وفود سورية في موسكو
الاتصالات مع الجانب السوري التي يتحدث عنها فيرشينين هي الزيارة التي أجراها إلى موسكو، بعيدًا عن الصخب الإعلامي، كلٌّ من وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وأمين عام الرئاسة السورية ماهر الشرع، واستمرت ثلاثة أيام من 28 ولغاية 31 أكتوبر، أجريا خلالها سلسلة اجتماعات مع كبار المسؤولين في وزارات الدفاع والخارجية والبناء والإسكان الروسية.
في وزارة الدفاع الروسية ناقش مرهف أبو قصرة مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف "سبل التنفيذ العملي لمجالات التعاون الثنائي الواعدة".
كما عقد أكثر من اجتماع مع قادة القوات الروسية، وعلى مدار اليومين التاليين أجرى أبو قصرة وضباط من الجيش السوري جولات على منشآت عسكرية، بما في ذلك زيارة إلى مقر يُعتقد أنه مركز قيادة وتوجيه للقوات.
وقالت وزارة الدفاع السورية إنّه جرى خلال الزيارة "بحث سبل دعم العلاقات الثنائية وتبادل الخبرات في مجال التدريب والعديد من المجالات الأخرى".
وكان الجنرال يونس بيك يفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي، حاضرًا في جميع اجتماعات ونشاطات وفد وزارة الدفاع السورية في موسكو.
أما أمين عام الرئاسة السورية ماهر الشرع، وبعد مشاركته في اجتماع وزيري الدفاع السوري والروسي، فقد أجرى يوم 28 أكتوبر محادثات مع وزير البناء الروسي إريك فايزولين، و"ناقش الجانبان تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها عقب اجتماع رئيسي الدولتين في 15 أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى زيارة الوفد الحكومي الروسي إلى دمشق في سبتمبر المنصرم".
وكشف الوزير فايزولين عن "خطط لتشكيل وإرسال وفد أعمال إلى سوريا، حيث سيتم مناقشة تنفيذ المزيد من المشاريع المشتركة".
وفي 29 أكتوبر، أجرى ماهر الشرع محادثات مع نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، وبحث الجانبان "الوضع في سوريا مع التركيز على تسهيل إعادة إعمار البلاد بعد وقف الصراع"، و"تطوير التعاون الروسي السوري متعدد الأوجه".
تُشير هذه المحادثات إلى أننا قد نشهد في القريب العاجل استئنافًا واضحًا للتعاون العسكري بين دمشق وموسكو، كما أنها تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك رغبة الجانبين في استئناف سريع للتعاون الثنائي في المجالات ذات الأولوية بالنسبة لسوريا في هذه المرحلة، وبما يتوافق مع المصالح الروسية.
وترى مصادر مطلعة أن اختيار دمشق لـماهر الشرع ليكون على رأس مسار استئناف التعاون مع روسيا لم يكن صدفة، خصوصًا أن موسكو دفعت بـالجنرال يونس بيك يفكوروف إلى واجهة اتصالاتها الرامية إلى استئناف التعاون مع دمشق.
ماهر الشرع عن دمشق.. يفكوروف عن روسيا
بالنسبة لدمشق، فإن ماهر الشرع يُعتبر مفاوضًا ومحاورًا مثاليًا لتنفيذ مهمة إعادة هيكلة العلاقات مع موسكو بما يتناسب مع متطلبات وظروف سوريا الحديثة.
فإلى جانب إتقانه اللغة الروسية بطلاقة، وعدم حاجته إلى مترجم لفهم ما يقوله الروس، فإن الأهم أنه شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، وقد احتك بالمجتمع الروسي سنوات طويلة خلال دراسته وعمله في مشافي مدينة فورونيج، وكذلك نتيجة لزواجه من مواطنة روسية.
هذا يجعله قادرًا أكثر من غيره على فهم مغزى وأبعاد وخلفيات كل كلمة يطرحها المحاور الروسي، وكيفية التعامل مع المسائل خلال المحادثات لتحقيق أفضل النتائج.
وترى المصادر أن موسكو تعمّدت مسبقًا كسر أي "جمود" قد يظهر في طريق استئناف العلاقات مع دمشق، فإلى جانب تصريحاتها الإيجابية منذ 8 ديسمبر 2024 تجاه السلطات الجديدة في سوريا، التي جاءت من تيارات ذات خلفية إسلامية، اختارت الجنرال يونس بيك يفكوروف، المسلم السني ابن جمهورية إنغوشيا الروسية في القوقاز، الذي يحظى باحترام كبير في الأوساط العسكرية والسياسية والاجتماعية الروسية، ليكون في الصف الأول ضمن كبار المسؤولين الروس خلال المحادثات مع الجانب السوري.
يأتي ذلك اعتقادًا منها أن هذا سيُشكّل عامل ارتياح في المحادثات مع ممثلي السلطات السورية، وتذكيرًا بأن روسيا دولة يشكّل المسلمون فيها ما يزيد على 20% من السكان، وهو واقع أسهم في بناء علاقات إيجابية بين روسيا والعالم العربي.
وترجّح المصادر أنه إلى جانب التأثير الإيجابي المحدود لاختيار كل طرف للشخصية التي تقود مسار إعادة هيكلة العلاقات الثنائية، هناك عوامل جوهرية تساهم في تفعيل سريع للتعاون، تتميز بها العلاقات بين سوريا وروسيا، قد لا تتوفر في علاقات سوريا مع الغرب.
من تلك العوامل أن لدى روسيا خبرة طويلة في التعاون العسكري مع سوريا، سواء في تدريب الضباط أو الإمداد بالعتاد والسلاح، وجميع الآليات لاستئناف العمل في هذا المجال جاهزة فعليًا بانتظار القرار السياسي من الجانبين.
هل ستفعل الاتفاقيات السابقة؟
تشدد المصادر على أن التعاون مع روسيا الاتحادية لا يدور الآن حول توقيع اتفاقيات جديدة، الأمر الذي قد يتطلب جولات من المحادثات والدراسة، بل يدور الحديث حول استئناف العمل باتفاقيات قديمة وقّعتها روسيا مع الدولة السورية في عهد النظام المخلوع، في مجالات التدريب العسكري والإمدادات بالسلاح، وهي جزء من الاتفاقيات التي أشار الجانب السوري إلى ضرورة تعديلها.
وهذا ينطبق أيضًا على عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري. لذلك لن يكون صعبًا على موسكو العودة إلى تنفيذ تلك الاتفاقيات حال إنجاز التعديلات التي قد يطلبها الجانب السوري، ولا سيما أن روسيا تمتلك الخبرة والبنى التحتية الجاهزة لبدء الإمدادات المتنوعة إلى سوريا فور التوصل إلى تفاهمات نهائية بهذا الخصوص.
تحدثت المصادر أيضًا عن أن أي إنجاز سريع لاستئناف التعاون بين الجانبين يُظهر توافقًا واضحًا داخل السلطات السورية حول كيفية إعادة هيكلة العلاقات مع روسيا، مقابل قرار واضح من قمة هرم السلطة الروسية بضرورة استئناف التعاون، وهو قرار يحظى بإجماع ودعم من السلطات التنفيذية والتشريعية والمؤسسة العسكرية، وحتى من غالبية الخبراء والمحللين السياسيين في روسيا الاتحادية.
هذا الوضع يناسب دمشق، التي تسابق الزمن في عمليات إعادة هيكلة وتسليح الجيش وتفعيل مشاريع متنوعة تسهم تدريجيًا في إنعاش الاقتصاد الوطني.
ويبدو أن روسيا، ومعها تركيا، هما الخياران الوحيدان المتاحان حاليًا أمام سوريا في المسائل المتعلقة بالجيش وإعادة التسليح، إذ لم تظهر من دول الغرب أي إشارات بشأن التعاون في هذا المجال مع سوريا.
كما أن الدول الأوروبية تركز جهودها العسكرية على الوضع في أوكرانيا، ولا يبدو أنها تمتلك حاليًا قدرات إضافية لإمداد سوريا، والأهم أنه لا يوجد قرار سياسي بهذا الخصوص، ومن الصعب أن يتخذ الأوروبيون مثل هذا القرار بسرعة، في حين لا تملك سوريا رفاهية الانتظار.
من المرجح أن لا يخلو الأمر من تحديات جدية ستواجهها السلطات السورية نتيجة لتفعيل التعاون مع روسيا.
لكن في تقييم لرد الفعل المحتمل من جانب الدول الغربية، لن تبدي هذه الدول رد فعل حادًا، وربما تكتفي بموقف شكلي لا يؤثر على مسار علاقاتها مع دمشق، لأن ما يدور الحديث عنه الآن هو استئناف العمل باتفاقيات دولية مبرمة بين حكومتي بلدين، أي أن روسيا تواصل تنفيذ التزاماتها أمام سوريا بموجب اتفاقيات سابقة، لم توقّعها السلطات الحالية.
أما التحدي الأهم فهو رد فعل السوريين أنفسهم، إذ عبّر جزء واسع منهم عقب زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو عن استياء من هذا التوجه، نظرًا للدعم الذي قدّمته روسيا لنظام الأسد وتورطها في دماء السوريين، في الوقت الذي يُبدي فيه بعض المدافعين عن الحكومة السورية تفهمًا أكبر للأمر الواقع في العلاقات السورية الروسية، مع عدم نسيان الجرائم التي ارتكبتها موسكو خلال العقد الماضي.
-------
العربي الجديد


الصفحات
سياسة








