالمئة سنة 2008 مقابل 76 بالمئة سنة 2007 و81 بالمئة سنة 2005.
وقدّر التقرير الخسائر التي خلفتها عمليات قرصنة مختلف البرمجيات المعلوماتية في تونس (سنة 2008) للشركات صاحبة الملكية الفكرية لهذه البرمجيات بنحو 48 مليون دولار (حوالي 39 مليون يورو).
150 ألف تونسي يعيشون من القرصنة
وتعتبر "القرصنة" المعلوماتية ممارسة منتشرة على نطاق واسع في تونس فقد أظهرت إحصائيات غير رسمية تناقلتها مؤخرا وسائل إعلام تونسية وأجنبية أن نحو 150 ألف شاب تونسي يتعاطون القرصنة داخل 70 ألف محلّ منتشرة بكامل أنحاء البلاد.
هذه المحلات فتحت أبوابها بادئ الأمر كمراكز لإصلاح وصيانة التجهيزات المعلوماتية (حواسيب، هواتف نقالة، قارئات دي في دي...) ويحمل أغلبها رخصا قانونية لتعاطي هذه المهن قبل أن يضيف القائمون عليها في مرحلة لاحقة خدمات "القرصنة" إلى التخصصات الأصليّة لمحلاتهم.
ويقول العارفون بهذا المجال في تونس إن نشاط القرصنة أدخله إلى هذه المحلات خرّيجو جامعات لم يجدوا وظائف تتناسب مع شهاداتهم العلميّة، واستفادوا من دورات تدريبية في المعلوماتية موّلتها الحكومة ضمن خطة للرفع من كفاءات خريجي التخصصات صعبة الإدماج في سوق الشغل (الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا...).
ويعتبر "رواق 7" الواقع وسط العاصمة تونس والمتكون من عشرات من المحلات الصغيرة والضيقة أكبر تجمّع لقراصنة المعلوماتية في تونس.
ويقضي العاملون في هذا الفضاء يوميا ساعات طويلة أمام حواسيب مرتبطة بالانترنت لتوفير ما يطلبه "الزبائن" من نسخ لأحدث البرمجيات المعلوماتية وآخر الأغاني والمسلسلات والأفلام العربيّة والغربيّة وألعاب الفيديو والموسوعات والقواميس بلغات مختلفة وغيرها من منتجات مشابهة بأسعار "شعبيّة" جدا إذ يبيعون أحدث البرمجيات التي يصل سعر نسخها الأصلية إلى مئات الدنانير بعشرة دنانير فقط (5 يورو) وآخر الموسوعات والقواميس والأفلام...بدينارين اثنين (1 يورو)".
ولا يقتصر نشاط القراصنة على استنساخ هذه المواد بل يتعدّاه إلى فك تشفير القنوات التلفزيونية الفضائية التي لا يمكن مشاهدتها-عادة- إلا بدفع مقابل مالي للقناة (اشتراك)
"الباتشينغ" لمشاهدة التلفزيونات المشفّرة
تزدهر في تونس خلال المواعيد الرياضية الدولية الكبرى وخاصة كأس العالم أو أوروبا أو إفريقيا لكرة القدم تجارة فك شفرات القنوات الفضائية الرياضية. ويطلق على هذا النشاط في تونس اسم "باتشينغ" (عبارة انجليزية) تعني فك شفرات التلفزيونات المدفوعة الأجر.
ويشمل "الباتشينغ" أيضا باقات التلفزيونات الغربية المشفّرة التي تعرض الأفلام والمسلسلات على مدار الساعة.
ورغم أن القنوات "المتضرّرة" من القرصنة أصبحت تغيّر باستمرار رموز تشفيرها لقطع الطريق على "القراصنة" إلاّ أن هؤلاء انتقلوا إلى اعتماد طريقة تشفير أكثر فاعلية تتيح لعملائهم مشاهدة كل القنوات بما في ذلك تلك التي استعصى فك تشفيرها في وقت سابق.
ويتعيّن على الراغب في الحصول على هذه الخدمة ربط جهاز استقبال رقمي من نوع "دريم بوكس" بخط انترنت عالي التدفّق (إي دي إس إل) ودفع مقابل مالي لا يتعدى 90 يورو في السنة لـ"خبير" فك التشفير حتى يتيح له الاستمتاع بمشاهدة كل القنوات المشفّرة.
القرصنة تفتك بالسينما والموسيقى
يشتكي السينمائيون والموسيقيون التونسيون باستمرار من الأضرار "الجسيمة" التي ألحقها بهم القراصنة.
ويلعن كثير من المشتغلين في الحقل السينمائي بتونس اليوم الذي دخل فيه قارئ الـ"دي في دي" إلى البلاد، إذ يتيح هذا الجهاز الذي يمكن شراؤه مقابل 50 دينارا (25 يورو) مشاهدة أحدث الأفلام العالمية-حتى قبل عرضها في صالات السينما الأوروبية- منسوخة على "دي في دي" لا يتعدى سعره دينارين اثنين (1 يورو).
وجراء عزوف الجماهير عنها أصبحت قاعات السينما التونسية تغلق الواحدة تلو الأخرى حتى أنها باتت مهددة بالانقراض على آخرها
وطالت سهام القراصنة كذلك بعض الأفلام والمسرحيات التونسية التي تمّ ضخ نسخ منها على "دي في دي" في السوق أياما قليلة بعد انطلاق عرضها في القاعات وأشهرها شريط "كحلوشة" للمخرج نجيب بالقاضي (2007) و"الفيلم الأخير" للمخرج نوري بوزيد (2009).
المخرج السينمائي التونسي إبراهيم لطيّف اقترح في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن يشتري كلّ محل من محلات القرصنة (البالغ عددها 70 ألفا) نسخة أصلية واحدة من كل شريط سينمائي تونسي جديد بسعر 50 دينارا تونسيا (حوالي 25 يورو) مقابل السماح باستنساخه وبيعه "وبذلك تتوفر لكل عمل سينمائي ميزانية ب 5ر3 مليون دينار (75ر1 مليون يورو) تغطّي تكاليف الإنتاج وزيادة فتكون محلات القرصنة ساهمت في دعم السينما التونسية".
من جانبه يؤكد أسامة فرحات أمين عام نقابـة المهن الموسيقيـة التونسية أن القرصنة باتت تمثل تهديدا كبيرا لمختلف العاملين بقطاع المهن الموسيقية في تونس، مطربين وشعراء غنائيين وملحنين وموزعين وتقنيين في هندسة الصوت وأصحاب استوديوهات تسجيل، مشيرا إلى أن القراصنة يستنسخون الأغاني ويبيعونها لحسابهم الخاص في السوق دون أن يحصل أصحاب الملكية الفكرية والفنية لهذه الأعمال على حقوقهم المنصوص عليها قانونيا.
ويطالب "نياز اللواتي" وكيل شركة إنتاج سمعي بصري بتطبيق القانون بصرامة على "المتجاوزين" مشيرا إلى أن شركته استثمرت 500 ألف دينار (250 ألف يورو) لبناء أستوديو للتسجيل الرقمي مجهز بأحدث التكنولوجيا السمعية والصوتية لكنها لم تستطع حتى الساعة استغلاله في التسجيل ''لان تكاليفه (التسجيل) جدّ مرتفعة والعائدات ضعيفة''.
وقال في هذا السياق:"ينتابنا شعور بالإحباط تجاه هذه التصرفات غير المسئولة (القرصنة)...يجب تنفيذ القانون بشكل صارم وفوري ويجب إيقاف المسئولين عن هذا النشاط على عين المكان وتسليط أعلى العقوبات عليهم لكي نستمر في عملنا بسلام ونتمكن من تقديم منتوج بمواصفات عالمية متميزة".
لكن مهتمين بالشأن التونسي يعتبرون أن تطبيق القانون بصرامة أمر غير ممكن في تونس لأنه قد يؤدي إلى تشريد 150 ألف شخص (يعيشون من القرصنة) في بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى نحو 14 بالمئة وتسعى فيه الحكومة جاهدة إلى توفير وظائف لنحو 80 ألف طالب شغل جديد سنويا.
الحل في التوجه نحو البرمجيات الحرّة
يلاحظ معز الصوابني رئيس "الجمعية التونسية للإنترنت والوسائط المتعددة" (غير حكومية) إن الدول النامية والفقيرة التي "ترفع شعار مقاومة ظاهرة القرصنة قد تغض الطرف على بعض ممارسات النسخ غير القانونية حتى لا تتسع الفجوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة لا سيما أن أسعار البرمجيات الأصلية ليست دائما في متناول رعاياها ولا حتى مؤسساتها التعليمية".
ويقترح الصوابني مكافحة قرصنة البرمجيات بدعم استعمال "البرمجيات "الحرة" التي لا يوجد وراءها حق ملكية و"يمكن النفاذ إليها مجانا والإطلاع على طرق تصميمها كما يمكن تطويرها وإدخال إضافات عليها".
ولفت المتحدث إلى أن تونس تعتبر من بين البلدان الرائدة في مجال تطوير البرمجيات الحرة مذكرا بإحداث الحكومة منذ سنوات "كتابة دولة للإنترنت والإعلامية والبرمجيات الحرة" وإطلاق ''الجمعية التونسية للبرمجيات الحرة'' (غير حكومية).
النوري بوزيد يغرّد خارج السرب
ورغم أن أغلب السينمائيين التونسيين يعارضون استنساخ أعمالهم بشكل غير مشروع فّإن المخرج الشهير "نوري بوزيد" يجاهر بأنه "ليس ضد ظاهرة القرصنة إطلاقا ولا يعارض وجودها" وأنه لم ينزعج بالمرّة عندما طرح القراصنة في السوق نسخة من شريطه "الفيلم الأخير" (2009) خلال نفس الفترة التي انطلق فيها عرضه بالقاعات.
ويدفع بوزيد بأن السينما التونسية لا تخسر كثيرا جراء القرصنة باعتبارها سينما "مدعومة" ماليا من الدولة و"غير تجارية" أي أنها ليست منتوجا استثماريا تقف وراءه مؤسسات إنتاج ورجال أعمال قد يتضررون من القرصنة ويعتقد أن محلات القرصنة لا تجني ربحا كبيرا من وراء بيع الأفلام المستنسخة.
ويرى المخرج السينمائي أن القرصنة تفيد المخرجين إذ تساعد على نشر أفلامهم على أوسع نطاق في صفوف التونسيين.
وقال إنه وزّع بنفسه نسخة أصلية من شريط "آخر فيلم" على محلات القرصنة وطلب من أصحابها استنساخه وترويجه عوضا عن نسخة رديئة و"مشوّهة" من الشريط متداولة في الأسواق.
ولا يخفي بوزيد أنه يفضل شخصيا شراء أفلام وبرمجيات مختصة مقرصنة رخيصة الثمن على اقتنائها في نسخها الأصلية "بأموال طائلة".
الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أبدى في أكثر من مناسبة اهتماما شخصيا بمكافحة هذه الظاهرة إذ دعا خلال "اليوم الوطني للثقافة" الموافق لـ 25 شباط/ فبراير 2010 حكومته إلى "اتخاذ كل الإجراءات القانونية المناسبة لمقاومة القرصنة والنسخ غير المشروع وحماية حقوق المؤلفين في سائر مجالات الإبداع الأدبي والفكري والعلمي والفني" ويوم 18 آب/أغسطس 2010 إلى "استكمال التشريع المتعلق بالملكية الأدبية والفنّية وتكثيف حملات المراقبة الميدانية للحد من ظاهرة القرصنة".
تونس الثانية عربيا في القرصنة
صنّف تحالف منتجي البرمجيات المعلوماتية الذي أسسته شركات برمجيات أمريكية بهدف مكافحة قرصنة البرمجيات في تقريره الأخير لسنة 2008 تونس في المرتبة الثانية عربيا في قرصنة البرمجيات بعد الجزائر (الأولى).
وذكر التقرير أن نسبة البرمجيات المقرصنة في تونس بلغت 73 بالمئة سنة 2008 مقابل 76 بالمئة سنة 2007 و81 بالمئة سنة 2005.
وقدّر التقرير الخسائر التي خلفتها عمليات قرصنة مختلف البرمجيات المعلوماتية في تونس (سنة 2008) للشركات صاحبة الملكية الفكرية لهذه البرمجيات بنحو 48 مليون دولار (حوالي 39 مليون يورو).
150 ألف تونسي يعيشون من القرصنة
وتعتبر "القرصنة" المعلوماتية ممارسة منتشرة على نطاق واسع في تونس فقد أظهرت إحصائيات غير رسمية تناقلتها مؤخرا وسائل إعلام تونسية وأجنبية أن نحو 150 ألف شاب تونسي يتعاطون القرصنة داخل 70 ألف محلّ منتشرة بكامل أنحاء البلاد.
هذه المحلات فتحت أبوابها بادئ الأمر كمراكز لإصلاح وصيانة التجهيزات المعلوماتية (حواسيب، هواتف نقالة، قارئات دي في دي...) ويحمل أغلبها رخصا قانونية لتعاطي هذه المهن قبل أن يضيف القائمون عليها في مرحلة لاحقة خدمات "القرصنة" إلى التخصصات الأصليّة لمحلاتهم.
ويقول العارفون بهذا المجال في تونس إن نشاط القرصنة أدخله إلى هذه المحلات خرّيجو جامعات لم يجدوا وظائف تتناسب مع شهاداتهم العلميّة، واستفادوا من دورات تدريبية في المعلوماتية موّلتها الحكومة ضمن خطة للرفع من كفاءات خريجي التخصصات صعبة الإدماج في سوق الشغل (الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا...).
ويعتبر "رواق 7" الواقع وسط العاصمة تونس والمتكون من عشرات من المحلات الصغيرة والضيقة أكبر تجمّع لقراصنة المعلوماتية في تونس.
ويقضي العاملون في هذا الفضاء يوميا ساعات طويلة أمام حواسيب مرتبطة بالانترنت لتوفير ما يطلبه "الزبائن" من نسخ لأحدث البرمجيات المعلوماتية وآخر الأغاني والمسلسلات والأفلام العربيّة والغربيّة وألعاب الفيديو والموسوعات والقواميس بلغات مختلفة وغيرها من منتجات مشابهة بأسعار "شعبيّة" جدا إذ يبيعون أحدث البرمجيات التي يصل سعر نسخها الأصلية إلى مئات الدنانير بعشرة دنانير فقط (5 يورو) وآخر الموسوعات والقواميس والأفلام...بدينارين اثنين (1 يورو)".
ولا يقتصر نشاط القراصنة على استنساخ هذه المواد بل يتعدّاه إلى فك تشفير القنوات التلفزيونية الفضائية التي لا يمكن مشاهدتها-عادة- إلا بدفع مقابل مالي للقناة (اشتراك)
"الباتشينغ" لمشاهدة التلفزيونات المشفّرة
تزدهر في تونس خلال المواعيد الرياضية الدولية الكبرى وخاصة كأس العالم أو أوروبا أو إفريقيا لكرة القدم تجارة فك شفرات القنوات الفضائية الرياضية. ويطلق على هذا النشاط في تونس اسم "باتشينغ" (عبارة انجليزية) تعني فك شفرات التلفزيونات المدفوعة الأجر.
ويشمل "الباتشينغ" أيضا باقات التلفزيونات الغربية المشفّرة التي تعرض الأفلام والمسلسلات على مدار الساعة.
ورغم أن القنوات "المتضرّرة" من القرصنة أصبحت تغيّر باستمرار رموز تشفيرها لقطع الطريق على "القراصنة" إلاّ أن هؤلاء انتقلوا إلى اعتماد طريقة تشفير أكثر فاعلية تتيح لعملائهم مشاهدة كل القنوات بما في ذلك تلك التي استعصى فك تشفيرها في وقت سابق.
ويتعيّن على الراغب في الحصول على هذه الخدمة ربط جهاز استقبال رقمي من نوع "دريم بوكس" بخط انترنت عالي التدفّق (إي دي إس إل) ودفع مقابل مالي لا يتعدى 90 يورو في السنة لـ"خبير" فك التشفير حتى يتيح له الاستمتاع بمشاهدة كل القنوات المشفّرة.
القرصنة تفتك بالسينما والموسيقى
يشتكي السينمائيون والموسيقيون التونسيون باستمرار من الأضرار "الجسيمة" التي ألحقها بهم القراصنة.
ويلعن كثير من المشتغلين في الحقل السينمائي بتونس اليوم الذي دخل فيه قارئ الـ"دي في دي" إلى البلاد، إذ يتيح هذا الجهاز الذي يمكن شراؤه مقابل 50 دينارا (25 يورو) مشاهدة أحدث الأفلام العالمية-حتى قبل عرضها في صالات السينما الأوروبية- منسوخة على "دي في دي" لا يتعدى سعره دينارين اثنين (1 يورو).
وجراء عزوف الجماهير عنها أصبحت قاعات السينما التونسية تغلق الواحدة تلو الأخرى حتى أنها باتت مهددة بالانقراض على آخرها
وطالت سهام القراصنة كذلك بعض الأفلام والمسرحيات التونسية التي تمّ ضخ نسخ منها على "دي في دي" في السوق أياما قليلة بعد انطلاق عرضها في القاعات وأشهرها شريط "كحلوشة" للمخرج نجيب بالقاضي (2007) و"الفيلم الأخير" للمخرج نوري بوزيد (2009).
المخرج السينمائي التونسي إبراهيم لطيّف اقترح في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن يشتري كلّ محل من محلات القرصنة (البالغ عددها 70 ألفا) نسخة أصلية واحدة من كل شريط سينمائي تونسي جديد بسعر 50 دينارا تونسيا (حوالي 25 يورو) مقابل السماح باستنساخه وبيعه "وبذلك تتوفر لكل عمل سينمائي ميزانية ب 5ر3 مليون دينار (75ر1 مليون يورو) تغطّي تكاليف الإنتاج وزيادة فتكون محلات القرصنة ساهمت في دعم السينما التونسية".
من جانبه يؤكد أسامة فرحات أمين عام نقابـة المهن الموسيقيـة التونسية أن القرصنة باتت تمثل تهديدا كبيرا لمختلف العاملين بقطاع المهن الموسيقية في تونس، مطربين وشعراء غنائيين وملحنين وموزعين وتقنيين في هندسة الصوت وأصحاب استوديوهات تسجيل، مشيرا إلى أن القراصنة يستنسخون الأغاني ويبيعونها لحسابهم الخاص في السوق دون أن يحصل أصحاب الملكية الفكرية والفنية لهذه الأعمال على حقوقهم المنصوص عليها قانونيا.
ويطالب "نياز اللواتي" وكيل شركة إنتاج سمعي بصري بتطبيق القانون بصرامة على "المتجاوزين" مشيرا إلى أن شركته استثمرت 500 ألف دينار (250 ألف يورو) لبناء أستوديو للتسجيل الرقمي مجهز بأحدث التكنولوجيا السمعية والصوتية لكنها لم تستطع حتى الساعة استغلاله في التسجيل ''لان تكاليفه (التسجيل) جدّ مرتفعة والعائدات ضعيفة''.
وقال في هذا السياق:"ينتابنا شعور بالإحباط تجاه هذه التصرفات غير المسئولة (القرصنة)...يجب تنفيذ القانون بشكل صارم وفوري ويجب إيقاف المسئولين عن هذا النشاط على عين المكان وتسليط أعلى العقوبات عليهم لكي نستمر في عملنا بسلام ونتمكن من تقديم منتوج بمواصفات عالمية متميزة".
لكن مهتمين بالشأن التونسي يعتبرون أن تطبيق القانون بصرامة أمر غير ممكن في تونس لأنه قد يؤدي إلى تشريد 150 ألف شخص (يعيشون من القرصنة) في بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى نحو 14 بالمئة وتسعى فيه الحكومة جاهدة إلى توفير وظائف لنحو 80 ألف طالب شغل جديد سنويا.
الحل في التوجه نحو البرمجيات الحرّة
يلاحظ معز الصوابني رئيس "الجمعية التونسية للإنترنت والوسائط المتعددة" (غير حكومية) إن الدول النامية والفقيرة التي "ترفع شعار مقاومة ظاهرة القرصنة قد تغض الطرف على بعض ممارسات النسخ غير القانونية حتى لا تتسع الفجوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة لا سيما أن أسعار البرمجيات الأصلية ليست دائما في متناول رعاياها ولا حتى مؤسساتها التعليمية".
ويقترح الصوابني مكافحة قرصنة البرمجيات بدعم استعمال "البرمجيات "الحرة" التي لا يوجد وراءها حق ملكية و"يمكن النفاذ إليها مجانا والإطلاع على طرق تصميمها كما يمكن تطويرها وإدخال إضافات عليها".
ولفت المتحدث إلى أن تونس تعتبر من بين البلدان الرائدة في مجال تطوير البرمجيات الحرة مذكرا بإحداث الحكومة منذ سنوات "كتابة دولة للإنترنت والإعلامية والبرمجيات الحرة" وإطلاق ''الجمعية التونسية للبرمجيات الحرة'' (غير حكومية).
النوري بوزيد يغرّد خارج السرب
ورغم أن أغلب السينمائيين التونسيين يعارضون استنساخ أعمالهم بشكل غير مشروع فّإن المخرج الشهير "نوري بوزيد" يجاهر بأنه "ليس ضد ظاهرة القرصنة إطلاقا ولا يعارض وجودها" وأنه لم ينزعج بالمرّة عندما طرح القراصنة في السوق نسخة من شريطه "الفيلم الأخير" (2009) خلال نفس الفترة التي انطلق فيها عرضه بالقاعات.
ويدفع بوزيد بأن السينما التونسية لا تخسر كثيرا جراء القرصنة باعتبارها سينما "مدعومة" ماليا من الدولة و"غير تجارية" أي أنها ليست منتوجا استثماريا تقف وراءه مؤسسات إنتاج ورجال أعمال قد يتضررون من القرصنة ويعتقد أن محلات القرصنة لا تجني ربحا كبيرا من وراء بيع الأفلام المستنسخة.
ويرى المخرج السينمائي أن القرصنة تفيد المخرجين إذ تساعد على نشر أفلامهم على أوسع نطاق في صفوف التونسيين.
وقال إنه وزّع بنفسه نسخة أصلية من شريط "آخر فيلم" على محلات القرصنة وطلب من أصحابها استنساخه وترويجه عوضا عن نسخة رديئة و"مشوّهة" من الشريط متداولة في الأسواق.
ولا يخفي بوزيد أنه يفضل شخصيا شراء أفلام وبرمجيات مختصة مقرصنة رخيصة الثمن على اقتنائها في نسخها الأصلية "بأموال طائلة".