من الطريف أن يدعو هذا المؤتمر إلى محاربة جميع أشكال التطرف الأيديولوجي والديني والسياسي وتنظيماته التكفيرية، والتي تشكل تهديدا لحقوق الأقليات، وهم يجلسون على مائدة التطرف اليهودي
إسرائيل الدولة الدينية كأول دولة تأسست في المنطقة على أساس ديني، تريد اليوم تحويل المنطقة بأكملها إلى دويلات دينية، كما إيران الولي الفقيه، والتي عملت على تفتيت العرب، على أساس ديني، عبر تأسيس الميليشيات الطائفية في لبنان وسوريا والعراق وحركة حماس في غزة، أما حافظ الأسد فقد حول سوريا من دولة وطنية إلى نظام طائفي، وأسس لتحالف الأقليات، فيما أتت حرب الأسد الولد على الأكثرية السورية، للإجهاز على سوريا وتفتيتها أرضا وشعبا، اليوم مع سقوط النظام تتصدر إسرائيل، المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، بعد “طوفان حماس لتغيير خارطة المنطقة التي اعلنها بنيامين نتنياهو أكثر من مرة.
أعتقد أن المؤتمر الذي نظمه اليمين الإسرائيلي (اليهودي) المتطرف، لأٌقليات دينية واثنية سورية في تل أبيب، ليس الأول ولن يكون الأخير، فقوات سورية الديموقراطية ” قسد” نظمت مؤتمر اطلقت عليه اسم “وحدة الصف” قبل أشهر في الحسكة كان واضحا أنه يؤسس لتحالف أقليات جديد بعد سقوط نظام الأسد، بالطبع حضره رجال دين من الأقليات وكان واضحا أنه موجه ليس ضد السلطة وحسب، بل ضد وحدة سوريا أرضا ووطنا، فـ “قسد” التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني تربطه علاقات وثيقة مع نظام الأسد وايران ويمكن القول اليوم أنه اليوم رأس حربة في مواجهة الأكثرية السورية، ورسالة أوجلان إلى العشائر العربية كانت واضحة، أن ليس أمام عرب الجزيرة السورية سوى “قسد”، أو “التطهير العرقي” التي ربما وصلت عبر رسائل أخرى من ممارسات “قسد”.
المؤتمر الذي عقد في إسرائيل وجمع أكراد وعلويون ودروز وإيزيديون وآشوريون برعاية إسرائيلية، يأتي كخطوة تصعيدية ليس فقط لابتزاز السلطة في دمشق، بل للعمل على تغيير خارطة الشرق الأوسط وسوريا بشكل خاص، فالتأكيد على وحدة المصير بين هذه الأقليات وإسرائيل، تطور نوعي يأتي مع ملاقاة لتصريحات حكمت الهجري، حول تغيير اسم السويداء (جبل الباشان) واصراره أن لا عودة عن استقلال السويداء، فيما كان للشيخ الدرزي مروان كيوان تصريحات حاسمة برفضه الانتماء للعروبة والإسلام، وهو بالطبع أحد الحاضرين لمؤتمر تل أبيب عبر تقنية الفيديو، وأشاد خلال مداخلته بالمؤتمر بدور إسرائيل في ما وصفه بـ”الحفاظ على وحدة المجتمعات”، بالطبع هذا الكيوان يبدو انه لم يسمع بحروب إسرائيل على غزة ولا جرائمها في لبنان والضفة الغربية، ودمرت المجتمع الفلسطيني، ويعتبر أنها تحافظ على وحدة المجتمعات، ورغم هذا الدور الخطير للهجري وكيوان واتباعهما إلا أننا لم نشهد أي ادانة من قبل النخب المشغولون في قضايا الشرف والرجولة والخيام. فالطفلة صاحبة (شارة المقص) أخذت من أوقاتهم عشرات الساعات ومئات المنشورات الفيسبوكية، لكن تصريحات كيوان والهجري لم تلفت انتباههم.
الحقيقة لم اتعرف على أسماء جميع المشاركين ولا أعدادهم لكن من بين المشاركين عارف باوجاني، رئيس حزب حرية كردستان، والذي دعا في مداخلته إلى ما وصفه بـ “تحالف من أجل السلام والاستقرار”، مؤكدا أن الأقليات تسعى إلى مستقبلٍ “بعيد عن التدخلات الإقليمية”. ما قاله هذا الباوجاني يدعو للاشمئزاز حيث يتحدث عن السلام والاستقرار في دولة الحرب والتي قتلت من أهالي غزة أكثر من 70 ألف فلسطيني ودمرت القطاع بالكامل.
اما المدعو حسن مرهج، والذي تحدث باسم الأقليات مطالبا بإعلان دول “علوية” و”درزية” و”كردية”، فقد أكد أنه سيواصل الحرب ضد الأكثرية السورية، واصفا إياها بالحثالة، مرتكبا حماقات تاريخية باعتباره الأقليات في سوريا متجذرة قبل الإسلام، وحقيقة من الصعب فهم منطق هذا الشخص، فهو عربي والأقليات عربية، ولا وجود لها لولا وجود الإسلام، لكن يمكن وصف ما تحدث به بأنه هراء مجبول بالحقد والكراهية للآخر، واعتقد أن جميع من حضر هذا المؤتمر وعلى رأسهم زعيمهم إيدي كوهين يحملون نفس الحقد والكراهية لأهل سوريا وترابها ولهذا يسعون إلى تقسيمها، وجعل دويلاتهم المزعومة تابعة لإسرائيل.
من الطريف أن يدعو هذا المؤتمر إلى محاربة جميع أشكال التطرف الأيديولوجي والديني والسياسي وتنظيماته التكفيرية، والتي تشكل تهديدا لحقوق الأقليات، وهم يجلسون على مائدة التطرف اليهودي، الذي يمارس كل أنواع القتل والتدمير، فهل أعمى الحقد والكراهية المؤتمرين، الذين يدعون تمثيل الأقليات السورية إلى هذه الدرجة، وفي الوقت الذي تنكر إسرائيل حق تقرير المصير على الفلسطينيين، أصحاب الأرض المغتصبة، يأمل هؤلاء من إسرائيل أن تدعم حقهم في تقرير مصيرهم في “جبل الباشان” ومناطق أخرى من سوريا.
هذا المؤتمر جاء بجهد كبير من كوهين، منذ سقوط نظام الأسد، في وسائل التواصل الاجتماعي، إنما يكشف عمق الاختراق الإسرائيلي في بلد دمره الأسد على كافة المستويات طوال 54 عاما، وبات مستباح أمنيا بشكل مطلق، رغم أن ظاهرة الهجري مسألة أخرى لكن مع ذلك على السلطة معالجتها بأسرع وقت، خاصة ان أصوات أهل السويداء بدأت تتعالى ضد سلطة الهجري، وكذلك على السلطة أن تتحرك لحل المسائل العالقة مع “قسد” التي بات واضحا انها تراهن على توريط السلطة مرة أخرى بالخيار العسكري، واحلال الحرب والفوضى في كل سوريا، وهذا ملعب “قسد” و “فلول الأسد” وهذا ما تريده إسرائيل وما أرادته من مؤتمر الأقليات، لتدمير سوريا أرضا ووطنا ومجتمعا وهذا ما بدأه الأسد واليوم إسرائيل تسعى لترسيخه وتحقيقه
بشكل نهائي، فهل تنجح السلطة في تجاوز كل ما يحدق في سوريا من أخطار؟
-----------
العربي القديم


الصفحات
سياسة








