ولم يذكر أي تقرير إعلامي عن لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بنظيره الأمريكي، دونالد ترامب، أنهما قد ناقشا شأن جماعة الإخوان، رغم ما أثير في تقارير صحفية عديدة قبل اللقاء أن هذا الأمر مدرج بجدول المحادثات.
وفي مارس/آذار الماضي، شجعت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني حكومة بلادها على الانخراط في مباحثات مع الإخوان للتعرف عليهم أكثر، وهو ما احتفت به عناصر الجماعة عبر مواقع التواصل.
وجماعة الإخوان، أنشئت عام 1928 في مصر، وواجهت ضربات أمنية واسعة من الدولة عقب الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، والمنتمي للجماعة، في 3 يوليو/ تموز 2013، في خطوة تعتبرها "انقلابا"، ومعارضون لها يرونها "ثورة شعبية"، وسط اتهامات رسمية تنفيها الجماعة بالعنف ردا على ذلك، وتجرى على أساسها محاكمات لقيادات وكوادر بالآلاف منها، وفق تقديراتها.
**لا خصم .. لا تنظيم
تفسيران وراء الضربات الأمنية الأخيرة للإخوان، وفق الخبراء تتمثل في "رفض النظام عودتها كخصم سياسي، وتوجه بالقضاء بصورة أكبر على التنظيم".
التفسير الأول يذهب إليه محمود قطري، العميد المتقاعد بالشرطة المصرية، قائلا للأناضول، إن "تكسير عظام الإخوان الحادث مع ضربات أمنية قاسية بمعدلات مرتفعة، يحدث حتى لا تعود وتشكل جبهة سياسية مناوئة للنظام في ظل حكومة تواجه اخفاقات اقتصادية يستغلها الإعلام الإخواني بالخارج ضد النظام، وهو الإعلام الذي بدأ يحظى بمتابعة أوسع".
ويتفق معه أحمد بان، المتخصص في شؤون حركات الإسلام السياسي، قائلا للأناضول: "النظام لا يريد أي أرقام في مواجهته، ويزعجه وجود حالة تنظيمية متماسكة تستطيع أن تعبىء أنصارها لرفض حقيقي أو أن تعرض نفسها كبديل للنظام، وسيعتبر النظام أي تنظيم خصما وعدوا".
القضاء بصورة أكبر على التنظيم، هو التفسير الثاني لضربات الأمن، من وجهة نظر المفكر المصري، كمال حبيب، قائلا :"من الواضح أن الأجهزة كانت تراقب التنظيم الإخواني أثناء الانشقاقات الداخلية، وتغاضت عن الجبهة القديمة (جبهة القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود عزت) ورمت لها إشارات بالمصالحة للتخدير، في مقابل أن تتفرغ أكثر لضرب جبهة الشباب الحديثة التي كان يتزعمها محمد كمال".
وأضاف "في سبيل القضاء على التنظيم بصورة أكبر، انتقلت الدولة الآن لضرب الجبهة القديمة بعد أن قضت على جبهة الشباب، إذ استشعرت أن القدامى بدأوا يرتبون أوضاعهم التنظيمة أكثر".
وشهدت الإخوان على مدار العامين الماضيين، بروز تيار مناهض لجبهة عزت كان يتزعمه محمد كمال عضو مكتب الإرشاد بالجماعة (أعلى هيئة تنفيذية) قبل أن تعلن الداخلية مقتله مؤخرا، وسط خلافات داخلية حول إدارة الجماعة لمواجهة السلطات المصرية، ومبادرات عديدة عن المصالحة مع النظام التي كانت تلوح في أورقة الإعلام والسياسين بين وقت وآخر.
**باقية فكرا وتنكمش تنظيما ؟
كحال قطعة الإسفنج، يرى عميد الشرطة السابق، محمود قطري، واقع ومستقبل الإخوان، موضحا أن الجماعة الآن في أشد فترة ضغطها وستعود مرة أخرى متى تُركت.
وأضاف "من الصعب جدا على فكرة أيديولوجية كالإخوان أن تنتهي ولكن ربما تنظيمها يتوارى مؤقتا".
على النقيض يقول الباحث أحمد بان: "لم تعد فكرة الإسفنجة معبرة كما كانت عن الواقع الحالي، ولا أتصور أبدا أن الجماعة ستعود كما كانت أو ستستعيد لياقتها الفكرية والتنظيمية والسياسية في ظل الظروف الأمنية التي تدفع الحركات وليست الإخوان وحدها، للسرية".
ويضيف "لأول مرة تواجه الجماعة تلك الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية ضدها فضلا عن الانقسامات التنظمية".
ويرجح أن "الجماعة استكملت دورة حياتها وعليها أن تعيد النظر في أفكارها فلربما استطاعت أن تطور بنية تنظيمية وفكرية أخرى أكثر توافقا مع المجتمع".
ويستدرك "لكن الدولة لاتريد أن تقضي على الجماعة ولكن تريد أن تعيدها لخطوط ماقبل ثورة يناير (كانون ثان 2011)، وربما أقل من سقف (الرئيس الأسبق حسني) مبارك (في إشارة لملاحقات أمنية وقتها مستمرة مع هامش السماح بالتواجد السياسي")
وسقف مبارك طرح أثارته منذ أيام عدة تقارير صحفية مصرية تتحدث عن وثيقة للتصالح تعدها الجماعة للتصالح مع النظام، أملا في الوصول لهذا السقف، وهو ما نفته الجماعة.
ومختلفا مع فكرة الإسفنجة أيضا، يرى المفكر كمال حبيب، المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، أن هذا التوصيف كان مقبولا في فترة سابقة بتاريخ الجماعة لكن قواعد اللعبة تتغير وهناك توجه الآن للقضاء النهائي على التنظيم لا الفكرة.
ويوضح أن "الجماعة عادت لسريتها أكثر للحفاظ على التنظيم وسط انشقاقات وغياب لصناعة القرارات والقيادة بدرجة أشد من تاريخ مواجهتها من الدولة في الخمسينيات والستينيات (من القرن الميلادي الماضي، في مرحلة شهدت صراعا واسعا بين الجماعة والدولة).
**اعتراف بالضغوط وتمسك بالعودة
تلك "الضربات الأمنية والتضييقات الجديدة"، يقرها طلعت فهمي المتحدث باسم الإخوان في حديث للأناضول، مؤكدا "يتضرر الأشخاص ويعانون منها لكن الأفكار والمبادئ عابرة للظلم والخنق والتضييق".
غير أن المتحدث باسم الإخوان يتجاوز ذلك قائلا: "الجماعة لا تزال من أكثر القوى تماسكا وقدرة على التأثير رغم كل هذه الأزمات والمعاناة الكبيرة".
ويفسر طلعت فهمي ذلك التماسك بقوله إن الجماعة التي ينطق بلسانها "مرت بأزمات مماثلة عبر تاريخها أكسبتها خبرة في التعامل مع هذه الظروف الصعبة".
ويستبعد المتحدث باسم الجماعة، إمكانية أن تدفع تلك الضغوط والأزمات الجماعة للقبول بتسوية مع النظام، قائلا: "نسعى لإنقاذ الوطن ولا نملك إلا مبادئنا ولن نتنازل عنها فهي سر استمرار الجماعة (..) وأي تسوية تكون بعودة المسار الديمقراطي (في إشارة لتمسكها بعودة مرسي) واحترام إرادة الشعب".
ويضيف "بصورة واضحة وقاطعة وشفافة لم ولن نقبل التصالح مع من تلوثت أيديهم بالدماء (لم يسمهم)، ومتمسكون بحق الشعب المصري في اختيار من يحكمه، فلسنا أقل من دول صغيرة في العالم انتزعت حقها في انتخاب من يحكمها".
واعتبر ما يتداول إعلاميا وصحفيا مؤخرا بخصوص هذا الشأن "يدخل في محاولات الضغوط على الجماعة التي لا تتوقف".
وفي هذا الصدد يرفض محمد سودان، القيادي بجماعة الإخوان المقيم في لندن، في حديث للأناضول، الربط بين أن بقاء الجماعة مرتبط بمحاولات غربية في هذا الصدد، مؤكدا أن الإخوان تستمد بقاءها من أفكارها، رافضا وصفها بالانعزالية.
وعاشت الجماعة منذ نشأتها في عام 1928 في صراع شبه دائم مع السلطة، تخللته مهادنات ذات عمر قصير لاسيما في فترات السبعينيات وعقب ثورة يناير/ كانون ثان 2011، وعادت مرة أخرى للخفوت بعد الإطاحة بمرسي في صيف 2013.
**إنكار أم قبلة للحياة ؟
خطاب الجماعة السابق، وفق الخبير أحمد بان، "تعبير عن حالة إنكار للواقع وهو إجراء دفاعي مفهوم في الطب النفسي قد يعطل أي فكرة للمراجعة".
يخالفه كمال حبيب معتبرا أن الجماعة "تقدم خطابا معنويا كقبلة حياة لأنصارها في ظل إحساسها أن الفكرة الإخوانية فعلا "لن تنتهي"، مستدركا " لكن مع هذا الخطاب على الجماعة أن تبدأ بمراجعات وإجابة عن أسئلة صعبة متعلقة بكونها إصلاحية أم ثورية وهل ستفصل التنظيم الدعوى عن السياسي أم لا ؟".
وفكرة المراجعات الحالية طرحت على الجماعة من أكثر من جهة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتبنتها الجماعة منذ تسعينيات القرن الماضي، عبر إجراء مراجعات لفكرتها لاسيما المتعلقة بالأقباط وعمل المرأة في السياسة.


الصفحات
سياسة









